وَرَافَقَ مجالس ختمه للبخاري احتشاد واهتمام من طرف الولاة والأعيان حيث لم يكن يتخلف منهم أحد عن الحضور في مجلس الختم، بل كانوا يوزعون العطايا والهبات على الطلبة والحاضرين، يقول السخاوي: "وكان لبعض ختوم ذلك أوقات حافلة، وأما بالمدينة فختم في يوم جمعة بالروضة النبوية: البخاري ومسند الشافعي ودلائل النبوة والقول البديع وغيرها، ولم يتخلف عنه كبير أحد، وأنشدت قصائد مبتكرة لغير واحد ذكرتها في محلها، وخلع الخواجا الشمسي ابن الزمن على القراء والمادحين، جوزي خيرًا ونرجو القبول والمغفرة" (١).
ويقول في ترجمة أحمد بن عبد الرحيم بن محمود العيني القاهري أحد الوجهاء والمقدمين في مصر: "سار على سيرة أكابر الملوك في الِإنعام والمماليك خصوصًا، فإنه فعل من المعروف والِإحسان شيئًا كثيرًا، وعُقِدَ عنده مجلس الحديث فما تخلف كبير أحد عن حضور مجلسه، وصار يعطيهم الصُّرَرَ عند الختم والخلع وغير ذلك ... " (٢).
ويبدو أن الاهتمام بمجالس الختم قد استمر على نفس هذه الوتيرة في العصور التالية، بل ربما قد أولي عناية أكبر، فهذا العلاَّمة أبو سالم العياشي (ت ١٠٩٠ هـ) يصف مجلس ختم كتاب الشفا على شيخه أبي مهدي عيسى الثعالبي أثناء مقامه بمكة فيقول: "وسمعت من لفظه نحو النصف من كتاب الشفا للقاضي عياض رواية ودراية يقرره
_________
(١) إرشاد الغاوي ل ٦٥/ أ.
(٢) طبقات الحنفية ص ٢٧ (مخطوط بالمكتبة الأحمدية بحلب).
1 / 15