إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم (البقرة: 248).
والمعلوم في أسفار الكتاب المقدس أن أول ملك لهم في فلسطين هو شاءول، وتبعه داود المؤسس للدولة ثم ولده سليمان الذي أصبح أشهر ملوك الروايات المقدسة.
والكتاب المقدس يعترف صراحة أنهم قد أخذوا أرض فلسطين اغتصابا باحتلال استيطاني، ولديهم مبررهم العقائدي، فالأمر ببساطة «أن الرب قال لهم خذوها» ... فأخذوها. وما دام قد منحها لهم فقد سمح لهم بالقتل المحاذر حسب الشريعة بما تكتظ به التوراة من أخبار حروبهم الطويلة مع أصحاب الأرض الكنعانيين في الداخل والفلسطينيين على الساحل. وهو منطق أول من يجب عليهم تفهمه هم المسلمون؛ لأنهم أيضا قد فتحوا البلاد بأمر الله ليخرجوها من الظلمات إلى النور ويضموها إلى تبعيتهم أيضا وأخذوها واستوطنوها وأسلموها ... إلخ.
وهنا لا بد أن يطفر السؤال المستغرب يطرح نفسه ببراءة: هل علينا مثلا أن نرتاح لقيام مملكة إسرائيلية على أرض مغتصبة إذا آمنا أن داود وسليمان كانوا مسلمين؟ ولا نرتاح لهذا الاغتصاب إذا كانوا إسرائيليين؟ أو يمكن التساؤل بذات المعنى لكن على الوجه الآخر للعملة: هل لو كان الذين ارتكبوا المجازر في فلسطين مسلمين (أتراكا أو إيرانيين أو أفخازيين أو أفغانا مثلا) كان من الممكن ألا تهتز ضمائرنا لمجازرهم؟ أو هل كان الحزن العربي سيهبط إلى مستويات أقل مما هي عليه الآن؟
لقد كان موسى قائدا لليهود في الخروج إلى فلسطين، وأكمل يشوع ما بدأه موسى، حتى تمكنوا من إقامة مملكة يهودية حكمها سليمان، واستخدم اليهود إبانها - حسب التوراة - وسائل قتل أشد بشاعة مما نراه اليوم، المجازر التي تحتاج للقلب البارد والقاسي؛ فاليوم هناك منطق حقوقي عالمي يضمن بعض الحماية الإنسانية، وليس الإبادة كما تقرؤها من أوامر الرب بالكتاب المقدس في نصوص تحتشد بها بالذات أسفار الخروج والتثنية ويشوع، ولنا بهذا الشأن دراسات مطولة منشورة.
وقبل دخولهم مصر وخروجهم منها، كانوا قد جاءوا فلسطين أغرابا على أهلها، وهو ما تردده التوراة ببساطة. الإيمان بأن دينهم قويم أيضا وما أمر به الرب هو الحق كله، لقد منحهم أرض فلسطين وهم أغراب عليها. وهو ما تردده التوراة في أكثر من موضع نضرب منها مثلا واحدا فقط بين مئات الإشارات، وهو قول الرب لخليله إبراهيم: «وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك وأعطي لك ولنسلك من بعدك «أرض غربتك أرض كنعان» ملكا أبديا وأكون إلههم» (سفر التكوين، 7: 7-8).
هل يرى أصحاب خطاب الحق الديني أين يكمن لهم فخ التاريخ الديني؟
إن مشكلتنا لم تعد أبناء فلسطين المشردين في العالم أو المحاصرين بالقتل والتدمير، لأننا رحنا ندافع عن مسجد له رب يحميه، ولم تحركنا الأرض فهي محتلة منذ 67 وقبلها منذ 48، أما انتفاضة التحرير فقد حولناها إلى انتفاضة الأقصى. المسجد أصبح هو الموضوع والشاغل؛ لذلك أصبح همنا أن نثبت للعالم أن الهيكل مجرد خرافة كما أراد الأستاذ صلاح حافظ، أو أن نثبت أن بانيه ليس سليمان إنما بانيه هو يعقوب ... ما الفرق يا سادة بين يعقوب وسليمان؟ أليس يعقوب هو من حمل اسم إسرائيل وأصبح أبناؤه من بعده بني إسرائيل الموعودين بأرض غربتهم في القصص التوراتي معضدا بالقصص الإسلامي؟ ثم نفهم بعد ذلك أننا أصحاب الحق الديني؟ ... كيف؟! سيصبح حقنا محصورا في ليلة واحدة من التاريخ هي ليلة الإسراء والمعراج التي لا يؤمن بها سوانا، بل ربما لحظة في تلك الليلة حيث عاد الرسول عليه الصلاة والسلام منها ليجد فراشه بعد دافئا.
هل ترون أيها الناس إلى أين تذهبون بخطاب الحق الديني؟ هل تدرون أنه مهما قلتم عمن أقام المكان المقدس إن كان آدم أو يعقوب أو سليمان، فإن من أقامه لو سألت أي رجل في شوارع الدنيا أو طفل لأجابك بأن بانيه هو سليمان.
وتقول كتبنا الإخبارية إن الخليفة عمر بن الخطاب عند فتح فلسطين رفض أن يصلي في كنيسة القيامة حتى لا يحولها المسلمون من بعده إلى جامع، لكنه صلى عمدا فوق الصخرة وأمر ببناء مسجد عليها أتمه عبد الملك بن مروان من بعده، وكان الخليفة عمر قد منع أي يهودي من دخول المدينة ... وهذا هو بالتحديد ما يأخذه الباحثون الإسرائيليون من تراثنا ويعرضونه على العالمين.
अज्ञात पृष्ठ