طالت محاولة المتعصبة إلصاق تهمة حريق خزانة الإسكندرية بعمر بن الخطاب، وقد ثبت لعلمائهم أنفسهم أنها حرقت قبل الإسلام بقرون،
19
ومع ظهور الحق في هذه المسألة، بعد أن لاكتها الألسن كثيرا، نرى أناسا يتخيلون أن في ترديد هذه الأكذوبة على الخليفة الثاني حطا من قدره، فيذكرونها عند كل موقف، ليدلوا على جهل الخليفة، وتصلبه في أفكاره، وتجافيه عن الأخذ ممن سلف من الأمم.
حرقت خزانة الإسكندرية غير مرة بأمر الإمبراطورين ثيودوسيوس ويوستنيانوس، وآخر حريق لها كان قبل الهجرة بمائتي سنة، ذكر جيبون في تاريخ سقوط دولة الرومان أن هذه الفرية على المسلمين لفقها أبو الفرج بن العبري في تاريخ مختصر الدول، وذلك بعد الإسلام بنحو ستمائة سنة، ولم يتعرض قبل أبي الفرج مؤرخ واحد لذكرها، حتى إن أفتيكيوس بطريرك الإسكندرية مع توسعه في الكلام على استيلاء المسلمين على ثغر مصر، لم يذكر كلمة عن حريق عمرو بن العاص لهذه الخزانة، وقد ذكر أرفنج وكريستون وفلين وغيرهم أن ما أشيع من مساوئ الإسلام والمسلمين بهذا الشأن، لم يكن له ذكر قبل نقل كتاب مختصر الدول إلى اللاتينية، ومن ذلك الحين ابتدأ الغربيون يبغضون المسلمين ويحتقرونهم.
ومن جملة من نقضوا هذه الرواية من علماء الفرنسيس أرنست رنان، وآلبرسيم، وقد قال رنان من خطاب له في المجمع العلمي الفرنسي: إن العلم والدين الإسلامي لا يجتمعان، بيد أنه لا يعتقد أن عمر هو الذي أحرق خزانة الإسكندرية؛ لأنها أحرقت قبله بزمن طويل، وكتب إلينا آلبرسيم 14 آب سنة 1908: «لشد ما استحكم الوهم التاريخي زمنا بشأن عمر وخزانة الإسكندرية، وها هو الآن آخذ بالاضمحلال، أما أنا فقد اغتبطت بما سنح لي من الفرصة، فكنت من العاملين على مكافحة هذا الوهم، وأثبت بالبراهين التي وصلت يدي إليها ما اعتقدت أنه هو الحقيقة .» ونص عبارته في كتابه الذي سماه الكتاب
Le Liver ، وشكرناه عليها: «ولم تحرق خزانة الإسكندرية التي قال بعضهم: إنه كان فيها نحو سبعمائة ألف مجلد على يد الإمام عمر ولا بأمره، كما جاء في بعض المصادر، فإن هذه الدعوى من الأغلاط التاريخية العظيمة؛ إذ لم يكن أثر لهذه الخزانة عندما فتحت العرب مدينة الإسكندرية سنة 640، وعلى عهد البطالسة أصبح أمر الخزانة إلى ضعف، فقسمت شطرين جعل كل منهما في مكان مستقل، فحرق القسم الأول قضاء وقدرا عندما استولى يوليوس قيصر على الإسكندرية سنة 47 قبل المسيح، وذهب القسم الثاني وكان جعل في معبد سيرابيس على يد الأسقف تيوفيل بعد ذلك التاريخ بأربعمائة سنة، عقيب الأمر الصادر عن ثيودسيوس بالقضاء على جميع المعابد الوثنية وجعل عاليها سافلها.»
وقال فوت
20
وأهلويلر في كتابهما «جنايات الأوروبيين»: «إن تيوفيل هو الذي حرق خزانة الإسكندرية لا المسلمون؛ لأن الدين الإسلامي لا يبيح إحراق الكتب.» وقال مسبرك في كتابه «الادعاءات الكاذبة»: «إن الإفرنج هم الذين أحرقوا خزانة الإسكندرية، والمسلمون هم الذين أدخلوا العلم إلى أوروبا.» وقال استيفونس في كتابه «التفكر والأديان»: «أحرقت أيدي الجاهلين خزانة الإسكندرية، وهي مكتبة مهمة وبفقدانها اضمحل العلم، وبقيت أوروبا تتخبط في ظلمات الجهالة إلى أن أنارها المسلمون بعلومهم.»
وقال غريفيني من علماء المشرقيات في إيطاليا: بعد أن فتح عمرو بن العاص الإسكندرية مرت ستة قرون كاملة، لم يسمع خلالها قول لمؤرخ مسلم أو غير مسلم، يتعرض لاتهام عمرو بن العاص بإحراق خزانة الإسكندرية، وينقض هذه التهمة ما اشتهر به عمرو بن العاص من سياسة التساهل التي جرى عليها، وشهد له بها أشهر المؤرخين النصارى الذين كانوا في عهده، كيوحنا النيقيوسي في كتابه «تاريخ مصر» الذي وضعه باللغة الحبشية القديمة.
अज्ञात पृष्ठ