وصححه ابن حبان، والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه: "ومن هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه، وحرص عليها" ١ وقد تمسك به ابن حبان، فقال بعد إيراد حديث الباب في "صحيحه": المراد بالهم هنا: العزم، ثم قال: ويحتمل أن الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها. وإن لم يعزم عليها زيادة في الفضل. وقوله: "ولم يعملها" يتناول نفي عمل الجوارح، وأما عمل القلب: فيحتمل نفيه أيضًا؛ إن كانت الحسنة تكتب بمجرد الهم كما في معظم الأحاديث، لا إن قيدت بالتصميم كما في حديث خريم، ويؤيد الأول حديث أبي ذر عند مسلم: "إنَّ الكف عن الشرِّ صدقة". وقوله في الحديث الأول: "كتبتها له حسنة" أي: لمن هم بالحسنة، ولم يعملها. وفي رواية البخاري: حسنة كاملة. ومعنى قوله: "كتبتها": أمر الملائكة الحفظة بكتابتها، بدليل ما في الحديث الثاني، والثالث، وما في رواية البخاري عن أبي هريرة في كتاب التوحيد بلفظ: "إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها" ٢ وفيه دليل عى أن الملك يطلع على ما في قلب الآدمي، إما بإطلاع الله إياه، أو بأن يخلق له علمًا يدرك به ذلك: ويؤيد الأول: ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني٣: "قال ينادي الملك: اكتب لفلان كذا، وكذا، فيقول: يا رب إنه لم يعمله. فيقول: إنه نواه. وقيل: بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة، وبالحسنة رائحة طيبة. وأخرج ذلك الطبري عن ابن معشر المدني، وجاء مثله عن سفيان بن عيينة: ورأيت في شرح مغلطاي٤: أنه ورد مرفوعًا. قال الطوفي٥: إنما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة؛ لأن
_________
١ رواه أحمد في المسند "٤/ ٣٢١و٣٢٢" من حديث خريم بن فاتك وفي إسناده المسعودي، قال الحافظ في التقريب: صدوق، اختلط قبل موته. وجهالة الرجل الراوي عن خريم ﵁.
٢ رواه البخاري رقم "٧٥٠١" في التوحيد. من حديث أبي هريرة ﵁.
٣ أبو عمران الجوني: وهو الإمام الثقة عبد الملك بن حبيب البصري. رأى عمران بن حصين. وروى عن جندب البجلي وأنس بن مالك. حدث عنه شعبة. والحمَّادان. وآخرون. وثقه يحيى بن معين وغيره. توفي ﵀ سنة "١٣٣"هـ.
٤ مغلطاي: ابن قليج بن عبد الله البكجري: المصري، الحكري الحنفي، أبو عبد الله علاء الدين مؤرخ، من حُفَّاظ الحديث، عارف بالأنساب، تركي الأصل. توفي ﵀ سنة "٧٦٢"هـ.
٥ الطوفي: هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصرصري، أبو الربيع نجم الدين، فقيه حنبلي. ولد بقرية طوف. أو طوفا. من أعمال صرصر في العراق. ودخل بغداد سنة "٦٩١"هـ ورحل إلى دمشق سنة "٧٠٤"هـ. وجاور بالحرمين توفي في بلدة الخليل بفلسطين سنة "٧١٦"هـ.
1 / 23