मुसलमानों की पतन
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
शैलियों
أما السبب الجوهري في أحقية المهاجرين بالرئاسة أو بالأمر فهو أنهم أولياء النبي وعشيرته وأهل نسبه القبلي؛ لذلك «هم أحق الناس بهذا الأمر من بعده». المسألة إذن كانت ميراثا قبليا وليست شأن الدين والإسلام، ليس فيها أسباب كالكفاءة أو مصلحة الرعية أو رأي هؤلاء الرعية، فهذا كله ليس سبيلا إلى «الأمر» أو الرئاسة، إنما السبيل هو القرابة والعصبية والنسب، ومن ثم تكون الأرض وإمارتها ميراثا وليس دولة تدار بأساليب إدارة الدول كما في بقية الدول المجاورة.
هنا لا تجد بالمرة تعبير «دولة»؛ فالعرب لا تعرف من دلالة دولة سوى التداول بتغير الأزمان، وتلك الأيام نداولها بين الناس، إنما كانوا يعرفون «الرئاسة» أي الحكم بمفاهيمنا ولكن بمصطلح «الأمر»؛ لأن الرئيس هو من يأمر فيطاع؛ فهو الآمر، وماهية منصبه هي «الأمر» ومنها الأمير؛ لذلك لم يعرف العربي معنى الدولة والحكومة كما نعرفه بدلالة أيامنا، إنما يعرف الآمر والمأمور فقط، ما يعرفه الأمر والأمير الآمر بلا منازع ولا معارض ولا شريك. الأهم وتأسيسا على المعاني الفطرية الأصيلة عند العربي في عدم المساواة بين الناس، هو أن أبا بكر كان يرى أن الله لم يساو بين المهاجرين والأنصار، وأن للمهاجرين أفضليتين واضحتين فضلهم الله بهما على الأنصار وخص بهما المهاجرين، الأفضلية الأولى سابقتهم في الإسلام، والثانية هي قرابتهم ونسبهم القبلي للنبي، وإلا لماذا لم يختر نبيه من بين الأنصار؟ ولماذا ظهر في مكة ولم يظهر في يثرب؟ حجة بدورها قبلية تقوم على منطق فبلي عشائري قح.
أما قوله: «لا ينازعهم ذلك إلا ظالم»؛ فهو ما يعني بوضوح فصيح أنه حتى بعد اكتمال الدين تحت سمع وبصر الصحابة، فإن من بين الصحابة من عجز عن إدراك العدل، وظهر من بينهم من هو ظالم لا يرى العدل عندما يكون ماثلا أمام عينيه، وهذا العدل ليس هو الوفاء للأنصار بما قدموا؛ إنما هو حق قريش في الحكم، وهذا الحق له أصول قبلية راسخة. وعليه فإن دلالة مفهوم العدل زمنهم تختلف بدورها عن فهمنا لها اليوم، فحق قريش بعيون اليوم سيكون غير مفهوم بالمرة، مقابل ما قدم الأنصار للدعوة من بذل وعطاء وفداء.
في قمة السقيفة حدثت تحولات وانقلابات أدت إلى تغير خط سير التاريخ، فبعد ريادة يثرب، وبعد ما كان الأنصار وقود الانتصارات الإسلامية المتتالية، أسفر اجتماع السقيفة عن نتائج أعادت إلقاء الأمر كله بيد قريش مرة أخرى، لتستمر قائدة للعرب بشكل شرعي، بعدما كانت سيادتها زمن الجاهلية سيادة عرفية غير ملزمة ودون اعتراف قبلي علني بهذه القيادة، لقد دق اجتماع السقيفة قريش وتدا في جسد الزمن والجغرافيا لتحكم بشرعية القرابة للنبي ودينه معا، بالانتساب إلى الدين رغم أنه حق مشاع لا يصح إليه انتساب دون انتساب، لقد تم تأميم الإسلام وتشخيصه في شخص محمد، ومن القرابة لمحمد تم وراثة الدين والدنيا معا في منظومة واحدة يعرفها العلم الحديث باسم منظومة الاستبداد الشرقي.
والنظرة الأكثر فحصا وتدقيقا لا بد أن تصل إلى أن قمة السقيفة لم تغير خط سير التاريخ، إنما هي أعادت هذا الخط إلى مساره الطبيعي الذي سبق وصنعته ظروف البيئة وظروف السياسة العالمية، عندما أصبحت مكة بقيادتها القرشية أهم محطة تجارية مالية، نتيجة للحرب بين الفرس والروم، عندما لم يعد في العالم طريق آمن للتجارة سوى الطريق الصحراوي القادم من اليمن في رحلة الشتاء فيما نحو الشمال حيث عالم الإمبراطوريات في رحلة الصيف. وما كانت يثرب في ذلك إلا حلقة في السلسلة الكبرى التي تم استخدامها في انحرافة تاريخية لضرب تجارة مكة، وقيام يثرب بغزواتها الإسلامية على الطريق التجاري وحصاره اقتصاديا لإخضاع مكة للسيادة الإسلامية، وما حدث في السقيفة إذن هو عودة الاعتدال لخط سير التاريخ نحو نتائجه المنطقية، فكان أن أصبحت يثرب نفسها مقرا لأول حكومة قرشية عربية بالمعنى الواسع لفيدرالية قبلية موسعة في جزيرة العرب. (1) ماذا أبقت السقيفة للأنصار؟
في خطابه بالسقيفة يتوجه أبو بكر للأنصار قائلا: «نحن المهاجرون وأنتم الأنصار، إخواننا في الدين، وشركاؤنا في الفيء، وأنصارنا على العدو.»
هنا تبدو حكمة أبي بكر وحنكته في توجيه الاهتمام لما يحب العربي ويهوى. نحو الحروب والسبي والفيء والغنائم، مع تضمين التوجيه نحو الفتوحات طمأنة للأنصار على حفظ حقوقهم في الفيء، إنها الإشارة الهامة التي تهدئ الروع وتطمئن الفؤاد، ولا شيء هنا عن واجب الصحابة في نشر الدعوة الإسلامية، كل الحديث عن فيء مضمون لأصحابه (الطبري، 11، 220. هيكل، حياة محمد، ص403). والعدو المقصود هنا هو غير المسلم، فمجرد وجوده هو عدوان على المسلم يجب رده، وغير المسلم العدو سيكون هو محل تفعيل الحلف القديم «أنصارنا على العدو»، وهو مصدر الفيء الذي سيكون منه نصيب «لشركائنا في الفيء.»
ولا يفوت الصديق أن يقدم للأنصار التقدير والثناء فيقول لهم: «وأنتم معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصارا لدينه ورسوله، وجعل إليكم الهجرة، وفيكم جلة أزواجه وأصحابه، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تفتاتون بمشورة، ولا تقضى دونكم الأمور.»
في عالم العرب كانت اللغة قادرة فعالة، قوم فخرهم اللغة، فخرهم أنهم يتكلمون، ولقبوا غيرهم بالعجم ولقبوا الحيوانات بالعجماوات أي التي لا تفصح فصاحة العرب، وهذه الفصاحة قامت بتحويل تضحيات الأنصار العظمى وإيوائهم النبي والمهاجرين ومحاربة العرب من أجله إلى منة من الله لينصر بهم دينه، فليس لهم أي فضل على الدعوة؛ لأن الحقيقة أن الفضل هو على الأنصار وليس لهم، ويكفيهم أنهم كانوا المختارين إلهيا للقيام بهذه المهمة وحدها؛ لذلك من الله عليهم بهذا الفضل فشرفهم بذلك وكرمهم، ورغم هذا التكريم الإلهي فلا يزالون أمام القانون القبلي في الدرجة الدنيا فهم بعد المهاجرين؛ لذلك فالعدل يفرض الأمراء «الآمرين» من قريش، والوزراء من الأنصار.
والقارئ المدقق لتفاصيل قمة السقيفة سيرى أول الملحوظات البارزة وهي العادة العربية الجاهلية في التفاخر بالنسب وعدد أفراد القبيلة وقوتها ومنعتها ودرجة القرابة من الرسول، والتعامل مع الأمر باعتباره ميراثا، دون أي إشارة تفيد بمعرفتهم لمبادئ الحقوق والواجبات، سواء أكانت تلك المتعلقة بالحاكم أم بالرعية، وعدم المعرفة هو التفسير الوحيد لعدم تعرض أي من الطرفين لها في المنافسة التي دارت بالسقيفة وسجلتها لنا كتب السير الإسلامية بكل دقة. أما الملحوظة النافرة الناتئة فتكاد تعمي البصر، هي أن أحد الفريقين لم يتعرض لما سيحرص عليه من أجل نشر الإسلام وتثبيته كهدف رئيسي. لقد تركوا جثمان نبيهم لأهله الهاشميين يغسلونه ويكفنونه ويلحدونه ، وراحوا إلى السقيفة يتصارعون على الإمارة، ولم يحضر الدين إلا لدعم كل طرف على الآخر، أما هو في ذاته فلم يكن هدفا واضحا في هذا الاجتماع التاريخي الفاصل.
अज्ञात पृष्ठ