الوجود بالقوة والوجود بالفعل فكرتان ترتدان إلى أرسطو؛ وذلك أن أرسطو إذ رد الوجود والموجودات إلى مبدأين أساسيين هما: الهيولى والصورة، أي المادة التي منها يصنع الشيء والشكل الوظيفي الذي تكتسبه المادة لتصبح ذلك الشيء؛ فقد تصور المادة الأولية مستعدة أن تكون أي شيء، فهي تتلقى الصورة التي تنطبع بها لتتعين بفضل تلك الصورة شيئا فعليا معينا؛ كقطعة الخشب غير المصنوع فيها استعداد أن تكون منضدة أو مقعدا، حسب الصورة التي يخلعها عليها النجار، وإذن فقطعة الخشب فيها منضدة «بالقوة» وفيها مقعد «بالقوة»، لكنها تصبح منضدة «بالفعل» أو مقعدا «بالفعل» حين تتم صناعتها وتشكيلها.
وكل فيلسوف يأخذ بفكرة قابلية تحول الأشياء بعضها إلى بعض؛ فهو يأخذ تبعا لذلك بفكرة الوجود بالقوة والوجود بالفعل؛ لأنك إذا قلت إن هذه الأرض قد تتحول نباتا، فقد قلت في الوقت نفسه إن النبات موجود في الأرض «بالقوة» وينتظر الظروف المواتية ليصبح نباتا موجودا «بالفعل»؛ وكذلك الرجل الذي سيخرج من طفل ما، موجود في الطفل «بالقوة» حتى إذا ما اكتمل الرجل تكوينا، أصبح رجلا موجودا «بالفعل» وهكذا، والفكرة الأساسية عند عالمنا الفيلسوف جابر بن حيان هي أن العناصر يتحول بعضها إلى بعض - كما سنذكر تفصيلا فيما بعد - فالنحاس - مثلا - قد يتحول بتدبير المدبر ذهبا، ومعنى ذلك أن الذهب كان موجودا في النحاس «بالقوة» حتى إذا ما خرج منه أصبح الذهب موجودا «بالفعل».
ويشرح جابر هذين النوعين من الوجود، بقوله: «الشيء الذي هو بالقوة هو الذي يمكن أن يكون وجوده في الزمان الآتي المستقبل؛ كقيام القاعد وقعود القائم.»
5
فالقاعد قاعد بالفعل لكنه قائم «بالقوة»؛ لأن فيه استعدادا أو قدرة على أن يحيل قعوده قياما؛ وكذلك القائم قائم بالفعل، لكنه قاعد «بالقوة»؛ لأن فيه استعدادا أو قدرة على أن يحيل قيامه قعودا؛ ويمضي جابر في الشرح فيقول: «الشيء الذي بالقوة، ما هو فيه هو الذي يمكن أن يتأتى منه الشيء الذي بالفعل ... كما نمثل لك أن الفضة التي لا فرق بينها وبين الذهب إلا الرزانة والصفرة يمكن أن تصير ذهبا؛ فللفضة - بالقوة - أدنى قبول للرزانة حتى تصير في قوام الذهب، ولها أدنى قبول للصفرة حتى تكون بلون الذهب؛ ولو لم يكن ذلك لها بالقوة لم يتأت ذلك عنها في الفعل ... وكما أن للنار أن تصير هواء بالقوة، وللهواء أن يصير ماء بالقوة، وللماء أن يصير أرضا بالقوة، فللنار أن تصير أرضا بالقوة، لأن «أ» إن كانت في بعض «ب»، و«ب» في بعض «ج»، و«ج» في بعض «د»، ف «د» في بعض «.» ضرورة، «أ» في بعض «د» - هذا ما لا شك فيه؛ وكذلك ما يستوعب الكليات إذا عكس هذا القول - لا عكسا منطقيا، بل عكس التناقض والتقابل، فإنه يكون: (أ) في كل (ب)، (ب) في كل (ج)، (ج) في كل (د)؛ ف (أ) - ضرورة - في كل (د).»
6
أما الوجود بالفعل فيقول عنه جابر: «الشيء الذي بالفعل هو الموجود في الزمان الحاضر من سائر الأفعال الكائنة؛ كقعود القاعد وقيام القائم.»
7
أي أن الموجود وجودا فعليا هو الشيء كما هو كائن في اللحظة الحاضرة؛ فالقاعد قعوده يكون موجودا بالفعل، والقائم قيامه يكون موجودا بالفعل، وهكذا.
ولا يكون الشيء موجودا بالفعل إلا إذا كان من قبل ذلك موجودا بالقوة ثم ظهر؛ وهنا ينشأ هذا السؤال الهام: هل كل ما هو موجود بالقوة سيخرج حتما إلى وجود بالفعل، أم أن من بينه ما هو خارج، ومن بينه ما هو ممتنع الخروج، وما هو ممكن الخروج، فربما خرج إلى الفعل وربما لبث على كمونه؟
अज्ञात पृष्ठ