इंतिसार
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
قلنا: إن كان الغرض أن جرم النجاسة قد أحالته الأرض حتى صار ترابا فقد صار طاهرا بالاستحالة كما في رماد العذرة، لكنا نقول: إن مكان النجاسة قد صار نجسا بالبلة التي تلحقه فهي باقية فلا بد من إزالتها بالماء، والأرض لا تقدر على إزالة البلة، وإنما تطهيرها يكون بالماء، فالأرض وإن كانت أقوى في الإحالة للنجاسة من الماء لكن الماء أقوى منها في كونه مزيلا للبلة المتنجسة دون الأرض.
قالوا: روي عن الرسول أنه قال: (( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا )). ولفظة الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وظاهرها يدل على أن الأرض كما تصلح للسجود عليها بالصلاة فهو دال على كونها مطهرة للأنجاس، ولن يكون تطهيرها لها إلا بما ذكرناه.
قلنا: عنه جوابان:
أما أولا: فلأن هذا لا يتأتى على مذهبكم؛ لأن الطهور عندكم من الأسماء اللازمة، والطاهر والطهور عندكم سواء، فلا يكون لكم فيه حجة؛ لأنه ليس مطهرا لغيره، ولهذا عمموا التطهير بالماء وبغيره من الطاهرات كما مر تقريره.
وأما ثانيا: فلأن المراد بكون الأرض مطهرة هو أنها قائمة مقام الماء عند عدمه في تأدية الصلاة، أو أنها مزيلة للنجاسات بالاستحالة فتطهر الميتة بأن تجعلها ترابا كما تطهر النار العذرة بأن تجعلها رمادا، وهذا لا ننكره وعليه يكون تأويل الخبر، وإنما الذي وقع فيه الخلاف والنزاع إنما هو طهارة بلة النجاسة بالأرض، والخبر لم يتناول هذا فلا يكون فيه حجة لكم، فإن ذهب لون النجاسة وريحها بالظل فقد قال البغداديون من أصحاب الشافعي: أنه لا يطهر قولا واحدا، وقال أهل خراسان من أصحابه أيضا: فيها قولان.
والمختار على رأي أئمة العترة: أنها لا تطهر بالظل، بل لا بد من غسلها بالماء عند وقوع النجاسة عليها كما قاله أهل بغداد.
والحجة على ذلك: هو أن الأرض لا قوة لها على طهارة البلة اللاحقة بالأرض، وأن الظل أضعف من الشمس، فإذا لم تكن مؤثرة فالظل أبعد من التأثير في الطهارة.
पृष्ठ 411