وَغَيْرِ ذلكَ مِمَا انتفعَ بِهِ الأئِمَّةُ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَتنافَسُوا في تَحْصيلِهِ بُعْدًا وَقُرْبًا (١).
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ التَّصَانِيفِ إِلاَّ كِتَابُهُ الشِّفَا بتعريفِ حُقُوقِ المُصْطَفَى لَكَفَى في عُلُوِّ مِقْدَارِهِ، وَسُمُوِّ اشْتِهَارِهِ، فإنّه أَبْدَعَ فيه كُلَّ الإِبْدَاع، وَانْعَقَدَ على جَلاَلَتِهِ الإِجْمَاعُ، وَسَلَّمَ لَهُ أَكْفَاؤُهُ [كِفَايَتَهُ] (٢) فِيهِ، وَاعْتَمَدَهُ المحدِّثُ وَالفَقِيهُ، ولم يُنَازِعْهُ في انفرادِهِ به أَحَدٌ، ولا خَلِيَ عنه من مُدُنِ الإِسلامِ بَلَدٌ، وَلاَ أنكروا من يَدِهِ سَبْقَهُ إِلَيْهِ، بَلْ تَشَوَّقُوا للوقوفِ عَلَيْهِ، وَأَنْصَفُوا في الاستفادةِ مِنْهُ والرّوَايَةِ عَنْهُ، واعترفوا بأنه بَلَغَ فيه الغَايَةَ القُصْوَى، وإن كانَ ذَلِكَ أَمْرًا لا يُسْتَوفَى.
"فَنَسْأَلُ الله تَعَالى أن يُجَازِيَ مُؤَلِّفَهُ خَيْرًا، وَيُعْظِمَ له بما ألَّفَهُ وانْتَخَبَهُ أَجْرًا، فلقد جَرَى في مَيْدَانِ أَشْرَفِ العلومِ جَرْيَ السَّابِقِ، وَنَظَمَ في جِيدِ الزَّمَانِ سِلْكَ المعارفِ، وَدُرَرَ الحقائقِ، وَشَفَى بكتاب الشِّفَا قَلْبَ كُلِّ مُؤْمِنٍ صَادِقٍ، كَمَا كَبَتَ به [قَلْبَ كُلِّ] (٣) عَدُوٍّ مُنَافِقٍ، فإذا طَالَعَهُ المؤْمِنُ استنارتْ في بَاطِنِهِ حقائقُ أنوارِهِ، وإذا جَالَ في رَوْضِ
_________
= نسخ عديدة منها بالخزانة الملكية بالرباط برقم: ٥٣٤ و٩٨١٨، وبالخزانة العامة بالرباط أيضًا برقم: ٣٣٥، وبخزانة القرويين بفاس بر قم: ٣٣٣ و٣٣٤ و٣٣٦.
(١) قال ابن خاتمة في كتابه المزية في تاريخ المرية: "للقاضي عياض ﵀ تآليف مفيدة كتبها الناس عنه وانتفعوا بها وكثر استعمال كل طائفة لها".
انظر: أزهار الرياض في أخبار عياض للمقري ٥/ ٧.
(٢) في الأصل: وكفايته، وما أثبته هو الأنسب للسياق.
(٣) في الأصل: كل قلب، وعليه علامة تضبيب، وما أثبته هو الصواب، وانظر: أزهار الرياض ٤/ ٢٧٥.
1 / 37