ولما بحثا عن صاحب الفندق علما أنه ذهب إلى المصطبة لمشاهدة الصلح، فاستقر رأيهما على اللحاق به ومباحثته في أمر اكتراء الجوادين هناك.
وفيما هما سائران بالقرب من قصر الحكومة، سمعا ضجة صادرة من جهته، وشهدا كثيرين من الأهلين يعدون في طريقهم إليه، فأدركا أن الجزار خارج في موكبه، ووقفا حتى مر الموكب بجماعة من الجنود المغاربة يتقدمونه لإفساح الطريق، ويعقبهم كوكبة من الفرسان، يتوسطهم الجزار على جواد أصيل سرجه من الديباج المذهب، وهو يلبس سراويل فضفاضة من الجوخ السميك، وعلى كتفيه الجبة، وعلى رأسه القاووق المملوكي الطويل تحت العمامة، وفي منطقته خنجر، وإلى جانبه سيف معقوف، وفي يده مذبة من شعر الخيل مقبضها من العاج، ومن خلف هؤلاء الفرسان فرقة صغيرة من الجنود الأتراك المشاة، ومعهم الطبول والأبواق.
فلما مر الموكب تبعه عماد الدين وحسن حتى جاوز المدينة وساحة السور ووصل إلى المصطبة، وهي أرض رملية بها بعض الأشجار من الصنوبر والصبير، وفيها أقيمت خيمة الأمير يوسف تحيط بها خيام الحاشية والجنود.
وترجل الجزار حينما اقترب من خيمة الأمير، ومشى مسرعا حتى دخلها، وحيا الأمير في أدب واحترام، ثم هم بيده فقبلها، وكان هذا جالسا على وسادة في صدر الخيمة، وهو يرتدي الجبة والقباء وعلى رأسه العمامة، فلما رأى الجزار جاءه معظما مستعطفا، خفت حدة غضبه عليه وقال له: «لماذا لم تكف عن ترميم الحصون؟»
فقال: «حاش لله أن أخالف أمر الأمير، ولكن البنائين كانوا قد أوشكوا أن ينتهوا من ذلك قبل وصول الأوامر.»
فقال الأمير يوسف: «على كل حال، أريد أن يقف كل عمل من هذا القبيل، وأن تخلي المدينة.»
فقال الجزار: «سمعا وطاعة، وأرجو أن يتفضل الأمير بإمهالنا بضعة أيام للقيام بما يريد.»
قال: «إننا نمهلك أربعين يوما، على أن تتم خلالها إخلاء المدينة والخروج منها.»
فحنى الجزار رأسه موافقا، ثم مال على يد الأمير فقبلها، وغادر الخيمة متأدبا، ثم عاد بموكبه إلى القصر.
ولما عاد عماد الدين وحسن إلى الفندق، اجتمعا بصاحبه، وطلبا إليه أن يعاونهما على اكتراء دابتين تحملانهما إلى عكا، فوعدهما بذلك، لكنه لم يستطع تحقيق مطلبهما إلا بعد يومين؛ إذ وجد مكاريا لديه جوادان، واستطاع أن يقنعه بحمل حسن وعماد الدين عليهما إلى عكا لقاء أجر كبير. •••
अज्ञात पृष्ठ