इस्लाम फि क़र्न चिश्रिन
الإسلام في القرن العشرين: حاضره ومستقبله
शैलियों
Westermayck
العالم الحجة في شئون الزواج على اختلاف النظم الإنسانية أن الكنيسة والدولة معا كانتا تقران تعدد الزوجات إلى منتصف القرن السابع عشر، وكان يقع غير نادر في الحالات التي لا تعنى بها الكنيسة عنايتها بزواج الأسر الكبيرة، وكل ما حدث في القرن الأول للمسيحية أن الآباء كانوا يستحسنون من رجل الدين أن يقنع بزوجة واحدة، وخير من ذلك أن يترهب ولا يتزوج بتة، فكانت الفكرة التي ذهبت إلى استحسان الزواج الموحد هي فكرة الاكتفاء بأقل الشرور، فإن لم تتيسر الرهبانية فامرأة واحدة أهون شرا من امرأتين، وكانت المرأة على الإطلاق شرا محضا وحبالة من حبالات الشيطان، بل أخطر هذه الحبالات، واستكثر أناس من آباء الكنيسة وفقهائها أن تكون لها روح علوية، فبحثوا في ذلك، وأوشكوا أن يلحقوها بزمرة الحيوان الذي لا حياة له بعد فناء جسده.»
ومن الواضح أن هذه المسألة بذاتها - مسألة الزواج والمرأة - لم تكن من المسائل التي تسبق الدخول في دين من الأديان، وما من أحد في أفريقيا وفي سائر القارات رأى المسلمين منفردين بإباحة الجمع بين النساء في البيت الواحد، وما من وثني على الفطرة أباح له الإسلام كل ما يستبيحه من الشهوات على دين آبائه، وأولها المسكرات التي تفشو بين البدائيين، ويضيقون بمنعها أشد من ضيقهم بمنع تعدد الزوجات، وما من عقبة قامت في وجه المسيحية بين الشرقيين أو الغربيين؛ لأنها كانت تحض على الرهبانية أو تنظر إلى المرأة نظرتها إلى شيطان أو حبالة شيطان. فإذا آمن المرء بفساد عقيدة آبائه وأجداده فلا مناص له من قبول الدين الذي كشف له ذلك الفساد، ثم يعالج بعد ذلك طاقته على احتمال أوامره ونواهيه، ولا يرفض الأوامر لأنه يعصيها، أو النواهي لأنه يقدر على اقترفها، بل يحاول أن يكف عن المعاصي والذنوب، ويرتقي في الدين فوق مرتقاه.
ولو كان الإقناع المنطقي يكفي وحده لتعليل الظواهر الاجتماعية أو التاريخية لصح أن يقال: إن الإسلام قد شاع بين طوائف المنبوذين في الهند؛ لأنه يرفع عنهم لعنة المذلة والحرمان. فهم خلقاء أن يوازنوا بين منزلتهم في دين آبائهم وأجدادهم ومنزلتهم في الدين الإسلامي فيختاروا أفضل المنزلتين، وقد وازنوا واختاروا فدخلوا أفواجا في الدين الجديد.
غير أن الإقناع المنطقي لا يكفي وحده لتعليل ظواهر الاجتماع وظواهر التاريخ فيما له اتصال بأطوار السرائر على الخصوص، أو لعل الإقناع المنطقي يكفي المؤرخ في تعليل الظواهر الاجتماعية والتاريخية إذا اعتمد عليه في كتابة التاريخ، ولم يجعل الناس جميعا معتمدين عليه في أعمالهم، منقادين له في أحاسيسهم ودخائل وجدانهم. فمن المنطق الصحيح أن يرجع المؤرخ بالحوادث إلى الأسباب الثابتة والعوامل المقنعة، وليس من المنطق الصحيح أن نتخيل الناس جميعا منطقيين حين يؤمنون أو حين يكفرون، ومنطقيين في تمييز الحق والباطل من الدواعي والأسباب.
والواقع في أمر المنبوذين الهنديين، وفي أمر المحرومين جميعا، أنهم لم يكونوا أضعف إيمانا بعقيدتهم البرهمية من أبناء الطبقات العليا، ولم يثبت قط أن التحول إلى الأديان الأخرى كان بينهم أكثر وأسرع مما كان بين الطبقات العليا، وربما وجد فيهم من يصبر على قسمته؛ لأنه يعتقد أنها شرط من شروط الخلاص الأبدي، وكفارة على المساوئ التي سلفت منه في أدوار الخلق الأولى، وربما كان من المحرومين في كل أمة من هو أثبت إيمانا على دينه من ذوي النعمة والثراء؛ لأن جانب الوعد والأمل قوي في الدين، ونصيب المحروم من الوعد والأمل أوفر من نصيب القانع المجدود.
وقد حدث حقا أن أناسا من المنبوذين رحبوا بالدين الإسلامي، ودخلوا فيه؛ لارتياح نفوسهم إليه، ولحسن ما عاينوه من القدوة الصالحة في سيرة المسلمين الوافدين على بلادهم والمقيمين بين ظهرانيهم، ولكننا لا نجد من أسانيد التاريخ ولا من أسانيد العقل ما يفهم منه أن الهنود الذي أسلموا كانوا جميعا من طوائف المنبوذين، بل لا نجد في تلك الأسانيد ما يفهم منه أن الأكثرين كانوا منهم ولم يكونوا من طبقات العلية وذوي الوجاهة في المجتمع أو في الدولة الحاكمة، وقد تحول الهنود إلى الإسلام في بقاع الهند الغربية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب حيث يوجد المنبوذون وحيث لا يوجدون، وتحول أهل سومطرة وجاوة إلى الإسلام بهذه الكثرة أو بأكثر منها وهم بوذيون يقل بينهم المنبوذون، وتكاد الروايات المحفوظة عن أخبار الإسلام في الجزر الجاوية أن تجمع على ابتداء الإسلام بين الأمراء والقادة، ثم شيوعه بأمرهم وهدايتهم بين رعاياهم الوثنيين، ولعلها هي القاعدة المطردة في معظم الأمم الآسيوية من سكان الجزر إلى سكان القارة الوسطى، سواء من كان على الوثنية أو من دان في صباه ببعض الأديان الكتابية؛ كما حدث في إسلام «تكودار خان» أحد سلاطين المغول بأرض فارس، وهو الذي نقل لنا القلقشندي في صبح الأعشى كتابا منه إلى السلطان قلاوون بمصر يقول فيه:
إن الله - سبحانه وتعالى - بسابق عنايته، ونور هدايته، قد كان أرشدنا في عنفوان الصبا وريعان الحداثة إلى الإقرار بربوبيته، والاعتراف بوحدانيته، والشهادة لمحمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - بصدق نبوته، وحسن الاعتقاد في أوليائه الصالحين من عباده وبريته، فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام.
وقد أسلم على هذا النحو بعض زعماء القبائل الأثيوبية، فلم ينحصر إقبال الآسيويين والأفريقيين على الإسلام في طبقة واحدة من الرعية أو الرعاة، وابتدأ التحول من العليا إلى من دونها كما ابتدأ من الأتباع إلى السادة والرؤساء.
ومهما يكن من أثر الأسباب المحلية أو الموقوتة فلا بد من البحث عن سبب عام محيط بجميع هذه الأسباب التي تختلف فيها بيئة عن بيئة وزمن عن زمن وحالة عن حالة، ولا بد من عامل واحد غير هذه العوامل التي تحبب الإسلام تارة إلى الحاكم وتارة إلى المحكوم، وتفتح له السرائر في نفوس الضعفاء وفي نفوس الأقوياء، وتجعله قوة تعين الغالبين على الغلب، وتعين المغلوبين على الصمود والدفاع، ولا تخفى حقيقة هذا العامل بعد هذا الشمول، فإن حقيقته التي تتضح من إحاطته بهذه العوامل كافة أنه عقيدة شاملة، وأنه بذلك حقق الصفة الكبرى للعقيدة الدينية على أتم شروطها، فما كانت سريرة الإنسان لتطمئن كل الاطمئنان إلى اعتقاد يفرقها بددا، ويقسمها على نفسها، ويترك منها جزءا لم تشمله بقوته ويقينه، وقد يخرج من سلطانه فيملكه سواه.
अज्ञात पृष्ठ