مقدمة المؤلف
पृष्ठ 63
بسم الله الرحمن الرحيم، رب سدد، وأعن، وألهم الصواب يا كريم. الحمد لله الذي يبدئ، ويعيد، وينشئ، ويبيد، جعل الناس، وهم من نفس واحدة أطوارا، وأفنى قوما منهم صغارا وآخرين كبارا؛ دلالة على أنه الفاعل الختار، الواحد القهار، العزيز الجبار، وأشهد أن لا إله إلا الله، ذو الجلال، والجمال، الباقي ملكه وملكوته بلا زوال، الدائم عظمته وجبروته في أبد الآباد، على ما كان في أزل الآزال، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده الذي قام بحق العبودية في الأقوال والأفعال، ورسوله الذي نهض بأعباء الرسالة، فبلغ كل ما امر به، وما حاد، ولا مال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، خير صحب وآل، وسلم، وعظم، وشرف، وكرم على مر الأيام، وكر الليالي، وبعد: فهذا تاريخ تلوت به تاريخ شيخنا، شيخ الإسلام، أبي الفضل ابن حجر، بعد مماته، أعاد الله من بركاته، على أني لست من أبناء هذا الشأن، المطلقين في حلبته العنان، فلا أنا كثير التتبع للوقائع، ولا صاحب تنقيب عن الغرائب منها والبدائع، فإني كثير الانجماع عن الناس، إلا عن الأفاضل، الأماجد، الأكياس، فلا يصل إلي من الأخبار إلا ما شاع، وطار، حتى ملأ الأقطار، غير أني أعملت في كثير مما بلغني من النقل قويم العقل، فربما شفيت الغلل، بذكر الأسباب والعلل، وأشرت إلى ما أفادته العجائب، من محاسن التجارب، فيستفيد الناظر لذلك علما جما، ومعرفة بأبناء المان، مدحا وذما، فأوفق الأسماء له، (إظهار العصر، لأسرار أهل العصر) فإن رأيت فيه تقصيرا فاعذرني، وأسبل عليه ذيل الفتوة، ولا تعسرني، فإني إنما كنت مقبلا غاية الإقبال، على ما يهمني، ويعنيني من الأعمال، معملا للفكر فيه غاية الإعمال، وذلك ما أتاحه الله لي، وأفاضه علي من بيان ما لم أسبق إليه من أسرار القرآن، ومن نظر كتابي (نظم الدرر في تناسب الآي والسور) دلة على ذلك، وما حصل لي فيه والحمد لله، من دقيق المسالك، وجليل المطالب والمدارك، هذا إن كان يعرف الرجال بالحق المبين، والأمر الواضح اليقين، وإن كان إنما يعرف الحق بالرجال، فلينظر ما كتب عليه أعيان أهل العصر، وأهل الكمال، فهنالك فليتنافس المتنافسون، وليعمل العاملون، ويعلم الأئمة العالمون، والله المسؤول في إبلاغ السؤل من كل مراد، والوقوع فيه على الصواب والسداد، فمن يهدي الله، فما له من مضل، ومن يضلل الله فما له من هاد، اللهم وفقنا لما يرضيك عنا من القال والقيل، فإنك أنت حسبنا، ونعم الوكيل.
حوادث سنة خمس وخمسين وثمانمائة
पृष्ठ 64
مستهلها يوم الأربعاء كما أخبر به جمع جم، ولكن قاضي الشافعية الشرف يحيى المناوي، لم يحب إثباته؛ لئلا يخالف ما شاع من أن يوم صومكم، يوم نحركم، يوم رأس سنتكم، فلم يؤرخ مستهلها، إلا بالخميس، ففي يوم الأربعاء هذا عرض أهل السجون على السلطان، فأنهى إليه أحدهم، أن قاضيا حنفيا يقال له ابن الملطي، سجنه على نحو سبعمائة درهم مصرية، فأطلقه السلطان، وضرب القاضي ضربا كثيرا، وسجنه بالمقشرة، وفي يوم الخميس طلع القضاة لتهنئة السلطان بالشهر فأخذ يلوم الحنفي، ويؤنبه على تولية مثل هذا، فقال له الحنفي: إنه لم يعمل إلا بالشرع فعلام يسجن به اثنين وعشرين يوما!، فلم تمض مدة حتى ينظر في أمره!!، وأنت عملت فيه بغير الشرع، فأذله هذا الكلام وكسره فأطلقهن واستمر الحنفي ذلك اليوم يشنع على السلطان، وكلما جاءته حكومة، قال لأهلها: تراضوا فإن السلطان لا يرضى أن نحكم بالشرع، ونحو هذا الكلام.
पृष्ठ 65
وفي هذا اليوم عين السلطان الدويدار الكبير، دولات باي لنيابة حلب، لم يطل ذلك فقائل يقول بغير سبب، وقائل يقول بل بذل الدويدار عشرة آلاف دينار.
ليلة الخميس ثاني محرم هذا قتل شخص، يقال له ابن الغزولي في بيته؛ لكثرة اللصوص؛ لشدة الغلاء؛ لعدم تفقد السلطان لأحوال الناس، فإن بحور أهل مصر ملآى بالغلال.
يوم الجمعة ثالث محرم هذا، مات أمير المؤمنين أبو الربيع سليمان المستكفي بأمر الله، بعد صلاة الجمعة، ودفن من آخر ذلك اليوم.
पृष्ठ 67
يوم الأحد، خامسه، ماتت سارة بنت السراج عمر ابن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة، بعد عصره، وصلى عليها بكرة يوم الاثنين. سادسة، قاضي الشافعية الشرف المناوي، في مصلى باب النصر، ودفنت في تربتهم، قرب تربة الصوفية، من الصحراء، ونزل الناس بموتها درجة في سلسلة الإسناد [ولم يتخلف عن دفنها سوى ابن لأخيها عبد الله عامي أدخل نفسه في حداد من عصر ذلك اليوم..].
पृष्ठ 68
وفي الاثنين هذا، بويع لأخي المستكفي، أبي البقاء، حمزة، بإمرة المؤمنين، ولقب (القائم بأمر الله)، وكان أهل البيعة: السلطان، والقضاة الأربع؛ الشرف المناوي الشافعي، والسعد الديري الحنفي، والولي الاموي السنباطي المالكي، والبدر بن البغدادي الحنبلي، وكلا من، الأمير الكبير إينال العلائي، وأمير سلاح أسنبغا الطياري،
पृष्ठ 69
وأمير [آخور] قانباي الشركسي، وأمير مجلس تنم المحتسب، والدويدار الكبير دولات باي، وغيرهم من الأمراء، والمباشرين: كاتب السر، الكمال بن البارزي، وناظر الجيش، المحب بن الأشقر، وناظر الخاص الجمال يوسف بن كاتب جكم، والإستدار الزين يحيى، والوزير أمين الدين بن الهيصم، وفي هذا اليوم وقع رجل بسرقة بقرة، فأركبها، وطيف به، فكانت هيئة غريبة.
وفي يوم الخميس تاسعه ولي الشهاب أحمد التلمساني قضاء المالكية، بدمشق عن سالم المغربي، الذي قتل أبا الفتح الطيبي، وكان قد ظن أنه بقتله وصل عند أهل الدولة إلى رتبة أمن فيها من العزل.
पृष्ठ 77
وفي يوم السبت حادي عشره طلب أبو يزيد الشرواني العجمي، من السلطان أن ينعم عليه بتركة رجل نصراني مات بالطور فقبح عليه ذلك، ونسبه إلى تحليل ما حرم الله من إرث من ليس على ملته، ورسم بنفيه إلى بلاده، ثم في يوم الأحد ثاني عشره، شفع فيه ناظر الجيش المحب بن الأشقر، فخلى عنه. وفي يوم الاثنين ثالث عشره مات ناصر الدين محمد بن أحمد بن المهندس المصري، موقع قاضي القضاة ابن حجر، وصلي عليه من الغد ودفن. وفي هذا اليوم وصل الخبر بأن جهنشاه أرسل ابن أخيه بولاد ابن أصبهان، إلى سلطان مصر، ليسأله عما يرسم له به، فإن أراد رجع إلى بلاده، وإن أراد استمر على ديار بكر، حتى يأخذ ما بقي منها، ويجعل الخطبة، والسكة بها باسم السلطان، ويقيم ابن أخيه عند السلطان إلى أن ينقضي ذلك.
पृष्ठ 80
يوم الخميس سادس عشر محرم المذكور، وصل كتاب الشيخ حسن ابن قرالوك إلى السلطان، يخبره أنه [ما نقم] من أخيه جهنكير، إلا لكثرة ظلمه، وأذاه لعباد الله، ويسأل فضل السلطان أن يكون له عضدا، ونحو هذا من الترقق والكلام اللين، العذب.
وفي حدود العشرين من محرم، وصل ابن جهنكير بن قرالوك، وكان نائبا للسلطان في بعض النواحي، الملاصقة لبلاد أبيه، فأعطاه السلطان إقطاعا [بحلب..].
पृष्ठ 82
يوم الأربعاء ثاني عشري محرم سنة خمس وخمسين، مات الفخر محمد بن الشرف محمد بن الخازن القليوبي، ومحمد المعروف بقوزي ابن آل ملك، وصلي عليهما بباب النصر، وكان الناس بالبركة، للقاء الحاج، ثم رحل المحمل يوم الجمعة رابع عشريه. [وفاة ابن الجيعان]
صفر سنة خمس وخمسين وثمانمائة،
पृष्ठ 84
مات عبد الرحمن بن الجيعان، يوم الخميس مستهله. وخرج ابن جهنكير بن قرالوك من القاهرة إلى حلب على بعض الإقطاعات، وكان نائبا للسلطان على بعض النواحي المصاقبة لبلاد أبيه، فلما حصر أبوه، وتزلزلت أركانه، أمره باللحاق بالسلطان رجاء أن يحصل له بذلك فرج.
पृष्ठ 85
يوم الأحد رابعه، مات القاضي جمال الدين عبد الله بن العلامة محب الدين [محمد] ابن العلامة جمال الدين عبد الله بن هشام الشافعي، ثم الحنبلي، بعد انقطاع طويل في عدة أشهر بعلل مختلفة، آخرها الاستسقاء. وصلى عليه قاضي الشافعية الشرف المناوي بجامع الحاكم، ودفن بتربة الصوفية. وكان فاضلا في الفقه والنحو.
وخلف من البنين مئة، وأظن أن مولده في أول هذا القرن أو آخر الذي قبله.
पृष्ठ 86
وفي أوائل هذا الشهر، أطلع الأمير تمربغا الدويدار الثاني محمد التونسي، المشهور بالتركي إلى السلطان، بعد اختفائه مدة غيبته في الحجاز؛ من أجل تركة عبد الرزاق، وكان قد تزوج زوجته، وأتى منها بابن، ثم مات ابنها من عبد الرزاق، فورث منه ابنها منه، وكان من المخلف عن عبد الرزاق بيت من أحاسن بيوت القاهرة، كان قد وقفه وقفا أوله على نفسه، فأراد التركي من شرهه إبطال هذا الوقف؛ ليرث منه حصة، فنازعه بعض الوراث...
पृष्ठ 87
وفي يوم الثلاثاء[سادس] صفر سنة 855 وقعت بطاقة ابن أخي جهنشاه من قطيا. الجلال قرقشندي ومات الجلال محمد بن القطب أحمد بن إسماعيل القرقشندي الشافعي العدل بدكان الطلبة عند مسجد سام بن نوح، وهو أسن من أخيه الشيخ علاء الدين وغيره ممن تخلف من إخوته. أظن أن مولده بعد سنة ثمانين. وكان مهاب الشهادة، موثوقا به، وعنده فضيلة.
पृष्ठ 88
ابن إصبهان وفي صبحية الجمعة [تاسع] صفر المذكور، وصل بولاد بن إصبهان، سلطان بغداد، وابن سلطانها، وهو ابن أخي جهنشاه، شابا أمرد في دون العشرين سنة، ومعه من جماعته نحو خمسة عشر رجلا، وألبس كلفتة على زي المصريين، وسلاريا أحمر، ودخل من الصحراء وفي خدمته أربعة من الأمراء، أو خمسة، منهم الدويدار الثاني تمربغا، وحاجب الحجاب، وأنزل في قصر الميدان. وفي يوم الاثنين ثاني عشر هذا الشهر أطلع السلطان إلى الحوش، وقد صف له الرجال من باب المدرج بالرماح، وحضر بين يدي السلطان بجماعته وهو جالس على التخت وحده على [العادة] والأمراء جالسون تحته، والمباشرون وبقية الجند وقوف، فخلع من أذنيه حلقتين، أحدهما بها بلخشة حسنة، والأخرى بها لؤلؤة كبيرة، كانتا من زمان أبيه، فقدمهما إلى السلطان، وقدم الرسل من جهة جهنشاه نحو عشرين جملا بختيا وثلاثة لبوس... ثم أمر به أن يضم إلى ولده عثمان، وأن تستمر جماعته في الميدان، وكان أبوه زنديقا أفسد بغداد، وقتل من بها من أهل الخير، حتى قتل الخطيب على المنبر، وأبطل الجمعة والجماعة، ونابذ الدين.. إلى أن هلك لا رحمه الله فملك ابنه هذا، وأقيم له من يدبر أمره، ثم قصده عمه جهنشه فأخذ بغداد منه، ثم جهزه إلى السلطان الظاهر جقمق، عند قدومه إلى الجزيرة ديار بكر لتملكها من أولاد قرالوك.
ثم بعد ذلك بيسير وصل الخبر بأن جهنكير بيت أخاه الشيخ حسن الذي كان السبب في [انتصار] جهنشاه في ماردين، فقتله، ففت ذلك في عضد جهنشاه، وقلق عسكره لطول سفرهم، ثم رد السلطان رسوله بهدايا كثيرة، وأرسل معه من عنده رسولا .
पृष्ठ 92
موت الوزة وفيه مات ناصر الدين الشاذلي ابن بنت ابن المبلق، ناظر الأوقاف المشهور بالوزة، ودفن من الغد. موت ابن حتي ونفي أبي العباس وفيه نفي التاج بن حتي، الذي كان يباشر على جدة، وأبو العباس الوفائي في زنجير إلى طرسوس. ومن العجائب أن أبا الخير النحاس كان يخدمه، ثم كانت مشاجرة بسبب ارتفاع أبي الخير، فكان من غرائب الكوائن اجتماع الخصمين منفيين في تلك البلاد الشاسعة.
ثم رجع أبو العباس في ربيع الأول من سنة ست، ولم يصل إلى طرسوس؛ وذلك أن رفيقه ابن حتي مات وهما ذاهبان، ومرض ابو العباس، فروجع السلطان فيه فأطلقه.
पृष्ठ 93
مات الكمال الأسيوطي وفي يوم الثلاثاء، ثالث عشر صفر المذكور، مات القاضي كمال الدين الأسيوطي الشافعي، نزيل الصليبة عند نحو [إحدى وخمسين سنة تقريبا]، [وكان أحد نواب] الشافعية، وكان عارفا بالشروط.
पृष्ठ 94
وفي يوم السبت سابع عشره، مات شهاب الدين أحمد بن العلامة شمس الدين الشطنوفي الشافعي على نحو خمسين سنة ظنا، وكان من محاسن أهل مصر، حن خلق وخلق، وحلاوة شكل وقول، وعنده فضيلة، وله مشاركة في بعض الفنون، وكان أبوه شيخ الناس في النحو، أسأل الله أن يتغمده برحمته، ويخلفه خير الخلف في ذريته. وأخبرني ثقة أنه مات مطعونا خلف أذنه. مات ابن عثمان وفي أواخر صفر هذا، قدم الخبر إلى القاهرة بأن السلطان يزيد بن مراد بك بن أورخان بن عثمان الشجاع المجاهد، مات رحمه الله في سابع محرم من هذه السنة؛ ولقد فجع المسلمون به فجيعة عظيمة، فإنه كان سيفا مسلولا على بني الأصفر ما زاحفهم زحفا إلا كانت العاقبة فيه لله، ولرسوله، وافتتح كثيرا من بلادهم، وضرب عليها الجزية، نسأل الله تعالى أن يعوض المسلمين خيرا منه في ابنه الملك محمد. [وأرسل] السلطان رسولا لتعزية ابنه به.
पृष्ठ 95
وفي [يوم الأحد رابع عشري صفر ضرب الأجلاب الإستدار القبطي] في رأسه فشجوه شجة منكرة، فأدخل إلى جامع القلعة، ثم خيط جرحه، خوفا من الهواء، ثم انقطع في منزله على خوف شديد، وشرع السلطان ينقب عمن باشر ضربه، وكان ذلك من الغلط، فاشتد غضب الجلاب، وقصدوا الإستدار في بيته فاختفى منهم، ونقل أمتعته، وخاف ناظر الخاص الجمال يوسف بن كاتب جكم على نفسه منهم؛ فتمارض ولزم بيته، وحصل بين تمربغا الدويدار الثاني، وبين بردبك البشمقدار خصومة شنيعة بحضرة السلطان، وكان العالي فيها بردبك؛ بواسطة الأجلاب يرجعون إليه، وصار تمربغا خائفا على نفسه عاقبة ذلك، حتى إنه كان يطلع إلى القلعة من غير المكان المعتاد.
पृष्ठ 96
أخذ قبرص وفي هذا الحد وصل الخبر أن ملك الكيتلان من الفرنج استولى على جزيرة قبرس وكانت من حين أخذها الأشرف، تحت ذمة المسلمين وأنه عمر عمارة كبيرة لغزو البلاد الإسلامية، جعل الله [الدائرة عليه].
पृष्ठ 97