इंसानियत: बहुत छोटा परिचय
الإنسانوية: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
بعض منظري نظرية الأمر الإلهي، بعد تعرفهم على الإشكاليات التي تعترض سبيل الإجابة الأولى، والتي يبدو أنه لا سبيل لتخطيها، يجنحون إلى الإجابة الثانية. لكن لاحظ أنه إن اختار التأليهي الإجابة الثانية، فستنهار «الحجة الأصلية القائلة بأن منظومة الأخلاق تقوم على أوامر الإله»؛ فالتأليهي الآن يقر بأن تعذيب الأبرياء خاطئ على أي حال - إنه خاطئ موضوعيا - سواء أكان يوجد إله يصدر أوامر أم لا. لكن حينها سيكون للملحدين واللاأدريين حرية استخدام هذا المعيار الأخلاقي الموضوعي نفسه؛ ومن ثم، فهما والتأليهيون الآن سواء في إرجاع منظومة الأخلاق إلى التفضيل الشخصي.
ولا ينكر أي مما سبق وجود معضلة بشأن موضوعية منظومة الأخلاق؛ حول الكيفية التي يمكن أن تكون بها الأشياء صحيحة أو خاطئة أخلاقيا بمعزل عن الكيفية التي قد نحكم بها، أو يحكم بها الإله، عليها. ومقصدي هنا هو أن نظرية الأمر الإلهي لا تقدم أي حل حقيقي لهذه المعضلة. (3) ربط الخير بالإله
هذا الزعم لا ينهي بأي حال من الأحوال جميع الحجج التي قد يسوقها التأليهي للنتيجة القائلة بأنه لا يمكن أن يوجد خير من دون الإله. وإليكم اقتراحا مختلفا تماما. هب أن القيمة الأخلاقية لا اعتباطية ولا نسبية، هب أنه يوجد معيار أو مقياس أخلاقي موضوعي، وهب أن «الإله» لا يشير فحسب إلى «خالق» هذا المعيار، بل إلى «المعيار ذاته» (أو - إن شئت - أحد طرفي المعيار: الخير)، لكن حينها إن أقررت بوجود معيار مطلق للصواب والخطأ فهو بمنزلة إقرارك بوجود الإله.
هذا تلاعب ماهر بالكلمات. إن كان «كل» ما يعنيه التأليهي بالإله هو معيارا أخلاقيا موضوعيا ما، وبالتأكيد مع الإقرار بوجود مثل هذا المعيار الأخلاقي؛ بهذه الطريقة يقر المرء بوجود الإله. إلا أن هذا فهم قاصر جدا للمقصود ب «الإله». سيسلم كثير من الملحدين عن طيب خاطر بأنه إن كان هذا هو جل ما يقصده التأليهي بالإله، فإنهم إذن مؤمنون بالإله. إلا أنه بالطبع عادة ما يؤمن التأليهيون بمفهوم أكثر ثراء عن الإله؛ فيتميز فهمهم للإله بأنه لا يشير فحسب إلى هذا المعيار الأخلاقي، بل أيضا إلى أي مما يلي: خالق الكون، مصمم، كيان ذكي، فاعل على معرفة بالأشياء، يضمر نوايا، ولديه مشاعر مثل الغيرة والغضب والحب وما إلى ذلك، كيان خلقنا على صورته، صانع للمعجزات، إنسان كان له شأن في الماضي مات ثم عاد إلى الحياة مرة أخرى، منزل القرآن، عالم الغيب أو كاشف الحقائق، شخص يعدنا بالخلود ... وما إلى ذلك. وبزعمك وجود معيار أخلاقي مطلق فهذا لا يعني القبول بأي من هذه المزاعم الأخرى، كما هي مفهومة حرفيا أو حتى على سبيل القياس. لكن قبولك بوجود معيار أخلاقي مطلق لا يعني قبولك بوجود «الإله»، وذلك على أي مستوى ثري من فهم هذا المصطلح. (4) كيف يتأتى لنا معرفة الصحيح والخاطئ؟
دعونا نلتفت الآن إلى التحدي الثاني: كيف يمكننا أن «نعرف» الصحيح والخاطئ أخلاقيا دون إرشاد الإله والدين لنا؟ هب أنه يوجد معيار أخلاقي موضوعي، فكيف يتأتى لنا معرفة الوجهة التي تشير إليها بوصلة هذا المعيار؟ بالتأكيد، سواء كانت نظرية الأمر الإلهي صحيحة أم خاطئة، فإننا ما زلنا في حاجة إلى الإله والدين كي يرشدانا إلى ما هو صحيح وما هو خاطئ. أين يلتمس الإنسانويون الإرشاد الأخلاقي؟
شكل 4-2: شئت أم أبيت، لمسئولية اتخاذ قرارات أخلاقية طابع ارتدادي يشبه حركة البومرانج؛ جرب قذفها وستجد دائما أنها ترتد إليك.
يمكن أن يقر الإنسانويون - وهم يفعلون ذلك - بأن بعض الأشخاص ربما يكونون أكثر خبرة من الآخرين عندما يتعلق الأمر بمنظومة الأخلاق؛ من حيث إنهم قد يتمتعون بمعرفة أخلاقية أوسع، وقد يكونون حكاما مؤتمنين أكثر من غيرهم على الحكم على الصواب والخطأ. وبالتأكيد قد يمتلك بعض الأفراد حكمة أخلاقية مهمة أو تنطوي عليها بعض النصوص.
ويكمن موضع الاختلاف بين الإنسانويين وكثير من الدينيين في الموقف الذي يتخذه الأخيرون والذي يشجعون الآخرين على تبنيه، فيما يتعلق بمثل هذه المصادر؛ فبعضهم يصر على أفضلية مجموعة مصادر بعينها، وأن منظومة الأخلاق الأساسية التي تعززها تلك المجموعة ينبغي القبول بها بنحو أو بآخر دون شك. أما الإنسانويون في المقابل، فيؤكدون على أهمية «الاستقلال الأخلاقي الفردي».
وبالطبع، لا يفترض الإنسانويون أننا يجب أن نكون أحرارا نفعل ما نشاء؛ فهم يقرون بأن مجتمعنا يحتاج لقوانين وقوة شرطة وسلطة قضائية، لكنهم يفترضون أننا يجب أن نكون أحرارا في «التفكير» لأنفسنا، في إصدار أحكامنا الأخلاقية الخاصة بنا والتعبير عن آرائنا (باستثناء التحريض على العنف أو ما شابه)، وينكرون أنه يجب علينا كلنا أن نعهد بمسئولية إصدار الأحكام الأخلاقية إلى سلطة خارجية ما، مثل قائد سياسي أو ديني.
قد تتساءل حول ذلك. بالتأكيد كثيرا ما توجد مسوغات لعهدنا بمسئولية إصدار الأحكام إلى شخص خبير؛ لا شك أننا نتوجه إلى طبيب من أجل الحصول على استشارة طبية، وإلى فني من أجل رأيه بشأن نظام التدفئة المركزية، وما إلى ذلك. فمن العقلاني غالبا أن تأخذ برأي أصحاب الخبرة في مثل تلك الحالات.
अज्ञात पृष्ठ