قال: «ما هو؟»
قال: «رأيت في الحلم يوم خروجنا من دمشق كأني لقيت سيدتك في ثياب سوداء، فقالت لي عبارة لا أزال أذكرها وهي «إني لا أزال حية أنتظرك، فمتى تأتي إلي؟» فتذكرت ما وعدني به السيد المحروقي بمصر من أنه سيطلعني على أمرها إذا لم يتحقق قتلها، فكيف نستطلع حقيقة ذلك؟»
فقال: «إذا شئت فإني أذهب إلى مصر، متى وصلنا إلى عكا، وأسأل السيد المحروقي في ذلك الأمر، عسى الله أن يحقق أملك.»
قال: «بورك فيك يا علي، ولعل الله قد قضى بجبر قلوبنا بعد ما قاسيناه من العذاب.»
وبعد مسيرة بضعة أيام وصلا إلى صيدا، فدخل عبد الرحمن المدينة وسار توا إلى البحر، فإذا بالعمارة الروسية راسية في الميناء، فاكترى قاربا وقصد إلى دارعة الأميرال وطلع إليها، فسر الأميرال بلقائه وبش في وجهه، أما هو فأظهر الانقباض، فسأله الأميرال عن أمره، فطلب أن يخاطبه على انفراد، فخلا إليه في غرفة هناك، حيث قص عليه عبد الرحمن قصته وطلب إليه أن يوصي به الشيخ ضاهر العمر، فرد عليه قائلا: «هذا أمر هين، وسأعطيك كتابا آخر إلى علي بك.»
ثم أمر بأن يكتب له كتابان: أحدهما إلى الشيخ ضاهر، والآخر إلى علي بك يؤكد فيهما التوصية به، ثم ختم الكتابين بخاتمه وسلمهما لعبد الرحمن قائلا: «مهما يصبك من ضيق فإنا نفرجه عنك.» فقبل عبد الرحمن يده وخرج شاكرا. ثم ركب في قارب وعاد إلى صيدا فإذا بعلي ينتظره على الشاطئ، فلما رآه أسرع إليه وسأله عما تم، فأخبره بما كان فسر كثيرا، ثم عاد إلى الخان وباتا تلك الليلة على أهبة السفر. وفي صباح اليوم التالي ركبا من صيدا يريدان عكا. •••
استيقظ حسن من نومه في تلك الحجرة الصغيرة على صوت الناقوس يدعو الناس إلى الصلاة، فنهض وخرج من الدير إلى حيث وقف على مرتفع، وأخذ ينظر إلى ما حوله فإذا هو محاط بسهول من الرمال يحدها من الغرب البحر الذي لا ينفك يدمدم ليلا ونهارا، ومن الشرق جبل لبنان وما في سفحه من الغياض والبساتين والقرى.
ولما عاد الراهب من الصلاة قال لحسن: «هيا بنا لأريك المغارة التي كان يبيت بها النبي إيليا؟» ثم قاده إلى باب صغير فتحه، ونزل به بضع درجات إلى مغارة صغيرة فيها صورة صغيرة على قماش، فقبلها الراهب قائلا: «هذه هي صورة النبي إيليا صاحب العجائب والمعجزات.»
فقال حسن: «إنه - عليه السلام - مشهور بالكرامات والعجائب.» ثم حانت منه التفاتة إلى ركن من أركان تلك المغارة، فشاهد رجلا مضطجعا، فقال: «من هذا النائم؟» فأشار إليه الراهب أن يسكت، فسكت وقد استولت عليه الرهبة من منظر تلك المغارة ومنظر ذلك الراهب المسن بما عليه من اللباس الخشن.
ولما خرجا قال له الراهب: «إن ذلك الرجل الذي رأيته نائما مصاب بروح شريرة، وقد جاء ونام في هذه المغارة لتخرج منه تلك الروح.»
अज्ञात पृष्ठ