इत्तिहाफ अब्ना अस्र
إتحاف أبناء العصر بتاريخ ملوك مصر
शैलियों
مقدمة
1 - في تاريخ مصر
2 - في التاريخ القديم لأمم الشرق
3 - في تاريخ مصر وهي في حكم الفرس
4 - في تاريخ قدماء اليونان
5 - في الكلام على مصر تحت حكم اليونان أي زمن البطالسة
6 - في تاريخ قدماء الرومان
7 - في تاريخ مصر تحت حكم الرومان
8 - في الكلام على إمبراطورات القسطنطينية ودولة اليونان السفلى
9 - في تاريخ العرب
अज्ञात पृष्ठ
10 - الدولة الأيوبية الكردية
11 - السلجوقيون وحروب الصليب
12 - في المماليك البحرية
13 - دولة الجراكسة
14 - مصر تحت حكم الدولة العثمانية المرة الأولى
15 - الجيش الفرنساوي في مصر
16 - مصر تحت حكم الدولة العثمانية المرة الثانية
مقدمة
1 - في تاريخ مصر
2 - في التاريخ القديم لأمم الشرق
अज्ञात पृष्ठ
3 - في تاريخ مصر وهي في حكم الفرس
4 - في تاريخ قدماء اليونان
5 - في الكلام على مصر تحت حكم اليونان أي زمن البطالسة
6 - في تاريخ قدماء الرومان
7 - في تاريخ مصر تحت حكم الرومان
8 - في الكلام على إمبراطورات القسطنطينية ودولة اليونان السفلى
9 - في تاريخ العرب
10 - الدولة الأيوبية الكردية
11 - السلجوقيون وحروب الصليب
12 - في المماليك البحرية
अज्ञात पृष्ठ
13 - دولة الجراكسة
14 - مصر تحت حكم الدولة العثمانية المرة الأولى
15 - الجيش الفرنساوي في مصر
16 - مصر تحت حكم الدولة العثمانية المرة الثانية
إتحاف أبناء العصر بتاريخ ملوك مصر
إتحاف أبناء العصر بتاريخ ملوك مصر
تأليف
أمين واصف وعبد العزيز محمود
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمن تفرد بالبقاء والقدم، وتنزه عن الفناء والحدوث والعدم، فهو الذي ملك الوجود بقوته، وأوجده باختياره وإرادته، وأتقن العالم بحكمته فأبدعه على أحسن مثال، وأبرزه بقدرته فاخترعه على أتم منوال، وصلاة وسلاما على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الخلق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وعلى آله وأصحابه الذين ملكوا بعزمهم المشارق والمغارب.
अज्ञात पृष्ठ
وبعد، فيقول الراجي تحصيل المعارف، الفقير محمد أمين واصف: إني لما كنت بالمدارس التجهيزية الأميرية جمعت رسالة في تاريخ الأمم المشرقية من أغلب مؤلفات مؤرخي العرب والفرنج المعتبرين، والعلماء المحققين؛ للمساعدة بها في مذاكرة البحث لنوال شهادة البكلوريا، فأشار علي بعض الإخوان بطبعها لتعميم الفائدة بها، ولما وجدت أن هذه الرسالة لا يحسن طبعها بالطريقة التي كانت عليها، وكان لا بد من تكميلها وتهذيبها، بل ووضعها في قالب المؤلفات المعتادة، حتى يسهل الأخذ عنها إذا ازدحم الطلاب بموردها، اخترت من بين إخواني لمشاركتي في هذا المقام الجليل حضرة أخي الفاضل عبد العزيز أفندي محمود؛ لعلمي أنه من ذوي الدراية التامة بالعلوم التاريخية وغيرها، فقام حضرته بتكميلها أجل قيام، وذهب في إتمامها من طرق مختلفة، ثم نقحناها ورتبناها على النسق الموجود، فجاءت بعون الله عجالة منزهة عن الترهات خالية من الخرافات، وسميناها «إتحاف أبناء العصر بتاريخ ملوك مصر»، مع اشتمالها على تاريخ سكان الشرق السالفين، خدمة لأهل الوطن عموما وأبناء المدارس خصوصا، وطبعت المرة الأولى وقدمت للنظارة فقررت تدريسها، وهذه هي الطبعة الثانية نقدمها لحضرات إخواننا الأفاضل أبناء المدارس المصرية في عصر ازدهرت أغصانه وتماست أفنانه، عصر أعيد فيه مجدنا وسلطان عز كان على أهبة الرحيل؛ عصر مولانا الخديو المعظم «عباس حلمي باشا الثاني» أفاض الله عليه من أثواب التأييد حصيفها، وجعله للمعارف وأهلها نصيرها وظهيرها، لا زال والنصر خادمه والسعد نديمه، تلبس به مصر لباس الشبيبة بعد الهرم، وتحيا به الأرض بعد ميتتها، «ولله در القائل»:
لا تنظرن إلى العباس من صغر
فيه وانظر إلى المجد الذي شادا
إن النجوم نجوم الجو أصغرها
في العين أكثرها في الجو إصعادا
فقد ألبس - حماه الله - كل مصري نعمة ورفع عنه نقمة، حتى أجمع الناس على محبته وأصبح لسان الحال وهو يقول:
ولو قيل اطلبوا شرفا لقلنا
يعيش لنا الأمير ولا نزاد
ولما أبى الدهر إلا نصرته وتعزيز سلطانه، وتأييد كلمته، قيض الله له رجل السياسة، ورب الحكمة والدراية، وقطب دائرة المعارف، من رضع من أظآر الحوادث حلوها ومرها، فادخر لصروف الزمان، مهلك الطغاة، مبيد العدو وأهل الضلال، صاحب الدولة والإقبال الوزير الخطير «رياض باشا».
لا زال يسلك في العلياء خطتها
अज्ञात पृष्ठ
ومصر ترجوه دون العرب والعجم
هذا ونرجو ممن يطلع على عثرة أن يصلحها
إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين .
مقدمة
(1) في ثمرة علم التاريخ وأقسامه
ذكر ابن خلدون رحمه الله تعالى في أول مقدمة تاريخه ما نصه:
اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا.
فالتاريخ هو مرآة الأزمان، ومنبع العلم والحكم، وناصر العدل والفضيلة، فهو يرشد الإنسان أن الفضل دون غيره يورث العظم والاحترام، ويشخص لنا الوقائع وقد سلفت، ويعيد لنا الممالك وقد ذهب رسومها وعفت، فيرى الإنسان دماء الأبرياء والشهداء قد جعله التاريخ أسواطا للحق يضرب بها أهل الشر إلى يوم الميقات، ويلطخ بها صفحاتهم حتى تكون عبرة لمن اعتبر، وكذا يسمع عند تقليب مهارقه صياح الأمم وأنينهم تحت نير العبودية القديمة، فيخرج وقد آلى على نفسه أن يكون من أنصار الجنس البشري وأعوانه، يطلب الحرية أينما كانت، ويمد يد المساعدة لمن يطلبها، وكذلك يطلعنا على أحوال من مضى من الرجال أولي المنازل الخطيرة، ويوقفنا على كافة أحوالهم وأفعالهم ومشروعاتهم ومقاصدهم وفضائلهم، فيعلي قدرهم ويلبسهم ثوب التجلة، فمن ذلك تعلم نفاسة علم التاريخ وفائدته العظمى.
وينقسم علم التاريخ إلى قسمين عظيمين؛ تاريخ طبيعي، وتاريخ مدني.
أما الأول:
अज्ञात पृष्ठ
فليس من موضوع كتابنا هذا.
وأما الثاني:
فهو علم بأصول يبحث فيه عن الإنسان من حيث التمدن والعمران، وينقسم إلى فرعين: تاريخ عام وتاريخ خاص.
فالتاريخ العام: هو عبارة عما يشمل تاريخ النوع الإنساني وحاله العمراني من عهد الخليقة إلى عصرنا هذا.
وقد جرت عادة مؤرخي الفرنج وغيرهم على تقسيم التاريخ العام إلى ثلاثة أقسام؛ الأول: التاريخ القديم أو العالم القديم، وذلك من ابتداء الخليقة إلى ظهور المسيح عيسى عليه السلام. الثاني: التاريخ المتوسط أو القرون الوسطى، وذلك منذ ظهور المسيح عليه السلام إلى استكشاف أمريكا سنة 1492م. الثالث: التاريخ الحديث أو القرون المتأخرة وذلك من استكشاف أمريكا لغاية وقتنا هذا.
وقد ينقسم أيضا إلى قسمين: قبل الطوفان، وبعده. أما قبل الطوفان فهو من ابتداء الخليقة إلى حادثة الطوفان.
وأما بعد الطوفان: فينقسم إلى فرعين؛ الأول: من ابتداء حادثة الطوفان لغاية فتوح القسطنطينية بالإسلام في عهد السلطان أبي الفتح محمد خان سنة 1453. والثاني من ابتداء فتوح القسطنطينية بالإسلام لغاية وقتنا هذا.
وأما التاريخ الخاص فينقسم أيضا في اصطلاح المؤرخين إلى قسمين؛ الأول: التاريخ الخصوصي، وهو عبارة عما يختص بغرض واحد معين كتاريخ مدينة أو عائلة ملوكية أو ذات مخصوصة، وهذه الصورة الأخيرة تعرف في اللغة الفرنساوية باسم بيوجرافيا «السيرة أي القصة» كسيرة سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم
وغيره.
अज्ञात पृष्ठ
الثاني: التاريخ الجزئي وهو ما يتعلق بخصوص مدة شهيرة أو حادثة كبيرة كتاريخ حروب الصليب وغيرها.
وينقسم علم التاريخ إلى ما يسمى في اللغة الفرنساوية باسم الكرونولوجيا؛ أي علم الأزمان، وهو ما يتبع ترتيب الإعصار على وجه الانتظام.
وإلى ما يسمى الإتنوجرافيا، وهو ما يتتبع تاريخ كل أمة على حدتها، فإن تتبع جميع الحوادث الواقعة من الأمم الشتى في عصر واحد سمي باسم السنكرونيسم. ويسمى بالتاريخ النظري أو الفلسفي إذا كان المؤرخ قد اقتص الوقائع مع توضيح أسبابها ومسبباتها وغير ذلك. (2) تشعب الأمم
يظهر لمن درس لغات الأمم وسمع رواياتهم وكان على جانب من علم سيما الوجوه أن الأمم القاطنين عند مصبات نهر التنك في آخر حدود المشرق، والأمم القاطنين على امتداد سواحل البحر الأبيض المتوسط هما من نسل عائلتين كبيرتين يخرجان من أصل واحد، غير أنهما انفصلا بفاصل عظيم ألا وهو اختلاف لغاتهم. وهاتان الأمتان قاطنة إحداهما غربي نهر الدجلة سامية الأصل، والأخرى قاطنة في الشمال الغربي من بلاد الهندآرية الجنس وتسمى بالجنس الهندي الأوروبي، وهذا الجنس ينقسم إلى فرعين؛ الأول: الأمم التي تتكلم بالسنسكريتي (أي اللغة الأصلية القديمة)، وذهبوا إلى الشرق جهة الهندستان. والثاني: الأمم التي تتبع الكتاب المقدس المسمى «بالزند» قطنوا بالغرب جهة العجم، وقد مكثت البراهمة ومن تتبع مذهب زرادشت في الوحدة والعزلة خارجا عن التمدن الأوروبي إلى عهد الإسكندر؛ حيث بث فيهم روح التمدن وأخذوا في التقدم والارتقاء، فمن هذا المحتد الأصلي خرجت أمم لا عداد لها في زمن غير معلوم لدى التاريخ، ونزلوا بالأرجاء الغربية إلا أنه يوجد طريقان يظهران هؤلاء الأمم قد ولجوهما عند قيامهم من آسيا إلى أوروبا؛ الأول جهة الجنوب إما من بلاد العجم أو من بلاد آسيا الصغرى والآخر في شمال بحر الخزر بصحراء «سرماسيا».
ولقد أغلق الباب الأول مدة في سالف العصر ممالك آشور وميد على أمة البيلاج والليديين وأمة هيلانة الذين ذهبوا واندثرت أخبارهم وكانوا أصل الأمم القاطنة بآسيا الصغرى واليونان وإيطاليا. وأما الطريق الثاني فقد كان مفتوحا من سالف العصر لأمة «السلت» والجرمانيين «والسلاف»، فظهر حينئذ أن أمتين من أهل آسيا سكنتا قارة أوروبا على يمين وشمال جبلي الهيموس والألب، وكان من سكن جهة الألب أقدم ممن سكن بالهيموس، والغالب على الظن أن اللغات التي كانت تتكلم بها الأمم القاطنة تحت هذين الجبلين مشتقة من السنسكريتي، وأن اللهجات الجرمانية للأمم الشمالية تقرب من لغة «الزند» وبعض لغات أمة «السلت» و«الجايليك» تقرب من لغة البراهمة، والبعض الآخر يقرب من لغة المجوس فالهند وبلاد فارس وآسيا الصغرى، وكافة أوروبا جميعها من الجنس الآري. وأما الجنس السامي فهو الجنوب الغربي من آسيا وشمال أفريقا وجنوب إسبانيا، وفي هذين الجنسين وجد الجنس الإنساني تمامه المادي والأدبي. وكلما تقدم الإنسان جهة الغرب وجد أن الجنس الآري والسامي قد صادما في طريقهما قدماء قارة أوروبا القديمة؛ فأمم السلت وجدوا أمامهم أقوام «الأيبر»، فدفعوهم إلى جبال البرينيه، ولم تزل ذريتهم باقية إلى الآن، ويعرفون باسم «اسكوبالدونا». وقابلت الأمم الجرمانيون وأمة السلاف وأمة «فينوا» و«لايون»، فطردوهم إلى الأقاليم الشمالية، وقد استأصلت أمة القوقاز في أقاليمها العالية الصعبة العبور أمما لم يعلم لهم أصل لدى التاريخ.
وفي أعالي جبال الأطلس وطأت البرابرة بأرجلهم تأثير سلطة المور «المغاربة» وأهل نوميديا وقرطاجة وروما والعرب والترك، بحفظهم لغاتهم الأصلية، واستقلالهم. وفي الزمن الذي تأسست فيه مملكة شارلمان بأوروبا كانت هؤلاء الأمم منقسمة إلى: «أمة الأيبر الأصلية»، وكانت تسكن جبال البرينيه بين نهر الجارون والأيبر الأعلى، وقد خالطهم بعض الفنيقيين في جهة بيطيق بإسبانيا، وبعض أمة الغالة جهة نهر التاج «وسلتيبريا»، ولقد سكنت أمة «السلت» بريطانيا العظمى وبلاد الغالة وبعض بلاد أكيتين وجزء من بلاد «تربونيز» وأعالي إيطاليا وجبال الألب وعددا عظيما من بلاد الشاطئ الأيمن لنهر الدانوب وبعض أيالات آسيا الصغرى «جالاتيا». وأما الجرمانيون وأمة السلاف أو السارمات فقد اقتسموا السهول الواسعة التي بين المحيط المتجمد الشمالي وبحر الخزر، وتزاحموا وراء نهري الرين والطونة. وأما أمم اليونان واللاتين فقد سكنوا أواسط مملكة شارلمان، والأول قد توجهت أنظارهم إلى المشرق، وأطاعوا الإسكندر والأخر إلى المغرب؛ حيث هناك كانوا ينشرون عوائدهم ولغاتهم.
وأما جهة الجنوب فقد سكنت الأمم السامية شواطئ أفريقا، جهة البحر الأبيض، تحت اسم المور وأمة نوميديا والفنيقيين، واختلطوا في مصر بأمة الزنج - أي أهل الأتيوبيا - وفي بلاد الأرمن بالجنس الآري، وكذا بشبه جزيرة العرب وفلسطين. وأما من سكن بلاد الشام فقد خالطهم أمة هيلانة، وكان وراءهم أمة الزند وأمة السنسكريت أو الهنود، وفي أواخر المشرق الأمم المسماة «سير». (3) في استمداد تاريخ مصر
يستمد تاريخ مصر من كلام المؤرخين القدماء والآثار. (3-1) المؤرخون الأقدميون
اعلم أن تاريخ مصر قبل معرفة اللغة البربائية (الهيروغليفية) كان يستوعر طريق استيفائه ووصفه، ومن المستحيل إدراك تحديده وتكييفه وكنهه. نعم، وإن كانت نصوص التوراة دلتنا على بعض معلومات من تاريخ مصر كعلاقة المصريين بالعبرانيين مثلا؛ حيث دلتنا على أن موسى عليه السلام ولد في عهد رمسيس ميامون الثاني، وأن خليفته «منفطا» هو الذي في عصره كان خروج بني إسرائيل من مصر. شيشنق الأول أحد ملوك العائلة الثانية والعشرين حاصر مدينة أرشليم، إلا أن هذه النصوص لم تكن كافية لمعرفة الكرونولوجيا المصرية، ولم يكن إلا في القرن السابع قبل المسيح عليه السلام، أي في القرن الثالث عشر قبل الهجرة، على صاحبها أفضل التحية؛ حيث عثر على أرقام مضبوطة تنسب إلى الكرونولوجيا اليونانية. واعلم أن أقدم مؤرخ قد كتب لنا شيئا من تاريخ مصر هو المؤرخ اليوناني «هيرودوت»، الذي راد سواحل النيل في سنة 455ق.م، وقد جاء بعده المؤرخ «ديودور الصقلي» في سنة 8ق.م، وكذا الجغرافي «استرابون» أحد معاصري المؤرخ السابق الذكر والبيان، وهو الذي جاب مصر إلى الشلالات، وكذا المؤرخ «بلو تاركه» الذي ألف رسالته التي موضوعها الكلام على الإلهين «إزيس» و«أوزيريس» في آخر القرن الأول من الميلاد. وهؤلاء المؤرخون قد وصفوا لنا مصر بما عهد فيهم من الصداقة وعوائد المصريين وأخلاقهم ودياناتهم ونظاماتهم وجميع الأعمال التي صادفت سياحتهم، غير أن مؤلفاتهم هذه لم تكن كافية لتشييد دعائم هذا العلم؛ نظرا لجهلهم لغة البلد، فإنهم وصلوا إلى روايات غير قادرين على تحقيقها.
وفي القرن الثالث قبل المسيح ألف المصري «مانيتون السمنودي» والقسيس الأول لمعبد «هيليوبوليس» وأمين خزائنه تاريخا لمصر، لكن لسوء الحظ فقد هذا المؤلف العظيم، ولم نعثر على شيء منه إلا بعض ما نقله إلينا المؤرخ «يوسف» في تاريخ الأمة العبرانية، والمؤرخ «إيزيب» و«جيورج لوسنسل» اليوناني في القرن الثامن من المسيح، وجدول الملوك الذي اعتمده بعض علماء الفرنج، وهذا الجدول الذي اعتنى بجمعه القسيس المذكور مقسم إلى عائلات ملوكية تشمل جميع الفراعنة الذين حكموا مصر منذ تأسيس الهيئة الحكومية إلى ظهور الإسكندر المقدوني، وقد أودعه بعض التفاصيل البيوجرافية وتعيين بعض السنين، وبجمع هذه السنين نستدل على أن الهيئة الحكومية قد أسست بمصر قبل المسيح عيسى عليه السلام بمدة تزيد عن 5000 سنة.
अज्ञात पृष्ठ
إلا أنه لم تتفق كلمة المؤرخين على هذا التاريخ، والصعوبة التي أوقفت معرفة مدة حكم كل عائلة هي كون المصريين كانوا يجهلون أمر الكرونولوجيا، ومع كل فإن الفاضل «ماسبيرو» استدل بصحيفة ترجمها أن سنة 1400 قبل الميلاد تقابل إحدى سنى حكم رمسيس الثاني، ولكن هذه العبارة وغيرها لا يحققهما شيء من هذا القبيل، وإن حققهما شيء يتحقق عندنا كثير من التواريخ بدون أن تتعين نقطة تكون مبدأ للتاريخ، ولكن يمكن أن يقال على رأي العلامة ماريت باشا إن استعمال تاريخ خاص كان مجهولا عند المصريين القدماء، بل كان من عادتهم أن يحسبوا الحوادث بسني حكم الملك الذي وقعت في مدته تلك الحادثة، فمن ذلك يتعسر الوقوف على شيء من أمر الكرونولوجيا بما أنهم كانوا تارة يحسبون من ابتداء السنة التي مات فيها الملك السابق وتارة من يوم مبايعة الملك الذي أخلفه، فمهما كانت المقادير الظاهرية لهذه الحسابات ومهما كان تقدم العلم الحالي سنقف عند تحديد زمن للكرونولوجيا المصرية لجميع السنين السابقة لحكم «بساميتيك الأول» سنة 665ق.م.
ولا يمكننا أن نضبط هذه التواريخ إلا على وجه التقريب وإن «مانيتون» هو الواجب علينا اتباعه في مثل هذه الريوب، ولو أن ما نصه ضاده كثير من المترجمين الذين ترجموا كثيرا من الصحف الهيروغليفية.
وجدول الملوك يعتبر فيه في الغالب أسماء الملوك، وأما التواريخ فهي فاسدة لا يعول عليها.
وأما إذا اتبعنا طريقة البحث والتدقيق فإننا لا نرى الكرونولوجيا قد عملت لنا معرفة جيدة لا نقض فيها ولا إبرام إلا من القرن السابع قبل المسيح، ولكن الصعوبة تتزايد علينا كلما شرعنا في تعيين زمن حكم كل عائلة قبل هذا الوقت، ويلزم اعتبار تاريخ ما قبل «بساميتيك» ليس إلا ريبا محضا لا نهاية له، وأما من خصوص مجموع التواريخ وتعاقب العائلات والآثار التاريخية فاتحاد المؤرخين عليها كفاية.
وقد قال المعلم «فونتان» قد يمكن أن نتسع في المناقشة إذا نظرنا لمسألة وحيدة وهي هل منا أو مصرايم كان هو أول ملك لمصر وهو منظم البلد أو هو ليس إلا ملك من ملوكها قد سبقه غيره من الملوك، ولكن لا يمكننا أن نجحد حكمه أصلا؛ لأن التاريخ القديم لمصر خلا بعض تفاصيل هو معلوم جيدا من ابتداء «منا» لغاية دخول مصر تحت حكم الرومان.
ومن عهد الأزمان الغابرة كانت تعرف المصريون السنة الشمسية وتقسيمها إلى 360 يوما وإلى 12 شهرا، وكل شهر ثلاثين يوما و5 أيام في آخر السنة وهي المعروفة بأيام النسيء. وبعد ذلك اخترعوا زمنا فلكيا بديعا؛ لأجل أن يتوصلوا به من زمن إلى آخر، لاتحاد هذه السنة بالسنة الحقيقية وهي 365 وربع، ولكن لما كانوا لا يعرفون مثلنا الآلات البصرية المستعملة في الأرصادات فما كان عندهم من المعلومات ليس إلا نتيجة أرصادات عينية، فعوضا عن أنهم كانوا يضيفون يوما واحدا في آخر كل أربع سنوات كانوا يضيفون سنة كاملة في كل 1460 سنة؛ أعني 365 في 4، وأوائل هاتين السنتين تتحد مع زمن شروق كوكب الزهرة (المسمى سوتيس) أو سيريس (التي كان شروقها دليلا على أول السنة وحصول فيضان النيل، وكان لهذا) الوقت أعياد ومواسم كبيرة في البلاد، وقد جرب كثير من العلماء صحة جدول «مانيتون» باشتغالهم بتحقيق بعض التواريخ المعاصرة لبعضها المتنازع فيها، فمثلا لما اعتبر على وجه التجربة شروق الزهرة مناسبا لسنة من سني حكم ذكره «مانيتون»، فكل من العلامة بيوت وروجيه الفلكيين أمكنهما بواسطة حسابات قمرية بطرق فلكية تعيين زمن هذه الظاهرة بالسنين الجليانية، وبذلك علم حكم الملك الذي حصلت في مدته هذه الظاهرة الفلكية ولكن هذه النتيجة الحسناء الصادرة عن فكرة وذكاء لم تسلم من نقد العلماء.
وقد ذكر لنا المؤرخ «فرنسيس لونورمان» أن الملك رمسيس الثالث نقش على جدران هيكل مدينة «أبو» تعديلا عظيما للأعياد والمواسم الدينية، حينئذ على حسب هذا التعديل فيوم عيد شروق كوكب الزهرة يعين لنا أن نقش تذكاره يستفاد منه أن السنة الثانية عشرة من حكم الملك رمسيس الثالث كانت إحدى هذه السنين التي اعتبرت مبدأ للعصر الفلكي للمصريين. وفي هذه السنين تطابقت السنين الاعتيادية 365 والسنة الشمسية، وبواسطة حسابات الفلكي الشهير «بيوت» علم أن هذا التطابق النادر كان قد حصل في سنة 1300 قبل المسيح، ومنه يعرف أن جلوس رمسيس الثالث على تخت الأريكة المصرية كان سنة 1311ق.م.
وقد قرأ العلامة «شاباس» على ورقة من البردي عبارة يستدل منها على أنه في السنة التاسعة من حكم الملك «منقرع» حصل شروق الزهرة، وبما أنه عندنا جملة نقط مبدأ معينة لجملة شروقات للزهرة فبالحساب نجد أن السنة التاسعة من حكم هذا الملك هو محصور ما بين 3007 و3010ق.م، ويرى من هذه الحالة أن زمن العائلات الأولى كان زمنا بعيدا جدا، ولكن هذه الطريقة ليست مقبولة إلا احتياطا فقط؛ لأنها تعين الكرونولوجيا المصرية بواسطة أرصادات فلكية هي من الضروري غير مضبوطة، ومع ذلك يمكننا أن نقول على رأي «مارييت» باشا إن فرق 700 إلى 800 سنة في مثل هذه الأحوال ليست إلا نتيجة خطأ من المحتمل صحته. (3-2) الآثار
لا ريب أن قدماء المصريين هم أول أمة لها الفضل الأوفر على ما عداها من الأمم؛ إذ علمتهم مبادئ التمدن وأخرجتهم من مفاوز الجهالة وكهوف الهمجية إلى علم الظهور والارتقاء، وملوكهم هم الجبارون الذين لهم ذكر القتال والغلبة في مواطن الحروب، وهم الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها، وبنوا المدائن وحصنوها، وجعلوا فيها القصور الشاهقة والمباني العالية والمسلات الشامخة، رفلوا في حلل المجد والفخار أكثر من سبعين قرنا، يشهد لهم بذلك ما عثرنا عليه في القبور من موتاهم والآثار العديدة، وخصوصا الجبانات العظيمة فهي الشاهد العدل والدلائل القاطعة؛ إذ هي الآن بمثابة الكتب الضخمة، وكذا الهياكل والمعابد كل ذلك يدلنا على فضل الأمة المصرية وتفاصيل عوائدهم وأخلاقهم في تلك الأزمان الغابرة.
والآثار العجيبة التي لا عداد لها تعرب عن فخر الفراعنة الذين شيدوها؛ فإننا نرى منقوشا على جدران هياكل طيبة وغيرها باطنا وظاهرا، وعلى سطوح المسلات وداخل الدهاليز نصراتهم وفتوحاتهم وبها رسومات تدل على سطوتهم وعلى طاعتهم لآلهتهم، وكذا الموميات تدلنا على عيشتهم الخصوصية الإفرادية وإن كانت في بعض الأحيان لا تخلو من المبالغة والغلو، وكذا تعرب عن عيشتهم التي كانوا يرغبونها في دار الآخرة والبقاء، فأضحوا رفاتا وأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم وآثارهم التي ازينت بها متاحف أوروبا عموما ودار التحف المصرية خصوصا، التي أسسها الفاضل الفرنساوي المسيو «مارييت» باشا ببولاق، ونقلت الآن بسراي الجيزة، وهي الآن مشحونة بما صنعته يد الحرف والصنائع القديمة.
अज्ञात पृष्ठ
ومن الآثار التي اعتبرت أساسا للمعلومات التاريخية التي تحصلنا عليها هي:
أولا:
اللوح البردي الملوكي المحفوظ الآن بمدينة توران «بإيطاليا»، ولو كان هذا اللوح باقيا على حالة تمامه الأولية لأصبح أنفس أثر يوجد لعلم الآثار القديمة المصرية المعروف عند الفرنج باسم «الأرشيولوجيا المصرية»، وهو يشتمل على رسومات حقيقية وخرافية لمن حكم مصر في سالف العصر منذ أقصى العصور الأولية لغاية مدة لا يمكن لنا الوقوف عليها لداعي أن ذيل هذا اللوح مشطور، وهو محرر في عهد الملك رمسيس الثاني؛ أعني في أبهى العصور وأبهجها فهو إذن متصف بجميع الشروط التي تجعله من المستندات الرسمية ليكون لعلم التاريخ إعانة قوية، حتى إنك ترى أمام كل ملك رقم مدة ولايته، وبعد كل عائلة رقم مدة حكمها بتمامه، إلا أنه لسوء الحظ ليس إلا قطعا متفرقة تبلغ 165 قطعة لم يتمكن من ترتيبها كما كانت عليه في الأصل.
ثانيا:
قاعة الأسلاف، وهو أثر وجد بهيكل الكرنك ومحفوظ الآن بدار التحف الملوكية بباريس، وهو عبارة عن قاعة صغيرة وجد مصورا على جدرانها صورة الملك طوطميس الثالث على هيئة المتنسك أمام ستين ملكا من أسلافه؛ ولذلك سميت قاعة الأسلاف، ومما يجب التنبيه عليه أن المصور الذي عني برسم هؤلاء الملوك لم يلتفت إلا إلى حسن التصوير والتزويق لا إلى ترتيبهم وتعاقب أزمانهم، ومنه استفيد ضبط أسماء ملوك العائلة الثالثة عشرة المصرية ولو لم يعتره التشويه لكان هذا الأثر أنفع من غيره لعلم التاريخ.
ثالثا:
جدول أبيدوس وجد هذا الأثر بأطلال مدينة العربة المدفونة، ونقل الآن إلى أنتيكخانة لوندرة، وهو تصوير حالة تنسكية وهيئة تعبدية مركبة من جملة ملوك فراعنة غير مرتبين لأسباب مجهولة، ولداعي ما اعتراه من التشويه كاد أن يكون لا قيمة له في التاريخ، ولكن المسيو «مارييت» عثر على نسخة أخرى منه في إحدى هياكل المدينة المذكورة مؤرخا من عهد الملك سيتوس الأول أتم من الأولى، فجاء هذا اللوح محققا لما رواه «مانيتون» من أسماء ملوك عائلات فرعونية من العائلات الستة الأول.
رابعا:
أثر سقارة عثر عليه أيضا «مارييت» باشا، وهو محفوظ الآن بدار الآثار بالجيزة، وبه تأكد ما وجد بجدول أبيدوس الجديد، ووجد في مقبرة أحد القسس الذين كانوا موجودين في عصر رمسيس الثاني واسمه «توناري»، وإلى غير ذلك من الآثار التي تحقق لنا فخر المصريين وتقادم عهدهم وتمدنهم وارتقاءهم في هذا العالم الدنيوي، وبذلك نعلم أيضا أن لا يوجد تاريخ أمة من الأمم محرر على مستندات حقيقية أثرية وأقوال مؤرخين محققين ورواة مدققين أكثر من تاريخ الأمة المصرية، ومما ساعد كثيرا على كشف أسرار هذه الآثار الكفرية فك رموز اللغة الهيروغليفية الآتي ذكرها.
اللغة الهيروغليفية
अज्ञात पृष्ठ
اعلم أن اليونان والرومان لم يشتغلوا بشيء من أمر اللغة البربائية التي كانت تتكلم بها سكان مصر لغاية مدة حكمهم، فلذلك طرحها الكتاب من أفكارهم، فأصبحت سرا مكنونا وحجابا مستورا مصونا، حتى وفد على مصر علماء فرنساويون صحبة التجريدة الفرنساوية التي غزى بها بونابارت الديار المصرية سنة 1798 ميلادية، ففي سنة 1800 ميلادية بينما كان الضابط الطوبجي المسيو بوسارد مشتغلا بالحفر جهة رشيد لإنشاء المتاريس والاستحكامات للتحصن هناك عثر على حجر منقسما إلى ثلاثة أقسام؛ «القسم الأول» مكتوب بالقلم الهيروغليفي الذي كانت تستعمله الكهنة في الكتب المقدسة. «والقسم الثاني» مكتوب بالقلم الديموطيقي الخط المعتاد. «والقسم الثالث» الأسفل بالخط اليوناني، ومكتوب في آخره أنه ترجمة ما سبق بالخط البربائي، فأخطر هذا الضابط جمعية تقدم المعارف الفرنساوية بهذا الحجر المشتمل على أمر عال صادر من بطليموس الخامس فتلاعبت أفكار العلماء بحل ما يكنه هذا الحجر وسموه «حجر رشيد».
وما زال جملة من علماء أوروبا يتعاقبون الواحد بعد الآخر فذهبت أعمالهم سدى ولم تأت بأدنى فائدة، غير أن العلامة «زويجا» اقترح أن أسماء الملوك عند قدماء المصريين كانت توضع في نوع مستطيل ضلعاه الصغيران قوسان سماه «خرطوشا»، واستمر ما اشتمل عليه هذا الحجر مكنونا زمنا طويلا، غير أن المعلم الإنكليزي يونج استخرج بعض الحروف الهجائية، وظهر بعده الشاب ذو القريحة الوقادة الذكي الفطنة الفرنساوي «حنا فرنسيس شمبوليون» فاشتغل منذ شبيبته بتعلم اللغات الشرقية وخصوصا القبطية، ومارس كثيرا من النقوش الأثرية إلى أن عرف أن الخط البربائي ليس إلا كاللغات الأخرى ذات علامات يتلفظ بها كالحروف، وأنه يكتب على ثلاثة أشكال خط هيروغليفي وهو الخاص في الغالب بالأديان وخط هيراطيقي وديموطيقي وهما مختصر الخط الهيروغليفي، كالنسخ والرقعة والديواني، فشرع في سنة 1238 هجرية في استخراج ما توقفت فيه العلماء ، ففي مدة سنتين استخرج جملة حروف هجائية.
والطريقة التي اتبعها هي أنه لما وجد في النص اليوناني اسم بطليموس أخذ ما يقابله من الخرطوش المدون في الخط البربائي الذي تحته، فبمقابلة هذين الخطين عرف الحروف الأصلية من الزوائد، ثم قابل ما عنده من الحروف باسم كليوبطرة فاستخرج بعض حروف أخرى، وهكذا اسم إسكندر الأكبر وبساميتيك وتحوتمس حتى عرف الحروف الهجائية، ثم بقي عليه مسألة معضلة أظهر فيها هذا العالم ما يدل على رفعته وقدره وحدة ذكائه، وهي معرفة اللغة نفسها؛ إذ ماذا يفيد النطق بالألفاظ مع جهل المعنى، فما زال يطابق الثلاثة خطوط المرسومة على حجر رشيد على بعضها إلى أن استخرج بعض علامات أخرى، وهكذا سلك أسلوب الترقي من المعلوم للمجهول حتى ابتدع فن الكتابة المصرية القديمة المعروفة بالبربائية أو الهرمسية، وألف لها آجرومية شبيهة بالآجرومية القبطية وقاموسا لهذه اللغة، ومع كل فلم يسلم من سهام النقد والتنديد؛ حيث خطأه كثير من العلماء، ومع كل فإنه لما مات شمبوليون سنة 1249 هجرية سنة 1832 ميلادية اشتغل كثير من العلماء بتعلم هذه اللغة مع كثرة المناقضة فيها، ولم تزل إلى الآن الناس تشتغل بالقلم المصري حتى صار الآن مربوطا بقواعد وأحكام غير منقوضة، ولم تزل تزداد بزيادة هؤلاء الطلبة، وبهذه الطريقة عينها حلت العلماء الأوروباويون اللغة الآشورية والبابلية المعروفة بالحروف الزاوية الشكل العلامة «جروتيفان» سنة 1802 والعلامة «أجين برنوف» مع ما كان عندهما من لغة السنسكريتي، فالأول كان موضوع بحثه اسمين علمين دارا وأكزركيس، والثاني صحيفة وجدت في جبل الفان على مقربة من إستخر، وكذا غيرهم من العلماء، وقد قرئت الصحائف واتضحت كمال الإيضاح، وتحصلوا على حروف الهجاء خلا بعض علامات اعتراها بعض التغيير من حيث المعنى.
فوا عجبا من جد هؤلاء الأغراب في كشف رموز هذه اللغة وإبراز تاريخنا من عالم الخفاء إلى عالم الظهور وتقاعدنا عن مثل هذه الأعمال وغيرها التي نحن أحق بها من غيرنا. (4) العصور
قسم مؤرخو الفرنج العصور إلى ثلاثة أقسام وهي: الأعصار الأولية والأعصار الخرافية والأعصار التاريخية .
أما الأعصر الأولية فهي:
المدة التي ابتداؤها خلق الإنسان وغايتها حادثة الطوفان؛ وذلك أنها عندهم منقسمة إلى فرعين؛ المدة الدنيوية والمدة الطوفانية:
والأعصر الخرافية هي:
المدة التي ابتداؤها تفرق الأمم وتبلبل الألسن وبناء المدن وتأسيس الممالك ببلاد الصين ومصر واليونان إلى ظهور الأنبياء المرسلين والشعراء المشهورين ووضع أساس العالم الدنيوي؛ ولذلك قسمها مؤرخو الأوروبيين إلى أزمان وثنية وأزمان بطلية «نسبة للشجاع البطل» وأزمان نبوية أو شعرية، فأول الأزمان هو الذي كانت فيه مصر واليونان وغيرهما ميالين لترقية ملوكهم إلى رتبة الآلهة، والثاني: الزمن الذي ظهرت فيه الجبابرة الذين شنوا الغارات وأسسوا المدن، والثالث: ظهور الأنبياء الكرام والشعراء المعتبرين كالخليل إبراهيم وموسى عليهما السلام وشعراء اليونان.
وأما الأعصر التاريخية فهي:
अज्ञात पृष्ठ
الأزمان التي أخذ فيها علم التاريخ في الظهور، وهذه المدة تنقسم إلى جملة أقسام منها المدة التشريعية؛ أي الزمن الذي ظهر فيه المتشرعون كلكورغة في إسبارطة وسولون في أتينا ونوما بومبليوس في روما «ثاني ملوكها» وكونفسيوس ببلاد الصين وغيرهم، ومنها مدة فخار اليونان، ومدة اختلال الجمهورية الرومانية. (5) مصر الأصلية
اعلم أن هذا الوطن العزيز والبلد الأمين الذي حكى الفردوس ماء وزرعا صاحب الخيرات الوافرة والفيض العميم كان فيما سلف من الأعصار خاليا من القرى والأمصار، وكان الوجه البحري الذي هو أبهى وأبهج وأزهى وأزهر الأقاليم المصرية وأعمرها الآن تعلوه المياه، وقد امتدت تيارات البحر الأبيض إلى أمد بعيد، وتلاطمت أمواجه بالسهول المرملة التي بها الأهرام الآن، وكانت مصبات النيل تنتهي إلى قرب منفيس والدلتا مغطاة بعضها بماء النيل والبعض الآخر بمياه الملح وبها بعض جزائر ينبت فيها البردي، والغاب وعلى يمينها وشمالها كان يغير النيل بلا انقطاع مجراه الأصلي، وأما أراضي الشاطئ فكانت جدبة رملية ليس بها ماء ولا زرع ولا نبت ولا ضرع، وما زال حتى عرف الناس حفر الترع وصنع الجسور وتنظيم النيل وحمل مياه الري إلى أراضي الوادي البعيدة، فجاءت مصر بصنع أهلها مملكة مستعدة وأرضا جافة تزرع بعد أن كانت بحورا حرية بالإقلاع، وأوجد النيل أراضي مصر وأخرج لها منظرا عاما يفيض عليه مياهه كل عام، وصار النيل على توالي الأعصار يحمل من أقصى الأقطار وجبال الحبش وبحيرات خط الاستواء رمالا ومواد طينية وجيرية، حتى ارتفعت الأرض وردمت الخليج الذي كان أوجده البحر بالوجه البحري ونشأ من ذلك سهل عظيم به مستنقعات يتخلله برك، ومن بينها يأخذ النيل مجراه على الدوام. ثم تكونت أراضي الدلتا على شكل مثلث رأسه تقرب من منفيس وضلعه الثالث المتعرج المتباعد نحو الستين فرسخا من الرأس، ينتهي بشمال أطلال أتريب «بنها العسل الآن»، ثم بعد ذلك أخذ النيل في ردم الأراضي بطميه، حتى تراكمت في شمال الدلتا، فاندفعت بجملتها في الانحدارات، وما زالت تتسع الأرض كما في أيامنا هذه بما يجلبه النيل شيئا فشيئا من أقاصي أفريقا وأما مدة تكون الأراضي بمصر فمجهولة الحال؛ حيث قال الأقدمون إنها أزمان طويلة جدا، وأما العلماء الحاليون فقالوا إنها تبلغ ثلاث آلاف أو أربعة آلاف سنة.
الفصل الأول
في تاريخ مصر
اعلم أن تاريخ مصر هو تاريخ أهل الفلسفة والبراعة والقوانين والسياسة، فإن مصر حفظت لرتبتها العلية مدة سبعين قرنا، ولما دخلت تحت حكم الدولة اليونانية والرومانية لم يزل فضلها باقيا؛ إذ فاقت من عداها بقوة العلم.
وينقسم تاريخ مصر إلى قسمين عظيمين؛ الأول قبل الإسلام، والثاني بعده. أما قبل الإسلام، فينقسم إلى فرعين؛ أحدهما: الزمن الذي فيه أهل مصر كانت عاكفة على عبادة الأصنام. والثاني: إشهار دين المسيح عيسى عليه السلام. وأما بعد الإسلام فهو معتبر من ابتداء فتح مصر بالإسلام سنة 20 من الهجرة في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب إلى عصرنا هذا. (1) تاريخ مصر قبل الإسلام
اتفق المؤرخون على أن أول ملوك مصر بعد الطوفان كان يدعى «منيس أو منا» وقد قسم «مانيتون» المؤرخ المصري تاريخ مصر القديم إلى ثلاث طبقات وإلى إحدى وثلاثين عائلة، وهم المعروفون عند مؤرخي الإسلام بدول الفراعنة:
الطبقة الأولى:
وأولها العائلة الأولى، وغايتها العائلة الحادية عشرة.
الطبقة الثانية:
अज्ञात पृष्ठ
وأولها العائلة الثانية عشرة، وغايتها العائلة الثامنة عشرة.
الطبقة الثالثة :
وأولها العائلة الثامنة عشرة، وغايتها العائلة الحادية والثلاثون.
ولنتكلم على تاريخ مصر في سالف العصر على هذا الترتيب فنقول: (1-1) تاريخ مصر القديم لغاية افتتاحها بالأعجام «أي عصر الفراعنة»
الطبقة الأولى (أ) العائلة الأولى الطينية
رأس هذه العائلة هو منا المذكور، ومسقط رأسه بمدينة أبيدوس «العربات المدفونة»، وكان في مبدأ أمره قائد الجيوش المصرية في زمن الكهنة «طائفة الحرشسو» ثم قام وحاربهم وأخذ الملك من يدهم وترك مدينة طيبة وأسس مدينة «منف» أو «منفيس» سنة 5700ق.م (الآن البدرشين وميت رهينة) وجعلها مقر دولته وقاعدة سلطنته، ولم يمض عليها برهة من الزمن إلا وصارت مركز التمدن والمعارف، وهو الذي سن القوانين ونظم السياسة ورتب الديانة وقسم مصر إلى أقسام كل منها يسمى «نوم»، وحول النيل عن مجراه الأصلي، ولذلك صنع جسر قشيشة، وجعله يجري في وسط الوادي، وغزى سكان ليبيا، وأدخلهم تحت الطاعة ومات بعد أن حكم 62 سنة، وقد ضربنا صفحا عن من أخلفه لعدم شهرة أعمالهم، وجملة ملوك هذه العائلة تسعة. (ب) العائلة الثانية الطينية
أشهر ملوك هذه العائلة الملك «بينوسيريس»، وهو الذي أبدع قانونا جوز فيه للنساء الجلوس على سرير الملك؛ قاصدا بذلك عدم خروج الملك من العائلة الملوكية، وحاصل هذا القانون أن الملك إذا مات وكان له أولاد ذكور كانوا أحق بالملك، وإن لم يكن له ذكور أو انقرضوا كان أحق بالملك بناته، وأن كل ملك توفي عن زوجة ولم يكن له ولد أو كان له ولد قاصر تولت الملك بعده زوجته بشرط أن لا تتزوج غيره بعد موته، فإن تزوجت غيره من ليس له الحق في الملك لا يجوز لزوجها هذا أن يكون ملكا، وإنما يكون لذريته منها، فيعطى لهم منصب الملك. وصرح الملك «بينوسيريس» في قانونه أن سلاطة الملوك على رعاياهم هي حقوق وجب عليهم أداؤها نيابة عن المعبودات، وبالغ في هذا الأمر على زعم أن دماء المعبودات سرت في عروق جسده، وبذا جعل لنفسه السلطة المطلقة على سائر رعيته، ولقب نفسه بابن الشمس المعبودة لهم؛ ليثبت ذلك لنفسه ولمن كان من نسله من الملوك أن لهم القرابة بينه وبين المعبودات، واقتدت به الملوك بعده إلى عهد الرومان.
وأخذ قدماء المصريين من هذا القانون أن كل من أراد تأسيس عائلة ملوكية ووصلها بالعائلة التي قبلها فليتزوج من نساء الملوك أو يأخذ منهن لأولاده لوصل القرابة بينهما. (ج) العائلة الثالثة المنفية
أول ملوك هذه العائلة هو الملك «نفرقرع»، في مبدأ حكمه خرجت عليه سكان صحراء ليبيا فغزاهم وأدخلهم تحت طاعته حينما شاهدوا حادثة خسوف القمر، لظنهم أن الله غضب عليهم، ولما انتهى الحرب استتبت الراحة وانتشرت العلوم بين العباد، واتسعت دائرة الصنائع والفنون في سائر البلاد. وأما باقي ملوك هذه العائلة لم تعلم لهم آثار مخصوصة، بل تزايدت ثروة المملكة، وتزايدت مبانيها؛ فمن تلك المباني أبو الهول الموجود الآن بين هرمي الجيزة، ويسمونه بشمس الأفقين.
ومنها: الهيكل الموجود بالجهة القبلية من أهرام الجيزة، ويعرف الآن بالكنيسة، وهو من بدائع عصرهم، ومحاسن صنعهم؛ لكونه مبنيا بالحجر الصوان المنحوت.
अज्ञात पृष्ठ
ذكر مآثر الملك سنفرو:
لما تولى ملك مصر صار محسنا لأهل مملكته، وفي مدته قامت عليه سكان جبل الطور، فتوجه لقتالهم وقهرهم وأخذ أرضهم، وبنى فيها قلاعا وحصونا وديارا وبيوتا، وجعل فيها رجالا تستخرج له المعادن والأحجار النفيسة، ولقب نفسه ألقابا وهي؛ أولا: الحاكم. ثانيا: صاحب التاجين، تاج العقاب وتاج الثعبان. ثالثا: المنصور الظافر بأعدائه. رابعا: ملك الوجه القبلي والوجه البحري. وختم ذلك بجملة أدعية وهي: دام بصحة وعافية. ولما عاد إلى مصر بعد هذه الغزوة بنى قلاعا في حدود الدلتا استمرت إلى عهد العائلة الثانية عشرة، ولحبه لرعيته عبدته المصريون بعد وفاته، واستمرت على ذلك إلى عصر البطالسة، وأما باقي ملوك هذه العائلة لم يكن لهم آثار تدل على تاريخهم، بل ما ورد عن المؤرخ «مانيتون» يفيد أن في مدتهم تزايدت ثروة المملكة وتكاثرت مبانيها، فمن تلك المباني جملة مقابر كانت سكان منف تدفن بها موتاهم، وكانت تلك المقابر تبعد عن منف بمقدار خمسة آلاف متر من الجانب الغربي، ومن مآثر هذه العائلة التمثالان الموجودان بمتحف الجيزة «دار الآثار القديمة» أحدهما تمثال «رع حتب». والثاني تمثال زوجته «نفرت»، المتخذان من حجر واحد، وعليهما نقوش تدل على أن «رع حتب» كان الكاهن الأكبر لمدينة المطرية وقائد الجيوش المصرية، وأن زوجته «نفرت» - أعني الجميلة - حفيدة ملك لم يعلم اسمه. (د) العائلة الرابعة المنفية
حكمت هذه العائلة من سنة 4900ق.م إلى سنة 4800ق.م، وأشهر ملوكها الملك خوفو الآتي ذكره.
ذكر مآثر الملك خوفو:
في مدة حكمه قد استنار تاريخ مصر ولا سيما بتكاثر العمارات الشهيرة التي أعظمها الهرم الأكبر الذي بناه هذا الملك سنة 4900ق.م، وهو الكائن بجوار الجيزة، وهو أقدم عمارة في الدنيا بعد برج بابل، ويبلغ 455,75 قدما، وعرضه 67 قدما، وقد بناه في مدة 30 سنة؛ عشرة في قطع الأحجار وعشرون في تشييده، ولم يكن هذا الهرم موضوعا وضعا حيثما اتفق، بل هو موضوع كمزولة يعرف منه أول يوم في السنة، كما أثبت ذلك سعادة المرحوم محمود باشا الفلكي، وكتب في ذلك رسالة صغيرة، ولم تك همة هذا الملك قاصرة على تشييد العمارات فقط، بل كان محبا للغزو والجهاد، ويرى في وادي مغارة (قريبا من عيون موسى بشبه جزيرة جبل الطور) مصورا على شكل مقاتل يقمع بني عون (قبيلة من عرب البدو الذين كانوا يتعدون على حدود مصر من جهة الشرق) وقد دعت اليونان هذا الملك في كتبهم بالظالم، ادعاء منهم على أنه حمل رعيته على نقل أحجار هرمه من صحراء ليبيا وألهاهم عن العبادة، وأمر بغلق الهياكل والمعابد، وهذا كذب لا أصل له بدليل ما ثبت من أن هذا الملك أهدى هدايا ثمينة للمعبودات المصرية، وأنه استعمل في بناء هرمه الأسرى الذين أسرهم من بني عون السابق ذكرهم، وهذه عادة عند جميع الملوك، وحكم 68 سنة، واستولى بعده الملك خفرع أو كفرن، وهو الباني للهرم الثاني البالغ ارتفاعه 447 قدما، واستولى بعدهما الملك منقرع أو منقريوس، وهو الباني للهرم الثالث البالغ ارتفاعه 302 قدما ، وكان ملكا عادلا، وقد ألف في أيامه عدة كتب في علم التيولوجيا - أي علم اللاهوت - (الديانة).
وأشهر ملوكها أيضا الملك سبسقاف، وهو أحد المشرعين الخمسة، ورتب الديانة ترتيبا جديدا، ودون علم الهندسة، ورصد الكواكب، وسن قانونا للقرض جوز فيه أن كل إنسان له أن يقترض ما يشاء ممن يشاء بشرط أن يرهن جثة أبيه عند المقترض، وأذن له أن يتصرف في قبر المديون حتى يوفيه دينه، فإن لم يوفه إياه حرم من الدفن هو وذريته بعد موتهم. (ه) العائلة الخامسة الأسوانية
لم يكن لها ملوك يستحقون الذكر، فلذلك ضربنا صفحا عنهم، وعدد ملوكها تسعة. (و) العائلة السادسة الأسوانية
أشهر ملوك هذه العائلة «ماري ببي أو ماري بيبوس» وهو الذي حارب السودان وأدخلها تحت الطاعة حينما مدوا أبصارهم إلى ملك مصر، واستخرج من جبل الطور معدن النحاس والتوتيا والفيروزج، وتحارب مع عربان جبل الطور الذين كانوا يشنون الغارات دائما على أطراف مصر من تلك الجهات، وأجلاهم عن أرضهم، وصنع الطريق الموصل من بندر قنا إلى القصير، واستخرج من وادي الحمامات الذي بتلك الجهة أحجارا كريمة، خصوصا الزمرد.
ذكر الملك منتصاف:
ومن ملوك هذه العائلة الملك منتصاف، ولم يحكم إلا سنة واحدة وقتله أعداؤه.
अज्ञात पृष्ठ
واستولت بعده أخته المسماة نيتوكريس وكانت زوجته أيضا، وأضمرت على أخذ الثأر من قاتلي أخيها الذي هو زوجها، فشيدت سرايا تحت الأرض وسلطت عليها ماسورة من النيل، ودعت قاتلي أخيها إليها، فبينما هم على المائدة يأكلون؛ إذ فتحت عليهم ماسورة الماء فأغرقتهم عن آخرهم، ولخوفها على نفسها من الانتقام ألقت نفسها في النار فاحترقت ودفنت بالهرم «الأصغر بالجيزة» حيث تممت بناءه. وكانت مدة حكمها عشر سنين. (ز) العائلة السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة
اعلم أنه بانقراض العائلة السادسة لا يعرف شيء من التاريخ بخصوص هؤلاء العائلات، وغاية ما نعرفه هو أن تخت مصر كان في مدينة هرقليوبوليس، وهي المعروفة الآن باسم «أهناس المدينة». (ح) العائلة الحادية عشرة الطيبية
لم يكن لملوك هذه العائلة شيء من الآثار يستحق الذكر، وعدد ملوكها ستة عشر.
الطبقة الثانية (أ) العائلة الثانية عشرة
ذكر الملك أوزرتسن الأول:
وهو صاحب المسلة الموجودة الآن بالمطرية أمام هيكل الشمس، ويبلغ ارتفاعها 20 مترا وكسورا. ومكتوب عليها ما صورته:
العظيم، معطي الحياة لكل مولود، ملك الصعيد والبحيرة، دام بقاء أوزرتسن ابن الشمس، محب إله بلد الشمس، صاحب التاج، معطي الحياة لكل موجود، صنع هذا الشغل العظيم وأنهاه في يوم عيده الأكبر لتخليد ذكره على ممر الدهور والأعوام.
وأقام مسلة أخرى بقرية بجيج بالفيوم، وقد حارب السودان، وهو أول من بنى أساس هيكل الكرنك بالصعيد بمدينة طيبة، ويرى اسمه منقوشا على مبنى قديم جهة الشلال الثاني، ويلقب باسم الملك المنصور على أمة القوس والنشاب، وجلب الذهب من بلاد السودان وجعله في خزينة مدينة «قفط» بالصعيد.
الملك أوزرتسن الثالث:
كان هذا الملك صاحب حزم وعزم حتى عبدته الناس بعد موته، وقد جرد جملة تجريدات حربية لمقاتلة العبيد جنوب مصر، وشيد بوادي حلفة استحكامات لمنع تعدي العبيد على مصر؛ منها: قلعتان يعرف أطلالهما الآن باسم سمنة وقمنة، وكتب على حجر هناك ما صورته:
अज्ञात पृष्ठ
إن هذا الحجر هو آخر حدود مصر من جهة الجنوب، ولا يسوغ لأحد من أمة الزنج أن يتجاوزه إلا إذا كانت سفنه مشحونة بالثيران والمعز والحمير.
الملك أمنما الثالث:
ويسمى أيضا «أمنمحعت الثالث»، وهو الذي نظم جسور النيل وحفر الترع العظيمة وصنع البركة المعروفة عند الجغرافيين باسم «بركة موريس» بالفيوم، وصنع بوسطها هرمين يعلوهما صورته وصورة زوجته، وهو الذي بنى هرم اللاهون وحفر الترعة المعروفة الآن باسم بحر يوسف بالفيوم، وشيد سرايا بها 1500 أودة تحت الأرض و1500 فوقها، وأعدها مجلسا لأعيان مصر والكهنة ليتداولوا فيها في الأمور السياسية والمنافع العامة، وهي المعروفة الآن باسم سراي «لبرنت أو التيه أو البرية» وقد بنى هذا الملك مقياس النيل بوادي حلفة وموجود أثره إلى الآن، وانتظمت أحوال مصر في مدته واشتهرت بالعلوم والصنائع وأتقن فن البناء ونحت الأحجار.
وأما العائلة الثالثة عشرة والرابعة عشرة لم يعلم لهما شيء من الآثار، والأولى تختها طيبة والثانية سخا. (ب) العائلة الخامسة عشرة
هذه العائلة مجهولة الحال أيضا ، غير أن عرب الرعاة أغاروا على مصر في مدة حكمها، ونزعوا الملك منها، وجعلوا تخت حكمهم مدينة منفيس.
ذكر عرب الرعاة أو الهكسوس:
ذكر المؤرخون أن قبائل الهكسوس كانوا أخلاطا من العرب وأهل الشام والكنعانيين، وكانت قبائل رحل نزل، أغاروا على مصر (2213ق.م) من جهة الشمال الشرقي واستولوا عليها وقتلوا العباد وأحرقوا البلاد وخربوا الهياكل ونهبوا ما كان بها، ورحل بعض الوطنيين إلى الصعيد، ومكثوا بمدينة طيبة. وأما عرب الرعاة فقد اختاروا ملكا عليهم يدعى سلاطيس، فبادر بتشييد القلاع والحصون في الجهات التي يخشى عليها، وفي عصر هؤلاء الأقوام تكاثر ورود أهل آسيا واتخذوا منهم جنود ليكونوا لهم أعوانا عند الشدائد، ولم يمض على العرب زمن طويل إلا وتدينوا بدين المصريين، وتركوا الغلظة والفظاظة، وشرعوا في إحياء التمدن ونشر العلوم بعد ما تعلموا القراءة والكتابة، وفي أيام هؤلاء الأمم وفد يوسف الصديق على مصر وبيع فيها، ودخل بعد ذلك في خدمة الدولة المصرية، وما زال يترقى إلى أن صار عزيزها، والقصة مشهورة، ثم جاء يعقوب عليه السلام وأولاده الأحد عشر، فأنزلهم يوسف عليه السلام جهة الشرقية وأقطعهم وادي غسان، وهو المعروف برأس الوادي. ثم قامت الحروب على قدم وساق بين المصريين وأمة الهكسوس، ولم يتمكن المصريون من إجلائهم عن مصر إلا في مدة الملك أحميس رأس العائلة الثامنة عشرة.
الطبقة الثالثة (أ) العائلة الثامنة عشرة الطيبية 1703-1462ق.م
الذين حكموا من هذه العائلة أربعة عشر ملكا، ومدة حكمهم 241 سنة، ظهرت هذه العائلة من مبدأها بأقوى مظهر، وتفاخرت بانفرادها بالشوكة الملوكية والسطوة الأهلية، ومن أشهر ملوكها الملك أحميس الذي طرد عرب الرعاة بعد أن مكثوا بمصر أكثر من خمسة قرون، وكانت زوجته أتيوبية؛ ولذلك انقادت له أهل الأتيوبيا، وصارت له الكلمة النافذة على كل مصر من الشلالات لغاية البحر الأبيض المتوسط.
كيفية طرد عرب الرعاة (1703ق.م):
अज्ञात पृष्ठ
هي أن هذا الملك تحارب مع عرب الرعاة فانهزم منهم وفر هاربا إلى بلاد السودان وتزوج بابنة ملكها، فعاد مع عساكر سودانية متحدا مع قواد العساكر المصرية، وقامت الحروب على قدم وساق بين الطرفين، فانهزمت أمة الهكسوس، والتجأت إلى قلعتهم المسماة أواريس فحاصرهم الملك أحميس بها، وتم الأمر أخيرا بخروجهم بشرط أن يأخذوا جميع ما يمتلكونه من بر مصر، وخرجوا منها واقتفى أثرهم إلى أن أدخلهم أرض كنعان، وتخلفت منهم طائفة مكثت بين صحراء مديرية الغربية وفروع النيل الشرقية، وهم القاطنون الآن حول بركة المنزلة، وحرفتهم صيد السمك وقنص الطيور، واجتهد هذا الملك في تشييد العمارات والمباني الجسيمة، وفي ترميم ما دمرته جماعة الرعاة، ويرى اسمه منقوشا في جبل المعصرة، يستفاد منه أن هذا الملك قطع أحجارا من محاجرها وانتخب أحجارها البيضاء لتشييد جملة هياكل ومبان.
ذكر مصر وشوكتها بعد أمة الهكسوس:
قد علمنا أن الملك «أحميس» هو الذي طرد عرب الرعاة، وقد اعتبره المؤرخون مؤسسا لذرية ملوكية وهي العائلة الثامنة عشرة لداعي الانقلاب الذي أحدثه لإجلاء جماعة الرعاة من أرض مصر، وكان كل من جلس على سرير الملك بعد «أحميس» المذكور يعرف باسم «طوطوميس» أو «أمنحتب»، وكانوا ملوكا ذوي غزو وفتوحات، حتى أدخلوا البلاد تحت طاعتهم وقهروا العباد واستولوا على الممالك الواسعة، وافتتح لهم في تاريخ مصر باب عصر جديد كما هو آت.
ذكر الملك أمنحتب الأول:
لما جلس هذا الملك على سرير الملك بعد «أحميس» وسع حدود مملكته في بلاد الأتيوبيا التي كانت تسمى باسم بلاد «الكوش»، ومن وقتئذ صارت كلمة الكوش عنوانا لولي عهد مصر.
ذكر الملك طوطوميس الأول:
لما تولى هذا الملك قويت أطماعه في توسيع دائرة مصر فاستمر يحارب جنوبا وشمالا، فتحارب مع أهل الأتيوبيا، وامتدت حكومته إلى محاجر مدينة «إتبو» بوسط النوبة، بدليل وجود اسمه منقوشا هناك، وفي عصره اتسعت حدود مصر فكانت تمتد جهة الجنوب إلى جبل «إيتا» بالحبشة وجهة الشمال إلى آخر أساكل أهل آسيا، وكانت بلاد الأتيوبيا منبع الثروة المصرية بكثرة بضائعها وصنائعها ومعادنها، وبعد أن أدخل النوبة تحت طاعته ورتب فيها الحكام زحف بجيوشه على القوم القاطنين بين نهر الدجلة والفرات فانتصر عليهم، ولهذا الملك جملة عمارات منها: تشييد جزء من معبد «آمون» بالكرنك، ومسلتان إحداهما بباب المعبد والثانية ضاعت. وفي أيامه جلب المصريون الخيل معهم، ولم تكن معهودة قبل الآن في بر مصر، وتعلموا من «أمة الرطنو» صنع العربات الحربية، وصارت من وقتئذ من المهمات الحربية المصرية، ومع انهزام سكان آسيا وخضوعهم لملك مصر فإنهم حافظوا على قوانينهم ودياناتهم، وانحصرت عبوديتهم في تقديم جزية سنوية لفراعنة مصر.
ذكر طوطوميس الثاني:
في أثناء حكمه أرسل جيوشا لبلاد الشام والأتيوبيا فبايعوه من غير حرب، وقهر الأقطار السودانية التي كانت قائمة، وأدخلهم تحت طاعته، وصير بلادهم من الشلال الأول إلى بلاد الحبشة ولاية مصرية بعد أن كانت مستقلة، وعين عليها مأمورين من طرفه. وتوفي بدون أولاد ذكور فورثه أخوه طوطوميس الثالث، ولكونه قاصرا قامت أخته حعتشبسو بالنيابة عنه.
ذكر الملكة حعتشبسو:
अज्ञात पृष्ठ
وتسمى أيضا الملكة حتزو، ولما تولت الملك شرعت في تشييد هياكل ومباني سمتها باسمها، وحافظت على الوجه القبلي والبحري، وأخذت الجزية من سكان سوريا الشمالية، وحاربت بلاد «بون» بجنوب بلاد العرب المشهورة بالأخشاب والذهب والفضة والعطريات؛ وذلك لتوسيع مملكتها؛ ولهذا الغرض عملت في البحر الأحمر مراكب حربية وانتصرت عليهم، ويرى على حجر بالدير البحري «بالصعيد» أشكال السفن الحربية تشحنها رجال الأعداء منقادين بالحيوانات الغريبة كالظرافات والقردة والنمور، ومن جهة أخرى يرى أنواع الأسلحة وسبائك الذهب والنحاس، وسفن أخرى تحمل صناديق أنواع الأشجار والعطريات المضمخ أسفلها بالطين؛ لغرسها بمدينة طيبة. ومن أعمالها المسلتان الموجودتان بأطلال الكرنك، ولم تزل إحداهما قائمة الآن وعليها كتابة بالهيروجليفي معناها أنها عملت هاتين المسلتين لبقاء ذكر والدها «طوطوميس الأول»، وكان على رأس كل مسلة إكليل هرمي الشكل من الذهب المغتنم من الأعداء، فلما بلغ أخوها رشده أشركته في الحكم معها إلى أن ماتت.
ذكر طوطوميس الثالث:
لما تولى هذا الملك محا آثار أخته يريد بذلك محو اسمها من الدنيا، وهذا الملك هو مصباح تاريخ مصر، ولما جلس على سرير الملك شرع في إخماد نيران الثورة الناشئة بأرض الشام، وهزم أعداءه في واقعة حربية عظيمة في مدينة مجدوا المعروفة الآن باسم «مجدلة» بالقرب من جبل الكرمل، وسار على طريق أبيه «طوطوميس الأول» لقتال الأعداء، وعبر نهر الفرات وجبال أرض الجزيرة «أو الميزو بوتاميا»، ويقال لها أيضا جزيرة ابن عمرو، ودخل في مدينة «نينوى» وهو مظفر منصور، واستولى عليها كما استولى على غيرها من البلاد العظيمة، ومما يؤيد ذلك ما وجد منقوشا على لوح حجر بمعبد الكرنك، وهو محفوظ الآن بدار التحف بالجيزة، يتضمن أخبار وقائع هذا الفاتح وغزواته، يعرف الآن باسم لوح الكرنك الإحصائي، وسمي بذلك لأنه اشتمل على بيان عدد قتلاه وأسراه في كل واقعة حربية، ثم استولى على أغلب جزائر بحر الروم بمساعدة سفن الفنيقيين «أهل صور وصيدا»، ويستفاد من اللوح المذكور فتحه هذه الواقعة البحرية، ففيه أن أسطوله بعد ما أخضع جزيرتي قبرص وكنديا «كريت» توجه لغزو جزائر الأرخبيل الرومي، وبعد ما فاز بالنصر التام عليها ملك قسما عظيما من بلاد اليونان وآسيا الصغرى، والمظنون أنه أدخل تحت طاعته سواحل جنوب إيطاليا، ويفهم منه أنه أخضع سواحل ليبيا وأدخلها تحت الطاعة. وقد بلغت مدة حكمه 54 سنة، وله كثير من الآثار الباقية الآن في كل من مدينة هليوبوليس «المطرية» ومنفيس «ميت رهينة»، ولقصر أبي الحجاج وجزيرة «إلفنتين» بأسوان التي بها القصر المشهور الآن باسم «قصر أنس الوجود»، وجميع ذلك يشهد له بسمو القدر وعلو الشأن.
ذكر الملك أمنوفيس الثالث:
في عصر هذا الملك اشتدت الفتن فشرع في إطفائها، ونقش ذلك على تاج هيكل القصر، وكان هذا الملك ذا وقار ومهابة في زمن الحروب محبا للتدبير والسياسة في زمن الصلح؛ وبذا لم تتنازل مصر في أيامه؛ وسعى في تقدم العلوم والصنائع، وقد وجد اسمه منقوشا على كثير من قطع الأحجار أن هذا الملك قتل من أول سنة من حكمه إلى السنة العاشرة 102 أسدا ولم تنطف زهرة جنودها، بدليل ما وجد مرسوما على بعض أحجار بمتحف الجيزة، ولشهرة هذا الملك بالأقطار الغربية سمته اليونان بالممنون، وصنع صنمين عظيمين موضوعين في باب هيكل لقصر أبي الحجاج يعرفان الآن باسم «شامة وطامة»، ولغاية سنة 27م كان لم يلتفت أحد لهما إلى أن حصلت زلزلة فأسقطت جزء أحدهما الأعلى، وشوهد أن هذه القاعدة متى سقط عليها النداء في الصباح سمع لها صوت مستطيل عند شروق الشمس، فكان السياحون من اليونان والرومان يتعجبون من ذلك، إلى أن اعتقدوا أن صورة الملك أمنوفيس هذه هي صورة شمسون أحد أرباب الأتيوبيين، أبوه نيسون وأمه أورور، وأنه هو الذي أعان برياموس على اليونان في حرب «تروادة»، وأنه يشير بالتحية عند طلوع الشمس إلى والدته أورور «أعني الفجر» ثم اعتقدوا فيه اعتقادات غير ذلك، واعتقده غالب السياحيين، فصاروا ينقشون أسماءهم على سيقان هذين الصنمين إلى سنة 150م؛ حيث وفد على مصر الإمبراطور «أدريان» ملك الرومان وزوجته إلى الصعيد لسماع صوت هذا المعبود، فلما عاين منه ذلك أخذته الرأفة عليه فوضع الجزء الملقى على الأرض فوق قاعدته، فلما امتلأت فوارغه بالمونة، صار لا يسمع له صوت، فاتضح أن صوته الرنان كان ناشئا عن تأثير النداء والشمس في الحجر، فهي خاصية طبيعية، ومتى ظهر السبب بطل العجب.
أمنوفيس الرابع:
في عصر هذا الملك انتقل تخت المملكة من طيبة إلى مدينة جديدة اختطها هذا الملك، يعرف مكانها الآن بمحل يسمى «تل العمارنة» بمديرية «المنيا»، وكان محافظا على بلاده جريا على عادات أبيه، بدليل ما شوهد على الآثار من أن الأتيوبيين والشام والولايات الشرقية وجزائر البحر الأبيض المتوسط كانوا يدفعون له جزية سنوية، وفي مدته تجددت بمصر عبادة الشمس التي كانت معدومة من قبل عصر هذا الملك، وسبب ذلك أنه تزوج بامرأة أجنبية كما كانت أمه أجنبية أيضا، فدخلت معها عبادة الشمس، ولخوفه على نفسه من الأهالي رحل من مدينة طيبة، وسكن بالمدينة التي شيدها، وركن إلى السودان وأهل ليبيا وجعل جيشه منهم، وهدم جميع هياكل معبودات المصريين، وبمجرد موت هذا الملك قام المصريون بعزم وحزم وأطفئوا بدعته الدينية، ثم قامت الحروب الأهلية على قدم وساق مدة الملوك خلفائه المجهولة لنا أسماؤهم، فخربت البلاد وهدمت العمارنة وهيكل المعبود «آتن» الإله الجديد، ومحي اسم «أمنوفيس الرابع» من جميع المباني، وأعيدت عبادة الإله «آمون» وباقي الآلهة المصرية كما كانت.
وصعد على سرير الملك بعده ملك يدعى «حرمحب»، وهو الذي أطفأ نار الفتن وشرع في إدخال السودان تحت طاعته؛ حيث رفع لواء العصيان مدة الاضطرابات الأهلية، وكذا خرج عليه سكان آسيا، فشرع في إخضاعهم ثانيا، إلا أن الموت حال بينه وبين أغراضه. (ب) ذكر العائلة التاسعة عشرة القرن 14ق.م
ذكر مآثر الملك سيتوس:
ويسمى أيضا ستي، اقتدى هذا الملك بأعمال جده «تحتمس الثالث» أو «طوطوميس» في تحصيل سمو القدر لديار مصر، كما تشهد له بذلك الآثار، ففي أول سنة من حكمه حارب بدو مدينة «بيتوم» إلى أن أدخلهم أرض كنعان، ثم توجه إلى بلاد الأرمن والشام، وتحارب معهم حتى هزمهم، ووضع عليهم حكاما مصريين ومحافظين في جميع الاستحكامات، كغزى وعسقلان. وبعد ذلك حارب الفلسطينيين، ولكن خرجت عن طاعته الجهات المجاورة لنهر الفرات. ومن الآثار: يستفاد أنه حكم الأتيوبيين، وأوصل نهر النيل بالبحر الأحمر بواسطة ترعة حفرها كان فمها من تل بسطة إلى أن تصب في البحيرات المرة، وأسس استحكامات في شرق مصر وفتح طريقا في الجبل للقوافل توصل من قرية «أراسيا» بإقليم إسنا إلى معدن الذهب بجبل «أتوكي»، وأحدث عينا صناعية لشرب المسافرين، ومات وخلفه ابنه «رمسيس الثاني» الآتي ذكره.
अज्ञात पृष्ठ
ذكر مآثر رمسيس الثاني سنة 1400ق.م:
ارتقى هذا الملك صغيرا على سرير الملك في حياة والده، ولم تحسب مدة حكمه إلا من بعد وفاة والده «ستي» السابق الذكر، وقد سمته اليونان «سيزوستريس» وهو لقب اشتقوه له من كلمة «سيزوسترع» التي كانت عنوانا عاما لجميع فراعنة مصر، وقد نسب إليه الرواة أغلب أفعال أسلافه، وشابوها بقصص خرافية، ونسبوا إليه أيضا حروبا وغزوات من قبيل الأكاذيب مثل غزوة بلاد فارس، والهند. وقد أفادتنا الآن آثاره أنه كان من كبار الملوك أرباب الغزو والجهاد، وكانت أجل غزواته في شمال بر الشام، ومع حداثة سنه أرسله والده لغزو تلك البلاد، وكان عمره وقتئذ عشر سنين ، فغزاهم وأطاعهم، ثم حارب بلاد الأتيوبيا والقبائل القاطنة هناك على سواحل النيل، فصارت تتواتر مفاخره شيئا فشيئا إلى أن نال أعظم الفضل، فلما مات والده اشتغل بالملك، وعزم على توسيع بلاده بالفتوحات، ففي السنة الرابعة من حكمه قامت عليه سكان آسيا الشمالية، وصاروا إلى أن وصلوا بقرب حدود مصر، فقام رمسيس بجيشه، فاستظهروا عليه في مبدأ الأمر، ولكن أخيرا ظفر بهم، وفي حالة رجوع العساكر المصرية من هذه الحرب قام الكنعانيون وجيرانهم على الجيوش المصرية وكذلك الخيتاسيون حتى صار جميع سكان سواحل نهر الفرات إلى سواحل النيل تقاتل المصريين، وقد اجتمع المصريون مع أمة الخيتاس في قلعة «كدش» في وادي الجريت - وهو وادي نهر العاص بجوار عكا - فظهرت فيه بسالة مفرطة تخلدت في بطون التواريخ، وكانت سببا في القصيدة التي ألقاها الكاتب بنتاؤر - معناها الشاعر اللبيب - المنقوشة على جدران هيكل الكرنك، ولما تيقن أن الخيتاسيين كمنوا له خلف قلعة كدش، بعث يستصرخ بجيشه، فأحدق به الأعداء من كل جانب، فلما عاين خواصه ما حل به تركوا ملكهم في ساحة القتال وفروا على أقدامهم مدبرين، فعند ذلك انقض على عسكر الأعداء بمفرده وجال في جموعهم جول البأس، وصار وهو محدق بالأخطار يبتهل إلى إله مدينة طيبة المدعو «آمون رع»، ويذكر الهياكل الجليلة والمعابد العديدة التي أقامها إحسانا له وهو يقول:
يا أبتي يا آمون! أما لبيت صوتك ومشيت طوع أمرك! أما قربت لك القربان العديدة! أما شيدت لجلالتك معبدا مخلدا على ممر الدهور والأعوام! أما ملأت بيتك بالأسراء أعدائك! ... فأنا أدعوك يا أبتي يا آمون، قد تركتني عساكر الرماة والفرسان الكماة، لكن أنت حسبي يا إلهي من الجيوش المؤلفة والفرسان المتكاثفة والعساكر والجنود والأعلام والبنود.
ثم قال الشاعر المذكور إن الإله لبى نداه، وقبل دعاه، وملأ قلبه بسالة، وملأ قلب العدو خوفا. فاندفع بعربته ست مرات بين الصفوف، وهزم المئين والألوف، ثم أدركه بقية خواصه، فلما دخل الليل تكاملت عنده عساكره، فباتوا تلك الليلة، وفي الصباح أمر الملك بالحملة على الأعداء ، فهجم الفريقان ودارت الدائرة فيها على أمة الخيتاس، ففاز المصريون بالنصر، فطلب ملك الأعداء منه الصلح، وقد مكثت هذه الحرب مدة خمس عشرة سنة، وأخيرا حصلت عهود بين رمسيس ميامون المذكور وملك الخيتاس كتبت على لوح من فضة (موجود الآن بالأنتيكخانة بلندرة)، وبعد انقضاء الحرب بالعهود المذكورة شرع رمسيس في تشييد المباني، فشيد بكل مدينة معبدا لمعبودها، حتى قيل إنه لم يوجد محل قديم بمصر والنوبة إلا وله فيه أثر، وأشهر هذه المباني هيكل مدينة «أبسمبول جنوب مصر» وهو الذي حفر بحيرات التمساح، ومهد الطريق الموصل لاستخراج المعادن من بلاد النوبة، وطهر ترع الوجه البحري وحصن حدود الصحراء بالاستحكامات لمنع إغارة العرب على مصر، ولعدله كانت الأهالي تحبه، وكان إذا أراد التوجه إلى بلد من بلاده قابلته مشايخ البلاد بالملابس العظيمة واضعين على رءوسهم شعورا جديدة معطرة، واقفين على أبوابها وبأيديهم ورد، وهم ينادون: لقد حصل السرور بمشاهدتك يا رمسيس، دمت بصحة وعافية. ومات بعد أن حكم ستين سنة.
ذكر مآثر الملك منفطا الأول:
وهو ابن رمسيس الثاني، كان هذا الملك مباشر الأحكام مدة السنتين الأخيرتين من حكم والده، وجلس على تخت الملك وهو طاعن في السن، وشرع في تشييد المباني العظيمة بالوجه القبلي والبحري، وفي مبدأ حكمه كانت البلاد في هدوء وراحة، ثم ابتدأت إغارات الأجانب؛ حيث ظهر في بحر الروم أسطول حامل جما غفيرا من مقاتل البربر مثل: السليقيون «قبائل اليونان»، وسكان جزيرة صقلية «سيسيليا». وأتي على سواحل ليبيا وانضمت عساكره لعساكر تلك البلاد وهجموا على مصر، وقد دلت النقوشات البربائية أن مصر لم يدخلها عدو منذ خروج عرب الرعاة منها؛ فألقى المصريون سلاحهم مدة نصف قرن، فسقطت همتهم عن استعماله، فلذا لم يوجد عندهم من يقاومهم، فتقدموا حتى كادوا يدخلون مدينة منفيس، فقام منفطا بجيش عرمرم وهزمهم واستولى المصريون على غنائمهم وسلبوا ما كان معهم، وهذه أول واقعة حربية حصلت بين المصريين والأوروباويين.
وبعد موته حصلت حروب أهلية، لم نقف على تفاصيل حوادث هذه الحقبة المضطربة، والذي نعلمه أنه لم يتيسر لابنه «سيتوس الثاني» أن يجلس على تخت الفراعنة إلا بعد موت أبيه بنحو اثنتي عشرة سنة، ومن المحتمل أنه تعاقب على تخت المملكة اثنان بطريق التعدي، منقوش اسمهما على المباني القديمة، ومن المحقق أن ذرية عرب الرعاة القاطنين بالوجه البحري خلعوا أطواق الطاعة من أعناقهم، وأوقعوا السلب والنهب وأشعلوا النيران واللهيب وتجاروا على ذلك عدة أعوام.
معاملة المصريين لبني إسرائيل وخروجهم من مصر سنة 1350ق.م:
كانت عادة الفراعنة استعمال الأسراء في تشييد المباني والعمارات، وقد تكاثر عدد أولئك الأسراء في عهد العائلة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، وكان منهم بنو إسرائيل الذين استعبدهم المصريون واستمروا في العذاب إلى عهد رمسيس الثاني الذي زاد عليهم في التشديد، فشيد مدينة «رعمسيس» بعمال إسرائيليين، ومع شدة ذل الإسرائيليين بأرض مصر نموا وانتشروا، وأخيرا أمر فرعون برمي أولادهم في النيل وقت ميلادهم، وقد نجا موسى عليه السلام بأمر الله على يد ابنة الملك، ثم بعثه الله رسولا للإسرائيليين؛ لإنقاذهم من جور المصريين.
وقد ذكرت التوراة أن نبي الله موسى عليه السلام ألزم فرعون الحاكم وقتئذ بعد ما أراه الآية الكبرى أن يسمح لبني إسرائيل بالخروج من مصر؛ حيث كانوا مقيدين بقيد الأسر ورق العبودية، فقادهم عليه السلام إلى شبه جزيرة جبل الطور، ثم ندم فرعون على تخليصهم من طوق الطاعة فاقتفى أثرهم يقود جيشا جرارا، ولحقهم بالقرب من شاطئ البحر الأحمر بقرب الجهة المعروفة الآن بالسويس، فانفلق البحر لموسى وعبر وقومه سالمين، ولما أراد فرعون أن يتبعهم غرق مع قومه.
अज्ञात पृष्ठ
وقد حمل المؤرخون عبارة التوراة على فرعون منفطا الأول، مع أن النصوص البربائية عارضت هذا القول، وثبتت أنه مات حتف أنفه، فإن صح ذلك كان وقوع هذا الحادث المريع مدة الاضطرابات السابقة أو اللاحقة لحكم سيتوس الثاني ابنه. (ج) العائلة المتممة للعشرين القرن 13-12ق.م
ذكر مآثر الملك رمسيس الثالث:
وهو آخر مشاهير ملوك مصر، ولما تولى الملك اهتم في تحفظ مصر وملحقاتها، وسعى في تقدم داخليتها، وفي أول حكمه قام عليه الناس من كل جهة؛ فالبدو هددوا شرقي الدلتا، وخرجت عن طاعته ولايات الشام، وأغار الليبيون على غرب المملكة، فلما رأى تعصب هؤلاء الأقوام قام لقتالهم، فهزم أولا البدو، ثم الليبيين ومن معهم، فلما علم أهل آسيا الصغرى والجزائر اليونانية بهذه الحرب أرادوا الخروج عن طاعته، فشنوا الغارة واندفعوا بجيوشهم على مصر من جهة الدلتا، وتقابلت جيوشهم وسفنهم الحربية بجيوش وسفن المصريين، وحصلت واقعة هائلة انتهت بنصرة المصريين على هؤلاء الأقوام، وبعد ذلك هاج الليبيون مرة ثانية، ولكن المصريين قاتلوهم وانتصروا عليهم، واغتنموا غنائم كثيرة ما بين عدد حرب ومواش، وأسروا منهم عددا وافرا، وبعد ذلك حصل الأمن والراحة، وأرسل رمسيس المذكور في البحر الأحمر سفنا إلى بلاد العرب لجلب الخيرات منها، ثم أرسل تجريدة حربية إلى شبه جزيرة جبل الطور وأدخل أهلها تحت حكمه، وفي أواخر حكمه أشرك معه ابنه رمسيس الرابع، ثم بعد وفاته لم تشتغل الملوك خلفاؤه بالحروب، بل توجهت أفكار الأهالي إلى اتخاذ الصناعة والتجارة، وكرهوا الحروب التي أهلكت أموالهم وأولادهم، فدخل العناد والاضطراب في جميع فروع الحكومة واستفحل أمر كبار كهنة المعبود «آمون» واستولوا بالتدريج على أعظم مناصب البر والرياسة العسكرية، فلما مات رمسيس الحادي عشر قام رئيس الكهنة المدعو «حرحور» واغتصب التاج الملوكي، وجعل نفسه ملكا سنة 1150ق.م على كل مصر والشام، وأمر بنفي الملك وعائلته من مدينة طيبة إلى مدينة «تنيس» صان الحجر «بالشرقية»، وجلس الكاهن المذكور على تخت مصر، وبعد موته أخلفه قسيسان آخران، وفي مدتهما وقع هرج عظيم ببلاد مصر، وخرجت الأهالي هاربة من دفع الجزية، وكان تختهما مدينة «تنيس»، ووقع بين الطرفين شقاق ومنازعات شديدة، وقامت الحروب على قدم وساق، وآل الأمر بنزع الملك من يد الكهنة بظهور الملك «سمنديس» رأس العائلة الحادية والعشرين. (د) ذكر العائلة الحادية والعشرين القرن 11ق.م
رأس هذه الدولة هو سمنديس، وكان مقر حكومتها مدينة صان الحجر «شرقي الدلتا»، وقد أفنى عمره في حرب ذرية الكاهن حرحور ملك الصعيد بطيبة، وبعد موته استمرت الحروب سجالا بين ملوك مدينة صا الحجر وملوك طيبة، فكانت جيوش الوجه البحري مؤلفة من جنود الليبيين والأقوام الذين كانوا قاطنين على مصبات النيل، وكادت أن تكون رؤساء هذه الجنود المجمكة مستقلة وبيدهم الحل والربط، وكان شيشاق أو شيشنق أحد رؤساء هذه الجنود، وكان أجنبي الأصل، وهو الذي هدم أركان الدولة الحادية والعشرين، وأسس الدولة الثانية والعشرين وحكم جميع أرض مصر، وفي مدته عاد لمصر رونقها القديم، وأما ذرية حرحور الكاهن فإنها انهزمت أمامه وهربت إلى بلاد الأتيوبيا، وأسسوا دولة مستقلة وجعلوا تختها مدينة «نباتا» بالقرب من جبل البركل في جنوب «دنقلة القديمة»، وكان شيشاق المذكور معاصرا لسيدنا سليمان عليه السلام ملك بني إسرائيل، وبعد موته بخمسة أعوام هجم شيشاق على سبطي يهوذا وبنيامين، ودخل بيت المقدس الشريف سنة 970ق.م، واستولى على جميع خزائن سليمان، ويوجد منقوشا على جدران معبد الكرنك أسماء المدن التي خضعت لجبروته، ومن أعماله أيضا إيوان البسائط الباقية آثاره إلى الآن بتل بسطة، وفي أيام خلفائه عادت الفتن كما كانت عليه وكثرت العربدة بين الأكابر والأصاغر، بحيث إن شيشاق الرابع الذي هو آخر هذه الدولة لم يكن ملكا إلا على مدينة تل بسطة وما جاورها، وما زال الأمر يشتد ونيران الفتن تشتعل إلى أن ظهرت العائلة الثالثة والعشرون من سنة 810 إلى سنة 721 التي كان مقرها مدينة «تنيس»؛ حيث انقسم الملك بين عشرين أميرا مستقلا لقب أربعة منهم بالألقاب الفرعونية، فارتفع شأن أحدهم وهو تفنخت المؤسس للدولة الرابعة والعشرين الآتي ذكرها. (ه) ذكر العائلة الرابعة والعشرين الصاوية القرن 8ق.م
نسبة إلى مدينة صا الحجر، ورأس هذه العائلة هو «تفنخت» أحد الأمراء العشرين كما تقدم.
وفي مبدأ أمره شرع في نزع هؤلاء الأمراء، فاستعان بالأتيوبيين الذين كان لهم في ذلك الوقت سطوة عظيمة، وكان تختهم مدينة مرو بالأتيوبيا، ولما جعلته الأتيوبيون ملكا على مصر أخذ في محاربة بعض الملوك المجاورة له إلى أن انتصر عليهم، ثم حارب الأمراء المذكورين فهزمهم وأخذ ما كان بأيديهم ثم توجه إلى الصعيد، فأذعنت له الأمراء بالطاعة إلى أن وصل إلى قسم أرمنت، واستولى عليه، ثم وضع الضرائب على قسم أهناس المدينة التي كانت تحت حكم الأتيوبيين، فلما بلغ ذلك ملك الأتيوبيا «بعنخي» قاتله حتى انتصر عليه، وجعل مصر ملحقة ببلاده، وأبقى لرؤسائها الامتياز، وأبقى «تفنخت» ملكا عليهم، واستقر في صا الحجر، وبعد موته أخلفه ابنه باخوريس.
ذكر مآثر الملك باخوريس:
كان هذا الملك ضعيف البنية، صائب الرأي، ثاقب الفكر، مشرعا عاقلا، وقاضيا عادلا. ولما تولى الملك شرع في نزع مصر الوسطى والوجه البحري من الأمراء ونجح في ذلك، وجعل مصر مستقلة تحت حكمه، ثم أهان العجل «أبيس» معبود المصريين، وجعل الإهانة له أعظم ذلة، فاستعانوا عليه بملك الأتيوبيا المدعو سباقون، فبادر بجنوده لقتال ملك مصر وانضم مع الأمراء الذين كانوا يبغضونه، فوقع باخوريس في قبضة الأسر، فألقاه سباقون في النار حيا، وآل الأمر حينئذ للأتيوبيين وذلك سنة 1100ق.م. (و) ذكر العائلة الخامسة والعشرين الأتيوبية القرن 7ق.م
حكمت هذه العائلة من سنة 715 إلى سنة 665ق.م، وعدد ملوكها أربعة، ومدة حكمها 53 سنة.
السبب في استيلاء ملوك السودان على مصر هو تغير الأحوال الناشئ من اختلاف الكلمة بين ملوك العائلة الرابعة والعشرين لعدوانهم وبغضهم لبعض، حتى ورد عنهم في التوراة ما معناه: «إن ملوك تنيس صاروا لا عقول لهم، وملوك منف ضلوا وأضلوا قومهم، فقضينا أن نعطي ملك مصر إلى ملك جبار.»
अज्ञात पृष्ठ