[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم «1»
قال الشيخ الإمام أبو إسحاق بن علي بن يوسف الفيروزآبادي- رحمه الله-
أما بعد ... فإني لما رأيت قوما ينتحلون العلم وينسبون إليه، وهم من جهلهم لا يدرون ما هم عليه، ينسبون إلى أهل الحق ما لا يعتقدونه، ولا في كتاب هم يجدونه، لينفروا قلوب العامة من الميل إليهم، ويأمرونهم أبدا بتفكيرهم ولعنهم، أحببت أن أشير إلى بطلان ما ينسب إليهم، بما أذكره من اعتقادهم وأنا مع ذلك مكره لا بطل، ولى دعوى لا عمل، ولكن شرعت فيما شرعت مع اعترافي بالتقصير، وعلمي بأن ناصر الحق كثير، ليرجع الناظر فيما جمعته عن قبول قول المضلين، ويدين الله عز وجل بقول الموحدين المحققين.
فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم ككاتم ما أنزل الله عز وجل على محمد» «2».
ومقصدي بذلك النصيحة.
فلن يكمل المؤمن إيمانه حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه. ويروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كتم أخاه نصيحة أو علما يطلبه منه لينفع به حرمه الله فضل ما يرجو» «3» نسأل الله تعالى أن لا يحرمنا رحمته، وأن يدخلنا جنته.
पृष्ठ 371
النظر أول الواجبات
पृष्ठ 372
فمن ذلك: أنهم يعتقدون أن أول ما يجب على العاقل البالغ المكلف القصد إلى النظر والاستدلال المؤديين إلى معرفة الله عز وجل «1»؛ لأن الله عز وجل أمرنا بالعبادة، قال عز وجل: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين (البينة: من الآية 5) والعبادة لا تصح إلا بالنية، لقوله علية الصلاة والسلام «إنما الأعمال بالنيات» «2»، والنية هي القصد. تقول العرب: نواك الله بحفظه أي قصدك الله بحفظه. وقصد من لا يعرف محال، فدل ذلك على وجوب النظر والاستدلال، ولأن ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به يكون واجبا كالواجب، ألا ترى أن الصلاة لما كانت واجبة ثم لا يتوصل إليها إلا بالطهارة صارت الطهارة واجبة كالواجب. فكذلك أيضا في مسألتنا، لأنه إذا كانت معرفة الرب عز وجل واجبة ثم بالتقليد لا يتوصل إليها دل على وجوب النظر والاستدلال المؤديين إلى ذلك. فقد أمرنا الله عز وجل بذلك، ودعا إليه، فقال عز وجل: قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض (يونس: من الآية 101). أفرأيتم ما تمنون* أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون (الواقعة: 58، 59) أفرأيتم الماء الذي تشربون* أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون (الواقعة: 68، 69) أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت* وإلى السماء كيف رفعت (الغاشية: 17، 18) الآية، وقال عز وجل إخبارا عن إبراهيم- عليه الصلاة والسلام-: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين (الأنعام: 76) الآيات. وأمرنا باتباعه فقال عز وجل: فاتبعوا ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل (الحج: من الآية 78).
فمن أنكر النظر والاستدلال لا يخلو: إما أن ينكر بدليل، أو بغير دليل، أو بالتقليد فإن أنكره بغير دليل لا يقبل منه، وإن أنكره بالتقليد، فليس تقليد من قلده بأولى من تقليدنا، وإن أنكره بدليل فهو النظر والاستدلال الذي أنكره والنظر لا يزول بالتفكير فبطل دعواه وثبت ما قلناه.
إيمان المقلد
ثم يعتقدون أن التقليد في معرفة الله عز وجل لا يجوز، لأن التقليد قبول قول الغير من غير حجة «1»، وقد ذمه الله تعالى فقال عز وجل: أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم (الزخرف: من الآية 24) إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (الزخرف: من الآية 23) ولأن المقتدين تتساوى أقوالهم، فليس بعضهم بأولى من بعض، ولا فرق بين النبي والمتنبي في ذلك.
وإذا كان الأنبياء مع جلالة قدرهم وعلو منزلتهم لم يدعوا الناس إلى تقليدهم من غير إظهار دليل ولا معجزة، فمن نزلت درجته عن درجتهم؛ أولى وأحرى أن لا يتبع فيما يدعو إليه من غير دليل، فعلى هذا لا يجوز تقليد العالم للعالم، ولا تقليد العامي للعامي، ولا تقليد العامي للعالم، ولا تقليد العالم العامي. فإن قيل: لم جوزتم تقليد العامي للعالم في الفروع ولم لا تجيزوها في الأصول؟.
قيل: لأن الفروع التي هي العبادات دليلها السمع، وقد يصل إلى العالم من السمع ما لا يصل إلى العامي، فلما لم يتساويا في معرفة الدليل جاز له تقليده، وليس كذلك الأصل الذي هو معرفة الرب عز وجل فإن دليله العقل، والعامي والعالم في ذلك سواء، فإن العالم إذا قال للعامي: واحد أكثر من اثنين لا يقبل منه من غير دليل، فإن الفرق بينهما ظاهر «2».
पृष्ठ 373
حدوث العالم
ثم يعتقدون أن لهذا العالم صانعا صنعه، ومحدثا أحدثه، وموجدا أوجده من العدم إلى الوجود لأنه حال وجوده وهو شيء موجود موصوف بالحياة والسمع لا يقدر أن يحدث في ذاته شيئا ففي حال عدمه وهو ليس بشيء أولى وأحرى ألا يوجد نفسه، ولأنه لو كان موجدا لنفسه لم يكن وجوده اليوم بأولى من وجوده غدا، ولا وجوده غدا بأولى من وجوده اليوم، ولا كونه أبيض بأولى من كونه أسود، فدل على أن له مخصصا يخصصه وموجدا يوجده. قال الله تعالى: ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم (الروم: من الآية 22).
صفة الوحدانية
ثم يعتقدون أن محدث العالم هو الله عز وجل، وأنه واحد أحد؛ لأن الاثنين لا يجري أمرهما على النظام، لأنهما إذا أرادا شيئا لا يخلو إما أن يتم مرادهما جميعا أو لا يتم مرادهما جميعا أو يتم مراد أحدهما دون الآخر.
فإن لم يتم مرادهما جميعا؛ بطل أن يكون إلهين، ومحال أن يتم مرادهما جميعا، لأنه قد يريد أحدهما إحياء جسم والآخر يريد إماتته، والإنسان لا يكون حيا أو ميتا في حالة واحدة.
وإن تواطئا فالتواطؤ أيضا لا يكون إلا عن عجز، وإن تم مراد أحدهما دون الآخر، فالذي لم يتم مراده ليس بإله؛ لأن من شروط الإله أن يكون مريدا قادرا؛ فدل على أن الله عز وجل واحدا أحد.
قال الله عز وجل: وإلهكم إله واحد (البقرة: من الآية 163). وقال عز وجل:
पृष्ठ 374
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا (الأنبياء: من الآية 22).
صفة القدم
ثم يعتقدون أن الله عز وجل قديم أزلي أبدا كان، وأبدا يكون؛ لأنه لو كان محدثا، لافتقر إلى محدث آخر، وذلك المحدث إن كان محدثا، افتقر إلى محدث آخر، ويؤدي ذلك إلى التسلسل، وعدم التناهي، وذلك محال.
مخالفته- تعالى- للحوادث
ثم يعتقدون أن الله عز وجل لا يشبهه شيء من المخلوقات، ولا يشبه شيئا منها؛ لأنه لو أشبهه شيء لكان مثله قديما، ولو أشبه شيئا لكان مثله مخلوقا وكلا الحالين محال. قال الله عز وجل: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (الشورى: من الآية 11).
الله تعالى ليس بجسم
ثم يعتقدون أن الله عز وجل ليس بجسم لأن الجسم هو المؤلف وكل مؤلف لا بد له من مؤلف. وليس بجوهر لأن الجوهر لا يخلو من الأعراض كاللون والحركة والسكون، والعرض الذي لا يكون ثم يكون ولا يبقى وقتين. قال الله تعالى: هذا عارض ممطرنا (الأحقاف: من الآية 24) أي لم يكن فكان، وما لم يكن فكان فهو محدث، وما لا ينفك من المحدث فهو محدث كالمحدث.
صفاته تعالى أزلية
ثم يعتقدون أن الله تعالى المحدث للعالم موصوف بصفات ذاتية، وصفات فعلية، فأما الصفات الذاتية فهي ما يصح أن يوصف بها في الأزل وفي لا يزال كالعلم والقدرة، وأما الصفات الفعلية فهي ما لا يصح أن يوصف بها في الأزل وفي لا يزال كالخلق والرزق؛ لا يقال إنه أبدا كان خالقا ورازقا؛ لأن ذلك يؤدي إلى قدم المخلوق والمرزوق، بل يقال إنه أبدا كان قادرا على الخلق والرزق، عالما بمن يخلقه ويرزقه، فإن قيل إنه أبدا الخالق والرازق بالألف واللام جاز.
صفة العلم
पृष्ठ 375
ثم يعتقدون أن الله تعالى عالم بعلم واحد قديم أزلي يتعلق بجميع المخلوقات فلا يخرج مخلوق عن عمله؛ لأنه لو لم يكن موصوفا بالعلم لكان موصوفا بضده وهو الجهل، ثم يكون الجهل صفة له قديمة، والقديم يستحيل عدمه، فلا يكون أبدا عالما، وذلك نقص، والرب عز وجل موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص «1»؛ قال الله عز وجل: والله بكل شيء عليم (الحجرات: من الآية 16)، وقال تعالى: أنزله بعلمه (النساء: من الآية 166).
صفة القدرة
ثم يعتقدون أن الله عز وجل قادر بقدرة واحدة قديمة أزلية تتعلق بجميع المقدورات، فلا يخرج مقدور عن مقدوراته، لأن ضد القدرة العجز فلو لم يكن في الأزل موصوفا بالقدرة لكان موصوفا بضدها وهو العجز، ثم يكون العجز صفة له قديمة، والقديم يستحيل عدمه كما ذكرنا في العلم فلا يكون أبدا قادرا، وذلك آفة، والرب عز وجل منزه عن الآفات. قال الله عز وجل: والله على كل شيء قدير (آل عمران: من الآية 29). والكلام في إثبات جميع صفاته الذاتية كالكلام فيما ذكرناه من إثبات العلم والقدرة.
صفة الإرادة
ثم يعتقدون أن الله عز وجل مريد بإرادة قديمة أزلية، فجميع ما يجري في العالم من خير أو شر أو نفع أو ضر أو سقم أو صحة أو طاعة أو معصية فبإرادته وقضائه، لاستحالة أن يجري في ملكه ما لم يرده؛ لأن ذلك يؤدي إلى نقصه وعجزه. قال الله تعالى فعال لما يريد (البروج: 16) وقال تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا (الأنعام: من الآية 125).
पृष्ठ 376
والكلام في هذه المسألة مع القدرية يطول لأنهم لا يثبتونها على أصلهم، وهو أن العقل عندهم يوجب ويحسن ويقبح، وعند أهل الحق العقل لا يوجب ولا يحسن ولا يقبح، بل الحسن ما حسنته الشريعة والقبيح ما قبحته الشريعة «2». قال الله عز وجل وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (الإسراء: من الآية 15). فأخبرنا تعالى أنهم آمنوا من العذاب قبل بعث الرسول إليهم، فالواجب فعله ما لا يؤمن أمن في تركه عذاب، فعلم بهذه الآية أن الله تعالى لم يوجب على العقلاء شيئا من جهة العقل، بل أوجب ذلك عند مجيء الرسل من قبل الله تعالى، ولأن العقل صفة للعاقل وهو محدث مخلوق لله تبارك وتعالى، وليس بقائم بنفسه ولا حي ولا قادر ولا عالم ولا متكلم، وما هذه حالته فلا يصح أن يوجب على العقلاء ولا على غيرهم شيئا ولا أن يحرم شيئا ولا يقبح شيئا، ولا يعلم به غير المعلومات التي لا تتعلق به كجميع العلوم. إذا كان الأمر كذلك لم تصر الأفعال حسنة واجبة بإيجابه، ولا محرمة قبيحة بتحريمه، ولا مباحة كسائر الحوادث لأنه محدث مخلوق كسائر العلوم والحوادث، ولو وجب عليهم شيء من جهة العقل قبل مجيء الرسل فكان حجة عليهم مجردة في ذلك لما قال: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل (النساء: من الآية 165)
بل كان الواجب أن يقول لئلا يكون لله حجة بعد العقل. ولما بطل ذلك دل على أن العقل ليس له تأثير في شيء مما ذكرناه.
فإن قيل: لم قلتم إن الله عز وجل مريد للمعاصي خالق لها فبأي شيء يستحق العبد العقوبة؟
يقال لهم: هل تثبتون أن الله عز وجل مريد للطاعة خالق لها أم لا؟
فإن قيل ليس مريدا لها ولا خالق أيضا فلا كلام معهم والأولى السكوت عنهم؛ لأنهم قد كذبوا الرب في خبره، وقال عز وجل خالق كل شيء (الأنعام: من الآية 102).
وإن قيل: إنه مريد لإيجادها وخالق لها يقال: فالعبد بأي شيء ينال الثواب والدرجات، وكل دليل لهم هنا هو دليل لنا هناك فكما أنه يقدرنا على فعل الطاعة ويخلقها لنا ثم يثيبنا عليها بفضله فكذلك أيضا يقدرنا على المعصية، ويخلقها لنا ثم يعاقبنا عليها بعدله لأنه متصرف في ملكه على الإطلاق. وقد روى في الخبر أن الله عز وجل أوحى إلى أيوب: «لو لم أخلق لك تحت كل شعرة صبرا لما صبرت» ثم بعد ذلك يمدحه ويثنى عليه بقوله إنا وجدناه صابرا نعم العبد (ص: من الآية 44) فإذا كان الرب عز وجل خلق الصبر له فبأي شيء نال هذا المدح والثناء فدل على أن الأمر ما ذكرناه لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون (الأنبياء: 23).
فإن قيل: وجدنا أحدنا إذا قال لغلامه: اكسر هذا الإناء فكسره ثم عاقبه يكون ظالما، فإذا قلنا إن الله عز وجل مريد للمعاصي ثم يعاقب عليها يكون ظالما؟.
पृष्ठ 377
يقال: حقيقة الظلم هو تجاوز الحد ، فالسيد إذا قال لغلامه اكسر هذا الإناء وعاقبه يكون ظالما لأن فوقه آمرا وهو الله عز وجل أمره أن لا يتجاوز مع عبده الحد فإذا تجاوزه يكون ظالما، ثم يقال لهم: هذا السيد أمر عبده بكسر الإناء فكان عقوبته ظلما له والرب عز وجل لم يأمر بالمعاصي قال الله عز وجل إن الله لا يأمر بالفحشاء (الأعراف: من الآية 28) بل يقول إنه مريد للمعاصي والأمر بخلاف الإرادة ونحن مخاطبون بالأمر لا بالإرادة.
فإن قيل: الأمر والإرادة سواء فما أمر به فقد أراده، وما أراده فقد أمر به.
قيل: هذا ليس بصحيح والدليل عليه إذا قال رجل لغيره إن غلامي هذا لا يطيعني فيما آمره به ولا ينصحني ثم قال لغلامه افعل كيت وكيت فقد أمره بالفعل وهو يريد أن لا يفعل ليبين لذلك الرجل صدق قوله، فدل على أن الأمر بخلاف الإرادة. أمر إبليس بالسجود، وهو لم يرد منه السجود، ولو أراد أن يسجد على رغم أنفه، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأراده أن يأكل منها، وعندهم أن الله عز وجل، أراد إبليس أن يسجد وإبليس ما أراد أن يسجد يكون على قولهم إبليس وصل إلى مراده والرب عز وجل ما وصل إلى مراده. ثم يقال لهم: هل الرب عز وجل قادر على أن يحيل بين هذا العاصي وبين المعصية أم لا؟ وهل هو عالم بأنه إذا رزقه رزقا يتوصل به إلى المعصية أم لا؟ فإن قيل ليس بقادر ولا عالم فقد عطلوا وأبطلوا ونفوا القدرة والعلم وهو أصل مذهبهم، وينتقل الكلام معهم إلى إثبات الصفات.
وإن قيل: إنه عالم وقادر. قيل لهم: لو لم يكن مريدا للمعصية من العاصي مع كونه عالما بأنه سيعصى وقادر أنه يحيل بينه وبينها لما وجدت، وإذا ثبت بأنه عالم بما يكون من العاصي قبل المعصية وقادر أن يحيل بينه وبينها ثم يتركه على المعصية فلا يوصف بالظلم عند عقوبته، فكذلك أيضا يريد المعصية ثم يعاقب عليها ولا يوصف بالظلم ولو لم يكن مريدا للمعصية مع وجودها لكان عاجزا لأن من يجري في ملكه ما لم يرد لا يكون إلا عاجزا مغلوبا. ولهذا قال بعض أصحابنا: القدرية أرادت أن تعدل الباري فعجزته، والمشبهة أرادت أن تثبت الباري فشبهته. وهذا خلاف النص والإجماع. قال الله تعالى: وما تشاؤن إلا أن يشاء الله (الإنسان: من الآية 30) وأجمعت الأمة على ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وقال عز وجل:
إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب (الرعد: من الآية 27) ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء (إبراهيم: من الآية 27) فأضاف إلى الإضلال إليه.
पृष्ठ 378
وقال عز وجل إخبارا عن نوح: ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم (هود: من الآية 34) فأضاف الغواية إليه. وقال إخبارا عن موسى: إن هي إلا فتنتك (الأعراف: من الآية 155) وقال عز وجل ونبلوكم بالشر والخير فتنة (الأنبياء: من الآية 35) فأضاف الخير والشر إليه. وقال عز وجل إخبارا عن إبليس: رب بما أغويتني (الحجر: 39) فلو كان إضافة ذلك إلى الرب عز وجل لا يجوز لذم الله عز وجل إبليس على ذلك كما ذمه ولعنه عند امتناعه عن السجود. وقد حكي عن بعض أصحابنا أنه قال: إن قوما إبليس أفقه منهم السكوت عنهم أولى من الكلام معهم.
فإن قيل قال الله عز وجل ولا يرضى لعباده الكفر (الزمر: من الآية 7) قيل لهم: أراد به لا يرضى لعباده المؤمنين دون الكافرين.
فإن قيل: قد قال الله إخبارا عن موسى: قال هذا من عمل الشيطان (القصص: من الآية 15) قيل: أراد به هذا مما يخلقه الشيطان بدليل قوله: إن هي إلا فتنتك (الأعراف: من الآية 155)، والفرق بين ما نورده من الآيات وبين ما يوردونه إن ما نورد غير محتمل للتأويل وما يوردونه محتمل لذلك ثم يقال لهم: جميع أعمال الخلق أعراض، فلو كان للمخلوق قدرة على خلق بعضها لكان له قدرة على خلق جميعها، ثم لا فرق بين خلق الأعراض وبين خلق الأجسام فإن الأعراض التي لا تكون ثم تكون وتفتقر إلى محدث يحدثها ويوجدها، والأجسام كذلك أيضا فلو كان لمخلوق قدرة على خلق الأعراض لكان له قدرة على خلق الأجسام، فمن وصف المخلوقين بالقدرة على خلق جميعها وهذا يؤدي إلى إثبات خالق غير الله تعالى قال الله تعالى: هل من خالق غير الله (فاطر: من الآية 3).
وهذا القول من القدرية أعظم من قول اليهود والنصارى لأن اليهود أثبتت مع الله عز وجل العزير، والنصارى أثبتت المسيح، والقدرية أثبتت مع الله خالقين لا يحصى عددهم بقولهم: إن العبد يخلق ويريد والرب يخلق ويريد وقد شبههم النبي صلى الله عليه وسلم بالمجوس بقوله: «القدرية مجوس هذه الأمة».
فإن قيل: إنهم القدرية لأنكم تقولون الرب عز وجل يقدر على خلق المعاصي.
يقال لهم هذا لا يصح لأن من وصف غيره بالحياكة لا يصير حائكا بالحائك من فعل الحياكة. فقولنا إن الله يقدر لا نسمى بالقدرية بل القدرية الذين يصفون أنفسهم بالقدرة، وقد شبههم النبي صلى الله عليه وسلم بالمجوس ولأن المجوس يقولون بإلهي النار والنور، والقدرية يقولون بخالقين لأن العبد عندهم يخلق والرب يخلق فلهذا شبههم بالمجوس.
وقد حكى أن بعض أهل التوحيد تناظر مع قدري وكانا بقرب شجرة فأخذ القدري ورقة من الشجرة وقال أنا فعلت هذا وخلقته.
पृष्ठ 379
فقال له الموحد: إن كان الأمر كما ذكرت فرده كما كان فإن من قدر على شيء قدر على ضده، فانقطع في يده. وقد ذكرنا أن الكلام معهم في هذا يطول ولم يكن غرضي بما ذكرت الرد على المخالف لاعترافي بالتقصير بل كان غرضي بما ذكرت الرد على المخالف لاعترافي بالتقصير بل كان غرضي أن أشير إلى مذهب أهل الحق لأبين ما هم عليه من التوحيد واتباع السنة، وأرجو أن يكون قد حصل المقصود إن شاء الله تعالى.
صفة السمع والبصر
ثم يعتقدون أن الله عز وجل يسمع بسمع قديم أزلي «1»، ويبصر ببصر قديم أزلي أبدا «2» كان موصوفا بهما وأبدا يكون، لأن عدمهما يوجب إثبات ضديهما وهما الصمم والعمي وذلك آفة، قال الله عز وجل: وأن الله سميع بصير (الحج: من الآية 61) وقال عز وجل: أسمع وأرى (طه: من الآية 46).
صفة الكلام
ثم يعتقدون أن الله عز وجل متكلم بكلام قديم أزلي أبدي غير مخلوق ولا محدث ولا مفتر ولا مبتدع ولا مخترع بل أبدا كان متكلما به وأبدا يكون، لاستحالة ضد الكلام من الخرس والسكوت عليه، قال الله عز وجل: وكلم الله موسى تكليما (النساء: من الآية 164)، وقال: إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي (الأعراف: 144)، وقال عز وجل فأجره حتى يسمع كلام الله (التوبة: من الآية 6) فأثبت لنفسه الكلام بهذه الآيات، فإذا ثبت أنه متكلم، فكلامه قديم أزلي، والدليل قوله عز وجل الرحمن* علم القرآن* خلق الإنسان (الرحمن 1 - 3) فلو كان مخلوقا لقال: الرحمن خلق القرآن، وخلق الإنسان، فلما لم يقل ذلك؛ فدل على أن الإنسان مخلوق، والقرآن ليس بمخلوق.
ويدل عليه قوله عز وجل: ألا له الخلق والأمر (الأعراف: من الآية 54).
पृष्ठ 380
بالواو والأمر كلام الله، فلو كان مخلوقا لقال الإله: الخلق والخلق، ويكون تكرارا من الكلام، فلما فصل بينهما بالواو، دل على أن الخلق مخلوق، والأمر كلام قديم أزلي قال الله عز وجل: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (النحل: 40) فلو كان قوله كن مخلوقا لافتقر إلى قول قبله، وكذلك ما قبله، ويؤدي ذلك إلى التسلسل، وعدم التناهي، ويؤدي ذلك إلى عدم المخلوقات، ولأن الرب عز وجل لا يخلق الخلق بالخلق وإنما خلقه بصفته القديمة، وهي قوله" كن" فدل على ما قلناه.
فإن قيل" كن" كاف ونون، ودليل الحدوث فيما بين، لكونهما أحرفا فإن الأحرف لا تخرج إلا من مخارج، فالميم مخرجها من الشفتين، وانطباق عضو على عضو، والحاء مخرجها من الحلق، وكذلك سائر الحروف، فإذا كانت الحروف، فإذا لا تخرج إلا من مخارج، والرب عز وجل منزه عن ذلك، لأنه ليس ذا لفظ ومخارج يتقدم بعضها على بعض، فإنه في حال ما يتكلم بالكاف النون معدومة، وفي حال ما يوجد النون ويتكلم بها الكاف معدومة، وما هذه صفته لا يكون إلا مخلوقا، ولأن من الكاف والنون نشاهدهما في مصاحفنا أجساما مخلوقة، فتارة تكون بالحبر، وتارة تكون باللازورد، وتارة تنقش بالجص والآجر على المساجد وغيرها، فإذ قلنا بقدمها ونحن لا نشاهد هذه الأجسام، والألوان المخلوقة، فقد قلنا بقدم العالم، ولأن القديم لا يحل في المحدث، ولأن القول بهذا يؤدي إلى القول بما يعتقدونه النصارى لأنهم يقولون إن كلمة الله القديمة حلت في عيسى، فصار عيسى قديما أزليا، بل يكون هذا القائل أعظم قولا من النصارى، لأنهم لم يقولوا بقدم عيسى، والقائل بأن الكاف والنون قديمة يقول بقدم أكثر المخلوقات. وإذا ثبت أن هذه الكاف والنون وجميع الحروف مخلوقة بمشاهدتنا لها في دار الدنيا لأنها لو كانت قديمة لما فارقت الموصوف لأن الصفة لا تفارق الموصوف، لأنها إذا فارقته يكون موصوفا بضدها بطل ما ادعيتموه من القدم.
يقال لهم: إنما يصح لكم التعليق بهذا مع المشبهة الحلولية القائلين بقدم هذه الأحرف والأصوات، لأنهم يوافقونكم في المعنى ويقولون إن كلام الله أحرف وأصوات ثم يوافقوننا في التسمية، ويقولون بقدم القرآن. والمعول على الاعتقاد بالقلب لا على التسمية باللسان، ويحملهم على ذلك الجهل بالفرق بين القديم والمحدث. ثم يقولون: جهلهم بالسبب حملهم على الخطأ. وقال بعض الأدباء: أهتك الناس من إذا لزمه الحق ثقل عليه، وإذا سنح له الباطل أسرع إليه.
पृष्ठ 381
والأولى بمن تكلم معهم من أهل الحق في ذلك أن لا يطالبهم في الابتداء إلا بالفرق بين القديم والمحدث، فمن كان جاهلا بذلك فالسكوت عنه أولى من كلامه، ويؤمر بمعرفة ذلك فإن أصل هذه المسألة مبني على ذلك، وأما نحن فلا نوافقهم بأن كلام الله أحرف وأصوات، لأن الأحرف والأصوات نعتنا وصفتنا ومنسوبة إلينا نقرأ بها كلام الله تعالى، ونفهمه بها، والكاف والنون وجميع الحروف، القراءة والمقروء والمفهوم بها كلام الله تعالى أفهمنا بها كلام الله القديم الأزلي، كما أفهم موسى بالعبرانية، وعيسى بالسريانية، وداود باليونانية، ولا يقال إن كلام الله عز وجل لغات مختلفة، لأن اللغات صفات المخلوقين بل المفهوم من هذه اللغات كلام الله القديم الأزلي، كما أن العرب يسمونه الله، وغيرهم من العجم والترك خداى وأبودو شكرى ولا يقال إن هذا الاختلاف عائد إلى الرب، لأنه واحد لا خلف فيه، فكذلك كلامه أيضا، بل الاختلاف عائد إلى أفهامنا ولغاتنا. فمن قال بقدم هذه اللغات فلجهله وحمقه؛ لأن المتكلم في حال ما تكلم بالعربية والعبرانية معدومة، وكذلك السريانية واليونانية وما يوجد ويعدم لا يكون قديما.
فإن قيل: إذا قلتم إن كلام الله ليس بصوت ولا حرف ولا تدرك أسماعنا إلا ما هذه صفته فمن ينفي كيف يسمع وكيف يسمع يقال لهم: سماعنا لكلامه كعلمنا به.
فكما أننا لا نملك موجودا إلا جسما أو جوهرا أو عرضا ثم إن الله عز وجل معلوم لنا بخلاف ذلك، فكذلك أيضا سماعنا لكلامه خلاف سماعنا لكلام المخلوقين فنقيس سماعنا لكلامه على العلم به مع القدرية، وأما المشبهة فنقيس معهم سماعنا لكلامه على رؤيتنا له لأنهم يوافقوننا في الرؤية بخلاف القدرية: فيقال لهم: كما أن الله عز وجل يرى لنا غدا وليس يرى جسم لا محدود بخلاف جميع المرئيات التي نشاهدها اليوم فخلق الرب عز وجل لنا بصرا نبصر به، فكذلك خلق لنا سمعا نسمع به كلامه على ما هو عليه بخلاف المسموعات التي ندركها اليوم، والدليل على ما نذكره أن الرب عز وجل يخلق لنا سمعا نسمع به كلامه وبصرا نبصره به بخلاف ما نبصره اليوم ونسمعه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه جبريل عليه السلام، والصحابة جلوس فيراه النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع منه، والصحابة لا يبصرونه ولا يسمعون منه، وبصره وبصرهم في الصورة سواء، وكذلك ملك الموت أيضا، فإن الميت يشاهده عند قبضه لروحه، وأهله حضور لا يشاهدونه، وكذلك الجن يروننا ولا نراهم فدل على أن العلة في ذلك، أن الله عز وجل يخلق للبصير بصرا يدرك به ما لم يدركه غيره، فكذلك يخلق له سمعا يسمع به كلامه، وفهما يفهمه به كما أفهم سليمان منطق الطير وخصه بذلك، وسمعنا وسمعه في الصورة سواء.
فإن قيل: أنتم تثبتون شيئين مختلفين قراءة ومقروءا أحدهما قديم والآخر محدث، ونحن لا نعقل إلا شيئا واحدا، وفي هذا شبهة القدرية والمشبهة، فالقدرية يقولون:
पृष्ठ 382
نحن لا نعقل إلا هذه القراءة وهي محدثة، والمشبهة يقولون نحن لا نعقل إلا هذه القراءة وهي محدثة القرآن ثم يثبتون قدمها؟ يقال لهم: لا يمنع أن يكون الإنسان في حال السماع فيسمع الشيئين المختلفين شيئا واحدا، ثم بالدليل يفرق بينهما، كالناظر إلى السواد والأسود، فإنه في حال المشاهدة لا يشاهد إلا شيئا واحدا، ثم بالدليل يفرق بينهما فيعلم أن السواد عرض لا يقوم بنفسه، والأسود الموصوف بذلك السواد جسم بخلافه، فكذلك في ملتنا أيضا. ونحن قد ثبت عندنا أن كلام الله تعالى قديم أزلي بالأدلة التي قد ذكرنا بعضها، والقديم أبدا ما كان موجودا ويكون أبدا موجودا، ولا يوصف تارة بالوجود وتارة بالرداءة، ولا يضاف إلى المخلوقين، ثم وجدنا القراءة بخلاف ذلك، ففرقنا بينهما، وكما أن الذكر غير المذكور، والعلم غير المعلوم، فإن أحدنا إذا ذكر الله عز وجل، لا يقال إن ذكره قديم لقدم المذكور، ولا علمه قديم لقدم المعلوم، بل هما شيئان مختلفان، فالذكر مخلوق لأنه صفة المخلوق لم توجد قبله، وعلمنا أيضا بالله عز وجل كذلك، فإن الصفة لا تتقدم على الموصوف، فكذلك أيضا قراءتنا وكتابتنا مخلوقة، لأنهما صفتان لم تتقدم علينا، فمن زعم من المشبهة الحلولية أن الكتابة قديمة موجودة قبل الكاتب، والقراءة قديمة موجودة قبل القارئ، يقال له:
فعلى ما ذا يستحق القارئ العقوبة إن كان جنبا، وينال الثواب إن كان طاهرا وهو ما لم يأت بشيء؟ فدل على أن الذي يأتي به ويستحق عليه ما ذكرناه هو القراءة المأمور بها عند الطهارة. قال الله تعالى: فاقرؤا ما تيسر من القرآن (المزمل: من الآية 20) والمنهى عنه عند النجاسة لما روى ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن» والقديم لا يكون تارة طاعة، وتارة معصية؛ لأن الطاعة والمعصية هي ما يكون للمخلوق على فعلها قدرة، والصفة القديمة الذاتية لا توصف بأنها مقدورة لله عز وجل، فأولى وأحرى أن لا تكون مقدورة للمخلوق، وقد أخبر الرب عز وجل أن ما بين السماء والأرض مخلوق، فقال عز وجل: خلق السماوات والأرض وما بينهما (الفرقان: من الآية 59) وهذه الكتابة نشاهدها بين السماء والأرض، فمن قال بقدمها كذب الرب عز وجل في خبره، ولأن الرب عز وجل أخبر أن كلامه لا ينفد ولا يفنى، فقال عز وجل: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله (لقمان: من الآية 27) فأخبر أن كلامه لا يفنى، ولا ينفد، ولا يكون له أول ولا آخر، ثم نجد هذه القراءة تفنى وتنفذ، ولها أول وآخر، والكتابة في المصاحف كذلك أيضا.
ولقد حكى أن عثمان رضي الله عنه أحرق جميع المصاحف المخالفة لمصحفه، أترى أنه أحرق القرآن؟.
पृष्ठ 383
ومن الدليل على أن كلام الله قديم أزلي ما يروي عن على بن أبي طالب كرم الله وجهه، حين أنكر عليه الخوارج التحكيم فقال: والله ما حكمت مخلوقا، وإنما حكمت القرآن، قال الله تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها (النساء: من الآية 35) وقال عز وجل: يحكم به ذوا عدل (المائدة: من الآية 95) فإذا كان في شقاق يقع بين الزوجين أمر بالتحكيم، وفي أرش قيمته نصف درهم يقتله المحرم أمر بذلك ففي شقاق يقع بين طائفتين من المسلمين التحكيم أولى وأحرى، وجميع الصحابة يسمعون قوله ولم ينكر عليه منكر، وسكتوا عنه كسكوتهم عند حرق عثمان المصاحف ففعل عثمان حجة لنا بأن الكتابة مخلوقة، وقول على كرم الله وجهه حجة لنا بأن المكتوب قديم، والاقتداء بعلي وعثمان رضي الله عنهما أولى وأحرى من اقتداء بالقدرية والمشبهة.
ومن الدليل على أن كلام الله تعالى قديم أزلي، أنه لو كان مخلوقا لكان لا يخلو إما أن يكون قد خلقه في ذاته، أو خلقه في غيره، أو خلق الكلام قائما بذاته لا في محل، بطل أن يقال خلقه في ذاته، لأنه تعالى ليس بمحل للحوادث، وبطل أن يقال خلقه في غيره لأنه يكون كلام ذلك الغير، وكما لا يجوز أن يقال إنه يخلق علمه وقدرته، فكذلك أيضا لا يخلق كلامه في غيره، لأنه يكون كلام ذلك الغير، ولا يجوز أن يقال إنه خلقه لا في محل لأن الكلام صفته، والصفة لا تقوم إلا بموصوف، وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة دل على أنه قديم أزلي.
فإن قيل: المتكلم إنما يتكلم ليسمع غيره، أو يتكلم ليستأنس، أو يتكلم ليحفظ، وإذا كان المتكلم خاليا من هذه الثلاثة أقسام يكون كلامه هذيانا ولغوا. والرب عز وجل لم يكن معه في الأزل أحد ليسمع كلامه، ولا يجوز أن يقال إنه تكلم ليحفظ أو تكلم ليستأنس، وإذا بطلت هذه الأقسام الثلاثة، دل على أنه ليس متكلما في الأزل.
يقال لهم: مقصودكم وغرضكم أن تثبتوا لصفاته الذاتية علة وغرضا إذا كانت أفعاله لا لعلة ولا غرض، لأنه لو فعل فعلا لعلة كانت تلك العلة لا تخلو، إما أن تكون قديمة أو محدثة، فإن كانت محدثة افتقرت إلى علة قبلها، وكذلك ما قبلها، ويؤدي ذلك إلى التسلسل وعدم التناهي، ويؤدي ذلك إلى عدم المعلول، وهذا محال أيضا؛ فدل على أن الله عز وجل يفعل ما يفعله لا لعلة وغرض، بل يفعل ما يشاء بما شاء لا لعلة. وإذا ثبت أن صفات فعله لا لعلة وغرض، فصفات ذاته أولى وأحرى أن لا تكون لعلة وغرض وبطل ما قاله.
فإن قيل قد قال الله تعالى: إنا جعلناه قرآنا عربيا (الزخرف: من الآية 3) والجعل بمعنى الخلق، يقال لهم الجعل هاهنا بمعنى التسمية والدليل عليه قوله عز وجل:
पृष्ठ 384
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا (الزخرف: من الآية 19) ومعلوم على أنهم لم يخلقوا الملائكة فدل على أن الأمر بالجعل هاهنا التسمية، وكذلك قوله عز وجل: الذين جعلوا القرآن عضين (الحجر : 91) لم يرد بها الخلق فدل على ما قلناه.
فإن قيل قد قال الله عز وجل: وكان أمر الله مفعولا (الأحزاب: من الآية 37) وكان أمر الله قدرا مقدورا (الأحزاب: من الآية 38) فدل على أن أمر الله مقدور ومفعول، وهذا دليل الحدث.
يقال لهم: الأمر على ضربين، فتارة يقتضي الكلام وهو قوله: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (النحل: 40)، وقوله عز وجل لله الأمر من قبل ومن بعد (الروم: من الآية 4) أي من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء، وهذا دليل واضح على قدمه، وتارة يقتضي الفعل وهو قوله وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها (الإسراء: من الآية 16) فهذا الأمر يقتضي الفعل، جاء في التفسير أن الأمر هاهنا بمعنى كثرنا لأن الرب عز وجل لا يأمر بالفحشاء، وإذا كان الأمر كذلك بطل ما قالوه، ويكون المراد بقوله:
وكان أمر الله مفعولا (الأحزاب: من الآية 37) وكان أمر الله قدرا مقدورا (الأحزاب: من الآية 38) فعله.
فإن قيل: الدليل على خلق القرآن أنه معجز النبي صلى الله عليه وسلم وتحدى الأمة به. فالتحدي إنما يكون بما للمتحدي عليه قدرة كإلقاء العصا، وإبراء الأكمه والأبرص، والقديم لا يكون للمخلوق عليه قدرة ولا يكون له في التحدي به حجة؛ فدل على ما قلناه.
يقال لهم: التحدي إنما كان بالقراءة لا بالمقروء وقد بينا الفرق بينهما. فإن قيل:
فقد قال الله تعالى: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث (الأنبياء: من الآية 2).
يقال لهم الذكر قد يكون بمعنى القرآن فقال عز وجل: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر: 9) ويكون الذكر بمعنى الرسول قال الله عز وجل:
ويقولون إنه لمجنون* وما هو إلا ذكر للعالمين (القلم: من الآيتين 51: 52) قال الله عز وجل ذكرا* رسولا (نهاية الآية: 10 وبداية الآية: 11 من سورة الطلاق) فالذكر المحدث هاهنا النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على آخر الآية قوله عز وجل: هل هذا إلا بشر مثلكم (الأنبياء: من الآية 3) ومعلوم أن الكلام ليس ببشر ويحتمل أن يقال إن المراد بالذكر المحدث هذه القراءة لا المقروء.
पृष्ठ 385
فإن قال قائل من المشبهة: إذا قلتم إن الكتابة مخلوقة يؤدي ذلك إلى أن المصحف ليس له حرمة.
يقال لهم إن الحرمة لا تثبت إلا بما هو قديم ثم لم يكن للمسجد حرمة بحيث يمنع الجنب من اللبث فيه والمرور على مذهب بعض الفقهاء فكما أن المسجد بجميع أجزائه مخلوق وله حرمة لأجل المعهود فيه فكذلك إنما المصحف بجميع أجزائه مخلوق وله حرمة لأجل المكتوب فيه.
فإن قيل: إذا قلتم إن هذه الأحرف محدثة وليست القرآن، فالقرآن أين هو؟.
يقال لهم: فإذا قلتم إن هذه الأحرف هي القرآن، فالقديم أين هو؟.
فإن قيل فقد قال الله عز وجل: الم، طه، طسم، فدل على أن القرآن هو هذه الأحرف.
ويقال لهم: لا فرق بين هذه الآيات وغيرها فإن الألف التي في الحمد والطاء التي في طه كالطاء التي في الطاغوت فجميع الأحرف التي في السور سواء، فما ثبت لبعضها من القدم أو الحدث ثبت لكلها.
ثم يقال لو أن هذه الأحرف قديمة لأجل تخصيصها بالذكر لكان الشمس والقمر والنجوم قديمة لتخصيصها بالذكر قال الله تعالى: والنجم إذا هوى (النجم: 1)، وقال عز وجل: والشمس وضحاها* والقمر إذا تلاها (الشمس: 1، 2) فكما لا يقال إن هذه الأشياء قديمة لتخصيصها بالذكر فكذلك الأحرف أيضا.
ثم يقال لهم: هذه الأحرف التي تثبتون قدمها في القرآن هل هي أحرف أب ت ث أم لا؟ فإن قيل غيرها فهذا دفع للضرورة وإن قيل هي يقال لهم فهل هي التي يكتب بها شعر المتنبي وحسان والنقال أم لا؟.
पृष्ठ 386
فإن قيل: غيرها تكتب ما ذكرتموه فهذا محال ودفع لما نعلمه ضرورة، وإن قيل إن الأحرف التي يكتب بها القرآن هي التي يكتب بها ما ذكرناه. فيجب القول بقدمها وأن يكون لها حرمة كحرمة المصحف وهذا خلاف الإجماع، ولو أن هذه الأحرف قديمة وهي القرآن لكان المصلي إذا أتى بها في الصلاة وقال في الصلاة أب ت ث ج ح خ د ذ لا تبطل صلاته فإن الإتيان بالقرآن في الصلاة في موضعه لا يبطلها، ولكانت تجزئة عن قراءة غيرها، ولكان لها حرمة بحيث لا يجوز للجنب الإتيان بها، فلما لم يصح ذلك دل على أنها مخلوقة، وإذا ترتب بعضها على بعض فهم منها المكتوب بها، فإن كان القرآن صار لها حرمة، وإن كان غير القرآن لم يكن لها حرمة، فالذي يتجدد هو الحرمة لا القدم، فإنه لو جاز أن يصير المحدث قديما لجاز أن يصير القديم محدثا وهذا محال.
ومن الدليل على أن الكتابة غير المكتوب قوله تعالى: النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل (الأعراف: من الآية 157) فالنبي عليه الصلاة والسلام مكتوب على هذه الحقيقة في التوراة والإنجيل غير حال في التوراة والإنجيل، بل هو مدفون في المدينة أو رفع إلى السماء على اختلاف العلماء في ذلك، فلو أن الكتابة هي المكتوب لكان النبي صلى الله عليه وسلم موجودا في التوراة والإنجيل هي الأحرف المفهوم بها النبي صلى الله عليه وسلم، فهي غيره وهو غيرها، لأن حقيقة الغير لا يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر والكتابة مفارقة المكتوب منفصلة منه، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب زيد على عمرو وثيقة بدين وشهد فيها الشهود بذلك ثم قبضها يكون قد استوفى دينه فلما لم يصح ذلك دل على أن الكتابة يفهم بها المكتوب وليست هي المكتوب فالشهود مكتوبون في الوثيقة على الحقيقة غير حالين فيها، وكذلك الدين، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا قرأ القارئ يا يحيى خذ الكتاب (مريم: من الآية 12) وأراد به القرآن، ثم قال يا يحيى خذ الكتاب وأراد به إعلام المسيح، أن يفرق بينهما عند السماع، وكذلك في الكتابة أيضا فلما لم يكن ذلك دل على أن الكتابة مخلوقة لا تختلف والمفهوم بها يختلف، ثم يقال لهم إذا قرأ القارئ هل يسمع منه القرآن كما يسمع من الرب عز وجل أم لا؟ فإن ورد الشرع بأن كلام الله تعالى صوت وحرف سميناه بذلك وإلا فلا.
पृष्ठ 387
وإن قيل ليس بينهما فرق وذا ذاك، وذاك ذا فهذا هو التشبيه بعينه ويكون القرآن على قولهم حكاية، لأن المحاكاة المماثلة والمشابهة ولا شبه لكلام الله ولا مثل له، كما أن الله عز وجل لا مثل له ولا شبه له، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب أحدنا في كفه ألف لام ها ما يكون الله عز وجل حالا في كفه، ولما لم يصح ذلك دل على أن الكتابة غير الله عز وجل، ولما جاز على الرب جاز على صفة ذاته، فكما أن الرب عز وجل مكتوب في مصاحفنا، ومعبود في مساجدنا ومعلوم في قلوبنا ومذكور بألسنتنا غير حال في شيء مما ذكرناه فكذلك كلامه أيضا مقروء بألسنتنا على الحقيقة قال الله عز وجل: فاقرؤا ما تيسر من القرآن (المزمل: من الآية 20) ومتلو في محاريبنا على الحقيقة، قال الله عز وجل: واتل ما أوحي إليك من كتاب (الكهف: من الآية 27) ومحفوظ في صدورنا على الحقيقة قال الله عز وجل: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم (العنكبوت: من الآية 49) ومسموع محفوظ (البروج: 21) بآذاننا على الحقيقة قال الله عز وجل: بل هو قرآن مجيد* في لوح (21، 22) غير حال في شيء مما ذكرناه.
وللمصحف حرمة عظيمة ورعاية وكيدة بحيث لا يجوز للمحدث الأصغر والأكبر مس ما فيه وحواشيه ولا كتابته ولا دفتيه ولا حمله ولا مسه ولا بعلاقة احتراما قال الله عز وجل: لا يمسه إلا المطهرون (الواقعة: 79) والأدلة في ذلك أبين من عين الشمس لمن تدبر وعقل لا من اتبع هواه وجهل. فإن كنت قد أكثرت مما لا يحتاج إليه فلا ملام لما قدمت من الاعتراف والسلام.
صفة الحياة
ثم يعتقدون أن الله عز وجل حي بحياة أزلية قديمة لأن الصفات التي ذكرناها لا تقوم إلا بمن هو حي، قال الله عز وجل: الله لا إله إلا هو الحي القيوم (البقرة:
من الآية 255).
علاقة الصفات بالذات
ثم يعتقدون أن صفات ذاته لا يجوز أن يقال هي هو، ولا هو هي، ولا هو غيرها، ولا هي غيره؛ لأنها لو كانت هي هو لكانت الصفة الواحدة موصوفة بجميع الصفات التي ذكرناها والصفة لا تقوم بالصفات. ولو كان هو هي لم يكن موصوفا بها لأن الصفة معنى زائد على الموصوف ولو كانت غيره وهو غيرها لجاز لأحدهما أن يفارق الآخر لأن حقيقة الغيرين ما يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر. بل يقال إنها صفات قائمات بذاته لم يزل موصوفا بها ولا يزال.
صفة الاستواء
पृष्ठ 388
ثم يعتقدون أن الله عز وجل مستو على العرش قال الله عز وجل: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش (الأعراف: من الآية 54)، وأن استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة لأن الاستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة، والرب عز وجل قديم أزلي أبدا كان وأبدا يكون، لا يجوز عليه التغيير ولا التبديل ولا الانتقال ولا التحريك، والعرش مخلوق لم يكن فكان، قال الله عز وجل: الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم (النمل: 26) فلو أن المراد بالاستواء والملاصقة لأدى إلى تغيير الرب وانتقاله من حال إلى حال وهذا محال في حق القديم، فإن كل متغير لا بد له من مغير، ولأن العرش مخلوق محدود فلو كان الرب عز وجل مستقرا عليه لكان لا يخلو إما أن يكون أكبر أو أصغر منه أو مثله، فلو كان أكبر منه يكون متبعضا بعضه خال من العرش، والبعض صفة الأجسام المؤلفة، وإن كان أصغر منه فيكون العرش مع كونه مخلوقا أكبر منه وذلك نقص، وإن كان مثله يكون محدودا كالعرش فإن كان العرش مربعا فيكون الرب مربعا، وإن كان مخمسا فيكون الرب مخمسا وما هو محدود له شبه، وله مثل ولا يكون قديما، فدل على أنه كان ولا مكان، ثم خلق المكان وهو الآن على ما عليه كان.
فإن قيل: إذا قلتم إنه ليس على العرش ولا في السماوات ولا في جهة من الجهات فأين هو؟
يقال لهم: أول جهلكم وصفكم له بأين، لأن أين استخبار عن المكان والرب عز وجل منزه عن ذلك.
ثم يقال لهم: هل تثبتون خلق العرش والسماوات وجميع الجهات أم لا؟
فإن قالوا ليست مخلوقة فقد قالوا بقدم العالم، وينتقل الكلام معهم إلى القول بحدث العالم، وإن وافقوا أهل الحق وقالوا بخلق جميع الجهات، يقال لهم فهل كان الرب موجودا قبل وجودها وهو الذي أوجدها من العدم إلى الوجود أم لا؟
فإن قيل: لم يكن موجودا قبلها ولا أوجدها فقد قالوا بحدث الرب عز وجل، وهذا هو الكفر الصراح، وإن وافقوا أهل الحق في القول بوجوده قبل وجود المخلوقات من العالم العلوي والسفلي. قيل لهم: فأخبرونا عما كان عليه قبل وجودها فكل دليل لهم قبل وجودها هو دليل لنا بعد وجودها، فإن الرب عز وجل بعد وجود جميع المخلوقات على ما كان عليه قبل وجودها لا يجوز على الرب التغيير من حال إلى حال ولا الانتقال من مكان إلى مكان. قال الله عز وجل في قصة إبراهيم عليه السلام: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل- أي انتقل من جهة إلى جهة وتغير من حال إلى حال- قال لا أحب الآفلين (الأنعام: 76) أي لا أحب المنتقلين المتغيرين، فمن وصف القديم بما نفاه عنه إبراهيم فليس من المسلمين.
فإن قيل: إذا لم يكن في جهة فما فائدة رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء وعروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء؟.
पृष्ठ 389
يقال لهم: لو جاز لقائل أن يقول إن الرب عز وجل في جهة فوق لأجل رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء لكان لغيره أن يقول هو في جهة القبلة لأجل استقبالنا إليها في الصلاة أو هو في الأرض لأجل قربنا من الأرض في حال السجود، وقد روى في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل إذا سجد» قال الله عز وجل: واسجد واقترب (العلق: من الآية 19) فلو كان في جهة فوق لما وصف العبد بالقرب منه إذا سجد فكما أن الكعبة قبلة المصلي يستقبلها في الصلاة، ولا يقال إن الله عز وجل في جهة الكعبة، ومستقبل الأرض بوجهه في السجود، ولا يقال إن الله عز وجل في الأرض، فكذلك أيضا جعلت السماء قبلة الدعاء، لا أن الله عز وجل حال فيها، وكذلك أيضا عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، لا يدل على أن الله عز وجل في السماء، كما أن عروج موسى عليه الصلاة والسلام إلى الجبل، وسماعه لكلام الله تعالى عنده، لا يدل على أن الله عز وجل حال في الجبل، فعروج النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان زيادة في درجته، وعلوا لمنزلته ليتبين الفرق بينه وبين غيره في المنزلة وعلو الدرجة.
فإن قيل: إذا لم يكن الاستواء بمعنى الاستقرار فما معناه؟.
يقال لهم: قد اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: إن الاستواء بمعنى القهر والغلبة واحتج على القائل بهذا، وقال لو كان المراد القهر والغلبة، لأدى ذلك إلى أن يكون قبله مقهورا مغلوبا، وذلك محال.
ومنهم من قال: الاستواء بمعنى الاستيلاء، استوى على العرش أي استولى عليه يقال: استوى فلان على الملك، أي استولى عليه.
ومنهم من قال: المراد به العلو فقوله: الرحمن على العرش استوى (طه: 5) يريد به الرحمن علا، والعرش به استوى، وهذا أيضا محال؛ لأنه لو كان الأمر كذلك، لكان العرش مرفوعا لا محفوظا، فدل على أن على من حروف الصفات، لا من العلو.
ومنهم من قال: المراد به القصد، كقوله: ثم استوى إلى السماء وهي دخان (فصلت: من الآية 11) أي قصد إلى السماء، وعلى بمعنى إلى، لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وتأويلهم في ذلك كثير وكلامهم في ذلك يطول، والواجب من ذلك، أن ننفي عنه ما يؤدي إلى حدوث الرب عز وجل، ثم لا نطالب بما عدا ذلك، كما أنا نعتقد أن الله شيء موجود موصوف بصفاته. ثم ننفي عنه ما يؤدي إلى حدوثه، من صفة الأجسام والجوانيب والأعراض ثم لا نطالب بما عدا ذلك.
فإن قيل: نحن نجهل هذه الآية وما أشبهها من الآيات كاليدين والوجه ومن الأخبار المرورية عن النبي صلى الله عليه وسلم من النزول والصورة والقدم، ونحملها على الظاهر ولا نتأولها قال الله عز وجل: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا (آل عمران: من الآية 7) فنؤمن بها ولا نتأولها.
पृष्ठ 390