मुसलमानों की पतन
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
शैलियों
ومن ثم فإن عدم المساواة بين أقدار الناس أصيل في البنية التكوينية لطبيعة المجتمع البدوي، الذي يرى أن عدم المساواة هو طبيعة الأشياء ونظام الكون، وأن تراتب الخلق في منازل ورتب ودرجات قدر حتمي، ولأنه يتعلق بعدم المساواة في الرزق الذي لا حيلة فيه لإنسان؛ فهو قدر إلهي محتوم.
ونجد هذه القاعدة البدوية في التفرقة بين بني آدم أساس ومحور النقاش في سقيفة بنى ساعدة عندما تنافس الأنصار والمهاجرون حول أحقية كل منهما في رئاسة العرب بعد وفاة الرسول واكتمال الرسالة الإسلامية. وتمكن المهاجرون القرشيون من حيازة الأفضلية للرئاسة فأصبحوا من بعد هم الحاكمين وهم من كتب التراث الإسلامي تحت ظلهم وبتوجيه منهم. وقد حازوا تلك الأفضلية بالقرابة القبلية العشائرية من نسب النبي، فهم ذوو قرابته ومن دمه ورحمه. وأفضلية أخرى إضافية هي السابقة في الإسلام، وهي قيمة غير مفهومة في معايير زماننا؛ لأن الأسبقية في الإسلام لا يجب بموازين عدل اليوم أن تفضل طرفا على طرف تأخر إسلامه؛ لأن المعنى سيكون أنه كان مطلوبا في العالم كله وفي لحظة واحدة أن يعلن إسلامه حينما أعلن النبي نبوته، حتى تكون هناك مساواة، وسواء بلغته الدعوة فورا أم جاءته متأخرة. فالسابقة في الإيمان هنا لا يمكن فهمها إلا في ضوء حياة الغزو القبلي، القائمة على القدرة القتالية والانتصار بأي أسلوب ممكن، كالخطف حيث يكون الخاطف صاحب حق في المخطوف بمجرد خطفه، إن السابقة هنا تعني في المفهوم البدوي أنه قد سبق إلى الخطفة فأصبحت له، وهي قاعدة بدوية يفهمها كل البدو، ويرونها حقا منطقيا طبيعيا لا غبار أخلاقيا عليه بالمرة، ولعل قولة عمر بعد فوز أبي بكر بالخلافة: «إن خلافة أبي بكر كانت فلتة وقانا الله شرها» تعبير واضح عن تلك الفلتة أو الخطفة.
في السقيفة سنرى أول استثمار انتهازي للدين من أجل مكاسب دنيوية بحتة، وكان أول المستثمرين هم صحابة النبي المقربين، وهم من فتح الباب لاستثمار دين الله لأهداف دنيوية بحتة، وذلك بحسبانهم من قال عنهم النبي: «أصحابي كالنجوم؛ بأيهم اقتديتم، اهتديتم.» ومن ثم كانت قدسية الصحابة رصيدا قدسيا آخر، فتم إلباسهم قداسة الدين الذي تم استثماره في صراع أهل القمة في السقيفة.
وقد أثمر هذا الاستخدام الانتهازي للدين ولقداسة الصحابة تقسيما للمجتمع المسلم إلى قسمين: قسم له شرف الحكم، وقسم آخر تم تشريفه بكونه رعية للحكام المقدسين، وعليه واجب الطاعة والمساعدة ولا حق له في الحكم، وذلك تأسيسا على حديث أبي بكر عن النبي الذي حسم به الأمر: إن «الخلافة في قريش». وما كان ممكنا تكذيب أبي بكر وهو الصديق في هذا الحديث الذي لم يسمعه من النبي سوى أبي بكر وحده. بل وترتب على هذا الحديث أن جعل الحكم وراثيا في قريش وحدها دون بقية العرب، وتمت به مصادرة مدينة يثرب من أهلها الأنصار وخلوصها فيئا للمهاجرين دون حرب ولا فتح، بقرار ديني احتفظ به أبو بكر سرا حتى حان أوانه فأفشى به.
الملحوظة الثانية التي لا تقل أهمية فيما دار بالسقيفة هو أن طرفي الصراع كانا يتحدثان بحسبان الرسالة المحمدية موجهة للعرب وحدهم دون الناس، في خطبة أبى بكر يستذكر مع الناس ما مضى، وكيف جاء النبي بدعوته، وكيف «عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم.» (الطبري، 11، 19). فهو يوضح هنا أن الرسالة كانت موجهة للعرب وحدهم، ولم يرد في خطبته على طولها وتعدد محاورها ما يشير إلى غير العرب من فرس أو روم أو غيرهم من قريب أو بعيد.
المعنى ذاته تؤكده خطبة سعد بن عبادة الأنصاري، الذي قام بالسقيفة يعرض حجج الأنصار في الأحقية والأفضلية للحكم، موجها خطابه لأهله الأنصار وكيف استضافوا الدعوة وحموها وخرجوا بها خارج حدود يثرب في ظل سيوفهم ورماحهم، حتى استقامت العرب بسيوفنا لأمر الله طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داحرا، وحتى أثخن الله لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب.» وهكذا تكون الرسالة قد اكتملت بسواعد الأنصار وذلك في خاتمة سعد، «وتوفاه الله وهو راض عنكم، وبكم قرير العين.»
هنا أيضا كان العرب هدف الرسالة التي بلغتهم تامة كاملة، وليس مقصد الرسالة حسب فهم الصحابة هنا هو العالم، وعندما كانوا يتحدثون عن الأرض كانوا لا يقصدون بها العالم، إنما أرض العرب بالذات، «حتى أثخن الله لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب». فالأرض المقصودة هنا هي الأرض التي دانت عربها لأسياف الأنصار.
هنا اختلاف شديد في المفاهيم ما بين دلالتها عند عربي زمن الدعوة وما بين دلالتها اليوم، وهو الأمر الذي تهدف هذه الدراسة إلى التنبيه إليه، حتى يمكن أن نقرأ نصوص ذلك الزمان بدلالات مفاهيم زمنهم لا مفاهيم زماننا اليوم.
أبو بكر يدعم موقف المهاجرين المطالب بالحكم والسلطان فيقول عنهم: «فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله ورسوله، وهم أولياؤه وعشيرته، وهم أحق الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم، وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة.»
ويلفت الانتباه بشدة قول الصحابي الكبير «فهم أول من عبد الله في الأرض»، فلا شك أنه كان على علم بالنبوات السابقة في بقاع الأرض حول جزيرة العرب؛ لذلك عندما يقول الأرض فإنما هو يعني أرض الجزيرة تحديدا التي فيها كان المهاجرون أول من عبد الله حق عبادته وآمن بالله ورسوله، ويظل المفهوم من كلمة الأرض أرض العرب وحدها.
अज्ञात पृष्ठ