فما معنى احترام المرأة الذي سمعنا عنه كثيرا في هذه الأيام؟
لو أغضينا قليلا عن ذلك الاحترام الشهواني لما فهمنا لاحترام النساء معنى كما أرادوا أن نفهمه.
إنني إذا التقيت بالنابغة خصته الطبيعة بموهبة سامية أو ميزته بصفة نادرة، أو بالسيد البجال كبير النفس جليل الخطر، لم أتمالك أن أحترمه. ويكون احترامي هذا له كاحتقاري للزميلة الهبيت. كلاهما عن سجية لا شائبة فيها للتكلف والرياء. فهل احترامنا المرأة من نوع هذا الاحترام؟
كلا!
ليس في صفات المرأة ما يروعنا أو يكبر في أعيننا. فأما أن يقال إننا نكبرها لضعفها، وأن الناس قد علوا في الأدب ومكارم الأخلاق فأصبحوا يعاملون الضعيف كأنما قد نسوا ضعفه وقوتهم، وأنهم يحاسنون المرأة - دون سائر الضعفاء - لهذا السبب، فهذا ما لا يصدقه الواقع. هذا كلام باطل! هذا بهتان!
وجدير بهذا الاحترام أن نسميه إشفاقا. فإنه لا نصيب للضعف من إجلالنا، وكل نصيبه من أطيب القلوب وأبرها ألم أو حنان.
والمرأة نضو الأسر والعسف. واهنة الجلد واهية الجسم. مناقبها وعيوبها مناقب الضعف وعيوبه. وسيبقى هذا شأنها إلى حين.
خلقت المرأة أسيرة انفعالات نفسها؛ فما من منقصة أو محمدة فيها إلا وهي بنت الانفعال. فهي عقلية الحب في صباها، أخيذة الدين في هرمها، وليس للمرأة فضيلة صادرة عن صدق الفكر وأصالة الرأي؛ إذ ليس بين خلالها فيما يعلم الناس أجمل من الشفقة، وهذه راجعة أيضا إلى التأثر الذي لا فضل لها فيه إلا بالإحساس. ولولا ذلك لما استطعنا أن نفهم كيف تجتمع شفقة المرأة وأثرتها في نفس واحدة. فإنهما خلتان متناقضتان، ولكنهما تردان في الضعفاء إلى مصدر نفساني واحد، هو الخوف على النفس. فإن المرء إذا رأى الرعب أو الألم في سواه تمثله في خاطره مقرونا بما كان يصحبه من شعوره لو أنه وقع لشخصه. فهو يجزع على غيره بالقياس إلى جزعه على نفسه. وكلما كان ضعيفا كان هذا الجزع أشد. وهذا هو الإشفاق.
وهو كلما وسوس له الجزع على نفسه اشتد تعلقه بحياته وعظم شعوره «بأنانيته» وهذه هي الأثرة. بل لولا ذلك لما استطعنا أن نفهم كيف أن هذا المخلوق الرءوف الوديع ينتفض أحيانا وحشا متنمرا في قسوته وضراوته. إذا اهتاج حواسه هائج الحنق والانتقام، أو ثارت في عواطفه كوامن الشهوة والغيرة.
وقد تتصف المرأة بالشجاعة ولكنها لا تأتي بها إلا من جانب الانفعال أيضا. وهذه جان دارك مضرب أمثال الشجاعة بين النساء تملكها شعور عميق واستولت على مجامع حواسها عقيدة دينية فتمكنت منها أيما تمكن. واختبلت أعصابها حتى خيل لها أنها كانت تلمح القديسين الغابرين وتسمعهم يكلمونها. فجعلت هذه الأوهام تقذف بها في المهالك وهي غائبة عن وجدانها. وما كذلك يعنون بالشجاعة وإنما هذا هوس يأخذ بالألباب ويضل الصواب.
अज्ञात पृष्ठ