فلا نفسي تطاوعني ببخل ولا مالي يبلغني فعالي وخرج أسماء بن خارجة الفزاري(1)، فوجد رجلا على باب داره فسأله عن حاله فقال: خيرا فألحف به فقال: جئت سائلا إلى هذه الدار، فخرجت جارية اختطفت قلبي قال: وتعرفها ؟ قال: نعم فدعا الجواري وعرضهن عليه، حتى قال لواحدة: هي هذه. فقال: مكانك، ودخل الدار وخرج فقال: أما إنها لم تكن لي، كانت لبعض بناتي، فابتعتها بثلاثة آلاف درهم، خذها بيدها بارك الله لك فيها.
وكان أسماء يقول: ما بذل لي رجل وجهه فرأيت شيئا من الدنيا وإن عظم عوضا لبذل وجهه، وفيه يقول الأخطل:
إذا مات ابن خارجة بن حصن فلا مطرت على الأرض السماء
ولا رجع البشير بغنم جيش ولا حملت على الطهر النساء
فيوم منك خير من أناس تروح عليهم نعم وشاء
العاشر منها: استجلاب الأخوة وعقد الصحبة مع ذوي المرؤة
واعلم أن كثرة الإخوان تشيد الأركان، وتقوي البنيان، وتعين على الزمان، وهم شحاك(2) العدى، وبناة العلا، وسفن المودة والولاء، ونفاة الضغائن والقلى، والحصون من سطوات الدهور، والجنن(3) من معضلات الأمور، لكن هذا ليس في كل زمان، ولا هو في كل إنسان، ولامع كل مدع أنه من الإخوان، فإن للصحبة شرائط وروابط، فمن لم يزرع شرائطها لم يجن ثمرة روابطها، ومن لم يلتقط ثمر روابطها لم ير أسرع من تساقطها، وسنبين لك كيفية اقتناصها بالشرائط، ثم كيفية ضبطها بالروابط لتجتني ثمرتها، وتدرك لذتها.
هذا إن سلكت سواء الطريق، وسالمك التعويق، وإلا فهي سهلة الالتزام، ولكنها قليلة المقام، إلا مع شرائطها وروابطها، وإحكام أصلها وفرعها، وهذا حين ابتدائنا وبالله التوفيق.
पृष्ठ 144