इंसान फी कुरान
الإنسان في القرآن
शैलियों
بعد هذا الشوط في عرض المذاهب والآراء عن الإنسان، نسأل على ثقة من الجواب: هل صحيح أن القرآن يلقي بالإنسان غريبا منقطعا في القرن العشرين؟
والجواب الذي لا تردد فيه: أن القرآن - على النقيض من ذلك - يضع الإنسان في موضعه الذي يتطلبه، فلا تسعده عقيدة أخرى أصح له وأصلح من عقيدة القرآن؛ لأن عصر العلاقات العالمية لا يتطلب «مواطنا» أصح وأصلح من الإنسان الذي يؤمن بالأسرة الإنسانية، ويستنكر أباطيل العصبية ومفاخر العنصرية؛ ليعترف بفضل واحد متفق عليه في كل أرض، وبين كل عشيرة آدمية؛ وهو فضل الإحسان في العمل واجتناب الإساءة، وليس لهذا العصر حق على بنيه أصح وأصلح من حق الشعور «بالمسئولية»، والنهوض بأمانة التكليف، والاحتكام إلى العقل في كل ما يسعه العقل، ثم اطمئنان الضمير إلى الخير فيما خفي عليه من شئون الغيب المجهول، ولا بد في كل عصر حديث أو قديم من غيب مجهول.
إن القرآن يعطي القرن العشرين إنسانه الذي ليس من إنسان أصلح منه وأصح لزمانه، فإذا آمن هذا الإنسان بالله وبالنبوة؛ فليس أصح ولا أصلح لعصر الوحدة الإنسانية من الإيمان برب واحد للعالمين، وبنبوة تختم النبوات بعد الإيمان بهذا الإله الواحد؛ لتسلمه إلى عقله وضميره، وتسأله عن إصلاح نفسه وإصلاح دنياه بما يدعوه إليه قوام الروح والجسد، وطيب الحياة في الدنيا والآخرة.
وإذا كان هذا هو إنسان القرآن بحرفه ومعناه، فلا حاجة بالناقد المنصف إلى حظ كبير من الترفع لينظر من عل إلى أولئك المتعاملين المتوقرين، أولئك الذين يزعمون أنهم قابلوا بين العقائد فخرجوا منها بمقطع الرأي، وقال لهم مقطع الرأي هذا: إن القرآن نسخة مكررة - بل مشوهة - من هذه الديانة أو تلك الديانة، وإنه لم يحدث بعدها جديدا في عالم الروح وعالم العقيدة، وهو الذي هدى العالم في أمر الإله، وفي أمر النبوة، وفي أمر الإنسان إلى هذا الفتح المبين، وما من بقية في لباب العقيدة بعد هذا الجديد الدائم في أمر الحقيقة الإلهية، وأمر الرسالة والهداية، وأمر الكائن الحي المميز بين مخلوقات الله أجمعين، وهو هذا الإنسان الذي تخاطبه الأديان. •••
وقد رأينا مدى الموافقة بين عقائد الحكماء وآيات القرآن في كثير مما عرضناه أو أشرنا إليه فيما تقدم. وقد نرى - أهم من ذلك - أن آيات القرآن تفسح للعقل الإنساني كل طريق من طرق البحث والتأمل، فلا تصده عن طريق قط يترقب منه معرفة نافعة توافق المعارف الشائعة أو تناقضها، فما من طريق يسلكه الباحث الصادق هو طريق مغلق أمامه بحكم من أحكام القرآن، إلا أن يكون الطريق الذي لا يفتحه يوما دينا يدعو إلى الله، وهو طريق الإلحاد.
ففيما تقدم من شروح حكماء الإسلام ما هو أعجب من فروض النشوئيين، بعد القرن التاسع عشر، عن الأحياء ودرجاتها من البهيمية إلى القرد إلى الإنسان. وللنشوئيين المحدثين آراء قد يستمدون تأييدها - لو شاءوا - من آيات قرآنية فسرها بعضنا تفسيرا يتقبله القائلون بتنازع البقاء، وبقاء الأصلح، وتتابع الأطوار:
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض (البقرة: 251).
فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض (الرعد: 17).
وقد خلقكم أطوارا (نوح: 14).
فهل من الواجب على المؤمن بالقرآن أن يلتمس فيه تأييدا لأصحاب «النظريات» والفروض في كل عصر يظهرون فيه؟ نقول: «كلا ولا ريب »؛ لأنها قد تثبت كلها أو بعضها، وقد يطرأ عليها النقض أو التعديل بين جيل وجيل، ولكن القرآن يعمل عمل الدين الصالح إذا سمح للعقل أن يلتمس الحقيقة مع كل فرض من الفروض، وترك له أن ينتهي بها إلى نهاية شوطه مسئولا عن نتيجة عمله، وعما يفيد أو لا يفيد من جهوده ومحاولاته، فليس من عمل الدين أن يتعقب هذه الفروض والنظريات في معرض الجدل؛ لتأييد تفسير، أو خذلان تأويل، وحسبه أنه يملي للعقل في عمله، ولا يصده عن سبيله، فهذا هو الوفاق المطلوب بين العقيدة والبحث، وبين الإيمان والتفكير.
अज्ञात पृष्ठ