وكيف يتصور أن يبذل ماله بالنذر والذبح- مع أن المال عزيز عند أهله – لمن لا يرجوه، ويعتقد أنه لا يحصل له من جهته نفع ولا دفع ضر! فهذا من أبين المحال وأبطل الباطل.
كيف وهم يفتخرون بقضاء حاجاتهم، وكشف كرباتهم من جهتهم: فبعض منهم يعتقد (١) أن الميت ونحوه يفعل ذلك أصالة، وبعضهم يقول: هم وسيلتنا إلى الله، يعنون: واسطة بينهم وبين الله، كما عليه المشركون الأولون؛ كما أخبر الله عنهم أنهم يقولون: ﴿هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ﴾ (٢) ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ (٣) .
بل كثير من مبتدعة هذه الأمة: أعظم غلوا واعتقادا في ولائجهم من المشركين الأولين؛ لأن الله ﷾ أخبر عن المشركين الموجودين حين نزول القرآن: أنهم يخلصون لله الدعاء في حال الشدة، وينسون آلهتهم.
وكثير من غلاة أهل هذا الزمان: يخلصون الدعاء عند الأمور المهمة والشدائد لولائجهم، كما هو مستفيض عنهم.
قال الله تعالى إخبارا عن المشركين الأولين (٤) ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ (٥) .
وقال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ
_________
(١) (ع) (ط): يعتقدون.
(٢) سورة يونس آية ١٨.
(٣) سورة الزمر آية ٣.
(٤) (ع) (ط): الأولين. ساقطة.
(٥) سورة العنكبوت آية ٦٥.
1 / 52