تقدمة الكتاب
فاتحة الكتاب
1 - فذلكة في تاريخ الخط العربي
2 - الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي
3 - الأديان ومحافظة الأمم على الخطوط
4 - الخطوط التي ورثها الخط العربي
الخلاصة
المصادر
تقدمة الكتاب
فاتحة الكتاب
1 - فذلكة في تاريخ الخط العربي
2 - الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي
3 - الأديان ومحافظة الأمم على الخطوط
4 - الخطوط التي ورثها الخط العربي
الخلاصة
المصادر
انتشار الخط العربي
انتشار الخط العربي
في العالم الشرقي والعالم الغربي
تأليف
عبد الفتاح عبادة
هو كتاب علمي تاريخي اجتماعي
مزين بالخرط والرسوم
يبحث في تاريخ الخط العربي قبل الإسلام وبعده
وانتشاره في أنحاء العالم وذكر اللغات التي تكتب به
والكلام عليها وعلى الممالك والأقطار التي انتشر
فيها بالتفصيل وأسباب الانتشار وعلاقة الأديان
بمحافظة الأمم على الخطوط وما ورثه
الخط العربي منها وتأثير الحضارة
الإسلامية في كل ذلك.
صاحب العظمة مولانا
السلطان الكامل حسين بن إسماعيل سلطان مصر والسودان. [181 122 128 52 212 150 330 158.] (سنة 1333 هجرية.) هذا التاريخ لصاحب المعالي الأستاذ الجليل محمود شكري باشا رئيس الديوان العالي السلطاني.
تقدمة الكتاب
بإذن خاص
إلى صاحب العظمة والجلال، مولانا السلطان الكامل، حسين الأول، سلطان مصر والسودان.
مولاي، هذا باكورة أعمالي، وبكر أفكاري، أقدمه لعظمتكم مزينا برسمكم الكريم، ومصدرا باسمكم العظيم، تيمنا بهذا الحكم السلطاني الجديد، وتذكارا لجلوسكم السعيد على عرش صلاح الدين، وأبيكم إبراهيم وإسماعيل، في وادي النيل.
أقدمه لعظمتكم إشعارا بجميل عنايتكم التي شملتموني بها، وإعجابا بمآثركم الحسان في إنهاض العلم النافع، ورفع منار الأدب، وإحياء حضارة العرب، وتشجيع العلماء، وتنشيط الأدباء.
فقياما بواجب شكر آلائكم، وحمد نعمائكم، أرفعه إلى أعتابكم السنية، محمولا بما تميزت به ذاتكم الكريمة، من الأريحية العالية، والميل الشريف إلى تعضيد المشروعات الأدبية، والأعمال العلمية، والأخذ بناصر العلوم، وإحلالها مكانا عليا بين العموم، ملتمسا أن يتنازل مولاي ويشمله بالقبول، وهذا غاية المأمول.
عبدكم الخاضع
عبد الفتاح عبادة
فاتحة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربنا العلي، والصلاة والسلام على نبينا الأمي، وعلى آله وأصحابه الكاتبين بالخط العربي، «وبعد»؛ فهذا كتاب صغير، ضمنته نتائج تعب كثير، وخلاصة بحث غزير، في انتشار الخط العربي بين الأمم الإسلامية وغيرها في أنحاء العالم، وذكر لغاتها التي تكتب به، والكلام عليها، وعلى الممالك والأقطار التي انتشر فيها بالتفصيل، إلى غير هذا مما يرتبط بالموضوع، مع فذلكة في أوله في تاريخ الخط العربي قبل الإسلام وبعده.
فيتبين منه - على صغر حجمه - مبلغ حضارة الإسلام ومدنيته، وتأثيره الذي لا يمحى في العالم الإسلامي، فإنه أوجد رابطة الخط العربي التي هي من أعظم الروابط بين هذه الأمم وأكثرها انتشارا.
ومما حدا بي إلى البحث في هذا الموضوع أنه جديد في لغتنا العربية، بل وفي غيرها من اللغات الإفرنجية، فلم يؤلف فيه للآن كتاب ولا رسالة، بل لم أر فيه كلمة أو مقالة، وقد أخذت في تأليفه، وأنا أعلم أهمية موضوعه، وافتقار اللغة العربية إلى أمثاله، فرأيت مباحثه مشتتة في بطون الكتب الإفرنجية والعربية، فجمعت شملها بعد أبحاث شتى، ومطالعات عديدة، كابدت فيها عناء ليس باليسير، يعرفه من اطلع عليه أو اشتغل بشيء من هذا القبيل. هذا، وقد حليته بفوائد علمية، وحواش تاريخية جغرافية، مما يدخل في دائرة بحثه؛ ليكون المطلع عليه في غنى عن الرجوع إلى غيره، مما يجعله أهلا للقبول عند الناطقين بالضاد في جميع البلاد.
وقد التزمت أن أنص على مظان النقل في مواضع الحاجة، وإني أؤمل أن يكون لكتابي هذا نصيب وافر في استفادة القارئ والباحث، فينال من الحظوة والإقبال ما هو خليق به، وأتقدم إلى رجال الفضل أن يتخذوا ما يروق لديهم منه، شافعا لي فيما تقف عليه فكرتهم من الزلل، فإن في وعورة موضوعه وحداثته في عالم التأليف، مع قصوري في هذا الشأن، تمهيدا للعذر على ما يشوبه من النقص، فما العصمة والكمال إلا لله وحده.
فأرجو أن تصادف خدمتي هذه قبولا وإقبالا، أسأل الله التوفيق والهداية، وحسن البداية والنهاية، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
عبد الفتاح عبادة
الفصل الأول
فذلكة في تاريخ الخط العربي
(1) العرب والكتابة قبل الإسلام
الخط من الصناعات المدنية التي تقوى وتضعف بقوة الحضارة وضعفها، والعرب - ونخص بالذكر منهم أهل الحجاز - كانوا قبل الإسلام أمة بدوية، لا تقتضي معيشتهم انتشار الكتابة والقراءة، وليس في آثارهم بالحجاز ما يدل على أنهم كانوا يعرفون الكتابة والقراءة إلا قبيل الإسلام، مع أنهم كانوا محاطين شمالا وجنوبا بأمم ممدنة من العرب خلفوا نقوشا كتابية كثيرة، وأشهر تلك الأمم الأنباط في الشمال، كتبوا بالحرف النبطي، وحمير في اليمن، كتبوا بالحرف المسند، فلم يوجد فيهم من يقرأ ويكتب إلا بعد أن رحل بعضهم إلى بلاد الشام أو العراق، وتخلق بأخلاق الحضر، فاقتبس منهم الكتابة، وعاد وهو يكتب العربية بالخط النبطي (شكل
1-1 ) أو السرياني اللذين تولد منهما الخط العربي. (1-1) أصل الخط العربي
شكل 1-1: الخط النبطي. كتابة عربية بخط نبطي، وجدت على قبر امرئ القيس، وتقرأ هكذا: «(1) تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التاج. (2) وملك الأسدين ونزرو وملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجاء. (3) بزجو في حبج نجران مدينة شمرو وملك معدو ونزل بنيه. (4) الشعوب ووكله لفرس ولروم فلم يبلغ ملك مبلغه. (5) عكدي هلك سنة 223 يوم 7 بكسلول بلسعد ذو ولده.»
من المحقق أن أقدم أشكال الخط العربي: الشكل النسخي والشكل الكوفي؛ فأولهما: متخلف عن الخط النبطي (شكل
1-1 )
وقد تعلمه العرب من الأنباط في حوران أثناء رحلاتهم إلى الشام. وثانيهما: متخلف عن الخط السطرنجيلي السرياني، تعلمه العرب من العراق قبل الهجرة بقليل، وكان يعرف (أي الخط الكوفي: شكل
1-3 ) قبل الإسلام «بالحيري» نسبة إلى الحيرة، وهي مدينة عرب العراق قبل الإسلام التي ابتنى المسلمون الكوفة بجوارها. فهذان الخطان هما أصلا الخط العربي، أو هما الحلقة الأخيرة من سلسلته؛ إذ الحلقة الأولى من سلسلة الخط العربي هي الخط المصري القديم، وثاني حلقة هي الخط الفينيقي، وهو مشتق من الخط المصري القديم، وثالث حلقة هي الخط الآرامي المشتق من الفينيقي ومن الخط الآرامي. هذا اشتق الخطان النبطي والسطرنجيلي السرياني اللذان اشتق منهما الخط العربي، كما تراه في الجدول الآتي: (جدول سلسلة الخط العربي شكل
1-2 )
شكل 1-2
شكل 1-3: الخط الكوفي. كلمات من فاتحة القرآن الشريف «البسملة». (أ) أمثلة من اشتقاق الحروف العربية
لا يسعنا هنا أن نستقصي البحث عن تولد كل الحروف واشتقاق بعضها من بعض، وإنما نقتصر على لمحة منها باعتبار بعض الحروف وتغيير صورتها في بعض الخطوط التي يهمنا معرفة كيفية اشتقاق الخط العربي منها، ونمثل لذلك بحرف «الطاء»، فقد كانت صورتها عند الفينيقيين كما ترى في شكل
3 «9»، ثم أخذها الآراميون وغيروها قليلا بحذف أحد الطرفين المتقاطعين داخل دائرتها وبقطع أعلاها صارت عندهم هكذا « »، ثم تميزت عند السريان فصارت شكل
3 «9»، وهي تمثل الطاء في الخط الكوفي (الحيرى) والنبطي غير أنها منحنية فيهما قليلا شكل
3 «9»، ثم أخذها العرب فصارت «ط». ومثل الطاء حرف الميم، كانت صورته الأصلية عند الفينيقيين هكذا شكل
3 «13»، ثم اختصرها الآراميون شكل
3 «13»، ثم تغيرت عند السريان لما أضافوه إليها وحذفوه منها، ثم صارت في الخط الكوفي والنبطي شكل
3 «13»، ثم عند العرب هكذا «م».
ومثل ذلك حرف النون، أصله بالفينيقي هكذا شكل
3 «14»، ثم اختصره الآراميون هكذا شكل
3 «14»، ثم حرفه السريان فصار عندهم هكذا « »، ثم صار في الخط النبطي والكوفي هكذا شكل
3 «14»، وعنه أخذ العرب حرفهم «ن»، وكانت تستعمل في القرن الأول من الهجرة كذلك «ر»، ويوجد في المصحف بدار الكتب الخديوية كتابة الرحمن هكذا «الرحمر».
1
ويقال هكذا في بقية الحروف. (2) تاريخ الخط العربي بعد الإسلام
وقد ظل الخط العربي بقسميه معروفا عندهم إلى ظهور الإسلام، ولقلة انتشاره وانحصاره في أفراد قليلين يسهل علينا أن نعبر عن الأمة العربية بأنها كانت في ذلك الوقت أمة أمية، وبذلك سماها القرآن لما جاء الإسلام بقوله:
هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم .
والقرآن هو أول رافع لمنار الخط العربي؛ لأن أول ما نزل على رسوله قوله:
اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم ، وأقسم - جل ذكره - بالقلم في سورة أخرى فقال:
ن والقلم وما يسطرون ، فبابتداء الإسلام ابتدأ انتشار الخط العربي للحاجة إليه في كتابة الوحي والرسائل التي كان ينفذها الرسول
صلى الله عليه وسلم
إلى الملوك والأمراء، وأول من عمل على نشره بطريقة عامة هو الرسول
صلى الله عليه وسلم
فقد كان محبا لانتشار الكتابة وتعميمها بين الأمة العربية، يشهد بذلك ما فعله مع أسرى واقعة بدر، فقد قبل من الأميين الافتداء بالمال، وجعل فدية الكاتبين منهم أن يعلم كل واحد عشرة من صبية أهل المدينة، فكان ذلك أول مدرسة عرفت لتخريج الكتبة من المسلمين، وكان بمكة حين الرسالة عدد قليل ممن يخط، وبعد الهجرة ابتدأ الخط يشيع بالمدينة، وساعد على ذلك هذه الحادثة، وقد نهج أصحاب الرسول
صلى الله عليه وسلم
وخلفاؤه من بعده هذا المنهج، فكان أكثر النشء الذي نشأ في عهدهم يعرف الكتابة، فخرج منه كتاب الدواوين وكتاب الرسائل
2
وكتاب القرآن، أما الخلفاء أنفسهم وأكثر كبار الصحابة فقد كانوا كلهم يعرفون الكتابة، وقد كتبوا للرسول
صلى الله عليه وسلم ، هذا فضلا عن أن كثيرين من الصحابة تعلموها في الإسلام، فانتشر الخط بالتدريج، ومما ساعد أيضا على نشره عظيم شأنه إذ ذاك عند العرب فقد كانوا يسمون من يعرفه ويعرف الرمي والسباحة «بالكامل»،
3 ؛ فلذلك رغبوا فيه، وأخذوا يتسابقون إلى تعلمه، ومن المعلوم أنه لم يكتب شيء من الكتب في ذلك العهد إلا القرآن، فإنه لم تكد مصاحف عثمان بن عفان تصل إلى الأمصار حتى تلقفها النساخ، فأجادوا نقلها، وتنافسوا في كتابتها، حيث كثر سوادهم في الأمصار، واتخذ نساخ كل صقع طريقة لهم في الكتابة، وحينئذ أخذ الخط يترقى ويتفرع، شأن كل حي. (2-1) أصناف الأقلام العربية في الإسلام
بقي الخط العربي على حالته القديمة غير بالغ مبلغه من الإحكام والإتقان في زمن الرسول والخلفاء الراشدين؛ لاشتغال المسلمين بالحروب حتى زمن بني أمية، فابتدأ الخط يسمو ويرتقي، وكثر عدد المشتغلين به، وفي أواخر أيامهم تفرع الخط الكوفي، وكانت تكتب به المصاحف منذ أيام الراشدين إلى أربعة أقلام اشتقها بعضها من بعض كاتب اسمه قطبة المحرر كان أكتب أهل زمانه، ثم اشتهر بعده في أوائل الدولة العباسية رجلان من أهل الشام، انتهت إليهما الرئاسة في جودة الخط، وهما: الضحاك بن عجلان، كان في خلافة السفاح، فزاد على قطبة، وإسحاق بن حماد، وكان في خلافة المنصور والمهدي، فزاد بعد الضحاك، وزاد غيره حتى بلغ عدد الأقلام العربية إلى أوائل الدولة العباسية 12 قلما، كان لكل قلم عمل خاص وهي: (1) قلم الجليل: كان يكتب به في المحاريب، وعلى أبواب المساجد، وجدران القصور ونحوها، وهو ما يسميه العامة الآن بالخط الجلي. (2) قلم السجلات. (3) قلم الديباج. (4) قلم أسطومار الكبير. (5) قلم الثلثين. (6) قلم الزنبور. (7) قلم المفتح. (8) قلم الحرم: كان يكتب به إلى الأميرات من بيت الملك. (9) قلم المؤامرات: كان لاستشارة الأمراء ومناقشتهم. (10) قلم العهود: كان لكتابة العهود والبيعات. (11) قلم القصص. (12) قلم الخرفاج. ولما ازدان عصر العباسيين بأنوار العلوم والعرفان، وخصوصا في أيام المأمون، أخذت صناعة الخط تنمو وتنتشر وتتقدم كسائر العلوم التي ضرب فيها المسلمون بسهام نافذة؛ لاحتياجهم إليها، فتنافس الكتاب في أيامه في تجويد الخط، فحدث القلم المرصع، وقلم النساخ، وقلم الرياسي
4
نسبة إلى مخترعه ذي الرئاستين الوزير الفضل بن سهل، وقلم الرقاع، وقلم غبار الحلبة،
5
وكان يكتب به بطائق حمام الرسائل، وهكذا كان كل قلم معدا لنوع من الكتابة، كما تكتب الآن الإنعامات بالرتب بقلم خاص، والأوراق الديوانية بقلم خاص وألواح الحجر بخط آخر، وكتب التعليم بآخر.
شكل 1-4: الخط الكوفي الجميل. آية من مصحف كتبه أبو بكر الغزنوي سنة 556ه، وتوضيحها: بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى ...
شكل 1-5: الخط في أيام صلاح الدين 583. كتابة له على محراب المسجد الأقصى ببيت المقدس.
فزادت الخطوط العربية على عشرين شكلا، وكلها تعد من الخط الكوفي، فهو إذ ذاك كان خط الدين والدولة، وقد كان يكتب به القرآن منذ أيام الراشدين - كما أسلفنا - حتى أواسط العصور الإسلامية (شكل
1-4 ). وأما الخط النسخي فقد كان مستعملا بين الناس لغير المخطوطات الرسمية، حتى نبغ الوزير أبو علي محمد بن مقلة المتوفى سنة 328ه، فأدخل في الخط المذكور تحسينا كبيرا، بعد أن كان في غاية الاختلال، وأدخله في المصاحف وكتابة الدواوين، وقد اشتهر بعد ابن مقلة جماعة كثيرة من الخطاطين، هذبوا طريقته، وكسوها حلاوة وطلاوة، أشهرهم علي بن هلال المعروف بابن البواب المتوفى سنة 413ه/1031م، وقد اخترع عدة أقلام، وياقوت بن عبد الله الرومي المستعصمي المتوفى سنة 698ه، وغيرهما كثير، وقد تفرع الخط النسخي المذكور بتوالي الأعوام إلى فروع كثيرة، وأصبحت الأقلام الرئيسية في الخط العربي اثنين: الكوفي والنسخي، ولكل منهما فروع كثيرة، اشتهر منها بعد القرن السابع للهجرة ستة أقلام بين المتأخرين وهي: الثلث، والنسخ، والتعليق، والريحاني، والمحقق، والرقاع، برز في هذه الأقلام جلة من العلماء، وما زال الخط يتفرع إلى الآن، فقد ظهر بعد هذه الستة الأقلام القلم الديواني، والقلم الدشتي، والقلم الفارسي، وغيره، وبقي الأمر تابعا لارتفاع الدولة وانخفاض شأنها (انظر شكل
1-5 )، فإنه لما تضعضعت خلافة بغداد، وانتقلت الخلافة إلى مصر والقاهرة انتقل الخط والكتابة والعلم إليها، وسرى منها إلى مضافاتها من البلاد التابعة لدولتها، وإلى ما جاورها، وما زال الخط في جميع هذه الأماكن آخذا في الجودة إلى هذا العهد، وصار للحروف قوانين في وضعها، وأشكالها متعارفة بين الخطاطين، وقد حفظ لنا القلقشندي بيانات صحيحة عن أواسط عصر المماليك (أواخر القرن الثامن للهجرة)، فذكر في الجزء الثالث
6
من كتابه صبح الأعشى أنواع الخطوط المستعملة في الدواوين، وعلق عليها معتمدا على نماذج منها نشرت في هذا الكتاب، وهي ستة أنواع: (1)
الطومار الكامل: ويشتمل على جملة أنواع، وكان يكتب به السلطان علاماته على المكاتبات والولايات ومناشير الإقطاع. (2)
مختصر الطومار: وهو على نوعين: الثلث والمحقق، وكان يكتب به في عهود الملوك عن الخلفاء والمكاتبة إلى القانات العظام من ملوك بلاد الشرق. (3)
الثلث: وهو نوعان: الثقيل والخفيف. (4)
التوقيع: وهو ثلاثة أنواع، وكانت توقع به الخلفاء والوزراء على ظهور القصص. (5)
الرقاع: وهو على ثلاثة أنواع أيضا، وكان يكتب به في الرقاع؛ جمع رقعة، وهي الورقة الصغيرة التي تكتب فيها المكاتبات اللطيفة والقصص، وما في معناها. (6)
الغبار: وهو نوع واحد، وكان يكتب به بطائق الحمام والملطفات وما في معناها، ونرى من الكتابات المنقوشة على الأحجار في أيام المماليك جمال هذا الخط وبهاءه، وهو وإن كانت حروفه مستطيلة فهي ربما أجمل مما كانت عليه في أيام العباسيين.
ولما آلت الخلافة إلى الأتراك بعد زوال دولة المماليك بمصر، ورثوا بقايا التمدن الإسلامي، فكان لهم اعتناء خاص بالخط، وقد أخذوا في إتقانه على أيدي الأساتذة الفارسيين الذين اعتمدوا عليهم في الآداب والفنون، وقد حفظ الأتراك عدة قرون في مصالح حكومتهم ودوائرهم الملكية والعسكرية أنواع الخطوط التي كانت مستعملة في القرون الوسطى، فكان يعرف عندهم في القرن الحادي عشر للهجرة 30 نوعا تقريبا، إلا أنه أهمل أكثرها أثناء القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ولم يبق مستعملا منها في الوقت الحاضر إلا ما سنذكره في الفصل الآتي، والأتراك هم الذين أحدثوا الخط الرقعة والخط الهمايوني، وإليهم انتهت الرئاسة في الخط على أنواعه إلى عهدنا هذا، وقد أخذنا عنهم الخط المعروف بالإسلامبولي، ولن يزال الخط يتفرع إلى ما شاء الله عملا بسنة الارتقاء. (2-2) الأقلام المستعملة الآن (1) الخط النسخي: أما الآن فقد أهمل الخط الكوفي، وصار الخط النسخي هو الأكثر استعمالا في كتابة اللغة العربية أينما وجدت، وكذلك في كتابة اللغة التركية والتترية والأفغانية والسندهية، وغيرها من لغات العالم الإسلامي، فإنه يستعمل فيها الخط النسخي في الكتب العلمية وغيرها، وعلى الخصوص في المواضيع الدينية والشرعية كما سيأتي. (2) القلم الفارسي: وهو مشتق من الخط القيراموز المتولد من الخط الكوفي في صدر الإسلام، وتكتب به الآن اللغة الفارسية، ويستعمل غالبا عند الهنود في كتابة لغتهم الهندستانية (الأوردية)، وسيأتي تفصيل تاريخه وفروعه عند الكلام على اللغة الفارسية. (3) القلم المغربي: المستعمل في مراكش والجزائر وتونس وطرابلس لكتابة العربية والبربرية معا، وسيأتي ذكره بالتفصيل عند الكلام على لغات المغرب. (4 و5) القلم الرقعة والقلم الثلث: الرقعة هو خط الدواوين في تركيا وغيرها، ويغلب استعماله أيضا في المراسلات الاعتيادية، وقد أسلفنا أنه والقلم الهمايوني من مستحدثات الأتراك، وهما يستعملان عندهم إلى الآن، وقد انتشر الرقعة بسلطة الأتراك في جزء من البلدان العربية، ومع أنه مكروه من بعض العرب الخلص؛ لأنه خط تركي،
7
فهو مستعمل في مصر والعراق وسوريا مثل القلم الثلث المستعمل عند الجميع، إلا أن الثلث يستعمل في الزخرفة والتزويق أكثر من استعماله في الكتابة العادية. (6) قلم التعليق، أو الكتابة الفارسية المحرفة: وهو يستعمل في تركيا لكتابة الأوراق والأعمال القضائية الشرعية، وكذلك في الكتب، وخصوصا في كتب الأشعار والدواوين (شكل
1-6 )، كما سترى عند الكلام على الخط الفارسي.
شكل 1-6: قلم التعليق. بيت من أشعار الفردوسي الشاعر الفارسي المشهور، ويقرأ هكذا: «همين چشم دارم زخوانندكان كه نامم به نيكوبرند برزبان».
شكل 1-7: القلم الديواني الجلي (القسم الأعلى)، والقلم الديواني (القسم الأسفل)، ويقرأ القسم الأعلى هكذا: «نشان شريف عاليشان سامي مكان وطغراي غراي جهان ستان خاقاني نفذ بالعون الرباني والصون الصمداني حكمي أولدركه». (7) القلم الديواني: الذي اشتق مباشرة من خط التوقيع القديم، وهو على نوعين: أحدهما كبير قليلا، وهو المستعمل في الدواوين السلطانية بتركيا لكتابة المراسيم والدبلومات
Les diplômes (الفرمانات والبراءات) على جميع أنواعها، والآخر أصغر منه، وهو وإن يكن قد قل استخدامه بعض الشيء، إلا أنه مستعمل كثيرا في المحاكم الدينية والشرعية التي تستعمل أيضا خط التعليق. أما الهمايوني المتقدم ذكره فهو نفسه الخط الديواني الكبير، ويسمى عندهم «جلي ديواني» أي القلم الديواني الجلي (شكل
1-7
و
1-8 )، وهو يستعمل لكتابة الفرمانات السلطانية المتعلقة بالوسامات.
شكل 1-8: القلم الديواني الجلي.
وتمد الحروف النهائية في الخط الديواني، وخصوصا الجيم والحاء والخاء والعين والغين إذا جاءت في أواخر الكلم، وكذلك أطراف السين والشين والصاد والضاد، كما ترى في شكل
1-9 . (8) القلم النستعليق، أو الخط الفارسي المنسوخ: وهو يستعمل عند الفرس، وسيأتي ذكره عند الكلام على الخط الفارسي وفروعه. (9) قلم الإجازات: وهو يتألف من الخط النسخي والخط الثلث بتصرف مع بعض زيادات لا توجد في غيره، وهو يستعمل عند الأتراك أحيانا.
شكل 1-9: القلم الديواني الكبير (الهمايوني).
والخط في تركيا لم يزل مشرفا، وأعمال الخطاطين الكبار أمثال حمد الله المتوفى سنة 936/1530، وحافظ عثمان المتوفى سنة (1110/1698) لم تزل معتبرة كنماذج تقلد، أما في البلدان العربية، وخصوصا في مصر فإن الاعتناء بالخط أخذ في الضعف والإهمال بسبب سرعة انتشار المطابع. (3) حروف الهجاء العربية وترتيبها
أما ترتيب حروف الهجاء العربية فهو مخالف لترتيب الحروف الأخرى المرتبة على أبجد هوز ... إلخ، وهو الترتيب القديم المعروف عند أكثر الأمم، ولا سيما الأمم السامية، وأما العربية فتبتدئ هكذا: أ ب ت ث ... إلخ، مع أن التاء في اللغات الأخرى هي آخر حروفها، وهذا الترتيب حديث في اللغة العربية وضعه نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر العدواني في زمن عبد الملك بن مروان، وهو مبني على مشابهة الحروف في الشكل، فابتدآ بالألف والباء؛ لأنهما أول الحروف في ترتيب أبجد، وعقبا بالتاء والثاء لمشابهتهما الباء، ثم ذكرا الجيم من حروف أبجد وعقبا بالحاء والخاء للمشابهة، ثم ذكرا الدال وعقبا بالذال، ولكون الهاء تشبه أحرف العلة في الخفاء أخراها معها لآخر الحروف، وقبل أن يذكرا الزاي ذكرا الراء المشابهة لها لتكون الزاي مع باقي أحرف الصفير؛ ولذلك ذكرا السين بعد الزاي، وعقبا بالشين للمشابهة، ثم ذكر الصاد وعقبا بالضاد، ثم رجعا للطاء من أبجد وعقبا بالظاء وأخرا أحرف «كلمن»؛ حتى يفرغا من الأحرف المتشابهة، وذكرا العين وعقبا بالغين، ثم ذكرا الفاء وعقبا بالقاف، ثم ذكرا أحرف كلمن والهاء وأحرف العلة.
ولكون ترتيب أبجد يختلف عند المغاربة
8
عن ترتيبها عند المشارقة، كان ترتيب الحروف عند المغاربة بعد ضم كل حرف إلى ما يشابهه في الشكل هكذا: «ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش ه و ي.» (4) الأحرف الخاصة بالعربية واللغات الأخرى
وفي الخط العربي فضلا عن الحروف الشرقية الأخرى ستة أحرف، هي: الثاء والخاء والذال والضاد والظاء والغين «ثخذ ضظغ»، وقد اقتضتها طبيعة اللغة العربية، وهذه الأحرف لا مخرج لها في اللغات الأخرى إلا بتركيب مع حرف آخر، والضاد منها خاصة باللغة العربية دون سواها، وهذا هو سبب تلقيب العرب أو المتكلمين بالعربية بلقب «الناطقون بالضاد» وتمييزهم بها، وفي الحديث: «أنا أفصح من نطق بالضاد» إشارة إلى ذلك.
وهنا ملاحظة ينبغي الإشارة إليها، وهي أن هذه الأحرف الستة لا تستعمل غالبا في اللغات الإسلامية الآتية «التي تكتب بالخط العربي» إلا لكتابة الكلمات العربية الدخيلة في لغاتهم؛ ولذلك فهم لا ينطقون بها تماما إذا قرءوها في نصوص عربية، بل يشركونها مع حرف آخر، فمثلا إذا أرادوا النطق «بالطاء» أو «بالضاد» تكلفوهما، فالطاء تخرج بين التاء والطاء كالسلطان والطوفان، والضاد تخرج كالزاي المفخمة في نحو رمضان وهكذا، ولما كانت هذه الأحرف معدومة عندهم فهم يستعملون حروفا
9
أخرى معدومة في العربية تقتضيها طبيعة لغاتهم؛ ولهذا كان من الضروري لنا أن نذكر هذه الأحرف عند ذكر لغاتها؛ لأنها تكون بمثابة تكملة لحروف الهجاء العربي عندهم. (5) النقط والحركات في الخط العربي (5-1) الحركات
لما اقتبس العرب الخط من الأنباط والسريان كان خاليا من الحركات والإعجام، فالحركات فيه حادثة في الإسلام، والمشهور أن أول من وضعها أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة 69ه لما كثر اللحن في الكلام؛ لاختلاط العرب بالأعاجم في صدر الإسلام، فكانت الحركات إذ ذاك نقطا يميزون بها الضم والفتح والكسر، فكانت النقطة فوق الحرف دليلا على الفتح، وإلى جانبه دليلا على الضم، وتحته دليلا على الكسر، ولم تشتهر طريقة أبي الأسود هذه إلا في المصاحف، حرصا على إعراب القرآن، أما الكتب العادية فكانوا يفضلون ترك الحركات والنقط فيها؛ لأن المكتوب إليهم كانوا يعدون ذلك تجهيلا لهم، قال بعضهم: «شكل الكتاب سوء ظن بالمكتوب إليه.»
أما استبدال النقط بالحركات الحديثة، فالغالب أنه حدث تنويعا للحركات عن النقط التي يميزون بها الباء عن التاء خوفا من الالتباس، فالحركات الحديثة وضعت بعد ذلك لتقوم مقام حروف العلة؛ لمشابهة الحركات لها، فجعلوا للضمة التي يشبه لفظها الواو علامة تشبه الواو، والتي يشبه لفظها الألف وهي الفتحة علامة تشبه الألف لكنها مستقيمة، ومثلها للكسرة من تحت، وهكذا.
10 (5-2) الإعجام وضبط الحروف العربية
أما الإعجام أو النقط فيظن أنها كانت موجودة في بعض الحروف قبل الإسلام وتنوسيت، ولكن المشهور أن اختراعها كان في زمن عبد الملك بن مروان، وذلك أنه لما كثر التصحيف، خصوصا في العراق، والتبست القراءة على الناس، لتكاثر الأعاجم من القراء، والعربية ليست لغتهم، فصعب عليهم التمييز بين الأحرف المتشابهة، ففزع الحجاج إلى كتابه، وسألهم أن يضعوا لهذه الأحرف المتشابهة علامات، ودعا نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر العدواني (تلميذي أبي الأسود) لهذا الأمر، فوضعا النقط أو الإعجام أزواجا وأفرادا، بعضها فوق الحروف، وبعضها تحتها، وسمي الإعجام إعجاما لأن الإعجام في المعنى الأصلي هو التكلم على طريقة الأعاجم، كما أن الإعراب هو التكلم على طريقة العرب، وكان الجمهور يكره - كما قلنا - الإعجام والحركات في الكتابة وينفر منهما، ولكن الناس رجعوا بعد ذلك عن هذا الرأي حتى كانوا يعدون إهمال الإعجام خطأ في الكتابة، واستمر الأمر على اتباع هذا الإعجام إلى الآن. (5-3) الكتابة واتجاه السطور فيها
لم يتقرر لاتجاه السطور في الكتابة نظام إلا بعد ترقيها؛ ولذلك كانت الكتابة يدونها الأولون أنى اتفق، لا يراعون لها نظاما في اتجاه سطورها، كما كان عند قدماء اليونان، فإنهم كانوا يكتبون تارة من اليسار إلى اليمين، وطورا من اليمين إلى اليسار، وأحيانا يجمعون بينهما.
فلما ترقت الكتابة وتقرر نظامها عند الأمم، اتخذت كل أمة منها طريقا مخصوصا في كيفية سيرها: فأهل الصين وأتباعهم صاروا يكتبون من الأعلى إلى الأسفل ومن اليمين إلى اليسار على الخط الرأسي؛ ولذلك سميت كتابتهم «بالمشجر»، ولهم في ذلك اعتقاد خاص؛ حيث يعتقدون أن الله - سبحانه وتعالى - موجود في السماء العليا، فكل شيء لا بد وأن يأتيهم من جهته؛ ولذلك صاروا يكتبون من أعلى إلى أسفل.
وأهل أوروبا صاروا يكتبون من اليسار إلى اليمين؛ لكون الدورة الدموية تبتدئ من القلب الموجود في الجهة اليسرى، والقلب في بعض الروايات مركز العقل، فوجب أن تكون الكتابة من الجهة المقابلة للعقل الذي يستمد منه البنان؛ فلذلك صاروا يكتبون من اليسار إلى اليمين.
أما العرب والسريان وغيرهم من الأمم السامية فصاروا يكتبون من اليمين إلى اليسار بالنسبة لكون الطبيعة قضت بأن كل شيء لا يعمله الإنسان إلا بيده اليمنى، كما وأنه لا ينتقل من جهة إلى أخرى إلا بالرجل اليمنى، فلذلك صاروا يكتبون من اليمين إلى اليسار.
11
فالكتابة العربية الحالية متصلة من القديم، وتكتب أينما وجدت من اليمين إلى الشمال على السطر الأفقي، وقد روى الدكتور بشارة زلزل في كتابه تنوير الأذهان أنه «لم تزل بعض الأمم كالصومال تكتب الخط العربي من أعلى إلى أسفل (أي على السطر الرأسي) وتقرؤه من اليمين إلى اليسار»،
12
وهذا غريب يحتاج الإثبات.
الفصل الثاني
الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي
(1) تمهيد في الحضارة الإسلامية
ظهر الإسلام والخط العربي معروف في الحجاز، ولكنه لم يكن شائعا فيه كما تقدم، بل كان محصورا في فئة قليلة من الصحابة وبعض أهل الذمة.
ولما عم الإسلام جزيرة العرب
1
كلها، وذهب بدولتي الفرس والروم في العراق وفارس وسوريا ومصر وإفريقية وغيرها، وانتشرت معه اللغة العربية بين المسلمين وغيرهم من أهل هذه البلدان، انتشر معها الخط العربي في كل بقعة من هذه البقاع، ثم تجاوزها إلى لغات العالم الإسلامي في بلاد الفرس والترك والهند، وغيرهم ممن أصبحوا يكتبون به لغاتهم منذ بضعة عشر قرنا إلى الآن بفضل انتشار الحضارة الإسلامية، وتأثيرها في العالم، واتساع نفوذها، ورسوخ أصولها في الأصقاع المتنائية.
فالإسلام هو السبب الوحيد في انتشار الخط العربي، إن لم نقل هو محييه ورافعه إلى أوج الظهور، حتى انتشر هذا الانتشار العظيم بين الأمم الإسلامية وغيرها في آسيا وأفريقيا وأوروبا حتى بلغت حدوده من أقاصي الهند وأرخبيل الملايو (ماليزيا) شرقا إلى أقصى بلاد المغرب وبحر الأدريتيك غربا، ومن أعلى تركستان وأواسط روسية أوروبا شمالا، إلى أدنى زنجبار جنوبا، وقد تخطى الآن خضمات الأقيانوس، وبلغ إلى قارة أمريكا وغيرها من جزر البحار، فهو يضم بين دفتيه أمما لا تحصى، مختلفة الأجناس والعادات، متعددة اللغات واللهجات، كالعرب والأتراك والفرس والهنود والملايو والأفغان والتتر والأكراد والمغول والبربر وأهل السودان والزنوج والساحليين وغيرهم، ويظل تحت رايته من 200 مليون إلى 250 مليونا من الأنفس، ما عدا أكثر من مائة مليون من المسلمين يكتبون به في اللغة العربية نصوص الدين كالقرآن وغيره، مما هو أثر باق لذلك التمدن العظيم. (2) التمدن الإسلامي وسواه
فالتمدن الإسلامي لو قلنا: إنه لم يخلف مثل ما خلفه التمدن المصري القديم من الآثار البنائية كالهياكل والأهرام والبرابي والمسلات، ولا مثل ما خلفه التمدن البابلي والأشوري (الأثوري) من الخرائب والأطلال القرميدية والآثار البنائية، ولا مثل ما خلفه التمدن اليوناني والروماني من الآثار الفكرية والسياسية والبنائية كالمسارح والميادين، وغيرها من المصنوعات المحسوسة، وضربنا صفحا عن الآثار العظيمة الإسلامية البنائية وغير البنائية كالجوامع والأبنية العربية العديدة، وغيرها من آثاره في الشرق والغرب، فإنه خلف آثارا معنوية مطبوعة في النفوس تناقلتها الأمم عنه، فتوارثها الخلف عن السلف والأبناء عن الآباء، كأنه وسم الأمم التي دخلت في سلطانه بسمات خالدة أهمها الدين واللغة ثم الخط، فبعض الأمم وسم بالسمات الثلاث معا، كمسلمي مصر والشام والعراق وبلاد المغرب وغيرها، فضلا عن جزيرة العرب، وبعضها وسم بالسمتين: الدين والخط، كالترك والفرس ومسلمي الهند والملايو وغيرهم مما هو موضوع بحثنا في هذا الكتاب، والبعض الآخر وسم بسمتي اللغة والخط دون الدين، وهؤلاء هم أهل الذمة في العالم العربي، والبعض الآخر وسم بسمة الدين فقط كمسلمي الصين.
2
هذا، وإن يكن للتمدن الروماني سمات تشبه هذه السمات قد وسم بها بعض أمم أوروبا وأمريكا، ونعني بها سمتي الخط واللغة، وهما من أهم آثاره، لكن الفرق بين آثاره وآثار التمدن الإسلامي عظيم، فاللغة اللاتينية لم تبق شائعة على الألسنة، بل هي تعد من اللغات الميتة، وإن تكن قد دخلت في معظم لغات أوروبا، أما اللغة العربية فيكفي أن نقول عنها: إنها باقية ما بقي الإسلام والقرآن يتكلم بها الآن عشرات الملايين من الأنفس، كما سيأتي بعد.
شكل 2-1: صينيون مسلمون في زنقاريا.
وأما الخط الروماني فهو وإن كانت الكتابة به شائعة عند بعض أمم أوروبا وأمريكا، فالخط العربي أكثر منه انتشارا، وسترى أن الكتابة به عامة عند المسلمين كافة ، فهو آلة الكتابة المشتركة بين جميع الأمم الإسلامية، وبالجملة فهو أثر ديني والفرق كبير بين الأثر الديني وأثر شاع بالاستعمار أو بتقليد المحكوم للحاكم. (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي
وإليك الكلام على اللغات التي يكتب أهلها الآن بالخط العربي في أنحاء العالم، ولا يستعملون في الكتابة غيره، مع التفصيل التام عن هذه اللغات وتعدادها وتاريخها الخاص بالموضوع، وارتباطها بهذا الخط، ومواقع البلدان التي تستعمل فيها، وإحصاءات عن المتكلمين بها، وما يزيدونه من الأحرف على حروف الهجاء العربي، وغير ذلك؛ ليتبين للقراء حقيقة انتشار هذا الخط.
وقد قسمنا الكلام في هذه اللغات التي تكتب الآن به إلى خمسة أقسام:
القسم الأول:
هو مجموع اللغات التركية.
والقسم الثاني:
هو مجموع اللغات الهندية.
والقسم الثالث:
هو مجموع اللغات الفارسية.
والقسم الرابع:
هو مجموع اللغات الأفريقية.
ثم القسم الأخير:
وهو الخاص باللغة العربية، فنتقدم للكلام على كل منها: (3-1) اللغات التركية
هي من اللغات الطورانية
3
منتشرة بتركية أوروبا وتركية آسيا، وروسية أوروبا وروسية آسيا بتركستان وشواطئ بحر الخزر والقوقاس، ويتفاهم بها المغول الأتراك من الأزابكة والتتر والتركمان والعثمانيين وغيرهم، ويقدر عدد المتكلمين بها بنحو 40 مليون نسمة تقريبا جلهم من المسلمين، وأشهر فروعها التي تكتب به: (أ) التركية العثمانية
هي اللغة الرسمية للحكومة العثمانية، وهي منتشرة في ممالكها بأوروبا وآسيا، ويتكلم بها الأتراك والأرمن والأكراد وغيرهم من الشعوب في السلطنة العثمانية، وهي أكثر اللغات التركية تهذيبا وانتشارا، وأوسعها آدابا، وقد اصطلح الناس على تسميتها «باللسان التركي»، وهي تختلف اختلافا كليا في الوقت الحاضر عما كانت عليه في الأزمنة الغابرة، حتى إنك إذا أتيت بكتاب تركي قديم العهد وأطلعت عليه شابا من شبان الأتراك في هذه الأيام لما استطاع أن يفهم منه إلا القليل من الكلام نظرا للتغير العظيم الذي طرأ على هذه اللغة في أدوارها الأخيرة؛ إذ إنها تنقحت وتهذبت وربطت بقواعد جعلتها أشبه باللغات الغربية، وشبان الأتراك الذين نشئوا في هذا العصر يسعون لقطع كل علاقة بين اللغة التركية القديمة واللغة العصرية الجديدة، حتى إنهم لا يسمونها اللغة التركية بل «اللغة العثمانية»، على أن كثيرين من الأتراك - وعلى الأخص القسم الذي يقطن ولايات الأناضول - لا تزال لغتهم قريبة من لغة أجدادهم، وأهالي الآستانة يستهجنون كلامهم كما يستهجن أهالي باريس كلام الفرنسيين الذين في بلاد كندا. واللغة التركية العثمانية تتألف من ثلاث لغات: إحداها اللغة «الجغتائية»، وسيأتي ذكرها بعد، وهي أصل التركية العثمانية، وثانيتها «اللغة العربية» التي دخل من ألفاظها فيها نحو 50 في المائة، وثالثتها «الفارسية» التي تعد ألفاظها فيها بنحو 15 في المائة، وقد دخلها الآن ألفاظ كثيرة من اللغات الإفرنجية، حتى أصبحت - لكثرة ما أدخلوه فيها - تشبه اللغة المالطية العربية
4
واللغة الأوردية.
فهي لا تستنكف أن تضم إليها الكلمات الكثيرة من اللغات الأخرى، فصارت - بسبب ذلك - تضارع أشهر اللغات الإفرنجية في غزارة مادتها واتساع دائرة التخاطب بها.
والسبب في كثرة الألفاظ العربية في اللغة التركية العثمانية بهذا المقدار يفسره تاريخ الآداب فيها؛ وذلك أنه لم يكن للتركية العثمانية آداب قبل القرن السابع للهجرة؛ أي قبل تأسيس دولتهم، وأقدم آدابها مقتبس من الفارسية أو هو فارسي معنى ومبنى؛ والسبب في ذلك أن العثمانيين أقاموا دولتهم على أنقاض دولة السلاجقة الذين اختلطوا بالفرس، وتأدبوا بآدابهم، وكانت اللغة الفارسية لغة العلم والأدب والسياسة عندهم، فلما اقتبس الأتراك آدابهم من الفارسية اقتبسوا معها كثيرا من آثار اللغة العربية وآدابها التي كان الفرس اقتبسوها قبلهم، غير الذي اقتبسه الأتراك من اللغة العربية رأسا من الألفاظ والآداب الدينية؛ ولذلك كانت الألفاظ العربية في اللغة التركية أضعاف الألفاظ الفارسية فيها، فالأتراك يقلدون العرب بسائق الدين ويقلدون الفرس بسائق الأدب.
ولم تكتب اللغة العثمانية إلا في القرن السابع للهجرة، وهي من ذلك الحين تكتب بالخط العربي، وأول كتاب دون في نحو اللغة التركية وقواعدها بالخط العربي هو كتاب «الإدراك للسان الأتراك» الذي ألفه أحد علماء الإسلام في الأندلس، وهو أثير الدين محمد بن يوسف المعروف بأبي حيان الغرناطي «توفي في مصر سنة 745ه» الذي خلد اسمه بما يخرج عن مقدور البشر من تصانيفه، اهتم بوضعه في أوائل ظهور السلطنة العثمانية واستقلالها في سنة سبعمائة واثني عشر؛ ليكون أساسا لقواعد اللغة الرسمية العثمانية، وقد نشر في الآستانة سنة 1309، ونشره أيضا المسيو لوسين بوفا من مشاهير علماء المشرقيات الفرنسيين سنة 1325.
وأول من وضع قواعد اللسان العثماني في عصر الإصلاح هو جودت باشا المؤرخ الشهير.
ويزيد الأتراك على أحرف الهجاء العربية خمسة أحرف وهي « » بثلاث نقط وتنطق كالنون، وكاف يائية لا تنطق والأربعة الأحرف الفارسية الآتي ذكرها. (ب) التركية القازانية أو اللغة التترية
وهي منتشرة في ولاية قازان وما جاورها من الولايات في روسية أوروبا كولاية أوفا وغيرها، وهي لغة التتر
5
المسلمين في هذه الولايات، ويقدر عددهم بنحو مليون ونصف مليون نسمة، وللغة التترية آداب أصلية عندهم غير مقتبسة عن غيرهم من الأمم في الشعر والنثر، حتى إن بعض شعرائهم يلتزم النظم بالتترية بدون أن يستعمل ألفاظا دخيلة من العربية أو الفارسية أو غيرهما من اللغات التي دخل في التترية كلمات منها، بل إن هم التتر جميعهم اليوم - كما قال الأستاذ فمبري - هو تطهير لغتهم من الكلمات الدخيلة، كما كان همهم الوحيد في السابق هو مقاومتهم للطريقة المنسكية
6
حتى استراحوا منها، وتنشر بالتترية جرائد ومجلات ومؤلفات كثيرة (بالخط العربي بالطبع)، وتدرس بها جميع العلوم مثل التركية العثمانية، ويزيد التتر على أحرف الهجاء العربي الأحرف التي يزيدها الأتراك في اللغة التركية العثمانية. (ج) التركية القرمية
منتشرة في شبه جزيرة القرم بين سكانها التتر القرميين، وهي لغة المغول الذين احتلوا روسيا الجنوبية وشبه جزيرة القرم في القرن التاسع للهجرة، وقد دخلها كلمات كثيرة من العربية والروسية. (د) التركية النوجائية أو الكاراسية
Nogai or Karass Turki
هي لهجة تترية شائعة في ولاية كاراس القوقاسية وما يجاورها من شواطئ البحر الأسود الشرقية، يتكلم بها التتر هناك، وهي تشبه كثيرا التركية القرمية السالفة والآذرية الآتية. (ه) التركية الآذرية
7 (الآذربيجانية) أو التركية الترنسقوقاسية،
8
وهي منتشرة في آذربيجان، وتنقسم إلى لهجتين: (1)
شمالية: يتفاهم بها سكان قوقاسية آسيا (ترنسقوقاسيا) التابعة للروسيا، ويشتمل على حكومات باكو وتفليس وقوطاي وباطوم وغيرها. (2)
جنوبية: يتفاهم بها سكان إقليم آذربيجان التابع للعجم، وكلتا اللهجتين تكتبان بالخط العربي، وتطبع بالآذري عدة جرائد وكتب، وقد ألف ميرزا فتح علي أخوند زاده في القرن الماضي بعض الروايات التمثيلية اللطيفة بالآذرى الشمالي، ونقلت إليه بعض الروايات العربية الحديثة كرواية «عذراء قريش» لصديقنا المرحوم منشئ «الهلال» بقلم أخوندمير محمد كريم قاضي ولاية باكو.
9
ولا تعرف أشعار بهذه اللغة ترتقي إلى أكثر من القرن السابع عشر للميلاد. (و) التركية الداغستانية
من اللغات الآوارية التركية، وهي شائعة في داغستان
Daghestan ، وما يجاورها من شواطئ بحر الخزر الغربية.
وقد انتشرت هذه اللغة على الخصوص في أيام الإمام شاميل (شكل
2-2 ) القائد القوقاسي الشهير (ولد في داغستان سنة 1797، وتوفي سنة 1880) الذي حارب الروس ودافع عن القوقاس أكثر من 30 سنة أبلى فيها بلاء حسنا.
شكل 2-2: شاميل، القائد القوقاسي الشهير.
فعرفت لغته هذه الداغستانية في أنحاء القوقاس، وكتبت بها الكتب العديدة بالخط العربي في مختلف العلوم، وهم يزيدون على أحرف الهجاء العربية هذه الأحرف: «چ» وهي تنطق عندهم كالجيم الفارسية وكچشو. «ژ» الراء بثلاث نقط فوقها، وتنطق عندهم: إتسو
tso . «ص» الصاد بشدة فوقها وتنطق: «تسا». «ڨ» القاف بثلاث نقط فوقها، وتنطق كالقاف واللام. «ڮ» الكاف بثلاث نقط تحتها، وتنطق: «خها»، و«كها». «ك» الكاف بشدة فوقها، وتنطق: «حهي»، و«كا». «ڸ» اللام بثلاث نقط تحتها، وتنطق: كالثاء تقريبا.
وقد دخل في هذه اللغة - فضلا عن الكلمات التركية والفارسية - كثير من الألفاظ العربية، وعلى الأخص الكلمات الدينية؛ فإنها فيها كما في غيرها من اللغات الإسلامية عربية مبنى ومعنى. وقد يحسن سكان بعض جهات داغستان التكلم باللغة العربية الفصحى، وإن لم يكن الكثير من الداغستانيين يحسنون التكلم بها مصححة على القواعد النحوية.
قال الرحالة رشاد بك في سياحته في الروسيا عند الكلام على بلاد الجركس والداغستان: «ولغاتهم أكثرها لا تقرأ ولا تكتب، ما عدا الداغستان، فإن لغتهم لها قراءة وكتابة خاصة بها، وحروفها هي نفس حروف الهجاء العربية، ولكن من ضمن هذه الحروف حرفا لام وكاف تحت كل واحد منهما ثلاث نقط، وهذه اللغة لا تشبه أية لغة من اللغات الشرقية ولا غيرها، بل هي لغة قائمة بذاتها، وفيها كلمات عربية كثيرة، وفي العهد الأخير أسسوا مطابع عديدة في تيمور خان شورا مركز ولاية الداغستان تطبع فيها كتب ومجلات باللغة العربية الفصحى وباللغة الداغستانية. ومن أظهر مخارج الحروف فيها (أي في لغة الجراكسة واللزجين والأباظا) الحاء والخاء والسين والشين والقاف والغين، وكل معاملاتهم وصكوكهم تكتب باللغة العربية، وعلماؤهم وأئمتهم يعرفون هذه اللغة قراءة وكتابة؛ لأنها لغة دينهم، وزيادة على ذلك فإن الداغستان يقرءون ويكتبون بالعربي ويتكلمون.» ويقدر عدد المتكلمين باللغة الداغستانية بأقل من مليون نسمة، وهم يكتبون بالخط العربي بعد أن دخلوا في الإسلام، وكان إسلامهم في القرن الثامن للميلاد، وهناك لغة أخرى في داغستان تكتب بالخط العربي، وهي اللغة الكومكية
Kumuki ، وهي تختلف عن الداغستانية اختلافا كثيرا. (ز) اللغة الجركسية
Teherkesses
وهي منتشرة في القوقاز بين الأمة الجركسية التي تسمي نفسها بأمة «الآدغه»، وتسكن البلاد المعروفة الآن ببلاد الجركس على ضفاف نهري قوبان وترك وسفوح وهضاب جبال القوقاز الغربية بينها وبين البحر الأسود غربا، وبلاد منكرليا من أعمال ولاية القوقاز الحالية جنوبا، والجركس كافة على دين الإسلام، وكتابهم هو القرآن، وكتابتهم التي يتعاملون ويتراسلون بها إلى وقتنا هذا هي باللغة العربية، وكتب دراستهم وعلومهم الشرعية والدينية عربية، ولهم في التاريخ الإسلامي شأن كبير، أنشئوا دولة مصرية من دول المماليك، أما لغتهم الوطنية فليست لها حروف تكتب بها؛ ولذا فهم لا يستعملونها في الكتابة، بل يستعملون العربية والأحرف العربية، كما تقدم.
وقد اخترع قريبا محمد كمال بك الجركسي حروفا جديدة لكتابة اللغة الجركسية على رسم الحروف العربية، كما في الكتابة الفارسية والتركية وغيرها، مستعينا بما في اللغتين التركية والفارسية من الحروف الزائدة، وقد حول بعض الحروف العربية إلى حروف جركسية بزيادة نقطة أو ثلاث نقط فوق الحرف، ووضع حروفا جديدة خاصة باللغة الجركسية، إلا أنه عدل عن اتخاذ الحركات المستعملة في العربية والفارسية والتركية (وهي الفتحة والكسرة والضمة) ووضع لها حروفا خاصة ألحقها بحروف العلة، ووضع حروفا أخرى للإمالة والحركات الأخرى التي تجيء في كلمات اللغة الجركسية، فبلغت تسعة وخمسين حرفا، منها 29 عربية بما فيها «ث، ذ، ض، ع، ه» التي لا توجد في اللغة الجركسية، ومنها ثلاثة أحرف بدل الفتح والكسر والضم، ومنها الأربعة الأحرف الفارسية، والباقي وهو ثلاث وعشرون حرفا خاصة باللغة الجركسية وحروف العلة اثنا عشر حرفا، وقد بين ذلك في كتابه «الإلهامات القدسية في ألفبا اللغة الجركسية» الذي نشره في مصر سنة 1328، وقد وضعت أيضا الجالية الداغستانية في الآستانة كتابا لمثل هذا المقصد إلا أن طريقتها لم تنتشر. (ح) التركية الأنبورغية أو التركية القرغيزية
هي لهجة تترية شائعة في شمال بحر الخزر بالروسيا الأوروبية (في ولاية أورنبورغ
Orenburg
وغيرها) وفي غرب سيبريا، وهي لغة القرغيز
Kirgkiz
وقبائل القوزاق «والقوزاق كلمة تترية معناها الجريء المقدام أو البدوي»، ومنهم نوع من العساكر البرية في الجيش الروسي، وهم مسلمون ونصارى وبوذيون، فالمسلمون قوزاق الجراكسة وأورال وسيبريا، والنصارى قوزاق الدون، والبوذيون قوزاق الموغول جهة بحيرة بيكال، وكل القوزاق شجعان بواسل أولو بأس شديد وقوة، ولهم فروسية خارقة للعادة. (ط) التركية الجغتائية
Jagatai Turki
شكل 2-3: الخط الأويغوري.
التركية الجغتائية ويسميها أهلها أيضا «التركي»، فلذلك يسميها الإفرنج أحيانا التركية الشرقية
Turc Oriental ، وهي لغة التركمان وأكثر سكان بلاده خيوه (خوارزم) وبخارا وغيرها من أواسط آسيا ومركزها مدينة مرو، وهي اللغة العامة عندهم، وذلك من القرن التاسع للهجرة؛ أي من الوقت الذي تغلبت فيه على اللغة «الأويغورية» إلى الآن سواء أكانوا يتكلمون بها عادة أم يستعملونها في الكتابة بالحروف العربية التي حلت عندهم محل الخط الأويغوري،
10 (انظر شكل
2-3 ).
وأول كتاب دون باللغة الجغتائية «وبالخط العربي» ديوان مير علي الشهير بنواني في القرن التاسع للهجرة، وبها ألف السلطان بابر (نمر) المتوفى سنة 937ه، ديوانه وكتاب أخباره المشهور باسم «بابرنامه»
11
أي كتاب بابر، وبها ألف أيضا أبو المغازي بهادرخان سلطان خوارزم المتوفى سنة 1074 تاريخ التتر الموسوم «بشجرة ترك.» (ي) التركية التكية
Tekké Turkoman
هي لغة قبيلة تكة من قبائل التركمان بالتركستان، ويقدر عدد هذه القبيلة بنحو نصف مليون نفس تقريبا، وهم يستعملون كذلك اللسان الجغتائي المتقدم ذكره في الكتابة كسائر قبائل التركمان. (ك) التركية الأوزبكية
Uzbec Turki
وهي منتشرة في التركستان الروسية بما وراء النهر، ومركزها مدينة سمرقند عاصمة تيمورلنك، وهي لغة أمة الأوزبك التركية، ويقدر عدد المتكلمين بها بنحو مليون نسمة على حسب تقرير الأستاذ أرمنيوس فمبري المستشرق المجري. (ل) التركية الكشغرية
Kashgar Turki
وهي شائعة في تركستان الصينية ومركزها مدينة كشغار، ويتكلم بها نحو عشرة ملايين من الترك تجمعهم ومسلمي روسيا أواصر اللغة «والدين» والآداب، وتكتب بالخط العربي لغات ولهجات كثيرة أخرى متفرعة من التركية مثل «اللغة البخارية» المستعملة في بخارى و«السيبرية» المستعملة في سيبريا و«اللسان الأناضولي» المستعمل في الأناضول و«الباشكيري» المستعمل في جنوب جبال أورال و«الكراتشي» و«الدباندي» وغيره، بل إن جميع اللغات واللهجات التركية تكتب بالخط العربي على العموم، وذلك من وقت الفتح الإسلامي لبلادهم ودخول الترك في الإسلام.
وقد جاء في دائرة المعارف البريطانية في الكلام على اللغات التركية وكتاباتها
12
ما نصه: «إن حروف الهجاء العربية عامة الاستعمال في كتابة اللغات التركية، ولو أن بعض القبائل في روسيا تستعمل الحروف الروسية وأخرى في آسيا الصغرى تستعمل الحروف الأرمنية واليونانية.» (3-2) اللغات الهندية
هي من اللغات الآرية
13
منتشرة في جميع الهند والسند وسيلان وملقى وغيرها، وأهمها اللغة الأوردية الهندستانية، ويعد المتكلمون بهذه اللغات بنحو 96 مليون نسمة من المسلمين، ومن فروعها التي تكتب بها: (أ) اللغة الأوردية الهندستانية
14
وتستعمل في الهند الإنجليزية، وعلى الخصوص في المقاطعات المتوسطة، وهي اللغة الهندية الإسلامية التي يتكلم بها أكثر مسلمي الهند، وهي مأخوذة من اللسان الهندي
Hindi ، وهو اللسان الحديث الذي يتكلم به سكان النصف الغربي من وادي نهر الكنج الهنديين، ثم دخل فيها ألفاظ كثيرة من اللغة العربية والفارسية، وقد نشأت هذه اللغة في وقت الفتح الإسلامي للهند، وأول من تكلم بها المسلمون، وهي من ذلك الوقت تكتب بالخط العربي.
قال الدكتور جوستاف لوبون في كتابه «سر تطور الأمم»: «وأهم تلك اللغات (أي الهندية) أحدثها وهي الهندستانية ؛ لأن عمرها لا يزيد على ثلاثمائة سنة، وهي مزيج من اللغتين الفارسية والعربية اللتين كان يتكلم بهما الفاتحون، ومن الهندية التي كانت أكثر اللغات انتشارا في الأقاليم التي دخلوها، وقد نسي الغالب والمغلوب في زمن يسير لغتهما الأولى، واتخذوا اللغة الجديدة لسانا عاما موافقا للشعب الجديد الذي تولد من اختلاط الفريقين.»
وقد كانت هي اللغة الوحيدة المستعملة للمخابرة بين الأوروبيين ووطنيي شمال الهند وغربيها، ولكنه قل استعمالها الآن لهذا الغرض لكثرة شيوع اللغة الإنجليزية هناك.
15
ويزيد الهنود على أحرف الهجاء العربي سبعة أحرف: ثلاثة هندية، وتعرف بذوات النقط الأربع وهي «ٿ» التاء بأربع نقط فوقها، وهي تنطق بين التاء والطاء، و«ڐ» الدال بأربع نقط فوقها، وهي تنطق بين الدال والضاد و«ڙ» الراء بأربع نقط فوقها، وتنطق بين الراء والغين، وقد يستعيض بعضهم عن الأربع النقط بعلامة تشبه الطاء أو الهمزة، ثم الأربعة الأحرف الفارسية الآتي ذكرها، فحروف الهجاء عندهم 35 حرفا،
16
واللغة الهندستانية هذه تعرف باللغة الهندستانية الشمالية تمييزا لها عن اللغة الهندستانية الجنوبية المعروفة بالدكهنية، وسيأتي ذكرها. (ب) اللغة الأوردية
الهندستانية أيضا، وهي تكتب على شكل الخط الفارسي، وتختلف عن الأولى اختلافا بسيطا، وهي تستعمل في شمال الهند، ومركزها مدينة دلهي العاصمة القديمة للإمبراطورية الهندية الإسلامية. (ج) اللغة الدكنية
17 (الدكهنية)
الدكهنية أو الهندستانية المدراسية، وهي لغة مسلمي جنوب الهند، وهي منتشرة في شبه جزيرة الدكن ومدراس، ومركزها مدينة حيدر آباد الدكن، وهي الهندستانية الجنوبية. (د) اللغة الكشميرية
هي شائعة في مملكة كشمير بأعالي الهند، ومركزها مدينة كشمير (سيريناغار)، ويقدر المتكلمون بهذه اللغة بنحو ثلاثة ملايين نسمة، أكثرهم من المسلمين، وهم يكتبونها بالخط العربي منذ أوائل القرن الخامس للهجرة؛ أي بعد انتشار الإسلام بينهم على يد أمين الدولة الذي غزا كشمير سنة 407ه، وسكان كشمير مشهورون بالجمال وصحة الأبدان، وعدهم العرب من أحسن خلق الله خلقة، واشتهرت بلادهم خصوصا بضرب من الشيلان تنسب إليها، وأكثرهم يشتغلون بحياكتها. (ه) اللغة السندهية السندية
Sindhi
وهي شائعة في بلاد السند، وتنقسم إلى ثلاث لهجات: (1)
لهجة سيريكي
Siraiki
في السند الأعلى. (2)
لهجة لاري
Lari
في دلتا السند. (3)
لهجة تاريلي
Thareli
في صحراء التار
Thar ، ومركزها (أي السندية) مدينة كراتشي (قريبة من دلتا نهر السند)، وقد دخل في هذه اللغة كما دخل في غيرها كثير من الكلمات والتراكيب العربية، وهي تكتب بالحرف النسخي، ويقدر عدد المتكلمين بها بنحو ثلاثة ملايين نسمة. (و) اللغة الجاتكية
Jatki
وهي منتشرة في المولتان وشمال بلوخستان، ومركزها مدينة مولتان؛ ولذا فهي تعرف أيضا باللغة المولتانية
Mύltàni ، وهي تكتب بالخط العربي على شكل الحرف الفارسي، واللغة الجاتكية أو المولتانية هي الفرع الجنوبي من اللسان البنجابي، وتستعمل في جنوب بنجاب، أما الفرع الشمالي منه فهو اللسان الدرجي
Dorgi ، ويستعمل في شمال بنجاب، ويقدر عدد المتكلمين بهاتين اللغتين بنحو 18 مليون نسمة تقريبا. (ز) الملاكية (الملقية)
أو لغة الملايو من اللغات الملايو بولينيزية، وهي شائعة في شبه جزيرة ملقى (ملاك)، وفي أرخبيل ماليزيا (الملايو)، وهي تكتب بالخط العربي إلا أنها، لا تكتب في ملقى كما تكتب في جاوه أو سومطرة؛ لأن لها لهجات مختلفة، وهي اللغة المتداولة في المعاملات التجارية، خصوصا في جزائر الملوك، وقد أثرت مخالطة الأجانب في لغة الملايو، فاقتبست من لغاتهم وآدابهم؛ لذلك تجد بها كلمات كثيرة من أصل هندي (سنسكريتي)، وتأثير السنسكريتية في لغة الملايو أظهر من تأثير العربية، مع أنهم أخذوا عن الإسلام كلمات عديدة أيضا، وتجد بلغة الملايو كلمات من أصل برتقالي أثرا من فتح البرتقاليين لبلادهم.
وقد أخذ الملايو عن العرب حروف الهجاء العربي، وزادوا عليها الأصوات الخاصة بلغتهم، وهي: حرف «چ» جيم فيه ثلاث نقط، وهو ينطق عندهم: «تشا»، و«ڠ» غين عليها ثلاث نقط، وتنطق: «نجا»، و«ڨ» فاء عليها ثلاث نقط، وتنطق: «پا»، و«ڬ» كاف فوقها نقطة، وتنطق: «جا»، و«ڽ» نون بثلاث نقط فوقها، وتنطق: «نيا».
ولا تهمل الكتابة العربية إلا في الممبغ شرق سومطره؛ حيث الكتابة هناك بالأحرف الهندية القديمة، وتكتب الأعداد عند الملايو بأرقام عربية لا هندية، انظر كتاب «أمة الملايو» لصالح جودت بك.
ومن اللغات الهندية التي تكتب بالخط العربي أيضا «لغة الفيليبين »، وسيأتي الكلام عليها بعد. (ح) اللسان الجاوي أو البيجون
Javanese or
الجاوي أو البيجون: هو فرع من لغة الملايو شائع في جزيرة جاوه، وتختلف لهجات الجاويين فيه، فمن هذه اللهجات: «الصندية أو السندية»
Sundancese ، ويتكلم بها ساكنو غرب الجزيرة و«الموديرية»، وهي لغة أهل الشرق منهم ثم «الجاوية»، وهي الشائعة في وسط الجزيرة وفي أنحاء عديدة منها، ولا تزال في هذه اللهجات صبغة السنسكريتية، وللجاويين لهجة عامية يقال لها: «نجوكو»، وهي تختلف اختلافا بينا عن اللهجة الفصحى التي يقال لها: «الكريمة»، وهم يكتبون بهذه اللغة الكريمة قصصهم وأخبارهم وأشعارهم، وبين هاتين اللهجتين لهجة وسطى يقال لها: «المادية»، وكتابة أهل جاوه عربية، ولكن بلغاتهم المتعددة، وهاك حروف الهجاء عندهم: «ا» الألف: وينطقون بها: «إلب»، «ب»: ولهذا الحرف عندهم ثلاث نقط، ولكن ينطقونه مخففا كحرف «ب» عندنا وحرف «
b » الإفرنجي، «ت»، «ث»، «جم»: ينطقونه كالجيم المصرية، أو كحرف «
g » في كلمة «
god » الإنجليزية، «جم» ينطقونه كحرف «ج» عند أهل الشام مسبوقا بحرف «د»، أو كحرف «
g » في كلمة «
age » الإنجليزية، «حم» ينطقونه بصوت بين الحاء والهاء، «حه»: ينطقونه كالخاء العربية ولكن ممالة الفتحة، «د»، «ذ»: ينطقونه كحرف «ج» الموضوع تحته ثلاث نقط في كلمة «چاويش»، «ر»، «ز»: ينطقونه تماما كحرف «
j » الإنجليزي المقارب لنطق أهل الشام في حرف «ج»، «س»: يرسمونه بسنة رابعة إن كان مفردا، «ش»، «ص»، «ض»، «ط»، «ظ»، «عم»: ينطقونه بفتحة ممالة، «غا» لا مثيل لنطق هذا الحرف في اللغة العربية؛ فإنهم يأتون به من أعلى الحلق مع تحريك اللسان رأسيا، فيشابه الراء والغين والنون معا، ويقرب منه نطق الراء عند الفرنسيين المتعاجبين، مثلا كلمة «أورغ» بالجاوية، ومعناها «آدمي» ينطقونها «أورغارن»، «غ» ينطقونه كالفاء العربية، «فا»، «ف» ينطقونه بين حرف «
» و«
V »، «ك»: ينطقونه: «كاب» بتفخيم الكاف، «ق»: ينطقونه «قب» بالتفخيم أيضا، «ل»، «ما»، «ن»، «ها»، «و»، «لا»: ينطقونه (لاآلب)، «ي.»
وليس لأعداد الجاويين أرقام، بل يكتبونها بالحروف الهجائية،
18
أما الخط الجاوي فتكتب به لهجة صولو
Solo dialect ، وهو يقرب في الرسم من ألف باء الهنود القديمة، ولكن هولنده تجتهد الآن في إبطال هذا الخط والاستعاضة عنه بالخط الإفرنجي. (3-3) اللغات الفارسية أو الإيرانية
هي من اللغات الآرية أيضا، وشائعة في بلاد الفرس
19
وأفغانستان وكردستان وبلوخستان والبامير، ويقدر عدد المتكلمين بهذه اللغات بنحو 16 مليون نفس أو يزيدون، ومن فروعها التي تكتب بالخط العربي: (أ) اللغة الفارسية الحديثة
هي شائعة في بلاد فارس، وهي اللغة الرسمية لحكومتي فارس وأفغانستان، وقد ظلت إلى سنة 1831م هي اللغة الإسلامية الرسمية لحكومة الهند الإنجليزية حتى استعيض عنها باللغة الهندية الإسلامية لغة الأوردو
20
المتقدمة، ولم تزل الفارسية لغة الطبقة الراقية في الشرق الأقصى يتخابرون بها إلى الآن.
واللغة الفارسية الحديثة هي لغة الفرس في الإسلام فقط، أما قبل الإسلام أي في العصر الساساني، فكانت اللغة البهلوية أو الفارسية المتوسطة هي اللغة الشائعة في إيران إلى ظهور الإسلام، وبها كانت تدون كتب العلم والدين والسياسة، والفرق بينهما كثرة الألفاظ العربية التي دخلت اللغة الفارسية الحديثة بعد الإسلام، فإن ثلث كلماتها عربي الأصل.
وقد كان الفرس قبل الإسلام يكتبون بالخط الفهلوي (الآتي ذكره) الذي أبدل بالخط العربي بعد رسوخ قدم العرب في فارس، فإن العرب لما فتحوا بلاد فارس في صدر الإسلام، حملوا معهم الخط الكوفي الذي كان شائعا بينهم، فأخذه الفرس عنهم كما أخذه كل من دخل في سلطانهم، ثم أبدل الخط الكوفي بتوالي الأعوام بالخطوط المشهورة (انظر تاريخ الخط الفارسي).
ويزيد الفرس على أحرف الهجاء العربي أربعة أحرف تعرف بذوات النقط الثلاث، وهي: «پ» الباء الفارسية التي تشبه حرف «
» الإفرنجي، وحرف «چ» وينطق: «تش»، وهي الجيم الفارسية، وحرف «ژ» وينطق مثل الجيم المستعملة في لسان السوريين والمغاربة أو كحرف «
J » الإفرنجي، و«ك» جاف وهي الكاف الفارسية وتنطق مثل «
G » الإفرنجية، أو كجيم أهل البحرين المستعملة في القاهرة، فحروف الهجاء الفارسي تتركب الآن من 32 حرفا مع زيادة الأحرف الخاصة بالعربية السالف ذكرها (راجع: فذلكة في تاريخ الخط العربي، الأحرف الخاصة بالعربية واللغات الأخرى).
تاريخ الخط الفارسي وفروعه
الخط الفارسي «التعليق» هو من أنواع الخطوط العربية الهامة، وقد أخذ في النمو والانتشار في أواخر القرن السادس للهجرة (الثاني عشر للميلاد تقريبا )، إلا أن ابتداء ظهوره كان بلا شك قبل ذلك العصر، وميزة هذا الخط هو ميله إلى الاتجاه من اليمين إلى اليسار ومن أعلى إلى أسفل، ذلك الميل الذي لم يعمل فقط على تطويل بعض حروفه نهائية فيه مثل «با وب وت وث وف وق وك»، بل أوجب أيضا تغيير حرفي «س وش» إلى خط طويل منحن، وجعل لارتباط الحروف الأخر ببعضها خط يشبهه، وهذا الشكل الخاص أخذه الخط العربي طبعا على أيدي الفرس تحت تأثير خطهم الوطني القديم (البهلوي)، ويقول صاحب «الفهرست» في كلامه على أنواع الخطوط: إن الفرس اشتقوا خطهم من خط القرآن المسمى «بالقيراموز»، إلا أننا لا نعرف اليوم شكل هذا النوع من الخط، ولا معنى لفظه، وأقدم أثر للخط الفارسي هو عقد بيع تاريخه سنة 401ه/1010-1011، نشره الأستاذ مرجليوث في المجلة الآسيوية الملوكية سنة 1910 (صفحة 761 وما يتبعها)، ويتبين منه جليا أول علامات خط التعليق، ويأتي بعده في القدم كتاب للبيهقي بخط يده وجد في نيشابور، ويقرب تاريخه من سنة 430ه، وبه الميل الذي يميز خط التعليق المتأخر، ثم يتلوهما في القدم أيضا كتاب «الأبنية» للموفق الهروي الذي تاريخه سنة 447ه /1055-1056م، وهو مكتوب بالخط الكوفي الفارسي، أما الطريقة الفارسية في تنقيط الأربعة الأحرف السالفة الذكر التي يزيدها الفرس على أحرف الهجاء العربي، فإنه زاد انتشارها، وإن لم يكن استعمالها منتظما دائما، فقد كانوا أحيانا يهملون النقط الثلاث التي على كل حرف منها، وينطقونها كنطقها الأصلي، أي إنهم يسقطونها في الكتابة ولا يهملونها في النطق، وفي أواخر القرن السابع (الثالث عشر للميلاد) ظهر الخط الفارسي في الكتب، ولا سيما في كتب الدواوين والأشعار، أما الكتب العلمية والدينية على الأخص كالقرآن وكتب الحديث وغيره فكانت تكتب كما في السابق بشكل خاص من الخط النسخي المستطيل، إلا أنه مما يدعو إلى العجب أن التراجم والشروح المتأخرة العهد التي بين سطور القرآن وهوامشه كانت تكتب في الغالب بخط التعليق الذي كان يعتبر خطا عاميا.
وقد وصل الفرس بالخط إلى درجة عالية من الإتقان والجودة، لاستعدادهم الطبيعي للفنون، إلا أن آثارهم الكتابية في العصور القديمة قليلة العدد للأسف؛ ولذلك فيصعب الإلمام بفكرة تامة على أعمال الخطاطين الفارسيين، ومن أشهرهم في ذلك العهد نجم الدين أبو بكر محمد الراوندي الذي وصل في فن الخط إلى درجة أنه كان يعرف الكتابة على 70 نوعا مختلفا،
21
أما الباقي الآن من المخطوطات الفارسية فأكثره متخلف عن العصر المتأخر الذي ظهر في حدوده بلا شك «خط النستعليق»، وقد عرفناه فيما سبق بالخط الفارسي المنسوخ؛ لأنه يتركب منهما كما يتكون منه اسمه من إدغام كلمة «نسخي» بكلمة «تعليق»، وهذا الخط هو نوع من التعليق، وليس بينهما فرق جوهري، وقد انتشر بعده للاستعمال في المعيشة العادية خط الشكستيه
Shikesteh
أي المكسر، وهو خط صغير رفيع وعقده المرتبطة ببعضها تجعله بمعزل عن كل قواعد علم الخط، كما أن خلوه من الإعجام يجعله صعب القراءة جدا، ويلاحظ أنه في الأزمان الحديثة أخذ في تهذيب هذا النوع من الخط، حتى تذلل صعوبة قراءته.
والفرس الحديثون يسمون «نستعليق» الخط الذي يسميه الأوروبيون «تعليق»، والتعليق عند الفرس الآن هو نوع من خط التوقيع القديم المخصص للأعمال الرسمية، ومن أنواع الخط النستعليق القديم نوع يقال له: «التحريري»، وهو يستعمل في المراسلات الآن عند الفرس.
هذا، ومن بلاد فارس انتشر الخط العربي في شرق آسيا وشرقها الجنوبي حتى الصين، ونشر الفرس خطهم أيضا بين مسلمي الهند الذين يعنون باللغة الفارسية كعنايتهم باللغة العربية، والخط السائد عندهم الآن هو التعليق، أما النسخي فهو غير مستعمل عندهم إلا في الكتب الدينية والشرعية، كما هو عند الفرس والأتراك، ومثل الهند أرخبيل الملايو فإنه لم يدخله الإسلام إلا على أيدي الفرس، ثم حل محلهم بعد ذلك عرب الجنوب الذين أتوا إليه بصفة تجار وملاحين في ابتداء القرون الوسطى، ثم كثرت مهاجرتهم إليه من جنوب جزيرة العرب، فأقاموا في عدة أماكن من الساحل الشمالي لجزيرة جاوه مما ساعد على سرعة انتشار الإسلام في هذه البلاد، ويظهر أنه لا يوجد هناك آثار قديمة للخط العربي، إلا أنه يتبين جليا من الخط الحديث أنه آت من جنوب جزيرة العرب وليس من بلاد فارس، فسكان جنوب بلاد العرب وشرقيها (عمان) هم الذين حملوا الخط إلى بلاد الملايو، كما حملوه أيضا إلى شواطئ أفريقيا الشرقية.
22 (ب) اللغة الأفغانية أو البنبتوية
23 (البشتوية)
تدعى أيضا بالبختوية، وهي شائعة في مملكة أفغانستان، وتكتب بالحرف النسخي، وحروفها أكثر من حروف اللغة الفارسية وغيرها من اللغات التي تكتب بالخط العربي، وقد دخلها كثير من الكلمات الفارسية والعربية، وهي في غاية الخشونة، وأحسن من يتكلم بها أهل مدينة قندهار، وتوجد مؤلفات كثيرة بهذه اللغة نظما ونثرا، وقبل القرن الخامس عشر للميلاد لم يكن في اللغة الأفغانية شيء من الآداب، ولكن بعد ذلك الوقت نبغ من أهلها شعراء اتبعوا في شعرهم شعراء الفرس، فتاريخ اللغة الأفغانية قبل ذلك الوقت مظلم؛ ولذلك يصعب معرفة الوقت الذي ابتدأت فيه كتابتها بالخط العربي، وهي على كل حال تكتب به بعد فتوح العرب لبلادها وانتشار الإسلام بين أهلها، وذلك من قرون عديدة.
ويزيد الأفغان على حروف الهجاء العربي 12 حرفا، وهي: «ټ» التاء الموصولة بدائرة من أسفلها، وتنطق عندهم مثل التاء المضعفة «
tt »، و«ڂ» الحاء بنقطتين فوقها، وتنطق مثل «تز
tz ، أو تس
ts »، و«څ» بثلاث نقط وتنطق مثل «دز
dz » أو «دس
ds ». و«ډ» الدال الموصولة بدائرة من أسفلها وتنطق مثل الدال المضعفة «
dd ». و«ړ» الراء الموصولة بدائرة من أسفلها وتنطق مثل الراء المضعفة «
rr »، و«ږ» بنقطتين واحدة من فوقها والأخرى من تحتها وتنطق مثل «شز
jz ». والحرف المشروح في الهامش، و«ڼ» النون الموصولة بدائرة من أسفلها وتنطق مثل الراء المضعفة والنون «
rrn »، ثم الأربعة الأحرف الفارسية، فتكون حروف الهجاء الأفغانية أربعين حرفا، ويقدر عدد المتكلمين باللغة الأفغانية بخمسة ملايين نسمة من المسلمين.
ويستعمل أهل «اللهجات البميرية» اللغة الأفغانية في الكتابة بالخط العربي، أما لهجاتهم فلا يكتبون بها مطلقا، واللغة الأفغانية تستعمل في الهند أيضا، ويقدر المتكلمون بها بنحو 1081000، بخلاف اللغة الفارسية فإنها لا تستعمل هناك إلا بشكل لغة أدبية أو علمية عند المسلمين. (ج) اللغة الكردية
هي لغة الكرد أو الأكراد التي نبغ من أبنائها أمثال صلاح الدين الأيوبي صاحب الفتح القدسي، وهي منتشرة في بلاد كردستان في أرمينيا وبلاد الجزيرة، ومركزها مدينة كرمنشاه
Kirmanshah ، وأهم لهجاتها هي اللهجة الكردية الفارسية المستعملة في بلاد فارس، واللغة الكردية تختلف باختلاف أماكن أهلها، فكم من كلمات وألفاظ تستعمل عند طائفة ولا تستعمل عند الأخرى، أو تستعمل لكن مع تغيير في اللفظ أو في المعنى وهكذا، وقد دخل في اللغة الكردية كلمات وتراكيب كثيرة من العربية والفارسية والتركية، غير أن الكلمات العربية فيها أعم من الفارسية، أما التركية فهي أقل منهما، ويندر أن يكون قد دخلت فيها كلمات من غير هذه اللغات الثلاث.
ويكتب الأكراد بالخط العربي من زمان بعيد، قال ضياء الدين باشا الخالدي «ولم نجد للأكراد خطا مستقلا، بل يكتبون بالخط العربي ما أرادوا منذ قرون عديدة»، ويزيد الأكراد على حروف الهجاء العربي خمسة أحرف وهي: «ڤ» الفاء بثلاث نقط، وهي تشبه حرف «
V » الإفرنجي، ثم الأربعة الأحرف الفارسية السالفة الذكر، قال ضياء الدين باشا: «ويوجد في العربية ما ليس في الكردية، وذلك ثلاثة أحرف: الثاء والذال والضاد المعجمات، وأما باقي الحروف فيوجد في الكردية إلا أن حرف الظاء المعجمة لا يتلفظون به كالعرب، بل كتلفظ العامة؛ نعني من غير إخراج اللسان بين الأسنان.»
ويقدر عدد المتكلمين بالكردية بنحو مليون ونصف مليون. وقد دون نحو هذه اللغة وألفاظها على حروف المعجم مع ترجمتها إلى العربية المرحوم يوسف ضياء الدين باشا الخالدي بكتاب سماه «الهدية الحميدية في نحو اللغة الكردية» سنة 1310، بعد سفره لبلاد الأكراد واشتغاله السنين الطوال بترتيب هذا القاموس. (د) اللغة البلوشية (البلوخستانية)
منتشرة في بلاد بلوخستان ومكران (إقليم في جنوب بلاد العجم)، وهي قريبة جدا من الفارسية الحديثة، ومن بعض لهجات اللغة الكردية، وقد دخلها من اللغات الأخرى ألفاظ كثيرة، فالمختص منها بالديانة مأخوذ من اللغة العربية، والمختص بالتجارة وبالحرف وغيرها مأخوذ من اللغات الهندية.
ويزيد البلوخستانيون على أحرف الهجاء العربي سبعة حروف، وهي: الأربعة الأحرف الفارسية ثم الثلاثة الأحرف الهندية المتقدم ذكرها . (3-4) اللغات الأفريقية
وهي منتشرة في أفريقيا، ومن فروعها اللغات اللوبية، ومنها لغات البربر في المغرب الأقصى واللغات النوبية في بلاد النوبة والسودان المصري، ومنها الفولحية في غرب أفريقيا، واللغات الزنجية في أواسط أفريقيا وغربيها في السودان الفرنسي وغانه، واللغات البانتيه (البانتو) في شرق أفريقيا وجنوبيها وغيرها، ومن لغاتها التي تكتب بالخط العربي هاك أشهرها: (أ) اللغة البربرية الشلحية
Shilha
من اللغات الحامية، وهي لغة البربر سكان مراكش الأصليين، وهي مستقلة بألفاظها وتراكيبها مع ما دخلها من الألفاظ العربية، وهي على قسمين: الشلحية الشمالية، وتسمى بالريفية
Rifi
24
وتستعمل عند بربر الشمال، والشلحية الجنوبية وتسمى بالسوسية
Susi ، وتستعمل عند بربر الجنوب، وكلتا اللهجتين تختلفان عن بعضهما حتى في قاعدة الخط ورسم الحروف، ويسمي شلوح (بربر) مراكش لهجتهم باسم تمازغت،
25
وهي أخت لهجة توارك الصحراء
26
المسماة تماشك، وفي لغة المراكشيين العربية كثير من الألفاظ البربرية، وهي عند العامة هناك فاسدة، فتغيرت المعاني عن حقيقة وضعها، ودخلها الانتحال والنطق بالساكن والإشمام والجزم والترخيم، وألحقوا نقطة «شي» على آخر الأفعال، وأدخلوا كافا على صيغة المضارع مثل كنكتب وهو دلالة على الاستمرار، وأبدلوا هاء الغائب واوا مثل كتابو أي كتابه، وذالهم دالا وثاءهم تاء، ومع ذلك فإن العربية الفصحى تدرس ويتكلم بها العلماء، ويتكلم بالبربرية أقل من ثلثي السكان. (ب) اللغة البربرية أو القبائلية
Kabyli
من اللغات الحامية، وهي لغة القبائل أو البربر سكان الجزائر الأصليين، والمراد «بالقبائل» في العرف القبائل التي ليست عربية، وهي النازلة بالجبال القريبة من الساحل غربي مدينة الجزائر وشرقيها.
شكل 2-4: الكتابة المغربية الحسنة. وتقرأ هكذا: «قال أبقراط رحمه الله العمر قصير والصناعة طويلة والوقت ضيق والتجربة خطر والقضاء عسر».
والكلمات العربية كثيرة في اللغة القبائلية، واللغة العربية منتشرة في بلاد الجزائر أكثر من البربرية؛ لأن كثيرا من القبائل وأفخاذها الذين هم من أصل بربري قد استعملوا العربية لغة لهم دون البربرية، بخلاف القبائل العربية فإن القليل منها قد استعمل البربرية لغة له مع العربية.
ومن الجدير بالذكر أنه لا يعرف من تآليف هذا اللسان (أي اللسان البربري) إلا حكايات وأمثال جمعها العلماء المستشرقون، وقد ترجم بعض البربر القرآن الشريف إلى لغتهم، وأخرجت كذلك كتب الحديث والفقه من العربي إلى البربري مكتوبة بالخط العربي في أيام الموحدين المتسلطين على المغرب والأندلس من سنة 524ه إلى سنة 667ه، وكره ذلك منهم القانطون في العلم ذو الغيرة على الدين، فأفنوا كتبهم هذه وأبادوها ولم يحللوا لهم درس الحديث والفقه بغير اللغة العربية.
شكل 2-5: الكتابة المغربية العالية. تقرأ هكذا: «إن أبقراط لم يأذن لمن دعته شهوته إلى الشرب أن يشرب أو لا يشرب، لكنه إن شرب ونام بعد شربه فإنه أجود من أن لا ينام؛ وذلك لأن النوم يتدارك ضرر الشرب، وذلك أن العادة لم تجر بالشرب بالليل، فإذا شرب فيه فلا محالة أن ذلك الشرب يحدث في الهضم فجاجة وفسادا، كحال الماء البارد إذا صب في قدر فيها طعام وهو يغلي على النار».
ويكتب أهل المغرب من البربر وغيرهم بالخط العربي منذ أواخر القرن الأول للهجرة؛ أي من الوقت الذي اعتنقوا فيه الإسلام آخر مرة، بعد أن دوخوا أهله؛ وذلك لأن البربر قوم أشداء، وهم قبائل شتى مثل قبائل العرب الرحل، وقد قاسى المسلمون في إخضاعهم عذابا شديدا؛ لأنهم ارتدوا عن الإسلام اثنتي عشرة مرة، وثبتوا فيها كلها على عداوة المسلمين، ولم يثبت إسلامهم إلا في أيام موسى بن نصير في أواخر القرن الأول للهجرة، وللبربر فضل كبير في نشر الإسلام بأواسط أفريقيا، مثل فضل الأتراك في نشره بأواسط آسيا إلى الهند والصين؛ لأن البربر لما ثبت الإسلام فيهم نهضوا لفتح ما وراء بلادهم في أفريقيا الغربية، فنشروا الإسلام هناك.
وأهل المغرب يكتبون القاف بصورة الفاء، والفاء بصورتها، ولكنهم يضعون نقطتها من تحت هكذا «ڢ»، ويصورون الدال والذال هكذا « » (انظر شكل
2-5 )، ويزيدون على أحرف الهجاء العربي: «ك» فوقها ثلاث نقط، و«ڮ» تحتها ثلاث نقط، و« » جيم فوقها ثلاث نقط، و«ڤ» فاء فوقها ثلاث نقط ، وكلها تلفظ كالكاف الفارسية، وتسمى هذه الأحرف «بالجاف البربرية»، وخطهم يسمى بالخط المغربي، وسنأتي على تاريخه هنا ، وهم يميلون كالترك بالضاد في النطق نحو الظاء، وترتيب حروف الهجاء عندهم مخالف لترتيبها عندنا (انظر: [فذلكة في تاريخ الخط العربي: (4) الأحرف الخاصة بالعربية واللغات الأخرى]).
تاريخ الخط المغربي وفروعه
الخط المغربي هو من أهم أنواع الخطوط العربية وأقدمها عهدا وأكثرها انتشارا، فهو منتشر الآن في جميع أنحاء أفريقيا الشمالية (غير مصر) وبعض جهاتها الوسطى والغربية، وقد كان مستعملا في إسبانيا في القرون الوسطى (شكل
2-6 )، ولم يزل كذلك حتى أوائل العصر الحديث، كما سيأتي في الكلام على «انتشار الخط العربي قديما بأوروبا».
شكل 2-6: الخط المغربي الأثري. هذه الكتابة مأخوذة من قصر الحمراء بالأندلس (
A Dictionary of Islam, by T.P. Hughes P.688, London 1885 )، وهاك تفسيرها: «يا وارث الأنصار لا عن كلالة تراث جلال تستخف الرواسيا.»
والخط المغربي مشتق من الخط الكوفي القديم، وأقدم ما وجد منه لا يرجع إلى ما قبل سنة ثلاثمائة للهجرة (912م)، وقد كان يسمى هذا الخط «بخط القيروان» نسبة إلى القيروان عاصمة المغرب بعد الفتح الإسلامي المؤسسة سنة 50ه/670م، فقد اكتسبت هذه المدينة أهمية سياسية كبرى عندما انفصل المغرب عن الخلافة العباسية، وصارت عاصمة الدولة الأغلبية ومركز المغرب العلمي لإنشاء جامعتها الكبرى، فتحسن بها الخط المغربي تحسينا عظيما وعرف بها.
ولما انتقلت عاصمة المغرب من القيروان إلى الأندلس ظهر فيه خط جديد سمي «بالخط الأندلسي أو القرطبي»، وهو مستدير الشكل بعكس خط القيروان الذي كان مستطيله أبدا، وقد ذكر ابن خلدون في المقدمة أن الخط الأندلسي انتشر بشمال أفريقيا فتغلب على الخط الأفريقي، وعفا عليه ونسي خط المهدية، حتى إذا تقلص ظل الدولة الموحدية بعض الشيء نقص حال هذا الخط، وفسدت رسومه، وزاد أيضا أنه في دولة بني مرين «صارت الخطوط بإفريقية والمغربين مائلة إلى الرداءة بعيدة عن الجودة، وصارت الكتب إذا انتسخت فلا فائدة تحصيل لمتصفحها منها إلا بالعناء والمشقة؛ لكثرة ما يقع فيها من الفساد والتصحيف وتغيير الأشكال الخطية عن الجودة، حتى لا تكاد تقرأ إلا بعد عسر»، ويقصد ابن خلدون طبعا بهذا الخط المتأخر تاريخا هو خط مراكش المسمى «بالخط الفاسي» نسبة إلى فاس ثالثة عواصم المغرب العلمية، مع أنه لو قورن بالخط الإسبانيولي لظهر حقيقة أنه أردأ منه، إلا أن هذا لا يمنع من أن يكون حكم ابن خلدون قاسيا جدا؛ فإن الخط الفاسي المستعمل في الكتب ليس فقط يمكن قراءته، بل هو جميل غالبا.
وقد تولد من الخط المغربي هذا خط جديد انتشر في جميع أنحاء السودان؛ وذلك لانتشار الإسلام في تلك الأصقاع على يد أهل المغرب كما سلف، فإنه منذ القرن السابع للهجرة (الثالث عشر للميلاد) تمكن الإسلام من أن يوجد في أواسط أفريقيا عدة حكومات مهمة نوعا، مركزها مدينة تمبكتو المؤسسة سنة 610ه/1213-1214م، فصارت هذه المدينة هي المركز العلمي الرابع للمغرب لإنشاء مدرسة عظيمة بها، وقد حفظت أهميتها هذه حتى القرن العاشر للهجرة على الأقل، فنشأ هناك نوع جديد من الخط سمي «بالخط التمبكتي أو السوداني»، وهو يمتاز عن غيره بكبره وغلظه، (وتوجد نماذج من هذا الخط ومن خط فاس أيضا في كتاب هوداس المسمى «بحث على الخط المغربي في المتفرقات الجديدة الشرقية»،
27
لوحة 3 شكل 1و2، وأيضا في كتاب برسنيه المسمى «دروس اللغة العربية» ص148 وما يليها).
فيوجد الآن في أفريقيا أربعة أنواع مختلفة من الخط المغربي وهي: (1)
الخط التونسي: الذي يشابه كثيرا الخط المشرقي، غير أنه يتبع الطريقة المغربية في تنقيط الفاء والقاف، وقد مر ذكرها. (2)
الخط الجزائري
Algérienne : وهو على العموم حاد ذو زوايا، وصعب القراءة غالبا. (3)
الخط الفاسي
Fezzane : الذي يمتاز صريحا عن غيره باستدارته. (4)
الخط السوداني
Soudanaise : وهو على العموم غليظ وثقيل، وغالبا ذو زوايا أكثر مما هو مستدير، وقد انتشر هذا الخط انتشارا عظيما في النصف الثاني من القرن الثاني عشر بانتشار الإسلام وتقدمه بين الشعوب الزنجية في وسط أفريقيا، وخصوصا الحوسة
Haoussas
الآتي ذكرهم، فوصل في الجهة الغربية إلى المحيط، حيث صارت مدينة لاغوس
Lagos
مركزا جديدا للإسلام، ومن الجهة الشرقية إلى مدينة واداي حيث التقى بالخط النسخي الآتي من مصر.
28
ويستخدم الجزائريون والمراكشيون الآن الأرقام الإفرنجية بدلا من الأرقام الهندية التي يستعملها العرب، وذلك على أثر اختلاطهم بالبرتقاليين بسبب الفتوح، وقد كانوا يستخدمون الأرقام العربية قبل ذلك، ولا يعلم متى استخدموا الأرقام الإفرنجية، ولكنهم استخدموها من عدة قرون. (ج) اللغة النوبية
Nubian
من اللغات الليبية الإسلامية، وهي لغة البرابرة سكان وادي النيل بين الشلال الأول والرابع، والنوبة (أو البرابرة) ربما بلغ عددهم الآن أكثر من نصف مليون، وهم خليط من ثلاثة أجناس: النوبة الأصليين والعرب والأتراك، وكلهم يتشابهون خلقة ولونا، أما النوبة الأصليون فهم الآن نفر قليل اعتنقوا الإسلام بعد أن تغلب عليهم المسلمون سنة 717ه/1318م، لكنهم بقوا محافظين على لغتهم، واتخذ العرب الفاتحون لغة النوبة، وكذلك فعل الأتراك، على أن العرب والأتراك منهم يتكلمون العربية أو التركية، ولكنهم يتكلفون في نطقها كما يتكلف غريب اللغة، أما العرب الذين يتكلمون لغة النوبة فاستوطنوا البلاد بعد الفتح الإسلامي لها، وهم القسم الأكبر، وأما الأتراك فهم الذين استوطنوا البلاد بعد أن فتحها السلطان سليم الفاتح سنة 1520م، وهم أقل من العرب وأكثر من النوبة، وقد بقيت البلاد في حوزتهم إلى أيام محمد علي باشا، وكان للنوبة لغتان من أيام المقريزي، كما ذكر في «تاريخه» ولا يزال لهم لغتان إلى الآن، فالأولى «لغة سكوت
29
والمحس»، وهي لغة النوبة في هذين البلدين بين الشلال الثالث والسبوع، والثانية «لغة أهل دنقله»، المسماة لغة فديدجا
Fadidja
في جنوبيهم، «والكنوز» المستعملة ببلدة الدر في شماليهم، فلغة أهل القسم الشمالي وهي لغة الكنوز مثل لغة القسم الجنوبي لغة دنقله، وكلتاهما تخالف لغة القسم المتوسط بينهما وهي لغة سكوت والمحس، والفرق بين هاتين اللغتين لفظا ومعنى كالفرق بين الفرنسية والإيطالية، وذلك الفرق آت - من غير شك - من امتزاجهم واختلاطهم على نوع ما بالعنصر العربي، فإن من مخالطة النوبة للعرب ترى أكثرهم يتكلمون العربية كما يتكلمها الأعاجم.
وثلث كلمات اللغة النوبية تقريبا عربي، وهم في الغالب يزيدون لفظة «كا» على كل كلمة عربية فيقولون في باب: «بابكا»، وفي حصير : «حصيركا»، وهكذا،
30
ولا يعرف الزمن الذي ابتدءوا فيه بكتابة لغتهم بالخط العربي، والأرجح أنه كان ذلك بعد أن اختلطوا بالعرب وشاع الإسلام بينهم، إلا أن المؤلفات في لغتهم قليلة جدا، بل نادرة.
وقد اطلعت على إنجيل مرقس مترجم إلى لغة فديدجا البربرية الدنقلية ومكتوب بالخط العربي، وقد طبعت هذه الترجمة جمعية الكتب المقدسة الإنجليزية في المطبعة الإنجليزية بمصر سنة 1906م، وهاك عنوانها أمثولة لهذه اللغة: «مرقسن إنجيلن، إنجيل يسوع المسيحن لن مرقسن قايسين نقتا، مصر لي طبعكن إنجليزن كدن مطبعة لا، كتب مقدس إنجليزن جمعيتن صرف لق سنة 1906م»، وقد زادوا في هذه الترجمة على حروف الخط العربي أربع علامات أشاروا إليها في أول الترجمة. (د) اللغة الحوسية
Hausa
من اللغات الزنجية، وهي شائعة في مملكة حوس (أو حوسة) من السودان الغربي بين نهر النيجر وبحيرة تشاد، وكانت عاصمة هذه المملكة الإسلامية قبل دخولها في نفوذ بريطانيا من مستعمرة النيجر هي مدينة سكت «سقطو
Sokoto » الشهيرة؛ ولذا تسمى هذه اللغة أيضا «بلغة سقطو»، وهي مزيج من أصلين زنجي وحامي أو سامي، يتكلمها عدة ملايين غير الحوسة التي هي أكبر أمم أفريقيا اليوم وعددها نحو 15000000 (مليون) نسمة.
وتعرف أمة حوسة بأنها الساعد القوي لأمة الفلاته (الفلبوسيين)، القائمة برفع راية الإسلام ونشره في تلك البقاع، والحواسة عموما قديمو عهد بالإسلام، ولهم حرص على نشره وتعليم لغته وخطه.
قال الكونت هنري دي كاستري في كتابه «الإسلام» (الذي ترجمه إلى العربية المرحوم أحمد فتحي زغلول باشا): «الفلبوس وهو رجل الحرب والفتوح، ولا يستقر به القرار إلا إذا آمن وتمكن، والخواصة (الحواسة) هم أهل المعارف والعلوم في السودان، حتى كأنهم احتكروها، إلا أن علمهم قاصر على شيء يسير كالقراءة والكتابة في اللغة العربية، وهو كاف لنفوذهم في الوثنيين؛ لأن هؤلاء يعظمون الكاتب والقارئ إلى درجة العبادة تقريبا.
فالفلبوس هم أنصار الإسلام في الحقيقة، والحواسة منهم بمنزلة الوعاظ والفقهاء.»
وقال العلامة روبنصن في مقالة كتبها في مجلة القرن التاسع عشر: «ولغة حوسة مكتتبة، وهي اللغة الوحيدة المكتتبة من لغات أفريقيا شمال خط الاستواء عدا العربية والحبشية، وحروفها هي الحروف العربية، وقد كتبوا بها تواريخ وقصصا ودواوين، وقد أخذت الحكومة الإنجليزية تهتم بأمر هذه اللغة؛ لأن المتكلمين بها في البلاد التي في منطقة النفوذ البريطاني يبلغون خمسة عشر مليونا، ولا بد من أن تتوحد لغات أفريقيا يوما ما؛ أي يموت الضعيف منها ويخلفه القوي، فيبقى أربع لغات فقط، وهن العربية في الشمال والإنجليزية في الجنوب والسواحلية في الشرق والحوسية في الغرب، والآن إذا عرف واحد لغة حوسة أمكنه أن يخترق أفريقيا من الغرب إلى الشرق، فيجد حيثما حل أناسا يتكلم معهم من تجار حوسة وحجاجهم.»
واللغة الحوسية تستعمل للمراسلات التجارية والإدارية في مملكة حوسة والبلاد المجاورة، فهي قد أصبحت عندهم لغة المخابرات السياسية كالفرنسية في أوروبا والفارسية في الشرق الأقصى، وهم يكتبونها بالنوع المعروف بالخط «السوداني أو التمبكتي» المتفرع عن الخط المغربي، وقد تقدم ذكره عند الكلام على الخط المغربي وفروعه (راجع: فذلكة في تاريخ الخط العربي، تاريخ الخط المغربي وفروعه). (ه) اللغة السواحلية
Swahili
31
أو الجزراتية من اللغات البانتية، وهي أبعد لغة شمالا من الفرع الشرقي للبانتو، وهي شائعة في مملكة زنجبار
32
وما والاها من شرقي أفريقيا وجزائرها كجزائر القمر وغيرها، وكانت نتيجة انتشار الإسلام في هذا الجزء من أفريقيا أن صارت هذه اللغة عامة الاستعمال في العلاقات بين القبائل وبعضها في جميع أفريقيا الشرقية، وبصفتها لغة تجارية تفهم على بعد ألف فرسخ من مهدها، فإنها تفهم في المواني والثغور الكائنة على شواطئ الصومال وعدن ومسقط إلى بومباي وناتال ومدغسكر، ثم في داخل أفريقيا فتستعمل عند شواطئ بحيرة تنجانيكا (تنجنيقا) وبحيرة نيسا وفيكتوريا نيانزا والكنغو الأسفل، فصارت لغة إلزامية لكل من أراد الدخول في علاقات مع القبائل الكائنة في تلك الجهة من أفريقيا، فهي على العموم اللغة السائدة في شرقي أفريقيا الوسطى.
والسواحليون لا يزيد عددهم عن مليون نفس، لكنهم اشتهروا بالتقدم على سائر أمم البانتو بسبب إسلامهم، وقد دخل إليهم على يد حمزة أخي الخليفة عبد الملك سنة 86ه، ونظرا لاحتكاكهم المتواصل بالعرب تعربوا بعاداتهم وديانتهم وآدابهم، وقد دخل في اللغة السواحلية كثير من الألفاظ العربية والفارسية وبعض الألفاظ الإفرنجية في العهد الأخير. (و) اللغة الملجاشية
وهي لغة التجارة والسياسة في جزيرة مدغسكر، ولا تستعمل خارج هذه الجزيرة، وهي لغة بعض القبائل فيها فقط، غير أن سائر القبائل المدغسكرية لا يستعملون لهجاتهم إلا في المحادثة فقط، فإن أرادوا الكتابة لجئوا إلى الملجاشية بالخط العربي.
والملجاشية واحدة في الجزيرة كلها، وحقيقتها - كما جاء في دائرة المعارف الفرنسية - أنها فرع من لغة الملايو، وقد دخل فيها عدد عظيم من الكلمات والتراكيب المأخوذة عن اللغة السواحلية والعربية وعن اللهجات الأفريقية، ويقدر عدد الذين يستخدمون هذه اللغة بنحو مليوني نسمة.
والخط العربي هو أهم أثر حفظه الملجاش عن الإسلام، فإن الإسلام لما دخل إلى مدغسكر على أيدي العرب ترك فيها آثارا مهمة تدل على احتكاك دام مدة طويلة، فقد أثر في لغتهم تأثيرا ظاهرا، وخصوصا في لهجات الأقاليم الساحلية التي اغتنت بالألفاظ العربية العديدة،
33
ثم صارت تكتب هذه اللغة بالخط العربي، وتعرف لذلك «بالملجاشية العربية
Arabico-Malgaches » أي الملجاشية المكتوبة بالخط العربي، وقد عم استعمال الخط العربي أولا عند قبائل السواحل الجنوبية الشرقية والشمالية الغربية، ثم انتشر في كل الجزيرة، وبالإجمال فإن القبائل الإسلامية الملجاشية تلقفت حروف القرآن من العرب وحافظت عليها؛ وذلك لأن الملجاش كانوا قبل دخول الإسلام إلى بلادهم لا يستعملون الكتابة، فكانت آدابهم غير مدونة، ولم تبتدئ الكتابة عندهم إلا بعد رحلات العرب إلى بلادهم.
وننقل هنا الحروف التي يزيدها الملجاشيون على حروف الهجاء العربية أو التي تختلف عنها نطقا أو كتابة عن كتابات الأستاذ جبرائيل فراند
Gabriel Ferrand
عن الإسلام في مدغسكر.
وهذه الحروف قسمناها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
الحروف التي يزيدونها على الهجاء العربي، وهي: «ر» أو«ر، » الراء بفتحتين أو بشدة عمودية أو رأسية فوقها، وهي تنطق عندهم: «تر» أو «در»، و« » الطاء بنقطة تحتها، وتنطق عندهم كالتاء.
القسم الثاني:
الحروف التي يغيرون نطقها ولا يغيرون رسمها، وهي:
يكتبون «ت» التاء وينطقونها: «تس
ts ».
يكتبون «ج» الجيم وينطقونها: «دز
dz »
يكتبون «ض» الضاد المعجمة وينطقونها: «ڨ
v ».
يكتبون «ع» العين المهملة وينطقونها: «ن» أو «نجا» كنطق الغين بثلاث نقط «ڠ» عند الملايو.
يكتبون «ف » الفاء وينطقونها: «پ
p ».
يكتبون «و» الواو وينطقونها: «و» أو «ڨ
v ».
يكتبون «ي» ياء وينطقونها: «ي» أو «ز
z » أو «دز
dz ».
القسم الثالث:
الحروف التي يغيرون رسمها ولا يغيرون نطقها، وهي:
الدال المهملة ويكتبونها هكذا: « » وتنطق: دال.
الصاد المهملة ويكتبونها هكذا: « » وتنطق: صاد.
وهناك مخطوطات كثيرة ملجاشية مكتوبة بالخط العربي بعضها في مكتبة باريس الأهلية.
34 (ز) اللغات الحبشية وغيرها
وقد انتشر الخط العربي أيضا في بلاد الحبشة وما جاورها بانتشار الإسلام فيها، وذلك أن بعض أمراء المسلمين نزلوا الحبشة في القرون الأولى للإسلام، وأنشئوا فيها إمارات إسلامية في هرر وحماسن وجيما وأواسة وغيرها، لكنها لم يطل استقلالها، فذهبت، ولكن الإسلام ظل منتشرا بين أهلها يزداد فيها كل يوم، ويقدرون عدد المسلمين هناك بثمانية ملايين نسمة.
قال صادق باشا المؤيد في كتابه «رحلة الحبش» الذي وضعه بعد عودته من سفارته ببلاد الحبشة سنة 1908م: «ويسمى مسلمو الحبش هنا «جبرتي» أي الحبشي المسلم، والجبرتيون متدينون متمسكون بعاداتهم القومية والدينية، أصحاب غيرة وشجاعة، ويشتغلون بالتجارة والصناعة.»
والمسلمون في الحبشة وإن كانوا تحت سلطة المسيحيين إلا أنهم أرقى منهم عقلا وأدبا، فقد كتب روبل في سياحته إلى الحبشة سنة 1838 أن الأحباش المسلمين أقدر على العمل، وأسمى مدارك، وأكثر تهذيبا وعلما من الأحباش المسيحيين، وقال نحو ذلك أيضا فون هوغلين سنة 1868 وغيره، فالمسلمون إلى الآن في بلاد الحبشة يكتبون لغاتهم أو لهجاتهم الحبشية بالخط العربي دون الخط الحبشي، كما في بلاد الشوا
Shoa ، وهي المملكة الجنوبية للحبشة، فإن المسلمين فيها يستعملون الخط العربي لكتابة اللغة الأمحرية
Amharic
الشائعة في بلاد الحبشة الآن، وكذلك الهرريون
Hurari
أهل مدينة هرر في شرق الحبشة، فإنهم يكتبون به لغتهم أيضا، كما قال الدكتور كوست في كتابه «لغات أفريقيا الحديثة»:
35 «ويكتب مسلمو الشوا اللغة الأمحرية بالخط العربي، ويستعمل الهرريون هذا الخط أيضا لكتابة لغاتهم»، وأشار إلى كتابة هذه اللغة الأخيرة بالخط العربي أستاذنا الدكتور لتمن
Enno Littmann
في محاضراته قال: «وقد قرأت غناء هرريا
36
مكتوبا بالخط العربي».
ومن الأمم الحبشية التي تستعمل الخط العربي أيضا أمة آغو والغالا، وسيأتي ذكرها بعد.
ومما يدل عي انتشاره في أفريقيا استعماله عند الأمم الكوشية، وهي: أمة البجة في جنوب النوبة، وأمة سوهو في جنوب مصوع على البحر الأحمر، وأمة دنقلى على ساحل البحر الأحمر إلى باب المندب، وأمة آغو في بلاد الحبش، وهم من أقدم قاطنيها، وأمة الغالا
37
في جنوب بلاد الحبش، وأمة الصومال
38
وسكناها من باب المندب وخليج عدن إلى الجنوب، فهذه الأمم الكوشية تستعمل كلها الخط العربي في الكتابة، قال الأستاذ جويدي في محاضراته: «ولا نكاد نرى من الأمم الكوشية من يميل إلى التأدب، ويجنح إلى التعلم، وليست لهم حروف هجاء، فلا يقرءون ولا يكتبون، ومن احتاج منهم إلى تحرير مكتوب حرره بالعربية وبأحرف عربية (نعوذ بالله من عربيتهم ومن قلمهم)»، ومثل الأمم الكوشية أهل مندينجو
Mandingo
بجنوب نهر غامبيا، فإنهم يستعملون الخط العربي أيضا في الكتابة.
وهناك لغات أخرى تكتب بالخط العربي في أفريقيا، كلغات القبائل السودانية المجاورة لبلاد الإسلام ولم تدون لغاتها، فهذه إذا كتبت فإنما تكتب بالخط العربي، قال الدكتور كوست «والخط العربي هو الواسطة الوحيدة للديانة والتجارة والمعاملات الاجتماعية للمسلمين من أول الأقاليم الوسطى الأفريقية إلى آخرها، كما أنه في أقصى الجنوب يستعمله مهاجرو الملايو»، ويسمى الخط العربي في بورنو
Bornu
بالورش
EL Warash ، كما تسمى لهجتها العربية «بالشايقية».
جدول الأحرف التي تزيدها الأمم الإسلامية على أحرف الهجاء العربي. *
الحرف
نطقه
أسماء الأمم التي تستعمله
الحرف
نطقه
أسماء الأمم التي تستعمله
پ
كالباء الإفرنجية
تستعمل هذه الأحرف الفارسية عند الفرس والترك والتتر والأكراد والبلوخستانيين والهنود والأفغانيين.
چ
تشا
تستعمل هذه الأحرف عند الملايو فقط.
چ
كحرفي تش
tch
ڠ
نجا
ژ
مثل
je
ڨ
پا
گ
كالجيم
g
ڬ
جا *
لم نستقص البحث في هذا الجدول عن سائر الأحرف التي تزيدها جميع الأمم الإسلامية على حروف الهجاء العربي، وإنما اكتفينا فيه بذكر أهمها، وهو ما ورد في هذا الكتاب. (3-5) اللغة العربية
وناهيك بانتشار الخط العربي في الأقطار التي يتفاهم سكانها باللغة العربية، وهم يقدرون بنحو 60 مليون نفس أو يزيدون من الآسيويين والأفريقيين، وهم محصورون بين خليج العجم ودجلة
39
في الشرق والمحيط الأطلانطيقي في الغرب، وبين البحر الأبيض المتوسط وآسيا الصغرى شمالا وخط الاستواء جنوبا، ويدخل في ذلك: جزيرة العرب ومصر والشام والعراق والجزيرة وبلاد المغرب في طرابلس الغرب وبرقة وتونس والجزائر ومراكش وفي كل الجهات الغربية من الصحراء حتى بلاد السنغال (شكل
2-7 ).
ثم في بلاد النوبة والسودان المصري وشواطئ البحر الأحمر والنيجر والسودان الغربي في واداي وبرنو وغيرها، ثم في زنجبار وفي جهات كثيرة من الصحراء وبعض شواطئ أفريقيا وجزرها وغير ذلك من البلدان التي يتكلم سكانها باللغة العربية.
شكل 2-7: خط السنغال.
وعلى كل حال فإن من يتكلم العربية فيما بين نهري الفرات والنيجر يكتبها بالخط العربي.
هذا، وقد انتشر الآن في أمريكا الشمالية والجنوبية بانتشار اللغة العربية في البلدان التي استوطنتها الجالية السورية هناك، وقد أصدروا بها الجرائد العربية العديدة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين وغيرها، هذا إذا ضربنا صفحا عمن يتعلمون اللغة العربية ويكتبونها بالخط العربي من المستشرقين والمشتغلين بالعلوم الشرقية ولغاتها من علماء أوروبا، ولا سيما علماء فرنسا وألمانيا وإنجلترا وسويسرا وإيطاليا، وطلبة العلم في الجامعات والكليات الأوروبية الكبرى، وفضلا عن ذلك كله فإنه منتشر بين جميع أهل الدين، وطلبة العلم الذين يتكلمون العربية، ويتعلمونها للمعاملات الدينية في سائر أقطار الهند والصين وإيران وما والاها من بلاد خراسان وأفغانستان وما وراء النهر بتركستان وبلاد التتار في آسيا وشرقي أوروبا وجزائر الهند الشرقية وسائر البلاد التي دخلها الإسلام في القارات الخمس، ولا يقل عدد هؤلاء الأعلام الذين تقتدي بهم الأمة الإسلامية عن مليون من النفوس هم خاصة الناس، ونقول بالإجمال: إن الكتابة بالخط العربي عامة بين سائر المسلمين الذين يقرءون كتاب الله. (4) أهمية اللغة العربية وتأثيرها في لغات العالم الإسلامي
يحسن بنا بعد أن فرغنا من بيان اللغات الإسلامية التي تكتب بالخط العربي أن نأتي على فصل نجمل فيه ذكر أهمية اللغة العربية وتأثيرها في لغات العالم الإسلامي؛ وذلك لمناسبة الارتباط بين اللغة وخطها، ولنبين أن الإسلام قد أثر في هذه الأمم الإسلامية تأثيرا شديدا، ففضلا عن اتخاذها الخط العربي لكتابة لغاتها به، فإن هذه اللغات قد صبغت أيضا بصبغة عربية، كما سيظهر فيما يأتي فنقول: كانت اللغة العربية محصورة قبل الإسلام في شبه جزيرة العرب، ولم يتسع نطاقها إلا منذ ظهوره، فلما انتشر الإسلام انتشرت معه؛ لأنها لغة الرسول
صلى الله عليه وسلم
وأصحابه، لغة القرآن الشريف الذي كان لها قاموسا إلهيا لا تبدل كلماته ولا تنسخ آياته، لغة الحديث وسائر كتب الدين، فهي على العموم لغة الإسلام يجب إحياؤها لإحيائه، فجعلها المسلمون الأولون لغة الدين والدولة، فانتشرت في البلاد التي ساد فيها العرب أو دخلها الإسلام، وأخذت في الانتشار إلى أن ملأت الخافقين، فتغلبت على ألسن تلك البلاد الأصلية، وأخذت تغالب لغاتها حتى أماتتها وقامت على أرماسها، فتعربت بلاد العالم العربي جميعها كما بيناه، وصارت تستعمل في المعاملات الدينية عند المسلمين في كل العالم الإسلامي، فصاروا لا يستخدمون في الإنشاء والتآليف غيرها، وأقبل العلماء من غير العرب عليها أيما إقبال، فبرعوا فيها حتى فاق كثير منهم العرب أنفسهم، ولا غرو فقد ابتدأت وحدة الدين تستدعي وحدة اللسان؛ فلذلك أصبحت العربية هي لغة المسلمين، لغة العلم عندهم والدين، فلا يبرز في علومه من لم يتعلمها، ولا يفهم الكتاب والسنة من لم يحكم بيانها، فكانوا على اختلاف لغاتهم يتفاهمون جميع العلوم الإسلامية والآداب الدينية بها؛ ولذلك كثرت الألفاظ والتراكيب العربية في لغاتهم جميعا، وخصوصا الفارسية والتركية والهندية منها، فقد اقتبست هذه اللغات من آدابها شيئا كثيرا ينم على ما لآداب اللغة العربية عند هذه الأمم من الشأن والمنزلة الرفيعة، فالفارسية أثرت فيها العربية بعد الإسلام أيما تأثير، فقد ظل شعراء الفرس لا يقولون الشعر نحو قرنين إلا بالعربية، ثم هي قد رقت الفارسية من السذاجة التي كانت عليها البهلوية والفارسية إلى نحو أواخر القرن الرابع، أما التركية فقد بينا تأثير العربية فيها عند الكلام عليها، فليراجع هناك، ونزيد الآن أن العربية تؤلف القسم الأكبر من الأقسام الثلاثة التي تتألف منها اللغة التركية العثمانية، بل إن قواعد صرفها ونحوها هي من الأصول المتحصلة من القواعد التي اقتبسها العجم عن العرب، فلغات الأمم الإسلامية على العموم قد تأثرت تأثيرا محسوسا بذلك اللسان العربي المبين فيما استعارته من الألفاظ والكلمات العربية الكثيرة، حتى لتجد هذه الكلمات شائعة ومتفشية في لغة الأوردو الهندية ولغة السواحل وغيرهم من بربر أفريقيا، بل إنه في هذه اللغات كلغة الملايو مثلا حروف عربية لا تستعمل إلا لكتابة الكلمات العربية فقط.
فتأثير اللغة العربية في اللغات الإسلامية يشبه كثيرا تأثير اللغة اللاتينية في لغات أوروبا، إلا أن اللغة اللاتينية اندمجت ودخلت في لغات أوروبا، بل كانت العربية لهذه الشعوب الشرقية الإسلامية بمثابة اللغة اللاتينية واليونانية معا للأمم الأوروبية المسيحية، وخصوصا لأن المسلمين كافة يقرءون القرآن الشريف باللغة العربية، فهي لغة كتابة عند الخاصة في كل بلد اجتمع فيها المسلمون ليتلوا القرآن العظيم. (4-1) الإحصاء
وهذا إحصاء تقريبي عن المتكلمين باللغات التي تكتب بالخط العربي الآن في أنحاء العالم: (1)
اللغات التركية: ويقدر المتكلمون بها بنحو 40 مليون نسمة، منهم في مملكة الروسيا والصين أكثر من 30 مليونا، وفي بلاد الدولة العثمانية نحو عشرة ملايين نسمة تقريبا. (2)
اللغات الهندية: ويقدر المتكلمون بها بنحو 96 مليون نسمة، منهم في الهند نحو 66 مليونا، وفي الملايو نحو 30 مليونا. (3)
اللغات الفارسية: ويقدر المتكلمون بها بنحو 17 مليون نسمة، منهم في فارس نحو تسعة ملايين ونصف، وفي أفغانستان خمسة ملايين، وفي كردستان مليون ونصف، وفي بلوخستان مليون فقط. (4)
اللغات الأفريقية: ويتراوح المتكلمون باللغات التي تكتب به فيها غير العربية بين 30 و40 مليونا. (5)
اللغة العربية: ويقدر المتكلمون بها بنحو 60 مليون نسمة تقريبا، فيكون المجموع نحو 243 مليونا من الأنفس.
أما بحسب القارات فالمتكلمون باللغات التي تكتب به الآن في: «أوروبا» نحو عشرة ملايين نسمة من الترك والتتر ونحوهم.
وفي «آسيا» نحو 163 مليونا من العرب والهنود والفرس والترك ونحوهم.
وفي «أفريقيا» نحو 70 مليونا من العرب والبربر والسودانيين والسواحليين والزنوج، وغيرهم كثير مما لم يحص لهم عدد فيها، فيكون مجموع المتكلمين باللغات التي تكتب به في القارات الثلاث نحو 243 مليونا، فهو بالجملة غالب في أفريقيا، وشائع في آسيا، ومستعمل في أوروبا، ومعروف في أمريكا وأستراليا. (5) انتشار الخط العربي قديما في أوروبا
هذا، وقد كان الخط العربي منتشرا في الأندلس (إسبانيا والبرتقال) وقت أن كانت تحت حكم العرب مدة طويلة تقرب من ثمانية قرون، وكان فيها زاهيا زاهرا شأن العربية هناك وقتئذ، فبلغ حد الإتقان والجودة.
شكل 2-8: كتابة كوفية أثرية مأخوذة من بناء أندلس، وهاك قراءتها: «بسم الله بركة من الله لعبد الله عبد الرحمن أمير المؤمنين أطال الله (بقاءه)».
ولما تلاشى ملك العرب بها، وافترقوا في الأقطار، فانتشروا في بلاد المغرب، وشاركوا أهل العمران بما لديهم من الصنائع، فغلب خطهم على الخط الأفريقي وعفاه، فصارت خطوط أهل المغرب كلها على الرسم الأندلسي مدة طويلة لم تزل آثاره ظاهرة فيها هناك للآن، أما من بقي منهم بالأندلس فظل يكتب اللغة الإسبانيولية القديمة بالخط العربي، وسموها باللغة «الخميادو»، كما سيأتي تفصيله بعد.
والعرب لم يفتتحوا الأندلس فقط، بل دخلوا أرض فرنسا أيضا، ودخل معهم الخط العربي فيها، فتوطنوا جنوبها، وافتتحوا نربونة، وكانوا يسمونها: «أربونة»، وطولوز (طلوشة)، وقرقسون وسموها: «قرقشونة»، ونيم وسموها: «نيمة»، ومون بيليه، فتجاوزوا بذلك أرض سبتمانية وهي اليوم ولاية البيرينة الشرقية وولاية أود وما جاورها، ودخلوا مملكة برغونية، ثم افتتحوا مدينة أفينون وغيرها، حتى بلغوا نهر غارون وافتتحوا بردو وكانوا يسمونها: «برغشت»، وأصبح ما بين مصب غارون في المحيط وما بين مصب الرون في البحر الأبيض المتوسط دارا للإسلام تلقن فيه الشهادة ويعلم القرآن، ثم تجاوزوا هذا القسم العظيم من فرنسا ودخلوا مدينة إنكوليم وكونياك وبوانيه حتى وصلوا مدينة تور، وهي على نهر لوار المنصب في المحيط، وألحقوا أكثر من نصف فرانسا بممالك الدولة الأموية.
فمنتهى الحدود التي وصل إليها العرب في أوروبا هي نهر لوار ومدينة تور، وفي شرقيها مدينة ديجون ثم مدينة بزانسون، فالخط المار بهذه النقطة يقسم فرنسا إلى قسمين شمالي وجنوبي، والجنوبي بأجمعه دخل في ملك المسلمين، وأقاموا في بعضه قليلا، وفي بعضه كثيرا ، واستسلموا كثيرا من أهله، وتزوجوا ببناتهم، وأعقبوا منهم، ولم يزل لأهل الجنوب من الفرنساويين شبه بالعرب في سيماء الوجوه.
قال المؤرخ الإنجليزي جيبون في ذكر حوادث سنة 742م: «تقدم العرب في أوروبا أكثر من ثلاثمائة مرحلة
lieues
من صخرة جبل طارق إلى مصب نهر لوار كلها مظفريات، ولو تقدموا ثلاثمائة مرحلة أخرى لوصلوا حدود بولونيا في شرق أوروبا أو جبال إيقوس من إنكلترا، ولسهل عليهم عبور نهر الرين بألمانيا، كما سهل عليهم عبور الفرات والنيل، ولكان الأسطول العربي من جهة أخرى دخل نهر التيمس بلا محاربة بحرية؛ لعدم وجود أسطول إنجليزي في ذاك الوقت يضاهي أسطول مصر وسورية أو أسطول تونس، ولرأينا اليوم العلماء يفسرون القرآن على كراسي الوعظ معجزات النبي العربي، فالذي خلص العالم المسيحي من ذاك هو ابن الزانية شارل مرتل ناظر سراي الملوك الفرنساويين من سلالة ميروفينجبيان» اه.
شكل 2-9: شارل مارتل يحارب العرب.
وذلك أن شارل المذكور لما رأى المسلمين لم يبق بينهم وبين باريس إلا 234 كيلومترا، حشد إليه العساكر، وانتشب القتال بين الفريقين (شكل
2-9 ) في سهول بواتيه سنة 114ه/732م، وكان النصر أولا للمسلمين، إلا أنهم هزموا بعد ذلك، ورجعوا إلى نربون عن طريق طولوز وقرقسون؛ لرسوخ قدمهم في تلك الجهات، وعلى الخصوص في نربون التي لم يستطيع شارل إخراجهم منها، واستمر العرب في جنوب فرنسا حقبة من الزمان يستعملون الخط العربي، لا سيما في أطراف مارسيليه، ولم يزل يشاهد في متحف نربون كثيرا من آثارهم وأوانيهم الخزفية، وإليهم تنسب «جبال المور» كما نسبت إليهم «قسطل سارازين»، وهي مدينة بين بوردو وطولوز، والقسطل هو الحصن أو القلعة، ولم يزل في ضواحي القدس قرية يقال لها: القسطل، فقسطل سارازين معناها حصن العرب، ثم عادوا بعد ذلك وأغاروا على سواحل مرسيليا مرارا وأسسوا سنة 276ه/899م مستعمرة فراقسينه فيما بين وينيس وطولون، ومكث المسلمون في فراقسينه طول القرن العاشر، وتزوج بعضهم بنساء تلك الإيالة الفرنساوية، واشتغلوا بفلاحة أرضها، حتى أصبحت زاهية بحضارتهم، ثم جالوا سنة 324ه/935م في إقليمي تارنتيزه ووالس، ثم في بلاد السويس (سويسرا )، ومدوا نفوذهم سنة 331ه/942م على فريجوي وطولون وجميع سواحل البحر الأبيض المتوسط في فرنسا، فضبطوا بذلك إيالة دوفينه، وهي في شمال بروفانس على ضفة الرون اليسرى، وضبطوا في شمالها أيضا إيالة برغونية وسموها: «أرض برغونة»، وإيالة فرانش كونته وإيالة فينا، وفينا هذه إيالة في وسط فرنسا الغربي بخلاف سميتها عاصمة النمسا والمجر، وكان حاصرها الأتراك كما سيأتي، وضبطوا في فرنسا جميع ضفاف الرون، وغزوا القرى والمدن التي في تلك الإيالات.
40
فكانت الأفكار تتبادل بين الفريقين، وحيث كان المسلمون في ذاك العصر أرقى حضارة وأدبا من جيرانهم المسيحيين، كانت الإفرنج تقتبس من معارف المسلمين، وتحصل العلم في مدارسهم وجوامعهم، كما فعل البابا سيلفستر الثاني، وقيل: إنه أول من أدخل لبلاد الإفرنج ما يسمونه الأرقام العربية ونسميه الأرقام الهندية، وكانوا لذلك العهد يستعملون الأحرف اللاتينية التي هي بمثابة الحروف الأبجدية، واقتفى طلاب العلم أثر هذا البابا الحكيم، وكذا المنتحلون منهم للشعر والأدب كانوا يقلدون شعراء العرب وأدباءهم، وكان المجاورون للعرب من أهالي فرنسا وشمال إسبانيا يحيدون عن تعلم أشعار اللاتين، ويكبون على تعلم أشعار العرب وأزجالهم، وكان فقراؤهم في القرن الحادي عشر ينشدون الأناشيد والمدائح العربية، وهم يستعطفون على الأبواب وفي الطرقات، فيستمع الناس لهم ويتصدقون عليهم، لا لفهمهم ما يقولون وإنما شوقا منهم وحنانا للألحان والأنغام والقوافي الرنانة.
41
وكذلك كان الخط العربي منتشرا في صقلية (سيسليا) وما جاورها من جنوب إيطاليا نحوا من قرنين ونصف أي من سنة 832ه إلى سنة 1091ه، فإن العرب مدوا نفوذهم عليها وحاولوا دخول أوروبا من الجنوب بطريق إيطاليا، ففتحوا صقلية وجميع القسم الجنوبي من إيطاليا وكثير من مدنها، حتى حاصروا رومية، وكادوا يفتحونها واستولوا على مينائها أوستيه، وهي بقرب مصب نهر التبر، وعلى بيزا
ذات البرج المائل، وكانوا يسمونها: «بيش»، وعلى جين (جنوة) التي في شمالها، واحتلوا سينيوم عند أسوار نابلي، واستقروا في دالماتيا وأنشئوا مستعمرة كاريليانوا لمقاومة مملكة البابا، ورسخت للعرب قدم في جميع هذه البلاد، واستبحر فيها عمرانهم، فنقلوا إليها عوامل تمدنهم من المدارس والمساجد والمعامل وغيرها.
والناظر في أرجاء صقلية اليوم يجد كل شيء فيها ذا صلة وارتباط بالعرب، فاللغة الصقلية ما هي إلا خليط من الإيطالية والعربية، والقسم الأكبر من مدائن تلك الجزيرة إنما أسماؤه عربية في الحقيقة، وإن يكن قد طرأ عليها من فساد التداول ما ذهب بمسحتها العربية الأصلية، وإنا لنذكر منها الأسماء الآتية:
Calatafimi
محرفة عن «قلعة فيمي»،
Calatanisetta
محرفة عن «قلعة النساء»
Calatabellota ، «قلعة البلوط»،
Miselmeri «منزل الأمير»،
Mezzojuzo ،
Mezzoioso «منزل يوسف»،
Rasicablo (
Rasigebli ) «رأس الكلب»،
Mersala «مرسى علي»، وغيرها كثير.
42
ولم يزل في إيطاليا كثير من آثار العرب المكتوبة بالخط العربي أثر لذلك الفتح، وخصوصا في صقلية، فإن آثار المساجد العديدة والقصور الجليلة والأبنية الفاخرة التي ابتناها المسلمون هناك وكان لها تأثير كبير في هندسة المتأخرين، وما في خزائنها من السيوف والنقود وسائر الآلات العربية
43
التي امتلأت بها متاحف إيطاليا، وما بقي من أحجار القبور أي «الشواهد» العديدة المكتوبة بالقلم الكوفي أو بالقلم النسخي تشهد بانتشار الخط العربي هناك وقت حكم العرب، وغلبة الصبغة العربية الإسلامية على هذه البلاد حتى بعد الفتح النورماني الذي لم يغير شيئا من صبغة ذلك التمدن، بل ظل الإفرنج بعد استرداد صقلية يكتبون بالعربية «والخط العربي» على المباني العمومية والعمارات الملوكية، فكانت هي اللسان الرسمي في صقلية على عهد رجار ومن خلفه من الملوك بعد انقراض الحكومة الإسلامية منها.
44
وأكبر شاهد على استعمال الخط العربي عند الإفرنج في النقوش والكتابة به على مبانيهم الملوكية في ذلك العهد كتابة عربية على قبر الإمبراطور فريدريك الثاني في بالرم بصقلية (انظر الشكل
2-10 ).
شكل 2-10: كتابة عربية على قبر فريدريك الثاني.
وهكذا كان تأثير العرب وفتوحاتهم في أوروبا، فكان لتجارتهم فيها حركة شديدة، ولتجارهم بها تأثير عظيم، أعرب عنه استعمال الخط العربي في أشياء رسمية في غير حكومة من حكوماتهم، وأوضحه أن نقود كثير من الحكومات الأوروبية نقشت عليها كتابات باللغة العربية «والخط العربي»، وآية ذلك أنهم وجدوا نقودا بلغارية وألمانية ونورماندية وإنجليزية سكسونية موشاة بخطوط كوفية جميلة،
45
وفضلا عن ذلك فإنه وجدت كنوز عديدة من النقود الإسلامية في كثير من الأقطار الأوروبية الشمالية، وخاصة في روسيا وألمانيا والسويد، وقد أحصى الأستاذ «تورنبرج» سنة 1857 المحلات التي أخرجت النقود العربية (المكتوبة بالخط العربي) في بلاد السويد وحدها فبلغ عددها «169» محلا، وأحصى الدكتور «هانس هيلد براند» سنة 1873 قطع النقود الفضية العربية التي عثروا عليها في جزيرة جوتلاند وحدها على صغرها، فأربى ما أحصاه على «13 ألف» قطعة.
46
ولم يكن الأمر قاصرا في انتشار الخط العربي على الأندلس وفرنسا وصقلية فقط، بل كان يعم أيضا جميع جزر البحر الأبيض المتوسط تقريبا، مثل: جزائر الباليار وهي ماجوركة ومينورقة وإيفيزه وما يتبعها، وكانوا يسمونها: «مايرقة ومنرقة ويابسة»، واستمروا فيها من سنة 820م/205ه إلى سنة 1232م، وقورسيقة، وقد بقيت مستقلة عن غيرها بالحكم إلى سنة 236ه/850م، ومالطة وغيرها وقت حكم العرب.
شكل 2-11: السلطان محمد الفاتح وقت دخول القسطنطينية.
أما انتشار الخط العربي في أوروبا من جهة الشرق فكان ذلك في عهد الدولة العثمانية لما استولت على القسطنطينية، وهي مفتاح أوروبا، وكان العرب حاولوا مرارا دخول أوروبا من جهة الشرق بطريقها، فامتنعت عليهم، حتى فتحها الأتراك في القرن الخامس عشر، وأوغلوا في القسم الشرقي من أوروبا، فانتشروا في تلك البقاع، وانتشر معهم الخط العربي فيها لكتابة لغتيهم الرسمية والدينية (أي التركية والعربية)، وسار مع فتوحاتهم حتى وصلوا مدينة فينا عاصمة النمسا وحاصروها، وأقاموا عساكرهم المظفرة على أبوابها، وأخذوا الجزية من الأرشيدوق فردينان، ثم عادوا واقتنعوا بجزيرة البلقان وما جاورها، فبقي الخط العربي مستعملا في أملاكهم في أوروبا، وهو الخط الرسمي للحكومة مدة كبيرة تقرب من أربعة قرون ونصف.
وقد بلغت المملكة العثمانية معظم اتساعها في أواسط القرن السابع عشر للميلاد، فكانت حدودها الشمالية آخر حدود المجر في أوروبا، وكانت أملاكها في تلك القارة تشمل بلاد اليونان وجميع جزر بحر إيجه والروملي والبوسنة والهرسك والصرب والجبل الأسود وبلغاريا والمجر ورومانيا (الفلاخ والبغدان) وما يلي بلاد المجر شرقا من ملدافيا وما بعدها من شواطئ البحر الأسود إلى بلاد القوقاس، ففي كل هذه الولايات استعمل الخط العربي، وبقي في بعضها كثيرا وفي بعضها قليلا، وكانت تكتب به لغات الوطنيين ممن أسلموا، ولم يزل مستعملا هناك حتى ضعف شأنها، وطمع جيرانها بها، فخرج بعضها بالاستقلال، ودخل البعض الآخر في حوزة بعض الدول أو تحت سيطرتها بالاحتلال، إلى أن انحصر في أملاكها الآن فيما بين الآستانة وولاية أدرنة وما جاورهما، وترك العثمانيون فيما انسلخ عنهم من هذه الولايات آثارا عديدة، فقد استسلموا كثيرا من أهلها يعدون الآن بأكثر من 4 ملايين نسمة في بلاد اليونان ومكدونيا وألبانيا وبلغاريا والصرب والجبل الأسود ورومانيا والبوسنة والهرسك.
وذلك أن العثمانيين لما افتتحوا هذه البلاد، نزلها كثير من العرب والأكراد وبعض العشائر المغولية التي سقطت إلى هذه الأرجاء وتوطنت فيها، كما توطنها أيضا كثير من أولاد الفاتحين وغيرهم من المجاهدين أتباع بكوات الروملي، فانتشروا في تلك الديار، وامتزجوا بأهالي البلاد الأصليين أي بالبلغاريين والصربيين والأرناءود والبوشناق، فأخذ هؤلاء يدينون بالإسلام حتى أصبح نحو نصف سكان الأقطار الواسعة من المسلمين، واضطر أولئك المسلمون إلى تعلم أمور دينهم، وبهذه الواسطة انتشر اللسان العثماني، وتغلب الفكر الديني على الجنسي، وأنشأ أولئك الشعوب يعتقدون بأن السلطنة العثمانية حامية الدين وسلامتها سلامة لهم في الدارين، وبفضل هذا الاعتقاد غدا أهالي البوسنة المسلمون خاضعين للحكومة النمسوية وهم لا يقلون عن 612000 نسمة ينظرون إلى النمسويين نظر الأعداء مع أنهم من دم واحد.
ومثل ذلك قل في البوماقيين والجتاقيين، وغيرهم من سكان بلغاريا ممن يرون السلافيين أعداءهم على حين هم وإياهم من أصل واحد، وهؤلاء يستعملون الخط العربي إلى الآن، وقد اشتهر منهم كثير من الخطاطين البارعين يعدون في العرف أتراكا؛ لأن بعضهم تترك، ولا عجب إذا قلدوا الأتراك في جودة الخط، فقد أخذوه عنهم، وهم أصحاب الفضل في نشره في تلك الأصقاع، وإليهم انتهت الرئاسة فيه على أنواعه إلى عهدنا هذا (انظر [فذلكة في تاريخ الخط العربي: (2) تاريخ الخط العربي بعد الإسلام: (2-1) أصناف الأقلام العربية في الإسلام]). (6) النتيجة
فمن كل ما تقدم نستنتج أن الخط العربي انتشر بانتشار الحضارة الإسلامية في طوائف اللغات المرتقية البشرية الثلاث ، وهي: السامية والطورانية والآرية، أما «الطائفة الأولى»: وهي اللغات السامية،
47
فأهمهما اللغة العربية، ومعلوم أن انتشارها وتغلبها على أخواتها أمات بعضها وأضعف الآخر، و«الطائفة الثانية»: وهي اللغات الطورانية أهمها التركية، وجميعها تكتب بالخط العربي كما سبق، و«الطائفة الثالثة»: وهي اللغات الآرية وهي جنوبية وشمالية، فالجنوبية في الهند وفارس، وهي تكتب بالخط العربي إلا اللغة السنسكريتية
48
اللغة المقدسة عند البراهمة وبعض لغات الهند وجزائرها.
وأما الشمالية فهي المعروفة بالهندأوروبية، وتشتمل على لغات أوروبا وقسم عظيم من أمريكا، فإنها تكتب بالخط الإفرنجي المعروف.
شكل 2-12: الخميادو (الإسبانيولي). صفحة من فاتحة الكتاب بالعربية وترجمتها بالأعجمية (الخميادو). (من مجموعة نشرها بصورتها الخطية المسيو بابلوجيل
في سرقوسه 1888 تحت عنوان
Collection de Textos Aljamidos ، وقد صدرها بمقدمة بالإسبانيولية، ثم أردفها باصطلاحات الخميادو في الكتابة.) (6-1) الخط العربي واللغات الأوروبية «اللغة الإسبانيولية»: وقد دخل الخط العربي في هذا القسم الأخير أيضا في اللغة الإسبانيولية قديما، فقد كان بعض العرب حينما دالت دولتهم بالأندلس يكتب علومه ومعارفه، ومنها الفقه والحديث والتصوف وقصص الصالحين، بل وترجمة القرآن بحروف عربية (شكل
2-12 )، والكلام كله إسبانيولي قديم (قشتالي)، وهؤلاء العرب كانوا يفعلون ذلك؛ لأنهم - كما يقول بعض المستشرقين - دانوا بالنصرانية مكرهين بعد زوال دولتهم في الأندلس، فلم يكونوا يستطيعون إبداء أسفهم إلا سرا، وفي هذه الكتب العربية المكتوبة بالعجمية دليل على تعلق أولئك المتنصرة بقدمهم، ولا تزال بقايا هذه الكتب محفوظة في مكاتب إسبانيا، وقد طبع القوم منها أشياء كثيرة، وتسمى هذه اللغة الخميادو
Aljamiado
تحريفا للكلمة «الأعجمية»، ووجه هذه التسمية أن العرب يسمون كل ما ليس بعربي أعجميا، وجرى على منوالهم الأندلسيون، فكانوا يسمون اللغة القشتالية أي الإسبانية باسم الأعجمية، ثم انتقلت هذه اللفظة إلى اللغة الإسبانية بغير حرف العين؛ لأن العين ليست في لغات الإفرنج، وكذلك الهمزة المتوسطة، فاضطروا أن ينطقوها «ألجمي» ثم تداولوها فقالوا: «ألجمي» بسكون اللام والإسبانيون ينطقون الجيم خاء في أحايين كثيرة، فقالوا: «ألخمي»، ثم أضافوا إليها علامة النسبة عندهم
do
فقالوا
Aljamiado
أي «الأعجمي»، وكتبت اللغة البرتقالية بالخط العربي، وسميت أيضا بالخميادوا البرتقالي
Aljamia Portuguesa .
49 «اللغة الهولندية»: وقد دخل كذلك في اللغة الهولندية الآن، فإن المسلمين في مستعمرة الكاب بجنوب أفريقيا يكتبون الهولندية بالخط العربي، وقد طبعوا به كتبا دينية كثيرة.
وهؤلاء المسلمون هم من مهاجري الملايو (انظر [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية: (ز) اللغات الحبشية وغيرها]). «اللغة السلافية»: وقد دخل أيضا اللغة السلافية، فإن مسلمي البوسنة والهرسك، وهم لا يقلون - كما أسلفنا - عن 612000 نسمة يكتبون به الآن لغتهم الوطنية «السلافية»، وقد كانوا قبل الاحتلال النمسوي لبلادهم يكتبون بالعربية أو التركية لاختلاطهم بالأتراك وبالحياة العقلية التركية، ولكنهم بعد ذلك صاروا يستعملون لغتهم الوطنية في الأعمال العلمية والأدبية.
وقد نشأت حركة في السنوات الأخيرة، وخصوصا بين وسط «الخوجات» غرضها جعل الأبحاث الأدبية في المواضيع الدينية تكتب على الأقل باللغة السلافية والحروف العربية، وقد جعلوا حروف الهجاء العربية تناسب حاجيات اللغة السلافية، وجريدة «معلم» لسان حال جمعية اتحاد علماء وأئمة ساراييفو تظهر بهذا الخط.
شكل 2-13: لغة مجندناو بالخط العربي. الصفحة الأولى من كتاب اللواران أو قوانين مجندناو. (6-2) الخط العربي ولغة الفيليبين
وكذلك المورو
Moros
أي المغاربة، وهم مسلمو الفيليبين،
50
فإنهم يستعملون الخط العربي في كتابة لغة مجندناو
Magindanao
وصولو
Sulu
حتى الآن، (ومعنى مجندناو البلاد المروية؛ لأن فيها نهرا يفيض عليها ويرويها، فأطلق هذا الاسم على البلاد وعلى سكانها)، ومن أهم ما كتب عندهم بلغة مجندناو وبأحرف عربية هي التراسيل، وهي عندهم كشجرة الأنساب عندنا، ولم توضع التراسيل عندهم إلا بعد دخول الإسلام إلى بلادهم؛ لأن الإسلام لما جاء إلى هذه الجزائر جاء معه العلم والعمران، فانتظمت الأحوال، ودونت التواريخ، ووضعت التراسيل، وأخذوا حروف الهجاء العربية، أما قبل الإسلام فكان تاريخهم خرافيا بالمرة، وكان بدء دخول الإسلام إلى بلادهم نحو سنة 1475 ميلادية.
شكل 2-14: صورة صفحتين من كتاب دعوات المسلمين. مطبوع في كانتون بالصين.
شكل 2-15: مسجد في الصين يصلي فيه جماعة من المسلمين الصينيين بأزيائهم الوطنية، وعلى أعمدته كتابات عربية وآيات قرآنية بالخط العربي.
شكل 2-16: صفحة بالعربية والصينية مطبوعة في كانتون بالصين على طريقة الطباعة على الخشب المصقول، ويظهر منها الشكل الذي أخذه الخط العربي على أيديهم تحت تأثير خطهم الصيني، حتى أصبح (بألفاته ولاماته) أشبه شيء بالخط المسماري الذي كانت تكتب به اللغة البابلية والآشورية في العراق وأكثر الممالك القديمة.
وقد كتب المورو بلغتهم وبالخط العربي (فضلا عن التراسيل) كل كتبهم الدينية والشرعية الإسلامية التي أخذوها عن العرب والملايو، ومن ذلك القرآن وتفسيره والحديث وكتب الشرع، والقوانين التي يسمونها: «اللواران
Luwaran » (شكل
2-13 ) أي المختارة، وكتب القوانين بلهجة الصولو، وخطب الأعياد والجمع الدينية إلى غير ذلك، مما يدل على انتشار الخط العربي في هذه الأنحاء.
وقد فصل ذلك الدكتور نجيب صليبي في كتبه التي كتبها عن جزائر الفيليبين، وعلى الأخص في كتابه «أبحاث في تاريخ المورو وشريعتهم وديانتهم».
51 «الخط العربي في الصين»: والمسلمون في الصين يستعملون الخط العربي من زمان بعيد في كتابة النصوص الدينية العربية وغير العربية كالقرآن وترجماته وكتب الحديث والفقه (شكل
2-14 )، كما يستعملونه أيضا في كتابة ما يؤلفونه منها بلغاتهم، فقد اقتنى الأستاذ هرتمن
Hartmann
سنة 1902 نسخة خطية من كتاب اسمه «مختصر الأحكام الإسلامية»، وجدها في مدينة كشغار بتركستان الصينية، ولغة هذه النسخة هي لهجة من لهجات الصين الشمالية تقرب من لهجة بكين مع إدراج بعض العبارات العربية والفارسية في المتن مكتوبة بالخط العربي وزيادة الأربعة الأحرف الفارسية وحرفين جديدين، وهما «ڞ وص»، وقد نشر الأستاذ فركه هذا الكتاب بالحروف الإفرنجية! وبالحروف الصينية وذيله بترجمة ألمانية.
ورغما عن قدم الإسلام والخط العربي في الصين، وكثرة عدد المسلمين الصينيين فإنه لا توجد آثار قديمة كثيرة للخط العربي هناك، وأقدم ما وجد من آثاره هي الكتابة العربية المنقوشة على مسجد مدينة كنتون القديم سنة 751ه/1350م، وهي تنص على أن البناء الأصلي شيد في أيام تسون كوان من العائلة الطانية
Tsӧn-Kwan des Than ، أما الكتابات العربية التي توجد على آنية الصين البرنزية القديمة فيصعب تعيين تاريخها بالضبط، وهي على العموم لا ترجع إلى ما قبل القرن التاسع للهجرة، ولم يبتدئ مسلمو الصين في «الكتابة» والطبع إلا حديثا ، وهم يستعملون للطباعة لويحات خشبية مصقولة تبعا للطريقة القديمة التي كانت مستعملة في أول عهد المطابع، (شكل
2-14
و
2-16 ) وقد يغير النقش في هذه الطريقة شكل الخط قليلا.
الفصل الثالث
الأديان ومحافظة الأمم على الخطوط
إن محافظة المسلمين على الخط العربي في أنحاء العالم وكتابتهم به لغاتهم ليس أمرا خاصا بهم لا مثيل له عند غيرهم من الأمم، بل يكاد يكون عاما عند أهل الأديان الأخرى من أهل الكتاب وغيرهم في كل الأزمان، فإننا نرى اليهود من وقت تفرقهم إلى الآن يتخذون لغة البلد الذي يستوطنونه لغة لهم فيكتبونها بخطهم العبري كما يكتبون اليوم اللغة العربية واللغة الفارسية واللغات الإفرنجية كالألمانية والإسبانيولية وغيرها بالخط العبري،
1
وينشرون به الكتب والجرائد في كثير من المدن الكبيرة، كما نرى في الآستانة، فإنه تصدر فيها جرائد إسبانيولية حرفها عبراني، وهكذا في نيويورك جرائد ألمانية حرفها عبراني، بل وللآن تصدر في تونس جرائد عربية بلهجة تونس العامية حرفها عبراني، واليهود في مصر وسوريا وغيرها يكتبون اللغة العربية بالحرف العبري من قديم، كما في مؤلفات موسى بن ميمون
2 (شكل
3-1 ) وترجمة التوراة لسعيد الفيومي،
3
وغيرهما، ويستعمل اليهود القراءون في القديم هذه الحروف أيضا في كتابة التركية وهي اللغة الدارجة بينهم، فترى من ذلك أنهم حافظوا على خطهم ولم يحافظوا على لغتهم.
شكل 3-1: صفحة من كتاب فلسفي لموسى بن ميمون. الكلام عربي والحروف عبرية.
وكذلك عند النصارى، فإن السريان في الشام والجزيرة لما دخل الإسلام بلادهم، وغلبت اللغة العربية على ألسنتهم ظلوا حينا يكتبونها بالحرف السرياني الذي كانوا يكتبون به لغتهم الأصلية ويسمون هذه الكتابة «بالقلم الكرشوني
Carshùn »، ولم يكن استعمال هذا القلم محصورا في المارونيين واليعاقبة فقط، بل قد امتد استعماله أيضا إلى الملكيين، وقد طبعوا به كتبا عديدة منها الإنجيل، وبين أيدينا نسخة منه طبعت في باريس سنة 1827 على هذا الشكل.
شكل 3-2: الخط الكرشوني. قطعة من الإنجيل، الكلام عربي والحروف سريانية، وتقرأ هكذا: «يا أيها الأبناء أطيعوا أباكم في ربنا فإن هذا بر وأتقى، وهذه الوصية الأولى المأمور بها أكرم أباك وأمك ليحسن إليك وتطول حياتك في الأرض، يا أيها الآباء لا تغضبوا أبناءكم بل ربوهم بالآداب الصالحة.»
وكذلك الأرمن واليونان في الآستانة وفي البلاد العثمانية الآن، فإنهم يصدرون فيها جرائد حرفها أرمني ولغتها تركية، وأخرى رومية حرفها يوناني ولفظها تركي، ولهم أدبيات أرمنية تركية وأدبيات يونانية تركية؛ وسبب ذلك أنهم جميعا يعرفون اللغة التركية، ويتجنبون الخط العربي، فيضطرون إلى كتابة التركية بخطوطهم الوطنية التي يتمسكون بها بسبب الدين.
وهذا النوع الأخير، وهو كتابة اللغة التركية بالحروف اليونانية شائع ومستفيض إلى الآن في مطبوعات الآستانة الدينية التي يستعملها القرمنليون المقيمون بآسيا الصغرى، فإنهم يستعملون التركية والأحرف اليونانية لكتابة كتبهم المقدسة، مع أنه ليس في عروقهم من الدم اليوناني ما لا يزيد على وجه التقريب عما في عروق السوريين الملكيين، ولكن البطريركية العامة تبذل جهدها في أن تعد نفسها يونانية الأصل.
4
وكذلك الكاثوليك اللاتينيون المقيمين بالبلغار، فإنهم يستعملون البلغاري مكتوبا بالحروف اللاتينية بدل الحروف البلغارية.
وكما كان عند كهان مصر من الوثنيين، فإنهم كانوا يعدون الحرف الصوري (الهيروغليفي)
5
مقدسا، فينقشون به صلواتهم أو آثارهم مع وجود الحرف الديموطيقي،
6
وهو أخف على الأيدي.
وكما عند البوذيين الآن، فإنهم في شمال آسيا يؤثرون القلم التبتي، وفي جنوبها القلم البالي بالنسبة إلى أحد آلهة الهنود.
وكما عند المجوس من أتباع زرادشت، فإن القلم الفهلوي (البهلوي) لا يزال شائعا ومستعملا لتدوين كتب الدين عندهم، والزرادشتيون يعدون اللسان الفهلوي أيضا لسانا مقدسا؛ لأنه لغة دينهم فيفضلون تدوينه به، وقد أسلفنا في الكلام على اللغة الفارسية أن اللسان الفهلوي أخذ بالزوال أمام العربية شيئا فشيئا حتى ذهب عن الألسنة، ولكنه ظل في الكتب، ولا سيما كتب الدين القديم على مذهب الزرادشتية.
وأمثلة ذلك كثيرة عند الأمم، ولا عجب؛ فإن كثيرا من الأمم، ولا سيما أهل الأديان منهم يتبركون بالخط الذي كانت تكتب به لغة دينهم، ويعدونه أثرا دينيا، إن لم يعتبروه جزءا من الدين، فهم يحافظون عليه أكثر من محافظة بعضهم على لغته (كما رأيت عند اليهود وغيرهم)، ويؤثرونه على غيره من الأقلام التي كانوا يستعملونها قبل اعتناقهم أديانهم، فيئول الأمر إلى إماتة تلك الخطوط، ولكي يتبين جليا أن الدين من أقوى الأسباب الفاعلة في انتشار الخطوط واللغات واندثارها، وإحيائها إماتتها، نأتي هنا على ذكر الخطوط التي ماتت بانتشار الخط العربي ونتبعه باللغات التي ماتت بانتشار اللغة العربية.
الفصل الرابع
الخطوط التي ورثها الخط العربي
كان سكان العالم الإسلامي قبل أن يفتحه المسلمون يكتبون بخطوط البلاد الأصلية، ويتكلمون لغاتها السريانية والآرامية واليونانية في العراق والشام، والقبطية بمصر، والفارسية في بلاد فارس، والتركية في التركستان بما وراء النهر، والبربرية في شمال أفريقيا، فلما جاء الإسلام أخذ العنصر العربي يتغلب على عناصرهم، والخط العربي يتغلب على خطوطهم، واللغة العربية تتغلب على ألسنتهم، والإسلام يتغلب على أديانهم، حتى ساد الإسلام عليهم جميعا، وانتشر الخط العربي بينهم، وعمت اللغة العربية البلاد الواقعة غربي دجلة وهي العراق والشام ومصر وأفريقيا والسودان، وصارت تعد بلادا عربية وأكثرها مسلمون، وانقرضت الخطوط واللغات التي كانت منتشرة فيها إلا بقايا قليلة من السريانية في بعض القرى المتباعدة من الشام والعراق، أما شرقي دجلة بفارس والتركستان والهند فقد ساد الإسلام فيها أيضا، وانتشرت اللغة العربية بين أهل العلم، ولكن ألسنة البلاد ظلت حية يتفاهمون بها إلى الآن، أما الخط العربي فقد انتشر بالإسلام بين الجميع، وإليك مجمل انتشاره، وذكر الخطوط الذي ورثها في سيره.
لما انتشر الخط العربي مع الإسلام في جزيرة العرب ورث فيها جملة خطوط أو حل محلها، أشهرها «الخط المسند» الذي كانت تكتب به اللغة الحميرية في اليمن، و«القلم النبطي» وكانت تكتب به اللغة النبطية في الشمال، و«القلم الصفوي» وكانت تكتب به الصفوية وغيره، كما ورثت اللغة العربية فيها اللغة الحميرية واللهجة الحضرمية والقتبانية، وغيرها في جنوبيها، واللغة النبطية
1
واللهجات الصفوية والثمودية واللحيانية، وغيرها في شمالها.
ولما انتشر في مصر ورث «القلم القبطي» المشتق من القلم اليوناني، كما ورثت اللغة العربية اللغة القبطية فيها، وذلك أنه في سنة 87ه في عهد عبد الله بن عبد الملك أمير مصر من قبل الوليد بن عبد الملك نقل ديوان مصر من القبطية إلى العربية، وجعلت الكتابة في جميع دواوينها باللغة العربية (وبالخط العربي بالطبع)، فبادت القبطية في مصر شيئا فشيئا، حتى نسيتها العامة القبطية تماما، فصارت لغة صناعية لا تستعمل إلا في بعض الكنائس القبطية، قال المسيو ماسبيرو في كتابه «تاريخ المشرق»: «وقد استمر استعمال اللغة عند الأهالي مدة عشرة قرون بعد تلاشي الكتابة بها، ولم ينعدم اللسان القبطي من أفواه الأمة إلا في السنين الأولى من القرن السابع عشر»، وهكذا ورث الخط العربي ولغته في مصر الخط القبطي ولغته، كما ورث في المغرب القلم البربري عند قبائل البربر الشمالية.
شكل 4-1: الخط البهلوي الساساني والآرامي.
ولما انتشر في فارس ورث القلم البهلوي
2
كما ورثت اللغة العربية اللغة البهلوية، وكانت هي اللغة الشائعة في إيران إلى وقت الفتح الإسلامي، وهي تسمى أيضا باللغة الفارسية الوسطى تمييزا لها عن الفارسية القديمة وعن الفارسية الحديثة التي يتكلم بها الفرس الآن، وقد سبق ذكرها.
ولما انتشر في سوريا ورث جملة خطوط، منها القلم الروماني واليوناني عند الحكومة، والقلم السرياني والسامري، وأضعف القلم العبري عند الأهالي، كما ورثت اللغة العربية فيها اللغة اليونانية واللاتينية الرسميتين واللغة السامرية وغيرها من اللهجات الآرامية الغربية عند الشعب كاللهجة النصرانية الفلسطينية.
ولما انتشر في بلاد الجزيرة والعراق ورث الخطوط الآرامية كالسرياني وغيره، كما ورثت اللغة العربية فيها اللغة السريانية وغيرها من اللهجات الآرامية الشرقية كالآرامية المانوية (لغة أتباع ماني) والآرامية اليهودية البابلية، وعلى الجملة فالخط العربي واللغة العربية ورثا في سوريا والعراق وما يليهما الخطوط واللهجات الآرامية الشرقية والغربية، كما ورثت اللغة الآرامية وخطها من قبل كثيرا من الخطوط واللغات الشرقية القديمة كالخط الفينيقي والخط المسماري الذي كان شائعا في أكثر الممالك القديمة، وكاللغة البابلية والآشورية والعبرية والفينيقية وغيرها.
ولما انتشر في بلاد الهند ورث فيها الخطوط الهندية المتفرعة من الخط الآرامي،
3
وقد كانت هذه الخطوط الهندية هي المستعملة في الأصقاع الهندية إلى الفتح الإسلامي، فأخذ الخط العربي في الانتشار هناك حتى تغلب عليها وأماتها، كما تغلب على الخط الأويغوري عند الأتراك (انظر: [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-1) اللغات التركية:
Jagatai Turki (ط) التركية الجغتائية]).
فمن كل ذلك يظهر لنا جليا ما أشرنا إليه في تمهيدنا السابق، وهو أن اللغة العربية كانت تسير في نموها وانتشارها مع فتوحات العرب، فأين حل العرب، حلت لغتهم، وأبادت اللغة الأصلية للإقليم الجديد كما رأيت، وكذلك الخط العربي، فقد كان يسير في انتشاره معها جنبا لجنب، ولكنه تجاوزها وسار مع الإسلام، فأين حل الإسلام حل الخط العربي، وأباد خط الإقليم الجديد الإسلامي، وهذه الخصيصة لم توجد إلا في اللغة العربية وخطها، وذلك - كما قلنا - بفضل الإسلام، فكم من أمة علا شأنها في مجتمع الأمم ودوخت البلدان، ولم تستطع أن تقيم للغتها أو لخطها شأنا، وبقي هذا الشأن بعدها إلى الآن:
ما علمنا لغيرهم من لسان
زال أهلوه وهو في إقبال
بليت هاشم وبادت نزار
واللسان المبين ليس ببال
4
قال الدكتور جوستاف لوبون
Dr. Gustave Le Bon
في كتابه «حضارة العرب»:
5 «أهالت القرون على العرب غبار الزوال، وأدرجت حضارتهم في أكفان التاريخ، فلم يبق منها إلا سيرتها العطرة، وأثرها الماثل، ولكن زوالهم هذا لم يكن موتا سالبا للروح، وموردا للجسد موارد الفساد والفناء؛ لأن الدين واللغة التي قام بها العرب ببثهما في أرجاء العالم، أصبحتا لعهدنا الحاضر أكثر انتشارا منهما أيام كانت الحضارة العربية متألقة السنا، فإن اللغة العربية يتكلم بها الصادر والوارد، والغادي والرائح، بين مراكش والهند، كما أن الدين الإسلامي لا يزال نطاقه يزداد كل يوم تراميا إلى أبعد الآفاق والأقطار.»
وهيهات أن يتسنى ذلك لأحد من الشعوب الحاضرة أو المقبلة، وسرعان ما كانت الجماعات المندمجة في العرب أو المعتنقة للإسلام تتناسى لغتها، وتهمل خطها، وتأخذ عن الإسلام لغته أو خطه ما خلا بضعة أصقاع انتشر فيها الإسلام، ولم يفسح للعرب أجل حتى ينشروا فيها لغتهم أو خطهم ليستعملا فيها لغير الأشياء الدينية حتى لا يجعلوا مستثنى لهذه القاعدة.
الخلاصة
يتبين للقارئ اللبيب مما ذكرناه عن انتشار الخط العربي أنه لم يكن معروفا قبل الإسلام إلا عند أفراد قليلين جدا في الحجاز، وكان غير مضبوط عندهم حتى جاء الإسلام فأحياه ونشره بين المسلمين بعد أن ترقى ونما، فتفرعت منه الفروع، وضبط بالنقط والشكل الكامل، وحينئذ أخذ ينتشر في غير جزيرة العرب بانتشار الإسلام على هذا الترتيب:
أولا:
في البلدان الإسلامية المعروفة بالعالم العربي الذي يتكلم أهله باللغة العربية ويقدرون بأكثر من 60 مليونا من الأنفس.
ثانيا:
في البلدان الإسلامية التي لأهلها لغات حية تعرف بلغات العالم الإسلامي، فإنها أخذت تكتب به دون غيره، وقد قسمنا هذه اللغات إلى أربع مجاميع:
المجموعة الأولى:
وهي اللغات التركية، وقد ذكرنا منها أكثر من 12 لغة تكتب به في بقاع تمتد من تركستان الصينية إلى غربي الآستانة والبحر الأسود.
المجموعة الثانية:
وهي اللغات الهندية، وذكرنا منها 8 لغات تكتب به، تشتمل على ماليزيا وملقى، ثم تمتد من شرق الهند إلى غرب السند، ومن أعالي جبال حملايا إلى جنوب شبه جزيرة الدكن.
المجموعة الثالثة:
وهي اللغات الفارسية، وتكتب به منها 4 لغات تشتمل على كل هضبة إيران.
ثم المجموعة الرابعة:
وهي اللغات الأفريقية، ويكتب به منها أكثر من 7 لغات متفرقة في شمالي أفريقيا وغربيها، وتشتمل على شرقيها وأواسطها، فاللغات التي تكتب به في هذه الأربع المجاميع تبلغ 31 إحدى وثلاثين لغة، وبإضافة اللغة العربية إليها يقدر عدد المتكلمين بهن جميعا بنحو 243 مليون نسمة، وعلى الجملة فإنه انتشر بين سائر الأمم الإسلامية، فصارت تكتب به لغة كل بلد انتشر فيها الإسلام.
انتهى والحمد لله.
المصادر
فهرست أسماء الكتب العربية والإفرنجية التي وردت في هذا الكتاب وهوامشه مرتبة بحسب ذكرها في الصفحات:
أدبيات الجغرافيا والتاريخ عند العرب للأستاذ جويدي [فذلكة في تاريخ الخط العربي: (1) العرب والكتابة قبل الإسلام: (1-1) أصل الخط العربي: (أ) أمثلة من اشتقاق الحروف العربية] و[الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية: (ز ) اللغات الحبشية وغيرها] و[الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (5) انتشار الخط العربي قديما في أوروبا].
كشف الظنون لحاجي خليفة [فذلكة في تاريخ الخط العربي: (2) تاريخ الخط العربي بعد الإسلام: (2-1) أصناف الأقلام العربية في الإسلام].
صبح الأعشى للقلقشندي [فذلكة في تاريخ الخط العربي: (2) تاريخ الخط العربي بعد الإسلام: (2-1) أصناف الأقلام العربية في الإسلام] و[فذلكة في تاريخ الخط العربي: (5) النقط والحركات في الخط العربي: (5-3) الكتابة واتجاه السطور فيها].
دائرة المعارف الإسلامية
Encyclopédie de l, Islam [فذلكة في تاريخ الخط العربي: (2) تاريخ الخط العربي بعد الإسلام: (2-2) الأقلام المستعملة الآن] و[الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-3) اللغات الفارسية أو الإيرانية: (أ) اللغة الفارسية الحديثة : تاريخ الخط الفارسي وفروعه] و[الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية:
Kabyli (ب) اللغة البربرية أو القبائلية : تاريخ الخط المغربي وفروعه].
تاريخ الأدب أو حياة اللغة العربية لحفني بك ناصف [فذلكة في تاريخ الخط العربي: (5) النقط والحركات في الخط العربي: (5-1) الحركات].
الكتابة والكتاب للشهيدي [فذلكة في تاريخ الخط العربي: (5) النقط والحركات في الخط العربي: (5-3) الكتابة واتجاه السطور فيها].
تنوير الأذهان في علم حياة الحيوان والإنسان [فذلكة في تاريخ الخط العربي: (5) النقط والحركات في الخط العربي: (5-3) الكتابة واتجاه السطور فيها] و[الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية: (ز) اللغات الحبشية وغيرها].
الإدراك للسان الأتراك لأبي حيان الغرناطي [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-1) اللغات التركية: (أ) التركية العثمانية].
سياحة في الروسيا لرشاد بك [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-1) اللغات التركية: (و) التركية الداغستانية].
الإلهامات القدسية في ألفبا اللغة الجركسية لمحمد كمال بك الجركسي [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-1) اللغات التركية:
Teherkesses (ز) اللغة الجركسية].
دائرة المعارف البريطانية
Encyclopedia Britannica [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-1) اللغات التركية:
Kashgar Turki (ل) التركية الكشغرية] و[الأديان ومحافظة الأمم على الخطوط].
سر تطور الأمم للدكتور جوستاف لوبون [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-2) اللغات الهندية: (أ) اللغة الأوردية الهندستانية].
جغرافية الهند وبرما وسيلان لبلاندفورد
Blandford, Geography of India, Bourma and Ceylon [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-2) اللغات الهندية: (أ) اللغة الأوردية الهندستانية].
أجرومية بالمر في اللغة الهندستانية والفارسية العربية الهندستانية
palmer, Simplified grammar of Hindustani, Persian and Arabic Hindustani . [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-2) اللغات الهندية: (أ) اللغة الأوردية الهندستانية].
أمة الملايو لصالح جودت بك [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-2) اللغات الهندية: (ز) الملاكية (الملقية)].
نزهة الألباب لمحمد أفندي حسني العامري [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-2) اللغات الهندية:
Javanese or Pegon (ح) اللسان الجاوي أو البيجون].
المركز الاقتصادي للإسلام للاشتيليه
Le chatelier, la Position économique de Ľ Islam [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-3) اللغات الفارسية أو الإيرانية: (أ) اللغة الفارسية الحديثة].
بيان عن حكم السلطان سنجر لشفر في المتفرقات الجديدة الشرقية
Schefer, Tableau du règne du sultan Sindjar . [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-3) اللغات الفارسية أو الإيرانية: (أ) اللغة الفارسية الحديثة: تاريخ الخط الفارسي وفروعه].
الهدية الحميدية في نحو اللغة الكردية ليوسف ضياء الدين باشا الخالدي [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-3) اللغات الفارسية أو الإيرانية: (ج) اللغة الكردية].
التبيان في تخطيط البلدان للأستاذ إسماعيل رأفت بك [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية:
Shilha (أ) اللغة البربرية الشلحية].
قاموس الإسلام
A Dictionary of Islam [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية:
Kabyli (ب) اللغة البربرية أو القبائلية : تاريخ الخط المغربي وفروعه].
المقدمة لابن خلدون [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية:
Kabyli (ب) اللغة البربرية أو القبائلية : تاريخ الخط المغربي وفروعه].
بحث على الخط المغربي لهوداس في المتفرقات الجديدة الشرقية
Houdas, Essai sur Ľecriture Maghrebine dans les Nouveaux orientaux . [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية:
Kabyli (ب) اللغة البربرية أو القبائلية : تاريخ الخط المغربي وفروعه].
دروس اللغة العربية لبرسنيه
Bresnier, cours de langue arabe [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية:
Kabyli (ب) اللغة البربرية أو القبائلية : تاريخ الخط المغربي وفروعه].
تاريخ المقريزي «الخطط» [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية:
Nubian (ج) اللغة النوبية].
المقتطف [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية:
Nubian (ج) اللغة النوبية].
كتاب الإسلام للكونت هنري دي كاستري [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية:
Hausa (د) اللغة الحوسية].
مجلة القرن التاسع عشر (مقالة فيها للعلامة روبنصن) [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية:
Hausa (د) اللغة الحوسية].
الإسلام في مدغسكر لجبرائيل فراند [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية: (و) اللغة الملجاشية].
سيرة رامينيا عن مخطوط عربي ملجاشي، ملحوظات على النسخ العربي الملجاشي لفراند
Ferrand, la légende de Raminia d’après un manuscrit Arabico-Malgache, j. Asiat. 1902. Notes sur la transcription Arabico Malagache . [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية: (و) اللغة الملجاشية].
رحلة الحبش لصادق باشا المؤيد [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية: (ز) اللغات الحبشية وغيرها].
لغات أفريقيا الحديثة للدكتور كوست
R. N. cust, the Modern Languages of Africa ، [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية: (ز) اللغات الحبشية وغيرها] و[الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية: (ز) اللغات الحبشية وغيرها]. .
محاضرات الدكتور لتمن في علم مقارنة اللغات السامية [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية: (ز) اللغات الحبشية وغيرها] و[الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (6) النتيجة].
معجم لغة هرر للكابتن بورتن
Burton [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي: (3-4) اللغات الأفريقية: (ز) اللغات الحبشية وغيرها].
تاريخ علم الأدب عند الإفرنج والعرب للمرحوم روحي بك الخالدي [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (5) انتشار الخط العربي قديما في أوروبا] و[الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (5) انتشار الخط العربي قديما في أوروبا] و[الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (5) انتشار الخط العربي قديما في أوروبا].
عجالة عن بعض المدائن في صقلية، مقالة للأستاذ أحمد زكي باشا في «المؤيد» [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (5) انتشار الخط العربي قديما في أوروبا].
السياح المسلمون للأستاذ محمود بك سالم [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (5) انتشار الخط العربي قديما في أوروبا].
مجموعة الخميادو نشرها بابلوجيل [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (6) النتيجة: (6-1) الخط العربي واللغات الأوروبية].
Aljamidos .
تاريخ البرتقال في ملبار المسمى: «تحفة المجاهدين في بعض أحوال البرتكاليين» [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (6) النتيجة: (6-1) الخط العربي واللغات الأوروبية].
أبحاث في تاريخ المورو وشريعتهم وديانتهم للدكتور صليبي
N. M. Saleeby, Studies in Moro history, law, and religion [الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي: (6) النتيجة: (6-2) الخط العربي ولغة الفيليبين].
طبقات الأطباء لأبن أبي أصيبعة [الأديان ومحافظة الأمم على الخطوط].
أخبار الحكماء لابن القفطي [الأديان ومحافظة الأمم على الخطوط].
الطقس البيزنتي لشارون
Charon, le Rite Byzantin [الأديان ومحافظة الأمم على الخطوط].
تاريخ المشرق لماسبيرو [الخطوط التي ورثها الخط العربي].
حضارة العرب للدكتور جوستاف لوبون [الخطوط التي ورثها الخط العربي].
Dr. Gustave Le Bon, La Civilisation des Arabes .
هذه هي أهم الكتب التي اعتمدنا عليها في مباحث هذا الكتاب، وهي غير ما رجعنا إليه في التحقيق من الموسوعات العربية والإفرنجية والمجلات «كالهلال» و«المقتطف» و«المقتبس» وغيره.
شكل 1
شكل 2
شكل 3
अज्ञात पृष्ठ