इस्लाम शरीकन
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
शैलियों
أضف إلى هذا أن الوحدة العربية قد أصبحت اليوم في وضع أكثر إشكالية من أي وقت مضى، كما أن حركة المقاومة الفلسطينية - التي استطاعت بغير شك أن تحافظ على طموحات الشعب الفلسطيني - قد عجزت عن تحقيق الأمل أن تكون نواة تجديد شامل للكيان العربي. وأما حزب البعث العربي - الذي كان مهيأ قبل غيره من الأحزاب لتولي زمام حركة القومية العربية بعد وفاة عبد الناصر - فهو عاجز حتى عن تحقيق الوحدة بين القطرين اللذين يحكمهما وهما سوريا والعراق. ووصلت الأزمة في لبنان إلى حد نشوب حرب أهلية طاحنة لم تطفأ نيرانها إلى اليوم.
2
وها هي الصراعات العربية تشتعل في الشمال الأفريقي حول الصحراء الغربية، كما تتفجر الخلافات بين تونس وليبيا.
ويرجع جزء من هذه الظواهر المقلقة، في علاقات بعض الدول العربية ببعضها، بصورة مباشرة للتأثيرات الأجنبية، ولكن من الواضح أن جزءا كبيرا منها (أي من تلك الظواهر المقلقة) قد نجم عن تعثر خطوات التنمية والتقدم داخل تلك المجتمعات، وإن كانت أسباب ذلك غير مقطوعة الصلة بالتبعية للقوى الأجنبية. ويصدق هذا أيضا على التطورات السياسية والاجتماعية في تلك الدول. صحيح أن معظم البلاد العربية قد مرت بفترات ليبرالية تحكمت فيها قوانين السوق الحرة في الاقتصاد، وعرفت فيها الحياة السياسية النظام البرلماني والنظم الحزبية. ولكن الاقتصاد الليبرالي أدى إلى تفاقم حدة الفروق الاجتماعية، والنظام البرلماني أثبت فشله وعجزه عن توجيه خطط التنمية ومشروعات التطوير لمصلحة المجتمع بأكمله، وكانت نتيجة ذلك أن حلت محل النظم الليبرالية نظم عسكرية ارتكزت على نظام الحزب الواحد وتبنى معظمها الأهداف الاشتراكية، ومع ذلك بقيت النجاحات الاقتصادية لهذه النظم موضع شك من جوانب كثيرة، كما أنها عجزت عن التغلب بصورة فعالة على الفروق الاجتماعية، وذلك فضلا عن تولد الانطباع بأن تلك النظم العسكرية مرتبطة ارتباطا شديدا بسيطرة البيروقراطية، وقمع الحريات المدنية، والإجراءات البوليسية المخيفة. ويبدو اليوم أن ذكرى تلك الوصمات ما زالت تجثم بثقلها على عهد عبد الناصر الذي يمثل ذروة القومية العربية. وما دمنا نواصل الكلام عن الحالة في مصر، فيمكن القول إن نظام أنور السادات - الذي يحاول أن يجمع بين السلطوية والليبرالية - لا يمثل بديلا مقنعا عن النظام الناصري.
والواقع أن هذه الأحكام السلبية عن التاريخ المعاصر للبلاد العربية لم تأت نتيجة تحليل موضوعي يمكن أن يكون أكثر دقة وتفصيلا. فهي تكتفي بتقديم فكرة موجزة عن الوعي العام لدى العرب، وتستند هذه الفكرة إلى الشواهد العديدة المستمدة من الأدب والصحافة، ومنها ذلك الحوار المستفيض الذي دار في الفترة الأخيرة عن «ربع قرن من حركة التحرر العربي» منذ استيلاء الضباط المصريين على دفة الحكم في سنة 1952م.
3
ولا يختلف عن ذلك حال البلاد الإسلامية الأخرى التي سادها مثل هذا الوعي العام الذي وصفناه. صحيح أن عناصر هذا الوعي قد تشكلت بصورة أخرى، ولكنها بقيت في مجموعها قائمة. لقد بدأ العصر الحديث في تركيا تحت ظل الروح الكمالية (نسبة إلى الثورة العلمانية لمصطفى كمال أتاتورك) باقتصاد الدولة وحزب الدولة. ثم ما لبثت أن أعقبتها حقبة تبادلت فيها الأحزاب الرأسمالية والأحزاب الاجتماعية الديموقراطية مقاليد السلطة تحت رقابة العسكريين، وذلك دون أن تنجح في حل مشكلات التنمية حلا مرضيا. وكان من نصيب المبادرات الأولى لبناء نظم برلمانية في إيران أن تقضي عليها الحكومات الملكية المستبدة التي فشلت سياسات التحديث التي شرعت فيها - وكان من الممكن بفضل الدخول الضخمة من بيع النفط أن تحقق تقدما ملحوظا - فشلا ذريعا في التأثير في جماهير الشعب العريضة وتحسين أوضاعها.
والواقع أن خيبة الأمل المريرة - التي يسهل أن تتحول إلى التمرد والثورة - لم توجه في الأساس إلى التحديث في ذاته، بل إلى نوع من التحديث الذي لم يجلب على الناس نفعا ولم يشعرهم بأي تقدم ملموس، وإنما جلب عليهم الضرر الشديد وزاد من إحساسهم بالضياع. ويرتبط بخيبة الأمل في مثل ذلك النوع من التحديث الفاشل والثورة عليه شعور بالتمرد والاحتجاج على مصادره والممثلين له، أي على القوى الصناعية الغربية التي لم تكتف بجعل الشعوب الأخرى تابعة لها، بل إن مخترعاتها، وأفكارها، وخططها في التنمية قد جرت عليهم الشقاء والتعاسة. ويقترن بهذا شعور آخر بالتمرد والاحتجاج على الطبقات «المتغربة» داخل المجتمعات الإسلامية ذاتها، وهي الطبقات التي سعت - سواء بحسن نية أو مدفوعة بأطماع أنانية - إلى إدخال تلك المخترعات والأفكار والخطط إلى بلادها وإغراء الشعوب بتبنيها.
ومن الطبيعي - إزاء تلك التبعية للقوى الأجنبية وخيبة الأمل في التصورات والأفكار الأجنبية - أن يتوجه الناس إلى المألوف لديهم، ويستمدوا القوة من منابعهم، ويلتمسوا «السند» في ما هو خاص بهم - وذلك على نحو ما عبر المستشرق فالتر براونه في كتابه عن الشرق الإسلامي بين الماضي والمستقبل.
4
अज्ञात पृष्ठ