يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ،
58
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون * وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة .
59
وهذه الآيات في التحريم صريحة لا تحتاج إلى شرح، وفسر المفسرون آية:
الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ، بأن الآخذين للربا لا يقومون إذا بعثوا من قبورهم إلا قياما كقيام المصروع فلا يقومون من المس، أي الجنون الذي بهم بسبب أكل الربا، ويكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين لاختلال عقولهم؛ لأن الله أربى في بطونهم ما أكلوا من الربا فأثقلهم،
60
أما نحن الدنياويين فقد رأينا في الربا بلاء عظيما غير ما عرفه منه الأخرويون؛ رأينا كثيرين من أكلة الربا يصابون وأولادهم بالجنون أو بشيء يقرب من الجنون، والأمثلة كثيرة في أيامنا، ونعلل هذا السر في جنون آكل الربا؛ أنه يكون غير مطرد في توازنه لا يملك اعتداله أبدا؛ فهو يفرح كثيرا ويكتئب كثيرا، ويحصر وكده ويكد ذهنه في دائرة معينة أقل ما يقال فيها: إنها حساب الأرقام على الدوام، والتخوف مما تخبؤه الأيام، ومن ضيق المجال على عقله ضعف تفكيره، ومن قل تفكيره كثرت هواجسه وكانت البلاهة فما بعدها أقرب إليه من فكه، ومن كان هذا حاله جاء منه الأبناء المغفلون يحاولون أن يعيشوا من بقايا ما ورثوه من ثراء، وقد يكون تبعثر في حياة جامعه، وهناك ضيعة الأمل، وخيبة العمل ، إلى انقضاء الأجل.
ولقد عد الشارع الربا من السبع الموبقات أي المهلكات وهي: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وقال: «لعن الله آكل الربا ومؤكله.» وأثبتت الأيام أن التوغل في الربا في الغرب أدى ولا يزال يؤدي إلى محو الثروات؛ وذلك لأن الربا الفاحش، وأكثره فاحش، يربح أكثر من ربح الصناعة والزراعة والتجارة، فاعتماد الناس عليه وحده غبن عظيم على المجتمع، وتعطيل للأعمال المثمرة؛ لأنه قد يزهد الناس في التجارة وعمران الأرض واستثمار موادها، فيعمدون إلى الانتفاع بأموالهم بطريقة الربا لما فيه من ربح لا تعب فيه، وريع مضمون مؤمن، قد تكون الخسارة فيه أقل من الخسائر في سائر ضروب المعاش، على أن الربا ينافي سنة الكون؛ لأن من يأتيه ربحه بدون عناء، يبسط يده في إنفاقه كثيرا، كالمقامر لا يرى إلا سمحا على الأغلب؛ لأن ماله أتاه هينا لينا وإذا خسر تكون خسارته من أصل رأس ماله، ولقد رأينا بيوتا عظيمة في مصر والشام كانت في هناء وسعادة، فلما تطوحت في الربا دائنة ومدينة، انقرضت على بكرة أبيها، سواء في ذلك أهل الأديان السماوية الثلاثة، وكان لهذه المصافق المالية (البورصات) وهي أشبه بالميسر دخل كبير في محق الثروات.
على أن الإسلام رخص في استثمار الأموال إذا لم يشترط في الأول ربح معين كأموال المقتصدين في صناديق التوفير، وحظر الاسترسال في الربا الفاحش؛ فالمحرم هو ربا النسيئة، أي إنساء
अज्ञात पृष्ठ