فأعجب الأميرال بهذه المداعبة وحسبها تلميحا من الطبيب المغربي إلى قرب استسلام الجزار، فمضى يجاذبه أطراف الأحاديث، والسيد عبد الرحمن يضمن كلامه ما يدخل السرور والأمل في النصر القريب إلى قلب الأميرال.
وفيما هو في ذلك، جاء بعض الجنود الروسيين ومعهم رجل عربي قالوا إنه من أهل المدينة وقد هرب منها وقصد إلى المعسكر الروسي، مدعيا أن لديه رسالة يريد تبليغها إلى الأميرال نفسه.
والتفت الأميرال إلى الرجل وأخذ يتأمله مليا، ثم قال له على لسان الترجمان: «يلوح لي أني رأيتك قبل الآن.»
فقال الرجل: «نعم يا مولاي، لقد تشرفت بمقابلتكم في الإسكندرية حين كان أسطولكم راسيا في مينائها، وقد ...»
فقاطعه الأميرال وقال: «نعم، نعم ... قد تذكرت الآن، فأنت الرسول الذي حملت إلينا هناك رسالة من علي بك في القاهرة، أليس كذلك؟»
قال: «نعم يا مولاي.»
قال: «وماذا جاء بك إلى بيروت إذن؟»
قال: «إني من رجال الشيخ ضاهر الزيداني في عكا، واسمي عماد الدين، وقد أرسلني إلى مصر برسالة منه إلى علي بك، فلما بلغتها وتسلمت الرد عليها، كلفني علي بك حمل رسالته إليكم في الإسكندرية، وحينما أردت الرجوع إلى عكا لم أجد سفينة ذاهبة إليها، فركبت سفينة وجدتها قادمة إلى هنا على أن أقطع المسافة من بيروت إلى عكا على جواد أو جمل، وما وصلت إلى بيروت ودخلتها حتى أغلق الجزار أبوابها ومنع الخروج منها والدخول إليها، فبقيت هذه الفترة الطويلة في خطر القتل بنيران مدافعكم من جهة، وبيد الجزار من جهة أخرى إذا هو علم بأني من رجال الشيخ ضاهر.»
فعجب الأميرال من هذا الاتفاق العجيب وقال لعماد الدين: «وكيف استطعت الاختفاء كل هذا الوقت الطويل؟»
فقال عماد الدين: «يرجع الفضل في ذلك إلى جماعة من الرهبان المسيحيين، يقيمون بدير لهم على سور المدينة عند باب يعقوب، فقد آووني في الدير وتكلفوا بأمري منذ لجأت إليهم محتميا من ظلم الجزار وغدره، وما خاطرت بحياتي اليوم وخرجت من المدينة إلى هنا إلا لكي أرد لهم بعض جميلهم علي، وذلك أني وجدتهم يبحثون عن رسول يبعثون به إليكم كيلا تضربوا ديارهم بمدافعكم؛ لأنهم ليسوا من الأعداء، فتطوعت لإبلاغ هذه الرسالة.»
अज्ञात पृष्ठ