इस्लाम शरीकन
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
शैलियों
إن اتخاذ مواقف مؤيدة لسياسة إسلامية أمر يتفق مع التصور التقليدي بأن الدين والسياسة في الإسلام لا ينفصلان. والواقع أن الجماعة الإسلامية لم تكن منذ البداية - أي منذ هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة في عام 622م الذي يبدأ به التاريخ الهجري - جماعة دينية وحسب، وإنما كانت دولة كذلك (على العكس من المسيحية التي لم تصبح ديانة للدولة إلا بعد ثلاثة قرون ونصف القرن من نشأتها). ولكن كيف يكون شكل الدولة الإسلامية؟ إن المصادر الأولى للدين الإسلامي لا تقول إلا القليل في الإجابة عن هذا السؤال. أما القرآن الكريم فلا نجد فيه إلا الأمر الإلهي بطاعة أولي الأمر العادلين:
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم (سورة النساء: الآية 59)، وكذلك الأمر الإلهي بأن يتشاور المؤمنون فيما بينهم:
وشاورهم في الأمر (سورة آل عمران: الآية 159)،
وأمرهم شورى بينهم (الآية الكريمة 38 من سورة الشورى) والمؤسسات «الحكومية» التي أوجدها الرسول، عليه الصلاة والسلام، في أثناء حياته مرتبطة أشد الارتباط بالظروف التاريخية بحيث لا يمكن - إلا بصورة عامة جدا - أن تكون نموذجا لدستور دولة حديثة. لذلك فلا مفر من أن تكون الإجابة عن السؤال عن شكل الدولة الإسلامية في العصر الحاضر من شأن الناس أنفسهم. والحركة الإسلامية نفسها هي وحدها التي يمكنها تقديم الجواب لمن يسألها عن أهدافها. ولكن سيتضح لمن يطرح السؤال - كما سبق القول - أنه لا توجد حركة واحدة بل عدة حركات.
بيد أن هناك نقطة واحدة يبدو أن الإجماع ينعقد عليها، وهي أن مهمة الدولة الإسلامية هي تطبيق الشريعة. والواقع أن الشريعة ذات أهمية عظمى في الإسلام إلى حد أن التعريف التقليدي (أو الكلاسيكي) للمسلم هو أنه ذلك الإنسان الذي يتمسك بالشريعة الإسلامية. والشريعة تطمح إلى أن تكون شمولية، أي أن تنظم حياة الإنسان بأكملها، سواء في ذلك صلاته أو سلوكه في المجتمع. ويلاحظ من جهة أخرى أن الدول الحديثة في العالم الإسلامي قد عمدت - متأثرة في ذلك بالغرب - في مجالات قانونية كثيرة إلى إدخال قوانين معتمدة كل الاعتماد على نماذج غربية، ولا يستثنى من هذا سوى قوانين الأسرة والميراث (أي قوانين الأحوال الشخصية) التي بقيت في جوهرها قوانين إسلامية، وهكذا يعتبر الرجوع إلى الشريعة الإسلامية - بطموحها الشمولي - مشروعا بالغ الضخامة والأهمية، ومع ذلك فمما ييسر الأمر أن الشريعة الإسلامية ليست نظاما جامدا، صحيح أن الله وحده هو المشرع، وأن التعاليم الشرعية التي نزل بها الوحي الإلهي في القرآن الكريم تعاليم أبدية ثابتة؛ ولكن المسلمين، وعلى الرغم من ذلك، سرعان ما وجدوا أنفسهم مضطرين بحكم الضرورة للتوسع في هذه التعاليم، وذلك عن طريق الاقتداء بالسلوك الأمثل للنبي عليه الصلاة والسلام، ومن خلال الإجماع واللجوء، في كثير من الحالات، إلى قياس الشبيه. وبذلك أحسوا بالحاجة الشديدة إلى الاجتهاد في تفسير التعاليم التي جاء بها القرآن الكريم، ووجدوا الطرق والوسائل التي تعينهم على ذلك.
لنأخذ، على سبيل المثال، مسألة قطع اليد عقابا للسارق. فالآية الكريمة تقول بوضوح:
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم (سورة المائدة: 38) ولكن علماء الشريعة حددوا مجموعة من الشروط التي تجعل تنفيذ تلك العقوبة القاسية أمرا عسيرا. وهم يرجعون في ذلك - فيما يرجعون إليه - إلى قول الخليفة عمر بن الخطاب (وهو الرمز المجسد للعدالة الإسلامية) بألا تقطع يد في مجاعة، ثم يستخلصون القاعدة العامة التي تنص على إعفاء المحتاج من تلك العقوبة.
6
والمثل السابق يلقي الضوء على المستوى الرفيع لعلم الشريعة في الإسلام، وعلى قدرته الفائقة على أخذ الظروف الفردية والاجتماعية الخاصة بعين الاعتبار، وقد أكد هذا العلم على مقاصد الشرع والمصلحة العامة وجعلهما معيارين مهمين لتفسير النصوص، كما وضع مبادئ قيمة، مثل مبدأ تغيير التعاليم الشرعية وفقا لتغير العصور والأزمان، بما يعني وضع الشريعة في التاريخ أو الإقرار ب «تاريخيتها». بذلك أصبح التوصل - على مستوى آخر لا يقل أهمية، ومع الإجماع الكامل من حيث المبدأ على ثبات الأسس القرآنية وعلوها على الزمن - إلى تشريعات خلاقة وشديدة التنوع أمرا «ممكنا» وضروريا، كما نشأت في الوقت نفسه مشكلة كبيرة تتعلق بتحديد أولئك الذين يملكون الكفاءة والصلاحية لإصدار مثل هذه التشريعات الخلاقة.
كان الحل التقليدي المألوف لهذه المشكلة هو إسناد هذه الصلاحية لعلماء الشرع. والإسلام لا يعرف نظام الكهانة، ولكنه يعرف العلماء الذين يملكون العلم المطلوب لتفسير الشرع، صحيح أنهم فقدوا إلى حد كبير تلك المكانة المرموقة التي حظوا بها على مر التاريخ، ولقد كانوا في بعض الأحيان يجندون علمهم لوضع حد لسلطة الحكام والتدخل بذلك في أمور السياسة، ولكنهم صاروا في العهود المتأخرة تابعين للحكام الذين استغلوهم لتأييد مصالحهم. وفي العصر الحديث، كما سبق القول أدت «علمنة» الحياة إلى انكماش تأثيرهم. ومع ذلك فما زال علماء الإسلام، في نظر الجماهير الشعبية العريضة التي تستمد هويتها من الإسلام، يتمتعون بقدر كبير من الهيبة والاحترام والتأثير الذي قد يستغل أحيانا لأغراض سياسية.
अज्ञात पृष्ठ