ثم أطلت الفكر في هذه الأرض فقلت: من سطحها على صميم الماء الزاخر؟ ومن حبسها بالجبال أن تميد على كل شيء، وأطلت فكري في نفسي فقلت: من أخرجني جنينا من بطن امي؟ ومن غذاني؟ ومن رباني في بطنها؟ ان لهذا صانعا ومدبرا غير دقيانوس الملك، وما هو إلا ملك الملوك وجبار السماوات.
فأكبت(1) الفتية على رجليه يقبلوهما ويقولون له: قد هدانا الله من الضلالة إلى الهدى بك فأشر علينا، قال: فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة دراهم(2) وصرها في كمه وركبوا على خيولهم وخرجوا من المدينة، فلما ساروا ثلاثة أميال قال تمليخا: يا اخوتاه ذهب ملك الدنيا وزال أمرها انزلوا عن خيولكم، وامشوا على أرجلكم [لعل الله يجعل لكم من أمركم فرجا ومخرجا، فنزلوا عن خيولهم](3)، ومشوا سبع فراسخ في ذلك اليوم، فجعلت أرجلهم تقطر دما.
قال: فاستقبلهم راع فقالوا: يا أيها الراعي هل من شربة لبن؟ هل من شربة ماء؟ فقال الراعي: عندي ما تحبون ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك، وما أظنكم إلا هرابا من دقيانوس الملك، فقالوا: يا أيها الراعي لا يحل لنا الكذب، أفينجينا معك الصدق؟ قال: نعم، فأخبروه بقصتهم، فأكب الراعي على أرجلهم يقبلها وقال: يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم، ولكن امهلوني حتى أرد الأغنام على أربابها وألحق بكم، فوقفوا له فرد الأغنام وأقبل يسعى يتبعه كلب له.
فقال اليهودي: يا علي ما كان اسم الكلب وما لونه؟ قال علي (عليه السلام): يا أخا اليهود أما لون الكلب فكان أبلق بسواد، وأما اسمه فكان قطمير، فلما نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم لبعض: إنا نخاف أن يفضحنا هذا الكلب بنباحه،
2- في "ج": بثلاثة آلاف درهم.
3- أثبتناه من "ج".
पृष्ठ 241