والدليل على ذلك قوله تعالى: " وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكو من المنذرين بلسان عربي مبين " فيجب أن تعتقدها هنا أربعة أشياء هنا: منزل، ومنزل، ومنزول عليه، ومنزول به. فالمنزل هو الله تعالى لقوله: " إنا نحن نزلنا الذكر " وقوله تعالى: " وأنزلنا إليك الذكر " والمنزل على الوجه الذي بيناه من كونه نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال كلام الله تعالى القديم الأزلي القديم بذاته، لقوله تعالى: " وإنه لتنزيل رب العالمين " والمنزل عليه قلب النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: " على قلبك لتكون من المنذرين " والمنزول به هو اللغة العربية التي تلا بها جبريل، ونحن نتلوا بها إلى يوم القيامة، لقوله تعالى: " بلسان عربي مبين " والنازل على الحقيقة المنتقل من قطر إلى قطر، قول جبريل عليه السلام. يدل على هذا قوله تعالى: " فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين " وقوله تعالى: " فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالأفق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين " وهذا إخبار من الله تعالى بأن النظم العربي الذي هو قراءة كلام الله تعالى قول جبريل لا قول شاعر ولا قول كاهن. وقالوا: ما هذا إلا قول البشر، فرد عليهم بهاتين الآيتين وكذلك رد عليهم أيضا لما قالوا " إنما يعلمه لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين " فحصل من هذا أن الله تعالى علم جبريل عليه السلام القرآن. دليله قوله تعالى: " الرحمن علم القرآن " وجبريل عليه السلام علم نبينا صلى الله عليه وسلم. دليله قوله تعالى: " علمه شديد القوى " وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ مع جبريل حال قراءته فزعا منه أن يذهب عنه حفظه حتى نهاه الله تعالى عن ذلك بقوله: " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه وقل رب زدني علما " وبقوله: " لا تحرك به لسانك لتعجل به " معناه لا تعجل بقراءتك حتى يفرغ جبريل عليه السلام. ثم طمن قلبه صلى الله عليه وسلم بأنه يحفظه إياه ويثبت حفظه في قلبه، فقال: " إن علينا جمعه وقرآنه " يعني في صدرك حفظه. ووعده أن لسانه يقرؤه قراءة لا يحصل معها نسيان فقال: " سنقرئك فلا تنسى " يعني قراءة لا نسيان معها، فحاصل هذا الكلام أن الصفة القديمة كالعلم، والكلام ونحو ذلك من صفات الذات لا يجوز أن تفارق الموصوف، لأن الصفة إذا فارقت الموصوف اتصف بضدها، والله تعالى متنزه عن الصفة وضدها. فافهم ذلك. فجاء من ذلك أن جبريل عليه السلام علم كلام الله وفهمه، وعلمه الله النظم العربي الذي هو قراءته، وعلم هو القراءة نبينا صلى الله عليه وسلم، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ولم يزل ينقل الخلف عن السلف ذلك إلى أن اتصل بنا فصرنا نقرأ بعد أن لم نكن نقرأ، فالقراءة أغيار لأن قراءة جبريل عليه السلام غير قراءة نبينا عليه السلام، وقراءة نبينا عليه السلام غير قراءة أصحابه، وقراءة أصحابه غير قراءة من بعدهم، ثم كذلك هلم جرا إلى يومنا هذا، يعلم كل عاقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ قبل الصحابة، ثم قرأت الصحابة، ثم قرأ التابعون ثم كذلك إلى اليوم، لكن المقروء والمتلو هو كلام الله القديم الذي ليس بمخلوق ولا يشبه كلام الخلق هو المقروء بقراءة الرسول عليه السلام وقراءة الجميع. وهذا أمر واضح إن شاء الله تعالى.
مسألة
ويجب أن يعلم أن الله تعالى لا يتصف كلامه القديم بالحروف والأصوات ولا شيء من صفات الخلق، وأنه تعالى لا يفتقر في كلامه إلى مخارج، وأدوات، بل يتقدس عن جميع ذلك، وأن كلامه القديم لا يحل في شيء من المخلوقات.
पृष्ठ 35