मुसलमानों की पतन
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
शैलियों
تعد قيمة «الوفاء بالعهد» أحد المظاهر المتعددة التي تتجلى من خلالها قيمة أعظم، هي قيمة «الأمانة». وكلاهما «الأمانة» وتجليها في «الوفاء بالعهد» لم تكن شيئا معلوما في الجاهلية الأولى التي كانت قسوة وشظفا وتركت أثرها أخاديد وبثورا أبدية في وجه العربي القيمي. كانت البيئة شحيحة، بيئة ندرة وجوع كافر، ومناخ أشد كفرا؛ لذلك كان القتال حتى الفناء أو الإفناء في صراع صفري دائب على مواطن الماء والكلأ حتى ينضب، فتتحرك القبائل إلى موطن غيره في عيالة وطفيلية شديدة على الطبيعة ومنتجها الشحيح. في مثل هذه البيئة تكون معاني القيم شديدة الاختلاف عما نفهمه منها اليوم؛ لأن القيم الأخلاقية التي يجب أن تسود هي ما يضمن الحياة في بيئة لا ترحم، لذلك يكون الحديث عن الرحمة بمفاهيم أي زمان أو مكان آخر مختلفا بالكلية عن مكان وزمان الجاهلية الأولى.
ولا يكون هناك معنى لكلمة «أمانة» وما يترتب عليها؛ فالأمانة في العربية أصلا من الأمن والأمان، وهما لا يتوافران بالأمانة بل القوة القتالية البحتة المجردة التي تحقق الأمن.
وتحدث أحداث عالمية ذات تأثير واسع، ستؤدي سريعا إلى تغير وجه التاريخ والجغرافيا معا، عندما تدخل الإمبراطوريتان الرومية والكسروية حربهما السبعينية، لتطارد كل منهما الأخرى في أقاصي الأرض، عدا مكان واحد لم يرغب فيه أي منهما، هو فيافي جزيرة العرب. مما هيأ للجزيرة فرصة القيام بأعباء تجارة العالم بعد قطعها في البحار ، من سواحل اليمن إلى سواحل الشام وبالعكس في رحلتي الشتاء والصيف. وهي التجارة التي قامت عليها قبيلة قريش محولة مكة من مجرد استراحة على الطريق إلى مدينة وحاضرة ذات أسواق كبرى، وشارك كل عرب الجزيرة في القوافل التجارية بأموالهم، وحرسوا طرق التجارة حرصا على أموالهم ومنافعهم، فكان أن نشأت قيم هي فرز زمنها وظروفه ، وأصبحت «الأمانة» القيمة الأولى الواجب احترامها حفاظا على سيولة الطريق التجاري وضمنها الوفاء بالعهد، فكتبت قريش عهود الإيلاف للقبائل والملوك برعاية الطريق، وجعل مكة لمن دخلها مكان أمن وعبادة وفرح وعربدة وسعادة وتجارة ولهو وجنس يأمن فيه الجميع من الجميع في أشهر حرم معلومات توافقوا عليها هي شهور السفر والتجارة. وتم التأكيد على الوفاء بالعهود التي كتبتها قريش مع القبائل الضاربة على الطريق لتضمن عدم اعتدائها على القوافل التجارية، نظير عهد مقابل هو دفع جعالات من دخل القوافل لهذه القبائل المتناثرة بطول الطريق التجاري، كان عهدا تجاريا بحتا، حتى القيمة مدفوعة الثمن. لذلك كان التأخير في دفع تلك الجعالات يقابل مباشرة بقطع الطريق حتى تفي قريش وكبار التجار بالتزاماتهم. وكان أن يرأس أحدهم قافلة فيتلاعب بأسهم الناس فيها؛ فهو ما كان يعني دمار وبوار وخراب تلك التجارة؛ لذلك حرص التجار من قواد القوافل الكبرى على حيازة لقب «الصادق الأمين»، ليأمن الناس على أموالهم وتسيل التجارة وتفيض على الجميع بنفعها.
لكن العقائد الدينية لم تتمكن من التخلص من بدائية العبادة، التي كان يتم فيها التقرب إلى الآلهة بالقرابين البشرية من الأطفال الإناث (في ظاهرة الوأد) والذكور (كما في حال عبد الله أب النبي محمد
صلى الله عليه وسلم
الذي افتداه أبوه عبد المطلب من الآلهة بمائة من النياق)، حتى جاء الإسلام ونقل العرب نقلة دينية ألغت وجرمت وأنهت القربان البشري في الطفولة، وجعلته قربانا يحدث عن قناعة عاقلة للشخص الراشد في عقيدة الجهاد.
وقد علمنا أن الإسلام قد عاد بالعرب إلى بعض الجاهلية الأولى مضطرا لحسابات ظروف موضوعية ستأتي بمكانها من هذا البحث، عندما عاد إلى شرعية الغزو والسلب والنهب والغنم (وكلها مصطلحات إسلامية بالكتب الأمهات في إشارتها للفعل العسكري الجهادي زمن الدعوة)، وهو ما حاصر قريشا اقتصاديا وأصابها في مقتل حتى سقطت ثمرة ناضجة بيد القوة الإسلامية الطالعة، كانت الغاية بحاجة إلى تلك الوسيلة؛ لذلك جعلها الإسلام وسيلة مشروعة، بل مطلوبة بل مأجورة ومثابة أعظم الثواب، وقال النبي بوضوح شديد : «أحلت لنا الغنائم ولم تحل لأحد من قبلنا، وذلك أن الله تعالى رأى عجزنا وضعفنا فوهبها لنا.» (متفق عليه بكل الصحاح)، بل كان للنبي خمس ما يغنم المسلمون في معاركهم
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول (قرآن كريم)، وكان القرآن شديد الدقة والوضوح في العودة إلى زمن الغزو والسلب والنهب والغنم بقول الله تعالى للمسلمين:
فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا .
وهو الأمر الذي يترتب عليه إعادة السؤال حول قيمة الوفاء بالعهد، وهل استمرت في الواقع الفعلي للمسلمين بعد ظهور الإسلام، أم تراجعت مع ما تراجع من قيم الجاهلية الثانية إلى قيم الجاهلية الأولى؟ نطرح هنا نماذج حدثت إبان وجود النبي
अज्ञात पृष्ठ