قال: «أسمعه يقول لهم: «ما زال علي بك يبعث إلينا بأوامره المتشددة، كي نواصل الأسفار والحروب وتكبد المشاق والأخطار، وهو ناعم بالعيش في قصره بين حريمه وسراريه، ويستأثر وحده بثمرة جهادنا وتعبنا، فما قولكم؟» ...»
ثم تململ علي في مجلسه متظاهرا بالتعب، فقال له السيد عبد الرحمن: «امض في الاستماع لما يدور بين القوم من الأحاديث، وأخبرنا بم أجابوه.»
فتنهد علي، ثم استأنف تفرسه في الإناء وقال: «لقد تشاوروا فيما بينهم، ثم فوضوا الرأي له مؤكدين أنهم أطوع له من بنانه في كل شيء، ثم عززوا ذلك بأن وضعوا أيديهم على المصحف والسيف اللذين أمامه، وأقسموا ليكونن رهن إشارته، وهذا هو يثني على همتهم ويقول لهم: «إن علي بك يريد أن تذهب أعماركم في الحروب والفتوحات في سبيل تحقيق مطامعه التي لا تقف عند حد؛ ولهذا أرى أن نرجع إلى مصر وكفى ما قاسيناه من الغربة وأخطار الحروب حتى الآن، فإذا لم يعجبه ذلك فليس له عندنا إلا هذا.» وأشار إلى السيف الذي أمامه.»
وكان الشيخ ضاهر مرهفا سمعه لتتبع كل ما يقوله علي، فلما سمع عبارته الأخيرة على لسان أبي الذهب، لم يتمالك عواطفه وأخذ ينتفض من شدة التأثر، ثم نهض وجرد سيفه وراح يهزه بقوة قائلا: «ويل لك يا أبا الذهب! ويل لك يا خائن!»
وهنا تظاهر كل من علي والسيد عبد الرحمن بأن الجهد قد نال منهما، وطلبا ماء للشرب فجيء لهما به، وبعد أن شربا جلسا يمسحان عرقهما وهما يلهثان تظاهرا بالتعب والإجهاد.
ودنا الشيخ ضاهر من السيد عبد الرحمن وسأله: «أأنت واثق من صحة ما رواه غلامك؟» فأجابه بقوله: «نعم يا سيدي، إنني واثق بصدقه كل الثقة؛ فهو لم يرو لي إلا الصدق منذ استخدمته حتى الآن، ثم إني أضع نفسي رهنا عند مولاي حتى يتحقق الأمر بالوسيلة التي يراها.»
فقال الشيخ ضاهر: «الحق أني جد معجب ببراعتك في الطب والتنجيم؛ ولهذا ستكون من حاشيتي منذ الآن، للانتفاع بعلمك في أي وقت.»
فهم السيد عبد الرحمن بيد الشيخ ضاهر وقبلها وقال: «إني عبد مولانا، ولا شيء أحب إلي من هذا الشرف العظيم.»
ثم أمر الشيخ ضاهر بأن يخصص له مسكن خاص في القلعة، وأن تخلع عليه أثمن الخلع، ويجاب كل طلب له، وسر السيد عبد الرحمن بهذا لعله ينفعه في البحث عن ولده وزوجته، لكنه خشي أن ينكشف أمره إذا لاح للشيخ ضاهر أن يمتحنه بفتح مندل آخر، وأخيرا لم يسعه إلا الرضا بما كان مسلما أمره لله فيما يكون، ثم التمس من الشيخ ضاهر أن يأذن له في إبقاء خادمه معه، فأذن له في ذلك.
الفصل الخامس عشر
अज्ञात पृष्ठ