للشر، فإنه لا يكون إلا مفعولًا منفصلًا لا يكون وصفًا له، ولا فعلًا من أفعاله. والثاني: أن كونه شرًا هو أمر نسبي إضافي، فهو خير من جهة تعلق فعل الرب، وتكوينه به، وشرمن جهة نسبته إلى من هو شر في حقه، فله وجهان، وهو من أحدهما خير، وهوالوجه الذي نسب منه إلى الخالق ﷾ خلقًا وتكوينًا ومشيئة لما فيه من الحكمة البالغة التي استأثر بعلمها، وأطلع من شاء من خلقه على ما شاء منها وأكثر الناس تضيق عقولهم عن مبادئ معرفتها، فضلًا عن حقيقتها، فيكفيهم الإيمان المجمل بأن الله سبحانه الغني الحميد. وفاعل الشرلا يفعله لحاجته المنافية لغناه، أو لنقصه وعيبه المنافي لحمده، فيستحيل صدور الشر من الغني الحميد فعلًا، وإن كان هو الخالق للخير والشر، فقد عرفت أن كونه شرًا هو أمر إضافي، وهو في نفسه خير من جهة نسبته إلى خالقه، ومبدعه، فلا تغفل عن هذا الموضوع؛ فإنه يفتح لك بابًا عظيمًا من معرفة الرب، ومحبته، ويزيل عنك شبهات حارت فيها عقول أكثر الفضلاء. انتهى.
وانظر إلى كلام صاحب الشريعة الغراء صلوات الله وسلامه عليه، كيف نزه ربه ومولاه عن ذلك! بقوله: "لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك" ١ قال العلامة أبو السعادات الحافظ مجد الدين بن الأثير٢ في هذا الحديث: وهذا الكلام إرشاد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله تعالى، وأن تُضاف إليه محاسن الأشياء دون مساويها، وليس المقصود نفي شيء عن قدرته وإثباته لها، فإن هذا في الدعاء مندوب إليه، يقال: يا رب السماء والأرض، ولا يقال يا رب الكلاب والخنازير وإن كان هو ربها. ومنه قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠] اهـ.
وقوله: "وقدرته" من التقدير، وهو الحكم من الله ﷾ بأن يكون كذا، أو لا يكون كذا، والقدر بفتح الدال وإسكانها لغتان مشهورتان، حكاهما ابن قتيبة عن
_________
١ رواه مسلم رقم "٧٧١"، والترمذي رقم "٣٤١٧و ٣٤١٨"، من حديث علي ﵁.
٢ أبو السعادات - هو المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، ثم الموصلي الشافعي، ولد سنة"٥٤٤" هـ نشأ بالجزيرة، ولقن بها دروسه الأولى. من مصنفاته "جامع الأصول في أحاديث الرسول" ﷺ. و"النهاية في غريب الحديث والأثر" تُوفي ﵀ سنة"٦٠٦"هـ ﵀.
1 / 77