I'rab al-Qiraat al-Sab' wa Ilaluha
إعراب القراءات السبع وعللها ط العلمية
प्रकाशक
دار الكتب العلمية
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٣٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م
प्रकाशक स्थान
بيروت - لبنان
शैलियों
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة المصنف (^١)
اسمه وكنيته ونسبه:
محمد بن أحمد بن نصر بن أبي الفتح حسين بن محمد بن خالويه، أبو جعفر، الأصبهاني الصيدلاني، الشيخ الصدوق المعمر مسند الوقت، سبط حسين بن مندة.
مولده:
ولد ليلة النحر سنة تسع وخمسمائة.
نشأته:
لقد نشأ ابن خالويه نشأة علمية، فقد سمع حضورا في الثالثة شيئا كثيرا من أبي علي وكان يمكنه السماع منه فما اتفق، وسمع من فاطمة بنت عبد الله المعجم الكبير للطبراني بكماله وهو ابن إحدى عشرة سنة وتفرد بالرواية عن المذكورين سوى فاطمة وكان يعرف بسلفة، وروى عنه خلق، وأجاز لابن الدرجي وابن البخاري وابن شيبان وطائفة.
شيوخه:
١ - محمود بن إسماعيل الأشقر.
٢ - وعبد الكريم بن علي فورجة.
٣ - وحمزة بن العباس.
٤ - وعبد الجبار بن الفضل الأموي.
٥ - وجعفر بن عبد الواحد الثقفي.
٦ - وأبو عدنان محمد بن أبي نزار.
_________
(^١) تنظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ٤٣٠/ ٢١ - ٤٣١.
1 / 3
تلاميذه:
١ - الشيخ الضياء سمع منه كثيرا وبالغ.
٢ - ومحمد بن عمر العثماني.
٣ - وعبد الله بن الحافظ.
٤ - وبدل التبريزي.
٥ - ومحمد بن أحمد الزنج
٦ - وابن خليل.
٧ - وحسن بن يونس سبط داود بن معمر.
٨ - وعبد الله بن يوسف بن اللمط.
٩ - وأبو الخطاب بن دحية.
وفاته:
توفي أبو جعفر ابن خالويه في سلخ رجب سنة ثلاث وستمائة.
1 / 4
مقدمة التحقيق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على سيدنا محمد وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وآل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وبعد:
فبين يدي القارئ الكريم، كتاب حسن السبك، رصين الألفاظ، في فن من أهم الفنون، ألا وهو فن علل القراءات، ويعنى هذا الفن بتخريج القراءات القرآنية التي وردت منقولة عن سيد الأنام محمد ﷺ، وكل ما ورد عنه ﷺ متحققا فيه الشروط التي اصطلح عليها العلماء فهو حق كله، منزل من عند الله تعالى، والشروط التي يجب أن تتوافر في القراءة ليعتد بها كقراءة متواترة، وتدخل في حيز القبول تتلخص في:
١ - موافقة وجه من وجوه النحو، ولو احتمالا أو مرجوحا، ولكن له أصل يرجع إليه في كلام العرب.
٢ - موافقة رسم مصحف من المصاحف العثمانية الستة التي بعث بها عثمان ﵁ إلى الأمصار.
٣ - صحة الإسناد الذي أدى إلينا هذه القراءة.
وقد جمعها علم القراء، وإمامهم ابن الجزري في قوله:
فكل ما وافق وجه نحو ... وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادا هو القرآن ... فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت ... شذوذه لو أنه في السبعة
وعلى هذا فهذا العلم - أعني: علل القراءات - يخرج الوجوه المختلفة، والفوائد المستنبطة من وراء تغاير القراءات وورودها بأكثر من شكل.
وهو علم صعب بلا شك، يحتاج إلى أدوات كثيرة من علوم الشرع، ولا يتصدى للكلام في هذا الفن الصعب إلا من تحققت عنده الأهلية لذلك.
1 / 5
وكتابنا هذا هو أحد أهم الكتب المصنفة في هذا الفن، ويكتسب هذا الكتاب أهميته من كون مصنفه واحدا من جبال القراءات والنحو وسعة الاطلاع على كلام العرب، كما سيظهر ذلك واضحا جليا في ثنايا كلامه، وكما يظهر ذلك في كثرة استشهاداته بأشعار العرب لتخريج القراءات المختلفة، والذي إن دل على شيء، فإنما يدل على سعة الاطلاع، ورسوخ الباع.
وقد رأينا لذلك أنه من الأهمية بمكان إخراج هذا الكتاب، على النحو التالي:
١ - تشكيل النص شكلا كاملا، حتى تتحقق الفائدة المرجوة، ولتيسير الفهم على القارئ، إذ أن الإعراب فرع المعنى.
٢ - التعليق على بعض المواضع التي تحتاج إلى تعليق، ولم نزد في التعليقات، حتى لا نشتت القارئ بين الأصل والحواشي، فالكتاب به درر تحتاج للتأمل فيها كثيرا.
وأخيرا نسأل الله تعالى أن ينفع به قارئه، وسامعه، والناظر فيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
1 / 6
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَبِهِ نَسْتَعْيِنُ وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَكْذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ وَضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا، وَخَسِرُوا خُسْرَانًا مُبِينًا أَنْ: ﴿قَالُوُا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ الْقَهَّارُ، الْفَرْدُ، لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا عَدِيلَ، وَلَا نِدَّ وَلَا ضِدَّ، خَلَقَ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْمًا، ثُمَّ اخْتَارَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ، نَبِيًّا فَضَّلَهُ عَلَى كُلِّ الْأَنَامِ وَانْتَخَبَهُ لِرِسَالَتِهِ، فَصَدَعَ بِأَمْرِهِ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَصَبَرَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ وَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، أَبِي الْقَاسِمِ الطُّهْرِ الطَّاهِرِ، الْبَدْرِ الْمُنِيرِ، وَالْقَمَرِ الْأَزْهَرِ، صَلَاةً تَامَّةً زَاكِيَةً تُزْلَفُ لَدَيْهِ وَتُرْضِيهِ.
هَذَا كِتَابٌ شَرَحْتُ فِيهِ إِعْرَابَ (^١) قِرَاءَاتِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَالْبَصْرَةِ، وَالْكُوفَةِ، والشام، ولم أعدد ذَلِكَ إِلَى مَا يَتَّصِلُ بِالْإِعْرَابِ مِنْ مُشْكِلٍ أَوْ تَفْسِيرٍ وَغَرِيبٍ، وَالْحُرُوفِ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ، إِذْ كُنْتُ قَدْ أَفْرَدْتُ لِذَلِكَ كِتَابًا جَامِعًا، وَإِنَّمَا اخْتَصَرْتُهُ جَهْدِي لِيَسْتَعْجِلَ الِانْتِفَاعَ بِهِ الْمُتْعَلِّمُ، وَيَكُونَ تَذْكِرَةً لِلْعَالِمِ، وَيَسْهُلَ حِفْظُهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ.
وَأَئِمَّةُ هَذِهِ الْأَمْصَارِ:
- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَيُكَنَّى: أَبَا مَعْبَدٍ.
- ونَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيُكَنَّى: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
- وَأَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ، واسمه زبان بن العلاء.
_________
(^١) الإعراب في اللغة الإبانة، أعرب عن الشيء أبانه، وفي الاصطلاح الإبانة عن موقع الكلمة النحوي وحركتها من الجملة، ومقصود المصنف الإبانة عن إعراب الكلمات المختلفة في القراءات السبع، والأسباب الموجبة لهذا الاختلاف.
1 / 7
- ومن أهل الكوفة عاصم بن بَهْدَلَةَ، وَبَهْدَلَةُ أُمُّهُ، وَيُكَنَّى أَبُوهُ أَبَا النُّجُودِ، وَيُكَنَّى عَاصِمٌ أَبَا عَمْرٍو، وَقِيلَ: أَبَا بَكْرٍ.
- وَأَبُو عُمَارَةَ حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ الزَّيَّاتُ.
- وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْكِسَائِيُّ.
- وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْيَحْصَبِيُّ، مِنْ أَهْلِ الشَّامِ.
وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ ﵄ نَحْوِيَّيْنِ، وَكَانَ عَاصِمٌ أَفْصَحَ بَيَانًا، كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ يَكَادُ تَدْخُلُهُ خُيَلَاءُ، وَكَانَ مَرِضَ سَنَتَيْنِ فَلَمَّا نَقِهَ مِنْ عِلَّتِهِ قَامَ فَمَا أَخْطَأَ حَرْفًا.
- قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ﵀: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ، ﵀، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِالْهَمْزِ وَالْمَدِّ وَالْقِرَاءَةِ الشَّدِيدَةِ، وَكَانَ لَا يَرَى الْإِمَالَةَ وَالْإِدْغَامَ، وَكَانَتْ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ بِهِمَا.
وَذَهَبَ حَمْزَةُ، كَمَا حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «نَزَلَ القرآن بالتحقيق».
قال: وحدثنا الْبَزِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَحْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ قَالَ: تَرَسَّلْ فِيهِ تَرَسُّلًا.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الْأَحْمَرُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَا تَهُذُّوُا الْقُرْآنَ كَهَذِّ الشِّعْرِ، وَلَا تَنْثُرُوهُ كَنَثْرِ الدَّقَلِ، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلَا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ مِنَ السُّورَةِ آخِرَهَا.
قَالَ: وحَدَّثَنَا أبو عبيدة: قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ الْقَطَّانُ: قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْفٍ الْعُمَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدامٍ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «كَانَ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَرْتِيلًا وَتَرْسِيلًا: وَالْبَاقُونَ يَقْرَءُونَ قِرَاءَةً سَهْلَةً، وَالْكِسَائِيُّ أَيْضًا يَقْرَأُ كَذَلِكَ قِرَاءَةً مُتَوَسِّطَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ يُقْرَأُ بِالتَّرْتِيلِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْحَدْرِ.
سَمِعْتُ ابْنَ مُجَاهِدٍ يَقُولُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَنْ قَرَأَ الْحَدْرَ إِلَى أَنْ تَكْثُرَ حَسَنَاتُهُ، إِذْ
1 / 8
كَانَ لَهُ فِي كُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَقَالَ: وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى التَّيْمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِائَةُ زَوْجَةٍ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، لَا أَقُولُ ﴿الم﴾.
- قَالَ: حدثنا جَعْفَرٌ الصَّادِقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَذْكُرُ، قَالَ: قَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ: «إِنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَتْرُكُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ فِي رَكْعَةٍ يَجْمَعُ فِيهَا الْقُرْآنَ»، وَقَالَ الشَّاعِرُ يَرْثِي عُثْمَانَ ﵁:
ضَحَّوْا بِأَشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ بِهِ ... يَقْطَعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنًا
وَقَالَ آخَرُ يَرْثِيهِ:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ ... وَآخِرُهُ لَاقَى حِمَامَ الْمَقَادِرِ
وَيُقَالُ: إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ صَبِيحَةَ يَوْمِ النَّحْرِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
عُثْمَانُ إِذْ قَتَلُوهُ وَانْتَهَكُوا ... دَمَهُ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ النَّحْرِ
وَقَالَ آخَرُ:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ ... تَمَنِّيَ دَاوُدَ الْكِتَابَ عَلَى رِسْلِ
التَّمَنِّي، هَاهُنَا: التِّلَاوَةُ.
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ يَمْدَحُ أَحَدَ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ:
إِنَّا نُؤَمِّلُ أَنْ تُقِيمَ لَنَا ... سُنَنَ الْخَلَائِفِ مِنْ بَنِي فِهْرِ
وَعِمَادَةَ الدِّينِ الَّتِي اعْتَدَلَتْ ... عُمَرًا وَصَاحِبَهُ أَبَا بَكْرِ
رُفَقَاءَ مُتَّكِئِينَ فِي غُرَفٍ ... فَكِهِينَ فَوْقَ أَسِرَّةٍ خُضْرِ
فِي ظِلِّ مَنْ عَنَتِ الْوُجُوهُ لَهُ ... مَلِكِ الْمُلُوكِ وَمَالِكِ الْغَفْرِ
فَأَمَّا قَوْلُ الرَّاعِي:
قَتَلُوُا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... وَدَعَا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَخْذُولًا
أَيْ: دَاخِلًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
- وَحَدَّثَنَا الصَّاغَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: «كَانَ ثَابِتٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَكَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ «وَكَانَ أَبُو يُونُسَ الْقَوِيُّ بِتِلْكَ الصِّفَةِ.
1 / 9
وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى النَّهْرَتِيرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: كَانَ أَبُو يُونُسَ الْقَوِيُّ صَامَ حَتَّى جَوِيَ، وَبَكَى حَتَّى عَمِيَ، وَصَلَّى حَتَّى أُقْعِدَ.
- حَدَّثَنِي بِهَذَا مُحَمَّدٌ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، وَقَدْ خَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ أَنَّهُ سَهَّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَهُوَ دَاوُدُ ﵇.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِحْشَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طُهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قال رسول الله ﷺ: «خَفَّفَ اللَّهُ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنَ فَكَانَ يَأْمُرُ بدابته أن تسرج، يقرأ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، أَفَلَا تَرَاهُ ﷺ قَدْ عَدَّ ذَلِكَ نِعْمَةً عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ» يَعْنِي: سُرْعَةَ الْقِرَاءَةِ.
- وَحَدَّثَنِي أَيْضًا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: «مَا الْقُرْآنُ عَلَيَّ إِلَّا كَسُورَةٍ وَاحِدَةٍ».
- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو غَانِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي لَهِيعَةَ، عَنِ الحارث بن زيد الْحَضْرِمِيِّ، قَالَ:
كَانَ سُلَيْمَانُ التُّجِيبِيُّ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَبَنَى عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيلَ لِامْرَأَتِهِ: كَيْفَ وَجَدْتِهِ؟ قَالَتْ: أَرْضَى اللَّهَ ﷿ وَأَرْضَى أَهْلَهُ، جَامَعَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَخَتَمَ مَرَّتَيْنِ.
- وَحَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي حَفْصٍ الْخُوَارِزْمِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: مَنْ كَثُرَتْ قِرَاءَتُهُ كَثُرَ جِمَاعُهُ.
وَكَانَ كُرْزُ بْنُ وَبَرَةَ الْحَارِثِيُّ أَحَدَ الزُّهَّادِ، وَكَانَ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ بِهِ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا فَأُعْطِيَ، فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُسَهِّلَ عَلَيْهِ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يَخْتِمُ كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَ خَتَمَاتٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدٍ الْفَقِيهَ، يَقُولُ: كَانَ مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ يَقْرَأُ خَتْمَةً بَيْنَ المغرب والعشاء.
1 / 10
ذكر الأسانيد (^١)
_________
(^١) قال ابن الجزري في النشر: «ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن النبي ﷺ قال «إن ربي قال لي قم من قريش فأنذرهم فقلت له رب إذن يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة فقال مبتليك ومبتلى بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان فابعث جندا أبعث مثلهم وقاتل بمن أطاعك من عصاك وأنفق ينفق عليك» فأخبر تعالى أن القرآن لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء بل يقرءونه في كل حال كما جاء في صفة أمته «أناجيلهم في صدورهم» وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه لا في الكتب ولا يقرءونه كله إلا نظرا لا عن ظهر قلب ولما خص الله تعالى بحفظه من شاء من أهله أقام له أئمة ثقات تجردوا لتصحيحه وبذلوا أنفسهم في إتقانه وتلقوه من النبي ﷺ حرفا حرفا لم يهملوا منه حركة ولا سكونا ولا إثباتا ولا حذفا ولا دخل عليهم في شيء منه شك ولا وهم وكان منهم من حفظه كله ومنهم من حفظ أكثره ومنهم من حفظ بعضه كل ذلك في زمن النبي ﷺ، ثم قال:
ثم إن القراء بعد هؤلاء المذكورين كثروا وتفرقوا في البلاد وانتشروا وخلفهم أمم بعد أمم، عرفت طبقاتهم، واختلفت صفاتهم، فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية، ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بينهم لذلك الاختلاف. وقل الضبط، واتسع الخرق، وكاد الباطل يلتبس بالحق، فقام جهابذة علماء الأمة، وصناديد الأئمة، فبالغوا في الاجتهاد وبينوا الحق المراد وجمعوا الحروف والقراءات، وعزوا الوجوه والروايات، وميزوا بين المشهور والشاذ، والصحيح والفاذ، بأصول أصولها، وأركان فصلوها، وها نحن نشير إليها ونعول كما عولوا عليها فنقول:
كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف، صرح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، ونص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب وكذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي وحققه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه (قال أبو شامة) ﵀ في كتابه «المرشد الوجيز» فلا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة وإن هكذا أنزلت إلا إذا دخلت في ذلك الضابط وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره ولا يختص =
1 / 11
أَمَّا قِرَاءَةُ ابْنُ كَثِيرٍ، فَإِنِّي قَرَأْتُ بِهَا غَيْرَ مَرَّةٍ عَلَى ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَقَرَأَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَلَى أَبِي عَمْرٍو قُنْبُلٍ، وَقَرَأَ قُنْبُلٌ عَلَى الْقَوَّاسِ، وَقَرَأَ الْقَوَّاسُ عَلَى وَهْبِ بْنِ وَاضِحٍ أَبِي الْإِخْرِيطِ، وَقَرَأَ أَبُو الْإِخْرِيطِ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُسْطِ، وَقَرَأَ الْقُسْطُ عَلَى شِبْلِ بْنِ عَبَّادٍ، وَمَعْرُوفِ بْنِ مِشْكَانَ، وقرءاه عَلَى ابْنِ كَثِيرٍ.
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ مُجَاهِدٍ: قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ ابْنُ أُخْتِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسْطَنْطِينَ، وَقَرَأَ إِسْمَاعِيلُ عَلَى شِبْلٍ، وَقَرَأَ شِبْلٌ عَلَى ابْنِ كَثِيرٍ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أُبَيٍّ، وَقَرَأَ أبي على رسول الله ﷺ.
- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكِيمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسْطَنْطِينَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى شِبْلٍ، وَأَخْبَرَ شِبْلٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، وَأَخْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَأَخْبَرَ مُجَاهِدٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَأَخْبَرَ مُجَاهِدٌ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أُبَيٍّ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ.
وَسَمِعْتُ أَبَا طَالِبٍ الْهَاشِمِيَّ، يَقُولُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَتْمَةً، وَقَالَ لِي غَيْرُهُ: فَإِذَا جَاءَ رَجَبٌ خَتَمَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَتْمَتَيْنِ، وَكَانَ لَا يُصَلِّي إِلَّا مِنْ قِيَامٍ.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ نَافِعٍ، فَإِنِّي قَرَأْتُهَا عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ الصَّيْرَفِيِّ، وقرأ أبو
_________
= ذلك بنقلها عنهم بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا عمن تنسب إليه فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم».
1 / 12
الْقَاسِمِ عَلَى أَبِي الزَّعْرَاءِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدُوسٍ، وَقَرَأَ أَبُو الزَّعْرَاءِ عَلَى أَبِي عُمَرَ الدُّورِيِّ، وَقَرَأَ أَبُو عُمَرَ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَقَرَأَ إِسْمَاعِيلُ عَلَى نَافِعٍ.
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرَفَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَالُونٍ، عَنْ نَافِعٍ.
وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ خَلَفٍ عَنِ الْمُسَيَّبِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:
وَقَرَأْتُ لِوَرْشٍ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ أَوْسٍ، وَكَانَ أَضْبَطَ مَنْ لَقِيتُ وَأَقْرَأَهُمْ بَعْدَ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَأَخَذَهَا عَنِ الْأَفْطَسِيِّ.
وَأْخَبَرَنِي بِحُرُوفِ وَرْشٍ أَحْمَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ وَرْشٍ، عَنْ نَافِعٍ.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو، فَإِنِّي قَرَأْتُهَا عَلَى أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، وَابْنِ الْمَرْزُبَانِ، وَقَرَأَ عَلَى أَبِي الزَّعْرَاءِ، وَقَرَأَ أبو الزعراء على أبي عمر، وقرأ أبو عُمَرَ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْيَزِيدِيِّ، وَقَرَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى أَبِي عَمْرٍو وَكَانَ خَادِمَهُ.
- وَأَخْبَرَنِي بِحُرُوفِهِ أَبُو عِيسَى السِّمْسَارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلَّادٍ، عَنِ الْيَزِيدِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدَانَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَقَرَأْتُ لِحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ عَلَى ابْنِ الْمَرْزُبَانِ، وَقَرَأَ عَلَى أَبِي الزَّعْرَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو الزَّعْرَاءِ عَلَى أَبِي عُمَرَ، وقرأ أبي عُمَرَ عَلَى الْكِسَائِيِّ نَفْسِهِ، وَقَرَأَ أَبُو عُمَرَ عَلَى سُلَيْمٍ، وَقَرَأَ سُلَيْمٌ عَلَى حَمْزَةَ.
وَأَخْبَرَنِي بِقِرَاءَتِهِمَا أَحْمَدُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: وَقَرَأْتُ حَرْفَ عَاصِمٍ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ جَدِّهِ، وَأَخْبَرَنَا بِهِ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ خَلَفٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ.
وَحَدَّثَنَا بِهِ، عَنِ ابْنِ شَاكِرٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ.
وَقَرَأْتُ لِحَفْصٍ أَبِي عُمَرَ النَّحْوِيِّ، وَكَانَ هَزِلَ عَاصِمٍ، وَيُقَالُ: لِلْهَزِلِ: الْحَرَنْبَذُ،
1 / 13
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ قِيلَ: الْأَصْهَارُ. وَقِيلَ: الْخَدَمُ. وَقِيلَ: الْحَرَنْبَذِينَ.
وَخَالَفَ أَبَا بَكْرٍ خِلَافًا شَدِيدًا، فَيَرَى ذَاكَ أَنَّ عَاصِمًا كَانَ يَعْرِفُ الْقِرَاءَاتِ فَأَقْرَأَ أَبَا بَكْرٍ بِحَرْفٍ وَأَقْرَأَ حَفْصًا بِحَرْفٍ، لِأَنَّ حَفْصًا عِنْدَنَا ثِقَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ مَا خَالَفَ عَاصِمًا فِي حَرْفٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ الَّذِي خلقكم من ضعف﴾ فإنه اختار لنفسه ﴿الله الذي خلقكم مِنْ ضُعْفٍ﴾ أَعْنِي حَفْصًا.
وَذَهَبَ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْكِسَائِيَّ يُحَدِّثُ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ» قَالَ: إني قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ، فَقَالَ لِي: «مِنْ ضُعْفٍ».
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْتُ: أَنَّ عَاصِمًا كَانَ يُقْرِئُ كُلًّا بِحَرْفٍ، أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
سَأَلْتُ عَاصِمًا ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ فَقَالَ: «شَقَاوَتُنَا» ثُمَّ قَالَ: ﴿شِقْوَتُنَا﴾ ثُمَّ قَالَ: أَيَّتُهُمَا شِئْتَ؟
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِدْقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَيْضًا: أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْحَافِظَ حَدَّثَنِي، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ عَاصِمٍ «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ» بِفَتْحِ الضَّادِ.
وَقَرَأْتُ حَرْفَ أَبِي عُمَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَارِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ سَهْلٍ الْأُشْنَانِيِّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى عُبَيْدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، وَقَرَأَ عُبَيْدٌ عَلَى حَفْصٍ، وَقَرَأَ حَفْصٌ عَلَى عَاصِمٍ.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ هُبَيْرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ.
- وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ، فَحَدَّثَنَا بِهَا ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنِ التَّغْلِبِيِّ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ
1 / 14
ابْنِ ذَكْوَانَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الذِّمَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ.
وَقَرَأْتُ حُرُوفَ السَّبْعَةِ وَاخْتِلَافَهُمْ حَرْفًا حَرْفًا مِنْ كِتَابِ السَّبْعَةِ عَلَى ابْنِ مُجَاهِدٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَقَرَأْتُ حُرُوفَ الْكِسَائِيِّ صَنَعْتُهُ مرتين عليه (^١).
_________
(^١) قال ابن الجزري في النشر: «(وقولنا) وصح سندها فإنا نعني به أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ بها بعضهم، وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف فيه بصحة السند وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وإن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن وهذا ما لا يخفى ما فيه فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره، إذا ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبي ﷺ وجب قبوله وقطع بكونه قرآنا سواء وافق الرسم أم خالفه وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم وقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف (قال) الإمام الكبير أبو شامه في «مرشده»:
وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي كل فرد فرد ما روى عن هؤلاء الأئمة السبعة قالوا والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب ونحن بهذا نقول ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها، ثم قال (وقال) الإمام أبو محمد مكي في مصنفه الذي ألحقه بكتابه «الكشف» له: فإن سأل سائل فقال: فما الذي يقبل من القرآن الآن فيقرأ به وما الذي لا يقبل ولا يقرأ به وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟ فالجواب أن جميع ما روى في القرآن على ثلاثة أقسام: قسم يقرأ به اليوم وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال وهن أن ينقل عن الثقات عن النبي ﷺ ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغا ويكون موافقا لخط المصحف فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به وقطع على مغيبه وصحته وصدقه لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقة خط المصحف وكفر من جحده، قال (والقسم الثاني) ما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف فهذا يقبل ولا يقرأ به لعلتين إحداهما أنه لم يؤخذ بإجماع إنما أخذ بأخبار الآحاد ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد، والعلة الثانية أنه مخالف لما قد أجمع عليه فلا يقطع على مغيبه وصحته وما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به ولا يكفر من جحده ولبئس ما صنع إذا جحده، قال (والقسم الثالث) هو ما نقله غير ثقة أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف قال ولكل صنف من هذه الأقسام تمثيل تركنا ذكره اختصارا.
1 / 15
ذِكْرُ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَخَذَ عَنْهُمْ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةُ
- اعْلَمْ وَفَقَّكَ اللَّهُ أَنَّ قِرَاءَةَ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ مُتَّصِلَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكُلُّ مَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ فَقَدْ قَرَأَ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لِأَنَّ ابْنَ كَثِيرٍ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَبِي الْحَجَّاجِ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَدْ قَرَأَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أُبَيٍّ لِيَأْخُذَ أُبَيٌّ أَلْفَاظَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ عَلَى سَبْعِينَ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، وَشَيْبَةُ بْنُ نَصَاحٍ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ: فَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ اثْنَانِ أَخَذْتُهُ، وَمَا شَذَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ تَرَكْتُهُ حَتَّى أَلَّفْتُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَى مَوْلَاهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ.
وَأَمَّا أَبُو عَمْرٍو، فَقَرَأَ عَلَى ابْنِ كَثِيرٍ وَلَقِيَ مُجَاهِدًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ نَفْسِهِ.
وَأَمَّا عَاصِمٌ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَا قَرَأْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَكُنْتُ أَرْجِعُ مِنْ عِنْدِهِ فَأَعْرِضُهُ عَلَى زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، فَمَا كَانَ مِنْ قِرَاءَةِ زِرٍّ فَهُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَمَا كَانَ مِنْ قِرَاءَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَهُوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁، وَكَانَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ صَاحِبَ عَرَبِيَّةٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَسْأَلُهُ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: مَا الْحَفَدَةُ؟ فَقَالَ: الْخَدَمُ، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا، وَلَكِنَّهُمُ الْأَخْتَانُ، وَعَاشَ زِرٌّ مِائَةَ سَنَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَلَّمَا كَبُرَ سِنُّهُ أَنْشَأَ يَقُولُ:
إِذَا الرِّجَالُ وُلِّدَتْ أَوْلَادُهَا ... وَارْتَعَشَتْ مِنْ كِبَرٍ أَجْسَادُهَا
وَجَعَلَتْ أَسْقَامُهَا تَعْتَادُهَا ... تِلْكَ زُرُوعٌ قَدْ دَنَا حَصَادُهَا
وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ عَلَى حَمْزَةَ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ عَلَى الْأَعْمَشِ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ عَلَى يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ عَلَى عُبَيْدِ بْنِ نُضَيْلَةَ، وَقَرَأَ عُبَيْدٌ عَلَى عَلْقَمَةَ، وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ.
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَرَأَ حَمْزَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ: الْأَعْمَشِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى،
1 / 16
وَحُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، فَمَا كَانَ مِنْ قِرَاءَةِ الْأَعْمَشِ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مِنْ قِرَاءَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَعَنْ عَلِيٍّ ﵁، وَمَا كَانَ مِنْ قِرَاءَةِ حُمْرَانَ فَعَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ.
وَأَمَّا ابْنُ عَامِرٍ، فَإِنَّهُ أَخَذَ قِرَاءَتَهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي شِهِابٍ الْمَخْزُومِيِّ، وَأَخَذَهَا الْمُغِيرَةُ عَنْ عُثْمَانَ.
وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ أَحَدٌ أَقْدَمَ مِنِ ابْنِ عَامِرٍ، لِأَنَّهُ قَدْ قَرَأَ أَيْضًا عَلَى عُثْمَانَ نَفْسِهِ.
- حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الذِّمَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ، فَقَالَ: أَهَذِهِ الْحُرُوفُ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِهَذَا الِاخْتِلَافِ وَالْوُجُوهِ، أَمْ نَزَلَتْ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ، قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِاللُّغَاتِ؟ فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ وَبِاللَّهِ التوفيق (^١):
_________
(^١) قال العلامة الأشموني: «فالمراد بالحروف لغات العرب أي أنها مفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه على أنه قد جاء في القرآن ما قد قرئ بسبعة أوجه وعشرة أوجه ك مالك يوم الدين وفي البحر إن قوله وعبد الطاغوت اثنتين وعشرين قراءة وفي أف لغات أوصلها الرماني إلى سبع وثلاثين لغة قال في فتح الباري قال أبو شامة ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وقال مكي بن أبي طالب وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء السبعة وهم نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وعاصم وحمزة والكسائي هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما قال ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت عن الأئمة ووافق خط المصحف العثماني لا يكون قرآنا وهذا غلط عظيم إذ لا شك أن هذه القراءات السبع مقطوع بها من عند الله تعالى وهي التي اقتصر عليها الشاطبي وبالغ النووي في أسئلته حيث قال لو حلف إنسان بالطلاق الثلاث إن الله قرأ القراءات السبع لا حنث عليه ومثلها الثلاث التي هي قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف وكلها متواتر تجوز القراءة به في الصلاة وغيرها واختلف فيما وراء العشرة وخالف خط المصحف الإمام فهذا لا شك فيه أنه لا تجوز قراءته في الصلاة ولا في غيرها وما لا يخالف تجوز القراءة به خارج الصلاة وقال ابن عبد البر لا تجوز القراءة بها ولا يصلى خلف من قرأ بها وقال ابن الجزري تجوز مطلقا إلا في الفاتحة للمصلي انظر شرح العباب للرملي والشاذ ما لم يصح سنده نحو لقد جاءكم رسول من أنفسكم بفتح الفاء وإنما يخشى الله من عباده العلماء برفع الله ونصب العلماء -
1 / 17
أَنَّ طَائِفَةً قَالَتْ: إنَّهُ كَذَا نَزَلَتْ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ فِي الْعَرَضَاتِ الَّتِي كَانَ جِبْرِيلُ ﵇ يَنْزِلُ بِكُلِّ سَنَةٍ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
وَذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ ثُمَّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ فِي نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ تَنْزِلُ الْعَشْرُ وَالْخَمْسُ وَالْآيَةُ وَالْآيَتَانِ وَالسُّورَةُ بِأَسْرِهَا.
- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بَيْنَ أَوَّلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَآخِرِهِ عِشْرُونَ سَنَةً، لِيُثَبِّتَ اللَّهُ بِهِ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ﵇، أَلَمْ تَسْمَعْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ وَقَالَ: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾ كَذَلِكَ قَرَأَهَا أُبَيٌّ.
- قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ خَالَوَيْهِ: حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي رَبِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: وَذَكَرَهُ السُّدِّيُّ وَالْأَعْمَشُ، قَالُوا: «نَزَلَ جِبْرِيلُ ﵇ بِالْقُرْآنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَجُعِلَ بِمَوْضِعِ النُّجُومِ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ، فَجَعَلَ جِبْرِيلُ ﵇ يَنْزِلُ بِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ ﵇».
وَرَوَى قَتَادَةُ، عن ابن أبي المليح، عَنْ وَاثِلَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﵇ قَالَ: «نَزَلَ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ ﷺ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مِنْهَا، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْهَا، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لثِمَانِ عَشْرَةَ مِنْهَا، وَالْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهَا».
- وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ:
قَالَ: «نَزَلَ الزَّبُورُ عَلَى دَاوُدَ بَعْدَ التَّوْرَاةِ بِأَرْبَعِمِائَةِ عَامٍ وَنَيِّفٍ، وَالْإِنْجِيلُ بَعْدَ الزَّبُورِ بِأَلْفِ عَامٍ، وَالْقُرْآنُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ بَعْدَ الْإِنْجِيلِ بِثَمَانِمِائَةِ عام».
_________
= وكذا ما في إسناده ضعف لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر عن النبي ﷺ سواء وافق الرسم أم لا وانظر منار الهدى ص/ ٩.
1 / 18
- وَقَالَ شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ قَالَ: هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ فَأَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، وَفَرَضَ فَرَائِضَهُ، وَحَدَّ حُدُودَهُ، وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ، وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَشَرَعَ فِيهِ شَرَائِعَهُ، وَبَيَّنَ فِيهِ دِينَهُ، وَأَوَّلُ يَوْمٍ نَزَلَ فيه جبريل بالرسالة على النبي ﷺ لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيسَى الْهَمَذَانِيِّ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ ﵁: «مَنْ عَلِمَ فَلْيُعَلِّمْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَسْأَلِ الْعُلَمَاءَ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ».
وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمُقْرِئِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكِنْ لَا تَخْتِمُوا آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ، وَلَا تَخْتِمُوا ذِكْرَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ».
- حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قال رسول الله ﷺ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ لِكُلِّ آيَةٍ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ».
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَبِحَرْفٍ وَاحِدٍ نَحْوَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ بِأَسْرِهَا، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ تَسْهِيلًا عَلَى أُمَّتِهِ، أَنْ يَقْرَأَ كُلُّ قَوْمٍ بِلُغَتِهِمْ، وَهِيَ سَبْعُ لُغَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي الْقُرْآنِ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الْقَطَّانُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ»، قَالَ:
وَحَدَّثَنَا الْحَسَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذئب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
الْمَاعُونُ: الْمَالُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، كَذَا قَالَ: الْمَالُ.
وَأَخْبَرَنِي ابْنُ دُرَيْدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: الْمَاعُونُ:
الْمَاءُ، وَأَنْشَدَ:
1 / 19
يَمُجُّ صَبِيرُهُ الْمَاعُونَ صَبًّا
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَاعُونُ: نَحْوُ الْمِلْحِ، وَالنَّارِ، وَالْفَأْسِ، وَالدَّلْوِ، وَالْقِدْرِ، وَالْقَدَّاحَةِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَاعُونُ الزَّكَاةُ، وَيُنْشِدُ لِلرَّاعِي:
قَوْمٌ على الإسلام لما يمنعوا ... ما عونهم وَيُضَيِّعُوُا التَّهْلِيلَا
اعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْقِرَاءَةِ يَكُونُ لِاخْتِلَافِ إِعْرَابٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا﴾ يُقْرَأُ رَفْعًا وَنَصْبًا، النَّصْبُ عِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَالرَّفْعُ النَّاسُ، وَكَذَلِكَ ﴿السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾.
وَيَكُونُ بِاخْتِلَافِ الحروف «يقضي الحق» و«يقص الحق»، «وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ» وَ«بِضَنِينٍ» وَ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ وَ«شَعَفَهَا» قَرَأَ بِالْعَيْنِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو رَجَاءٍ.
وَيَكُونُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ﴾ وَ﴿تَشْتَهِي﴾، وَكَقِرَاءَةِ الْحَسَنِ «أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ» بِغَيْرِ وَاوٍ.
وَيَكُونُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَقِرَاءَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ «وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ» قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ «سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ» وَكُلُّ ذَلِكَ صَوَابٌ، وَإِنْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ لَا تَجُوزُ إِلَّا بِمَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ السَّبْعَةُ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
اخْتِلَافُ تَغَايُرٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ، بِحَمْدِ اللَّهِ، فِي الْقُرْآنِ.
فَأَمَّا اخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ فلا بأس ذلك، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ: هَلُمَّ وَتَعَالَ! وَكَانَ يَقْرَأُ «كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ» وَكَانَ يَقْرَأُ: «إِنْ كَانَتْ إِلَّا زَقْيَةً وَاحِدَةً» وَفِي قِرَاءَتِنَا ﴿صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ وَالزَّقْيَةُ وَالصَّيْحَةُ سِيَّانِ، وَفِي حَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ «صَفْرَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ» وَفِي قِرَاءَتِنَا ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ وَنَحْوَ قَوْلِهِ:
﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ أَيْ: بَعْدَ حِينٍ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «بَعْدَ أَمَهٍ» أَيْ: نِسْيَانٍ، لِأَنَّهُ ادَّكَرَ بَعْدَ مُدَّةٍ، لِأَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ عَجِبَ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْفَضْلِ وَسَخِرَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ، وَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَظِيمِ مَا نَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنَ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ﴾ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿بَلْ عَجِبْتُ﴾ و﴿بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ﴾ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: «عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ أَلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ»، غَيْرَ أَنَّ الْعَجَبَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا يَكُونُ مِنَ المخلوقين، كما
1 / 20
أَنَّ الْمُخَادَعَةَ وَالْمَكْرَ وَالْحِيلَةَ وَالنِّسْيَانَ مِنْهُ عَلَى خِلَافِ مَا يَكُونُ مِنَّا، وَمَعْنَى أَلِّكُمُ:
الضَّجِيجُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ. فَالْأَلُّ: رَفْعُ الصَّوْتِ، وَالْأَلُّ: سُرْعَةُ الْمَشْيِ، وَالْأَلُّ:
مَصْدَرُ أَلِهَ بِالْحَرْبَةِ أَلًّا، وَالْحَرْبَةُ يُقَالُ لَهَا: الْأَلَّةُ.
- وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَانَ الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ العزيز، عن أبي عبيدة، قَالَ: سَمِعْتُ الْكِسَائِيَّ يُخْبِرُ عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: قَرَأْتُ عِنْدَ شُرَيْحٍ: «بَلْ عَجِبْتُ» فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ مِنَ الشَّيْءِ، وَإِنَّمَا يَعْجَبُ مَنْ لَا يَعْلَمُ، قَالَ الْأَعْمَشُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: إِنَّ شُرَيْحًا كَانَ يَعْجَبُ بِعِلْمِهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَعْلَمَ مِنْهُ، فَكَانَ يَقُولُ: ﴿بَلْ عجبت﴾ وكذلك قوله تعالى: ﴿كيف ننشزها﴾ أَيْ: نُحْيِيهَا، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾ يُقَالُ:
نَشَرَ الْمَيِّتُ إِذَا حَيِيَ، وَأَنْشَرَهُ اللَّهُ، قَالَ الْأَعْشَى:
لَوْ أَسْنَدَتْ مَيْتًا إِلَى نَحْرِهَا ... عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَى قَابِرِ
حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رَأَوْا ... يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ
وَ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا:﴾ كَيْفَ نُحَرِّكُهَا، بِالزَّايِ، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، لِأَنَّهُ إِذَا تَحَرَّكَ فَقَدْ حَيِيَ، وَإِذَا حَيِيَ فَقَدْ تَحَرَّكَ، فَقَدْ ثَبَتَ عن رسول الله ﷺ قِرَاءَتُهُ بِالْحُرُوفِ كَنَحْوِ مَا قَدْ مَضَى، وَكَرِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْهُ: «مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ» وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُهَا ﴿مَالِكِ﴾ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ، فَفِي ذَلِكَ وُضُوحُ مَا وَرَدَ عَلَيْنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَى لَفْظَتَيْنِ فَصَاعِدًا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْمُصْحَفِ وَالْإِعْرَابِ، وَتَوَارَثَتْهُ الْأَئِمَّةُ غَيْرَ مُتَضَادٍّ فِيهَا الْمَعْنَى، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لوجدوا فيه اختلافا كثيرا﴾ لاختلاف الْإِعْرَابِ وَالْحُرُوفِ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بن الخطاب ﵁: «سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ أَقَرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَعْجَلُ عَلَيْهِ فَأَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَبْتُهُ بِرِدَاءٍ، فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا؟! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «اقْرَأْ»، فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ»، ثُمَّ قَالَ
1 / 21
لِي: اقْرَأْ، فَقَرَأْتُ فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ».
- وَحَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى بَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
إِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي آيَةِ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ كَذَا!
فخرج رسول الله ﷺ، كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ الرُّمَّانُ، أَيْ:
حَبُّ الرُّمَّانِ، وَقَالَ: «أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ، أَوْ بِهَذَا بُعِثْتُمْ؟ إِنَّمَا ضَلَّتِ الْأُمَمُ فِي مِثْلِ هَذَا، انْظُرُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا نُهِيتُمْ عنه فانتهوا» (^١).
_________
(^١) قال الإمام ابن الجزري في النشر: «فأما سبب وروده على سبعة أحرف فللتخفيف على هذه الأمة وإرادة اليسر بها والتهوين عليها شرفا لها وتوسعة ورحمة وخصوصية لفضلها وإجابة لقصد نبيها أفضل الخلق وحبيب الحق حيث أتاه جبريل فقال له (إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقال أسأل الله معافاته ومعونته وإن أمتي لا تطيق ذلك) ولم يزل يردد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف، وفي الصحيح أيضا (إن ربي أرسل إلى أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي ولم يزل يردد حتى بلغ سبعة أحرف) ثم قال: ثم رأيت الإمام الكبير أبا الفضل الرازي حاول ما ذكرته فقال إن الكلام لا يخرج اختلافه عن سبعة أوجه:
(الأول) اختلاف الأسماء من الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث والمبالغة وغيرها.
(الثاني) اختلاف تصريف الأفعال وما يسند إليه من نحو الماضي والمضارع والأمر والإسناد إلى المذكر والمؤنث والمتكلم والمخاطب والفاعل والمفعول به.
(الثالث) وجوه الإعراب.
(الرابع) الزيادة والنقص.
(الخامس) التقديم والتأخير. (السادس) القلب والإبدال في كلمة بأخرى وفي حرف بآخر.
(السابع) اختلاف اللغات من فتح وإمالة وترقيق وتفخيم وتحقيق وتسهيل وإدغام وإظهار ونحو ذلك.
ثم وقفت على كلام ابن قتيبة وقد حاول ما حاولنا بنحو آخر فقال وقد تدبرت وجوه الاختلاف في القراءات فوجدتها سبعة:
(الأول) في الإعراب بما لا يزيل صورتها في الخط ولا يغير معناها نحو (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم).
وأطهر وهل يجازى إلا الكفور، ونجازي إلا الكفور، والبخل والبخل وميسرة وميسرة).
(والثاني) الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما يغير معناها ولا يزيلها عن صورتها نحو (ربنا باعد، وربنا باعد، وإذ تلقونه، وتلقونه، وبعد أمة وبعد أمه) (والثالث) الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها بما يغير معناها ولا يزيل صورتها نحو (وانظر إلى العظام كيف ننشرها -
1 / 22