Islam and Confronting Destructive Doctrines
الإسلام ومواجهة المذاهب الهدامة
प्रकाशक
مكتبة وهبة
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٠١ هـ - ١٩٨١ م
प्रकाशक स्थान
القاهرة
शैलियों
الإسلام ومواجهة المذاهب الهدامة
الدكتور محمد البهي
الناشر: مكتبة وهبة - القاهرة.
- عدد الأجزاء: ١.
- عدد الصفحات: ٤٠.
أعده للمكتبة الشاملة / توفيق بن محمد القريشي، - غفر الله له ولوالديه -.
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي].
1 / 1
الطبعة الأولى:
رجب سَنَةَ ١٤٠١ هـ - مايو سَنَةَ ١٩٨١ م.
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
مُقَدِّمَةٌ:
.. دعونا نسائل أنفسنا:
هل منطق الحياة الإنسانية لم يزل: هو الطغيان عن طريق القوة ... واستغلال القوي للضعيف؟ .. ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ (١) ..
هل القوي بعصبيته أو بماله .. أو بعدته وعتاده يسعى لأن يكون سندًا؟ على من لا يملك القوة ذا القوة والعتاد. وأمارة سيادته: أن يستغل الضعيف، ويحرص على بقائه ضعيفًا، كي يستمر في استغلاله؟.
هل ما نسميه بالمذاهب الهدامة هو تبريرات للقوة والطغيان بها وتوجيهات لاستغلال الضعيف وبقائه ضعيفًا؟.
وهل رسالة الله [لرسله]- عَلَيْهِمْ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - على هذه الأرض - وختامها القرآن الكريم - دعو إلى التوازن بين القوة والضعف، حتى لا يطغى القوي بقوته ولا يذل الضعيف، يقبل أن يستغل بسبب ضعفه؟. وإنما على الأقوياء أن يجنبوا قوتهم الاعتداء
_________
(١) [سورة العلق، الآيتان: ٦، ٧].
1 / 3
وعنى الضعفاء أن يستندوا في مواجهة قوة القوى، وفي رفض الطغيان بالقوة: إلى مؤازرة بعضهم لبعض وإلى اعتصامهم بحبل الله وهدايته؟.
...
أَلَيْسَتْ هَذِهِ مَذَاهِبُ تُخْفِي وَرَاءَهَا مَصَالِحَ خَاصَّةٍ؟:
وإذا كانت المذاهب الهدامة بمثابة تبريرات لطغيان القوي بقوته لحمل الضعيف على قبول التبعية والرضا باستغلاله، فأصحاب القوة إذن هم أصحاب المصلحة في نشر تلك المذاهب وترويجها بين الضعفاء .. هم الذين يدفعون بها وإليهم، ويدفعون عنها بينهم لتظل واقعًا في حياتهم.
وأصحاب هذه القوة إذن هم أصحاب المصلحة والنفعة. ومصلحتهم لدى الضعفاء هي استغلالهم إن كانت لهم طاقات بشرية، أو امكانيات اقتصادية في المواد الأولية أو في تسويق المنتجات الصناعية لما يصنعون.
إن المذاهب الهدامة قامت ونشأت لتهدم فعلًا: لتهدم الدعوة إلى مؤازرة الضعفاء بعضهم لبعض فيما بينهم على أساس من الإيمان بالله .. لتهدم سعي هؤلاء في سبيل التمكن من الاستقلال ودفع التبعية والاستغلال بسبب الضعف، بعيدًا عن أنفسهم .. لتهدم محاولات هؤلاء أن يستقلوا بإمكانياتهم الاقتصادية ومواردهم من المواد الأولية .. لتهدم سيادتهم على أموالهم وطاقاتهم .. لتحول دون أن تكون لهم إرادة في الإشراف على هذه الأموال، وفي التصرف فيها.
١ - ثم كان إكراه المسلمين في مجتمعاتهم على قبول «العلمانية»
1 / 4
في التربية والتعليم والتشريع، وأخيرًا في الأسرة والعلاقات بين الأفراد فيها عن طريق ما يسمى بتنظيم النسل، واقتباس شرع الناس بدلًا من شرع الله في علاقة الزوج بزوجته؟.
وممن كان الإكراه؟. أليس من القوي والحاكم الذي يعيش في ظله؟ وأليست مصلحة هذه القوى في استغلال الطاقات البشرية الرخيصة للمسلمين؟. أليست منفعته في التصرف عن طريق مباشر أو غير مباشر: في المواد الأولية والإمكانيات الاقتصادية، التي وهبها الله للمسلمين في أرضهم وأوطانهم؟.
الم تكن «العلمانية» كما هي سبيل إلى إضعاف المسلمين في مجتمعاتهم: سبيلًا أيضًا إلى احتفاظ صاحب المصلحة في الاستغلال، وهو القوى بقوته؟. وهي قوة التوجه والضغط والإكراه على قبول المسلمين للتبعية في صورة أو في أخرى؟.
...
٢ - لم كان ترويج «الماسونية» أو اليهودية العالمية بين المسلمين في مجتمعهم؟ ألم تكن للنقل المسلمين من محيط إيمانهم بالإسلام، إلى ذوبانهم في «عالمية» يقودها رأس المال في الدول الصناعية، والفكر الاشتراكي في النظم الماركسية؟. وقوة المسلمين في بقاء تماسكهم على أساس من الإسلام، بينما ضعفهم في تفرقهم وفي ذوبانهم في «عالمية» هم فيها اتباع فقط؟.
ومن هم وراء الماسونية؟. من هم أصحاب المصلحة في ترويجها؟. أهم الزعماء في النظامين: الرأسمالي، والاشتراكي؟ أهم اليهود أصحاب «العقلية العالمية»؟.
1 / 5
أهم أصحاب الصناعة والسيطرة عن طريقها في النظام الرأسمالي؟ أهم أصحاب الإيديولوجية الماركسية والسيطرة عن طريقها في الدول الاشتراكية؟.
وعن طريق نقل المسلمين إلى «عالمية» هم فيها أتباع لا يعرفون السيادة على أنفسهم وعلى ما تحت أيديهم من إمكانيات اقتصادية: يسهل استغلالهم: إما لأصحاب الصناعة، أو لأصحاب الفكر الاشتراكي.
* * *
٣ - لم كانت نوادي «الروتاري» في المجتمعات الإسلامية؟.
ولم كانت الدعوة إليها في هذه المجتمعات قصدًا إلى احتواء أكبر عدد من المثقفين الوطنيين وأصحاب النفوذ السياسي، ورجال القانون، والفكر، والصحافة؟.
أليس هدف نوادي الروتاري إضعاف «حبل الله» بين المسلمين، وتمزيقهم وتفريقهم ليظلوا أتباعًا في «عالمية» يسود فيها القوي لمصلحة له؟. وأليست الصليبية الدولية وراء هذه النوادي والعمل على احتواء الصفوف المتميزة في المجتمعات الإسلامية ليبشروا بـ «روح العالمية» بين مواطنيهم، وليضعفوا بالتالي روح الوحدة والتماسك في علاقة بعضهم ببعض؟.
* * *
٤ - لم كان الاستشراق؟. ولم كانت العودة عن طريق المستشرقين إلى ترديد شبهات المشركين بمكة على عهد الرسالة؟.
أليس عمل المستشرقين في بحوثهم .. وفي كتبهم .. وفي توجيه
1 / 6
أبناء المسلمين في الجامعات الغربية والشرقية، عندما تسند إليهم الحكومات الإسلامية إعدادهم وتأهيلهم بالدرجات العلمية ليعودوا للقيام بوظائف التدريس في الجامعات الإسلامية: تشكيكًا، وتضليلًا، وتوهينًا للقيم الإسلامية ولرسالة القرآن الكريم؟.
أليس وراء عمل المستشرقين: سلطة الكنيسة، وسلطة الدولة العلمانية مَعًا في الغرب .. وفي الشرق على السواء؟. أليس وراء تشويه المستشرقين لمبادئ الإسلام وللقيم الإسلامية إضعاف للمسلمين في وحدتهم وفي تعاونهم لمنفعة القوي، وهو ذلك الذي يسخر القساوسة والربانيين من اليهود، بعد أن يضفي عليهم مسحة العلماء وطابع الأكادميين، للاعتداء على الإسلام باسم العلم والبحث العلمي؟.
وأليس للسلطة الكنسية مصلحة في تجميد الإسلام أو انحساره في إفريقيا على الأقل؟ وأليس لسلطة الدولة العلمانية منفعة في الاستيلاء على المواد الأولية من أوطان المسلمين بأثمان أدنى بكثير من أثمانها بعد تصنيعها وإعادتها للاستهلاك في أسواق المسلمين؟.
* * *
٥ - ولم كانت الدعوة إلى «الإلحاد العلمي» باسم الاشتراكية، أو الماركسية، أو الشيوعية؟. أليست الدعوة إلى الإلحاد العلمي هجومًا على الإسلام ومبادئه .. وادعاء بأنه كذب وخرافة؟. أليس مضمون الإلحاد العلمي في الجامعات الإسلامية تفريقًا لنفوس المؤمنين من إيمانهم بالله ورسوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - .. أو على الأقل تشكيكًا لهم في دينهم، وبالتالي أضعافًا وتوهينًا لعلاقة بعضهم ببعض؟.
ولمصلحة من: أعدت الدعوة إلى الإلحاد العلمي؟. أليست لأصحاب الدعوة؟ أليست للاشتراكيين، أو الماركسيين، أو
1 / 7
الشيوعيين؟. أليست لمصلحة الدولة الكبرى التي تقود الماركسية في العالم، والتي تدافع عنها في إصرار، وتخفي اعتداءها على الفريسة التي تنقض عليها بين الفينة والأخرى، لالتهامها واستغلال مواردها الطبيعية بحجة أو بأخرى باسم السلام العالمي؟.
* * *
٦ - من الذي يقصر إطلاق «العلم» على نتائج التجربة وحدها في مجال البحوث الطبيعية؟. ومن الذي يجعل وحي الرسالة الإلهية «غيبًا» وخرافة؟. ومن الذي يخلق «مشكلة» بين «العلم» .. و«الدين»؟. ومن الذي يجعل علم الله أدنى علم الإنسان؟. أليس هو صاحب المصلحة والمنفعة في هذا الادعاء؟ ألم تكن الدولة العلمانية صاحبة المصلحة في مطاردة الكنيسة، وفي إضعاف سلطتها والتشكيك في هيبتها؟. ولكي تسقط الكنيسة في مواجهة الدولة العلمانية في المجتمع الواحد .. ولكي تضعف هيبة رجال الدين في مواجهة رجال السياسة والدولة ينادي ببخس القيمة الذاتية لعلم الله، بينما يرفع من شأن علم الإنسان. فيدعي للأول بأنه أساطير، بينما يدعى للثاني بأنه «يقين»!!
متى كان الإنسان معصومًا عن الخطأ؟. ومتى كان الله عرضة للصواب والخطأ؟ إنما هي الرغبة في الانفراد بالسلطة الزمنية في الحكم تجعلها تدافع عن الإنسان، بينما تكيل التُّهَمَ إلى الله - جَلَّ شَأْنُهُ -!!.
والسلام كدين لم يسلم مما وجهه الآخرون إلى المسيحية: من شظايا الحرب بين الدولة والكنيسة في أوروبا، من أجل السلطة، فاتهم بأنه خرافة وليس يقينًا. ويحلو لرجال السياسة في المجتمعات الإسلامية أن يكرروا الاتهام لإبعاد المسؤوليات عن كاهل الحكام التي يلقيها الإسلام وينيط بها الحكم الإسلامي.
* * *
1 / 8
أَهَذِهِ مَذَاهِبٌ فِكْرِيَّةٌ؟
هذه جملة من المذاهب الهدامة توجه كمعاول هدم ضد الإسلام في غفلة من أكثر المسلمين، وربما عن وعي لقلة منهم .. وربما أيضًا بمعاونة بعض هذه القلة التي تعي ما يصنع الإسلام.
هنا: العلمانية .. وهنا الماسونية .. وهنا الصليبية العالمية .. وهنا الاستشراق .. وهنا الإلحاد العلمي .. وهنا العلم والدين.
نحن نطلق عليها «مذاهب» ولكنها في واقع أمرها: حيل وألاعيب، تخفي أهواء ورغبات:
[أ] من يقول: إن التربية الدينية تضاد الطبيعة البشرية؟.
- تقول ذلك فلسفة «جون ديوي» التربوية، التي من الأسف تؤسس عليها كليات التربية في مجتمعاتنا الإسلامية وهي فلسفة تتجه إلى «العلمانية» وإبعاد الدين عن مجال التربية، والتشريع مَعًا.
[ب] من يقول: إن «الماسونية» .. وهي دعوة إلى «العالمية» عن طريق إبعاد الدين .. والوطن .. والعرق، عن رؤيا الإنسان في الحكم والعلاقات بين الإنسان والإنسان: مذهب فكري واتجاه إنساني؟ نعم الدين يقول بأبعاد الوطن، والعرق، والقبيلة، عن مجال الرؤيا للإنسان، ولكنه يحدد هذا المجال بأبعاد الرسالة الإلهية، وهي المحيطة بخواص الطبيعة الإنسانية وحدود السبيل السوي لمواقفها وسلوكها.
إن الفكر في سلامته، وفي صحة منطقه: يجب أن لا يخضع للهوى والرغبات، فإذا حرصت الماسونية على مصالح اليهود وحدهم مفرقين في العالم، أو مجتمعين في إسرائيل، على حساب أهل الأديان الأخرى كانت لحزب دون آخر، وما هكذا يكون شأن الفكر، وإنما هو شأن الهوى.
1 / 9
[ج] من يقول: إن «الصليبية الدولة» في دفعها الدعوة إلى العمق في نفوس: المثقفين وأصحاب النفوذ والقيادة في كل مجال من المسلمين عن طريق: «نوادي الروتاري» .. وغيرها، كي يتجنبوا الإسلام في التعامل، والمعاملة، والنظرة إلى الحياة، مع أنفسهم ومع الآخرين عداهم: تكون مذهبًا مغايرًا «للماسونية» في نتائجها وإن اختلفت سبلها، واختلف أصحاب المصلحة والمنفعة فيها؟.
إنها ليست غير أهواء ورغبات، واتجاهها في النهاية اتجاه غير إنساني لأنه يتحايل على أن يأخذ ما بأيدي المسلمين برضاء المسلمين أنفسهم. فهو خدعة في التحايل والتلاعب.
[د] من يقول: إن بحوث المستشرقين تدخل تحت مفهوم «العلم» .. واتجاهاتهم فبها يحكي مذهبًا فكريًا، وهي بحوث تسعى لتشويه الإسلام في مبادئه والوصول في تصويرها في نظر المؤمنين بها: على أنها ضد رسالة الله، وعلى أن محمدًا صاحب القرآن: جانبه الصواب، وحاد عن الحق، عندما أَلَّفَهُ وخالفه فيه الإنجيل؟.
ومتى كان اختلاف القرآن مع الإنجيل سببًا في عدم صحة القرآن بالذات، ولو كان الاختلاف في أن القرآن يدعو لوحدة الألوهية، وإنسانية الرسول عيسى ابن مريم، بينما الإنجيل في يد النصارى الآن يدعو إلى «التثليث» في الألوهية و«تأليه» عيسى الرسول؟.
أليس قياس القرآن في الحكم بصحته أو بعدم صحته على الإنجيل القائم: تحزبًا للإنجيل وتحزبًا لما حرف في رسالة الله التي جاءت قبل القرآن؟ وأليس التعبير عن التحيز تعبيرًا عن رغبته؟.
1 / 10
[هـ] وما يسمى «بالإلحاد العلمي» وتعبيره عن إنكار الألوهية عن طريق ادعاء: أن المنهج العلمي يثبت: أن الله خرافة .. وأن الدين مخدر تخدر به الشعوب الكادحة (!!) عن طريق رجال الدين لحساب الأثرياء من أصحاب رؤوس الأموال، وإقطاع الأراضي الزراعية. أي منهج علمي يثبت ذلك؟ أهو منهج المادية الذي يجعل العقل تابعًا للبدن وظاهرة من ظواهره؟ فهل الله ظاهرة من ظواهر المادية وليس له وجود مستقل؟ وأية مادة هي التي تعتبر الله ظاهرة لها؟.
أهو منهج علم الاجتماع الذي يجعل الروابط بين الأفراد والمجتمع قوانين حتمية تلزم بها الأفراد؟. كما يجعل المجتمع مصدر الحركة والفاعلية في مصير الأفراد أنفسهم؟.
أي المجتمع في وجوده السابق المدعى والمستقبل عن الأفراد؟ أليس المجتمع ظاهرة تتبع الأفراد في تجمعهم وفي اتجاههم، دون أن يكون صاحب وجود مستقل؟.
وما يسمى بالمنهج العلمي في هذا المجال هو منهج الرغبة والهوى ممن هم أصحاب مصلحة في مطاردة الدين ورجاله، كي تفقد الجماهير سندها في الحياة وعندئذٍ تكون قيادتها هينة. إنه على أية حال ليس منهج الواقع والتجربة هو منهج الماركسية والغوغائية.
[و] وفي علاقة العلم والدين: يثار الادعاء بأن قضايا الدين غيبية وليست تجريبية أي لا تقع تحت إدراك الإنسان الحسي حتى يستطيع أن يخضعها للتجربة. والعلم نتيجة التجربة وحدها واليقين صفة من صفات العلم.
من قال: إن التجربة وحدها مصدر العالم؟.
1 / 11
أليست «الرياضة» عِلْمًا، ومع ذلك ليست نتيجة التجربة؟ وأليس «الاجتماع» مجموعة من التجارب، ومع ذلك ليس علمًا؟ إذ هو احتمال وسيظل احتمالًا، طالما الإنسان هو الإنسان: في تفاعله مع مجتمعه، وفي تطوره مع غده.
ولكن أليس إبعاد الدين عن مجال العلم ومجال المعرفة اليقينية سبيل من سبل مطاردته في المجتمع. وسبيل آخر لإفساح مجال الحياة الإنسانية للدولة، وتطبيقه على الكنيسة في سلطتها، وعلى رجال الدين في مناقشتهم وجدلهم؟.
أليس من مصلحة السياسيين في الدولة: أن يطارد الدين في المجتمع حتى لا يكون هناك مسؤولية للخطأ والصواب، وِفْقًا لرسالة الله قائمة على وجوههم؟.
إن هناك مصلحة. وهناك هوى. وهناك رغبة في اتهام الدين بأنه يناقض العلم. وهي مصلحة رجال السياسة على الأقل، قبل غيرهم.
* * *
إن ما نسميه بالمذاهب الهدامة ليست مذاهب فكر، ومنطق، تستهدف حماية الإنسان من التلبيس والخداع. إنها بالأحرى دعوة إلى التلبيس والخداع، والغفلة:
إن أربعة من هذه الاتجاهات تدعو المسلمين إلى «العالمية» وهي: العلمانية تدعو إلى العالمية ..
والماسونية تدعو إلى العالمية ..
* * *
1 / 12
والصليبية الدولية تدعو المسلمين إلى العالمية ..
والإلحاد العلمي الماركسي يدعو إلى العالمية ..
والدعوة إلى «العالمية» بين المسلمين هي دعوة لتركهم التمسك بالإسلام كإطار يجمع بين المسلمين .. هي دعوة لذوبانهم في الآخرين، وقبول قيادة الأقوياء أصحاب المصلحة في الدعوة إلى «العالمية».
واثنان من هذه الاتجاهات يشككان في الإسلام .. وينتقصان من القيم الإسلامية وهما:
«الاستشراق» يدعو إلى التشكيك، والانتقاص من القيم الإسلامية.
و«علاقة العلم بالدين»: وتدعو إلى التشكيك في المعارف الدينية .. وهي معارف الوحي الإلهي - وإلى الانتقاص من القيم الإسلامية.
والدعوة بين المسلمين إلى التشكيك في معارف الوحي الإلهي .. وإلى الانتقاص من القيم الإسلامية: هي دعوة غير مباشرة إلى ترك الإسلام، أو على الأقل إلى الغض من قيمته، والتهاون في أمره.
* * *
1 / 13
مِنَ المَفْهُومِ .. إِلَى التَّطْبِيقِ:
إذا كانت إحدى القوتين صاحبتي المصلحة في بقاء المسلمين ضعفاء: تنبني الدعوة إلى الماسونية، والصليبية الدولية، والأخرى تقوم على أمر الإلحاد العلمي، فإنهما مَعًا يرعيان «العلمانية» .. و«الاستشراق» .. و«علاقة العلم بالدين».
وأولى وسائل التطبيق لأي من هذه المذاهب الهدامة في مجتمع من المجتمعات الإسلامية المعاصرة، هي اختيار هذه القوة أو تلك من القوى صاحبة المصلحة في إضعاف المسلمين وإبقاء مجتمعاتهم ضعيفة، للأشخاص الوطنيين في هذه المجتمعات ومساعدتهم على تولي الوظائف القيادية: في الثقافة .. والتعليم .. والروابط الاجتماعية .. والترويج لمذهب من المذاهب الهدامة ضد الإسلام في أي مجتمع إسلامي لا يأتي من فراغ، وإنما عن طريق اختيار هؤلاء الأشخاص، الذين يخضعون لتجربة الولاء والخضوع لهذه القوة أو تلك.
وثانية الوسائل اتفاق القوى الدولية التي تتميز بالرغبة الجامحة في إضعاف المجتمعات الإسلامية أو الحرص على بقائها ضعيفة، على عدم معارضة أية قوة من هذه القوى للأخرى فيما تسلكه من طريق قد يكون عنيفًا لإخضاع هذا المجتمع أو ذاك للتعبية. فاجتماع «يالتا» أثناء الحرب العالمية الثانية قسم نفوذ القوتين العظميين اللتين دخلتا الحرب مَعًا ضد ألمانيا وإيطاليا، في عالم ما بعد الحرب والنصر .. والحرب ضد باكستان الكبرى في ديسمبر ١٩٧٠ كان باتفاقهما .. ودخول السوفييت أفغانستان وإخضاعها إلى الحكم الإلحادي كان باتفاقهما كذلك، وإن كان بقاء السوفييت هناك إلى ما شاء الله: لم يكن موضع الوفاق بين القوتين العظميين!.
* * *
1 / 14
• فِي مَفْهُومِ العِلْمَانِيَّةِ .. وَفِي تَطْبِيقِهَا:
يؤول مفهومها إلى «الفصل» بين سلطتين، إحداهما دينية، والأخرى دنيوية أو الفصل بين حكومتين: حكومة الكنيسة. وحكومة الدولة، وحكومة الكنيسة هي حكومة إلهية معصومة عن الخطأ. لأن «بَابَا» الكنيسة عندما ينصب عليها تحل فيه «روح المسيح» وهو ابن الله في اعتقاد طائفة من المسيحيين .. بينما حكومة الدولة هي حكومة بشرية تصيب وتخطأ .. وهي عندئذٍ ليست لها عصمة.
ومعنى الفصل بين السلطتين: أن كل سلطة لها الحرية في التصرف، ودون معارضة من السلطة الأخرى، فالكنيسة لها الرأي الأول في شؤون الأسرة: في التعميد .. وفي الزواج .. وفي الحكم بإلغاء الزواج .. وفي الوفاة ومراسيمه. والدولة الزمنية لها الحرية في التعليم .. وفي التشريع .. وفي الاقتصاد .. وفي الشؤون السياسية .. وفي فرض الضرائب وجبايتها .. وفي إعلان الحرب وقبول السلام ... إلخ.
والكنيسة عندئذٍ إن مارست السياسة تمارسها من وراء ستار .. بأن تساعد حزبًا سياسيًا معينًا. كالحزب الديمقراطي المسيحي. وإن مارست التعليم ففي مدارس دينية معينة كمدارس الجزويت .. والغرير، وبدون مساعدة مادية من الدولة .. وهكذا.
وهذا الفصل بين السلطتين في الساحة الغربية جر إليه خلافهما وطول الخصومة بينهم. ومع هذا الفصل فإن السطلة الزمنية أو سلطة الدولة السياسية لا تتباطأ في تقديم الديبلوماسية للكنيسة كلما طلب منها. ولذا نفوذ الكنيسة على السلطة السياسية
1 / 15
في أوروبا طوال القرون الصلييبية الثلاثة لم يضعف بعد الفصل بين السلطتين إلا في ظاهر الأمر فقط. ولم تزل الكنيسة ذات تأثير قوي، عن طريق الأحزاب الديمقراطية المسيحية في العالم الكاثوليكي كله.
والشرق الإسلامي عندما جاءه الاستعمار الغربي (١)، على الأخص، منذ القرن التاسع عشر: فرض العلمانية في المجتمعات الإسلامية: فرضتها هولندا .. والبرتغال .. وإنجلترا .. وفرنسا، بمفهوم يغاير مفهوم الفصل بين سلطتين. وهو مفهوم «إبعاد الدين» عن الدولة. أي إبعاد الإسلام عن الحكم وشؤونه، إذ ليس في الإسلام مكان للسلطتين، ولا لحكومتين. فسلطة الحكم في الإسلام سلطة واحدة تعمل بكتاب الله وسنة رسوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -. وهي سلطة غير معصومة عن الخطأ. لأنها سلطة بشرية وتظل بشرية رغم أنها تستند في الحكم إلى القرآن، والسنة الصحيحة.
في تطبيق العلمانية:
وهنا يأتي دور التطبيق للعلمانية، وهي إبعاد الإسلام عن الدولة وشؤونها .. ويسعي القوي - وهو الأجنبي، عن طريق أصحاب النفوذ في نظام الحكم القائم في المجتمع الإسلامي - إلى ازدواج التعليم ما بين ديني، ومدني .. وازدواج القضاء ما بين شرعي وأهلي أو مدني، في أولى مراحل تطبيق العلمانية.
تكون هناك مدارس أو معاهد ابتدائية وثانوية للتعليم الوطني أو الديني الإسلامي، كما تكون هناك مدارس ابتدائية وثانوية للتعليم المدني وتقوم هناك بعض الجامعات على أساس علماني: أي في السعودية،
_________
(١) تقريبًا انتشر في جميع مجتمعاته.
1 / 16
أو القرويين في الرباط، أو الزيتونة في تونس والبيضاء في ليبيا، على أساس وطني أو إسلامي تراعى فيها المواد الإسلامية والعربية وتقل فيها الدراسات الإنسانية، وتختفي منها الرياضة، والعلوم التجريبية والطبيعية.
وفي المرحلة الثانية لتطبيق العلمانية في دائرة التعليم تعمل القوى الأجنبية على إضافة المواد الإنسانية، والرياضية، والطبيعية إلى مناهج المدارس أو المعاه الدينية دون أن تضيف المواد العربية أو الإسلامية إلى مناهج المدارس المدنية. كما تحاول إلغاء الجامعات الدينية وتحويل مواد الدراسة فيها إلى كلية تنشئها باسم كلية الدراسات الإسلامية والعربية تضاف إلى كليات الجامعة المدنية أو العلمانية. كما تم في إلغاء جامعة البيضاء الإسلامية، وضم الدراسة فيها إلى جامعة بني غازي المدنية .. وفي إلغاء جامعة القرويين وضم الدراسة فيها إلى جامعة الرباط المدنية .. وفي إلغاء جامعة الزيتونة وضم الدراسة فيها إلى جامعة تونس المدنية والعلمانية. وقد كانت هذه المحاولة في مصر بالنسبة للأزهر، ولكنها لم تقم حتى الآن.
وكذلك - في المرحلة الأولى للعلمانية - ينوع القضاء، فتقام بعض المحام المدنية بجانب المحاكم الشرعية، على أن تحل المحاكم المدنية تدريجيًا محل المحاكم الشرعية، إلى أن يلغى هذا النوع الأخير، كما ألغي في مصر على يد وزير العدل أحمد حسني على عهد ما يسمى بالثورة المصرية. وكما ألغي في تونس، وفي مجتمعات إسلامية أخرى.
وعلى أن يحل القانون الوضعي محل الشريعة الإسلامية، رغم أنه قد ينص في بعض دساتير المجتمعات الإسلامية على أن الشريعة الإسلامية
1 / 17
مرجع رئيسي أو المرجع الرئيسي للتشريع، بينما قد ينض في البعض الآخر بدلًا عن ذلك: بأن اسم الدولة: مسلم.
وتدريجيًا يخف الرجوع إلى التراث الإسلامي والمصادر الإسلامية ويتجه الاعتماد على ما للغرب من: ثقافة .. وتشريع .. وتخطيط في البحث والتعليم. وبذلك يضعف استقلال المجتمعات الإسلامية، بينما تشتد تبعيتها لصاحب القوة في التوجيه، وصاحب المصلحة في إضعاف استقلال المجتعات الإسلامية.
وقوة معاول الهدم، تحت تأثير العلمانية، يوجهها القوي صاحب المصلحة في إضعاف المسلمين اليوم: إلى «الأحوال الشخصية» .. تحت ستار: «تحرير المرأة» .. وقد نالت هذه المعاول فعلًا من هدم هذا الركن الباقي علميًا في المجتمعات الإسلامية، فألغى تعدد الزوجات أو قيده بما يخرجه عن كونه «رخصة» ويجعله مصدر ضرر .. وقيدت ولاية الرجل على المرأة بما يسلب هذه الولاية منه عند خروج الزوجة إلى العمل خارج المنزل، فلها وحدها حق اختيار العمل وحق الخروج إليه دون حاجة إلى إذن الزوج، رغم عدم الحاجة إلى إذنه فإنه هو ملزم بالإنفاق عليها، ولو كان عملها لا يتم إلا بالاختلاط مع غير المحارم .. ولو كان علمها بالليل أو على حساب رعاية الأولاد.
ودفع حركة تحرير المرأة إلى الخروج عن المسار الإسلامي الصحيح ليس عن طريق العلمانية وحدها، وإنما عن طريق الصليبية الدولية، والإلحاد العلمي كذلك. فلا بأس من أن تعين المرأة سفيرة .. ورئيسة مجلس إدارة لهيئة من هيئات النشر الحكومية .. ورئيس لبعض أجهزة الإعلام الرئيسية .. وَهَلُمَّ جَرًّا .. ولا بأن تتبنى
1 / 18
في تلك الوظائف الرئيسية: الدعوة بقوة إلى تحديد النسل .. وإلى أن تمكن البنت من حريتها - كما يقال - في اختيار الزوج وإن خالف رأي الوالدين في الأسرة، وإن خالف جميع التقاليد التي تجعل من الأسرة وحدة متماسكة.
* * *
• في مفهوم الماسونية:
والماسونية: أو البناءون الأحرار أقيم كيانها في لندن ١٧١٧، وفي ألمانيا ١٩٣٧. وهي هيئة واسعة الانتشار، ونظامها نظام سري ويتعاون أعضاؤها على تحقيق هدفها وعلى مساعدة بعضهم بعضًا. وتخضع للنفوذ اليهوي، وتسيطر العقلية اليهودية العالمية على توجيهها. وكانت ممنوعة في ألمانيا على عهد الاشتراكية الوطنية، بسبب نفوذ اليهود فيها.
وهي متغلغلة في الأوساط الاقتصادية في المجتمعات العالمية. وللسرية التامة في نظامها تتم معاونة الأعضاء بعضهم لبعض بدون أن يحس العضو أن واحدًا معينًا أو بعض أشخاص من الأعضاء قاموا بأداء المساعدة.
والهدف من هذه الجمعية حمل الأعضاء على أن يمارسوا نشاطهم داخل إطار «العالمية» غاضين النظر عن التعاليم الدينية الخاصة بالوطن الذي يعيشون فيه، وعن الصفات الوطنية أو القبلية أو العنصرية. إذ «العالمية» لا تفرق بين إنسان وآخر في الوظيفة ولا تنظر
1 / 19
عند الاختيار إلى عنصره وموطنه، وبالأخص في الوظائف الدولية إذ لا مانع - وليست هناك فضاضة أيضًا - في أن يتولى يهودي في مؤسسة دولية مصلحة أي بلد عربي أو إسلامي طالما هذا اليهودي يحمل جواز سفر من الدولة التي يمثلها.
وكلما استع نطاق «العالمية» وانتشر مفهومها الواسع بين الأعضاء، وفي الأعمال التي يؤدونها تحت هذا المفهوم: كلما خف الضغط الوطني في أي مجتمع في نظرته إلى اليهودية كأقلية منبوذة في المجتمع. فالمعروف أن هجرة اليهود من كنعان بعد اضطهاد الرومان لهم جعلتهم أقليات مختلفة في روسيا، وفي أوروبا الشرقية، أو البلقان. ولم يكن لهم استقرار في الأوطان التي هاجروا إليها، بسبب نظرة الوطنيين إليهم، وهي نظرة تنطوي على التحقير والازدراء بهم. وهذه النظرة كانت تدفع الأقليات اليهودية في أي مجتمع إما إلى التسرب إلى مجتمع آخر تقل فيه نظرة الاحتقار .. وإما إلى جمع المال عن طريق الربا والتجارة .. وإما إلى تحصيل المعرفة. فإذا حصل بعضهم ثروة كبيرة، أو حصل معرفة واسعة أمكنه أن يعيش بين الوطنيين دون أن يحس باحتقارهم وازدرائهم به.
ومن هنا كان اليهود فيما بعد من أصحاب رؤوس الأموال في الصناعة بعد الثورة الصناعية، كما كانوا أصحاب علم في الجامعات الأوروبية، ولم تزل لهم سيادة في هذه المجتمعات: إما عن طريق المال، أو طريق العلم.
وبجانب تفكير العقلية اليهودية العالمية في تحصيل المال، والعلم،
1 / 20