इंसान फी कुरान
الإنسان في القرآن
शैलियों
هو الإنسان؛ لأنه يحتوي في تكوينه كل عنصر وكل مادة وكل درجة، ويتقبل الارتفاع إلى صفات العلم والخير، أو صفات العقل والتدبير التي تمت للإله على أكملها وأرفعها، كما يتقبل الهبوط إلى مرتبة البهيمية وما دونها، وفي الإنسان شيء من خصائص الأجسام المادية، وشيء من خصائص الأجسام النباتية، وشيء من خصائص الأجسام الحيوانية، وشيء من خصائص الروح الذي يكون للملائكة بغير جسد، وشيء من المعرفة التي يقترب بها من الصفات الإلهية.
وقد انتقل مذهب السلسلة العظمى من الهند واليونان إلى العرب، وانتقل من العرب إلى متصوفة الأوروبيين، وكان من تلاميذ الحكمة العربية رجل تسنم عرش البابوية في آخر سنة قبل نهاية القرن العاشر (999م)، وهو سلفستر الثاني، وظهرت آثارها في أقوال القديس توما الإكويني وألبرت الكبير، «ويرى الأستاذ آسين بلاسيوس الإسباني أن نزعات دانتي الصوفية، وأوصافه لعالم الغيب مستمدة من محيي الدين بن عربي بغير تصرف كثير، ومن المعلوم أن أول الفلاسفة الصوفيين من الغربيين - جوهان أكهارت الألماني - نشأ في القرن التالي لعصر ابن عربي، ودرس في جامعة باريس، وهي الجامعة التي كانت تعتمد على الثقافة الأندلسية في الحكمة والعلوم».
1
ولعل أكهارت هو أسبق المقتبسين من المتصوفة الغربيين لقول ابن عربي: إن الله هو الوجود الحق، وإن كل ما عداه من موجود فوجوده عارية. وهو قول في جملته يعيد إلى الذهن قول أفلاطون: إن الله هو مقياس كل حقيقة، ردا على بروتاجوراس
الذي كان يقول: إن الإنسان هو مقياس الوجود، وإن الله أنعم على الإنسان بالحياة «الزمنية»؛ لأن الزمن محاكاة للوجود الأبدي الذي اختص به الإله دون سواه، وليس بين القولين تناقض في النهاية؛ لأن أفلاطون يعود فيجعل العقل - صفة الله العليا - درجة يبلغها الإنسان، ولا يدركها من دونه من المخلوقات، ولكنه قد يعلو بالعقل فوق مرتبة المادة التي تمتزج بالعقل في تكوين الإنسان. •••
وقد كان لفلسفة أرسطو نصيب غير قليل من الأثر في توجيه عقول الأوروبيين منذ القرون الوسطى إلى مذاهبهم أو أقوالهم، في سلسلة الوجود العظمى؛ لأنه رتب الموجودات على حسب نصيبها من الحس، وقارب بين النبات والحيوان فجعلهما مشتركين في «النفس» النامية، وكاد أن يجعلها رتبة من رتب العقل يتوسط فيها النبات بين الجماد والحيوان، ولم يكن في تصنيفه للكائنات فاصل حاسم بين الحيوان وما دونه؛ لأن «التولد الذاتي» كان في تقديره من الممكنات، وانقضت بعده القرون الوسطى وأوائل العصر الحديث قبل أن تظهر للعلماء استحالة تولد الحيوان من غير الحيوان.
وتقبل اللاهوتيون الأوروبيون فكرة السلسلة العظمى كما وصلت إليهم من مفكري العرب ومتصوفتهم، فلم يجدوا فيها تناقضا ينكرونه بين القول بخلاص الإنسان بالإيمان، وقول سقراط وأفلاطون: إن العقل هو الصفة الإلهية التي يتحلى بها الإنسان، ويعلو بها من أفق الخلائق الدنيا إلى أفق النعمة الإلهية، وإن الإنسان بمعرفته للأشياء يحتويها ويملكها، ويؤتمن على تدبيرها محاكاة لقدرة الله على تدبير الخير لمخلوقاته؛ فإن التناقض بين خلاص الإنسان بالإيمان، وخلاصه من أوهاق المادة بالعقل والمعرفة، يبطل ويزول متى اعتقد المفكر أن العقل الرشيد سبيل إلى الإيمان بالله، والتعويل على البركة الإلهية في تطلعه إلى النجاة والخلاص.
ولم يصطدم الرأيان من بعض الجوانب إلا بعد ظهور فلسفة إبيلارد (1079-1142م)، الذي فسر السلسلة العظمى بأنها لازمة ضرورية تستوعب كل الممكنات، فيستحيل أن يوجد شيء غير ما هو موجود؛ لأن الخالق في علمه وقدرته يعلم جميع الممكنات، ولا يعجز عن تحقيق ممكن منها يتعلق بعلمه وإرادته، فأنكر عليه معاصره برنارد دي كليرفو (1091-1153)، داعية الحرب الصليبية الثانية، ذلك التفسير وقال: إنه يناقض ما ينبغي أن نؤمن به من غضب الله على الخطيئة والرذيلة، ومن إنعامه بالخلاص على الخطاة.
وكان القديس توما الإكويني (1226-1274) يميل إلى تأييد برنارد في اعتراضه على تفسير إبيلارد، ويكاد يعيد ردود الغزالي على ابن رشد في مثل هذه المناقشة، فيقول: إن خلق الله لهذه الموجودات على سنتها التي أودعها فيها لا ينفي قدرته على خلق غيرها زائدا عليها، ولا ينفي قدرته على خلقها مرة أخرى في صورة غير هذه الصورة، فليس انتظام سلسلة الخلق مانعا أن تنتظم لها حلقات غير هذه الحلقات، وسلسلة غير هذه السلسلة مع استيعاب الله لجميع الممكنات؛ لأن التبديل في الممكنات غير مستحيل.
وجاء بيكوديلا ميرندولا (1463-1494)
अज्ञात पृष्ठ