इंतिसार
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
शैलियों
وهل يكون قاطعا فيما تناوله أم لا؟ فيه نظر وتردد، والأقرب أن دلالته ظنية كالظواهر القرآنية ونصوص السنة المنقولة بالآحاد، وكالإجماعات من جهة الأمة التي نقلت على طريق الآحاد لما في ظاهر الآية والخبر - الدالين على كونه حجة - من الاحتمال، وإذا كان مظنونا جاز مخالفته بالاجتهاد، ولهذا فإنك ترى كثيرا من المسائل التي وقع فيها إجماع العترة، الخلاف من جهة الفقهاء فيها ظاهر، والاجتهاد فيها مضطرب من غير نكير هنا في المخالفة ولا تأثيم للمخالف ولا تحريج عليه، ولو كان إجماعهم قاطعا لحرم الاجتهاد ولكان الخطأ مقطوعا به. وفي هذا دلالة على كونه ظنيا وأنه لا يحرم الاجتهاد.
وهذا ما أردنا ذكره في تقرير أدلة الخطاب من الكتاب والسنة والإجماع.
المرتبة الثانية: في بيان دلالة المفهوم من الخطاب
وهو أن يكون الحكم مستفادا من غير ظاهر اللفظ وصريحه، فما كان على هذه الصفة فهو في لسان الأصوليين يقال له: المفهوم. ثم إنه يأتي على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول منها: فحوى الخطاب.
وحقيقة هذا الضرب آيلة إلى أن المسكوت (عنه) يكون أقرب إلى الفهم من المنطوق به، ودلالة اللفظ عليه من جهة التنبيه، ومثاله قوله تعالى في حق الوالدين: {فلا تقل لهما أف}[الإسراء: 23]. فنص بتصريح اللفظ على المنع من التأفيف، ونبه بطريق الفحوى على منع الضرب والشتم وسائر الإيذاء من طريق الأولى، ومثله قوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك}[آل عمران: 75]. فنص على القنطار ونبه به على ما دونه من جهة الأحق والأولى، ونص على الدينار ونبه على ما فوقه بطريقة الأولى. وكقوله عليه السلام: (( لا تضحوا بالعوراء ولا بالعرجاء)) فنص على العور والعرج، ونبه بذلك على ما فوقه من العمى وقطع الرجلين من طريق الأولى، فما هذا حاله (فهو يفهم) عند الخطاب لا من جهة الخطاب وصيغة لفظه.. ثم تردد الأصوليون، فمنهم من قال: إن المنع من الضرب مستفاد من جهة عرف اللغة، ومنهم من زعم أنه مفهوم من جهة معنى اللفظ وفحواه، وهل يسمى قياسا أم لا؟ فمنهم من جوز ذلك ومنهم من منعه، وحكي عن الشافعي أنه سماه: القياس الجلي.
والمختار عندنا: أن هذه المعاني كلها مفهومة من جهة فحوى اللفظ لا من جهة صيغته؛ لأنه ليس هناك صيغة تدل عليها، وفي هذا دلالة على ما قلناه من أخذها من جهة المعنى دون اللفظ، وأن ما هذا حاله يسمى قياسا أيضا؛ لأن حقيقة القياس، فهم المسكوت (عنه) من شيء منطوق به، وهذا ها هنا حاصل على هذه الصفة، ولا يضر في تسميته قياسا كونه مفهوما بطريق الأحق من المنطوق به؛ لأن في بعض الأقيسة ما يكون جليا وبعضها يكون غامضا، فلا يمنع كونه جليا سابقا إلى الفهم من تسميته قياسا. والله أعلم.
पृष्ठ 142