وبعده أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائله أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم أدر الحق مع علي حيث ما دار. وقال صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هالون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. وقال صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فأعطاها لعلي عليه السلام.
### || ### || ### || مسألة
والدليل على إثبات الإمامة للخلفاء الربعة رضي الله عنهم على الترتيب الذي بيناه: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلام الدين، ومصابيح أهل اليقين، شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم خير القرون، فقال: خير القرون قرني فلما قدموا هؤلاء الأربعة على غيرهم ورتبوهم على الترتيب المذكور، علمنا أنهم رضي الله عنهم لم يقدموا أحدا تشهيا منهم، وإنما قدموا من قدموه لاعتقادهم كونه أفضل وأصلح للإمامة من غيره في وقت توليه.
قال الشريف الأجل الإمام جمال الإسلام. ووقع لي أنا دليل من نص الكتاب في ترتيبهم على هذه الرتبة: أنه لا يجوز أن يكون غير ذلك هو قوله تعالى: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدانهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " ووعده حق، وخبره صدق، لا يقع بخلاف مخبره، فلا بد من أن يتم ما وعدهم به، وأخبر أن يكون لهم، ولا يصح إلا على هذا الترتيب: لأنه لو قدم علي عليه السلام لم تصر الخلافة فيها إلى أحد من الثلاثة، لأن عليا عليه السلام مات بعد الثلاثة. وكذلك لو قدم عثمان رضي الله عنه لم تصر الخلافة إلى أبي بكر وعمر، لأن عثمان مات بعد موتهما، ولو قدم عمر لم تصر الخلافة إلى أبي بكر لأن عمر مات بعده، والله تعالى أخبر ووعد أنها تصير إليهم فلم يصح أن تقع إلا على الوجه الذي وقعت. ولله الحمد على الهداية والتوفيق.
مسألة
ويجب أن يعلم: أن ما جرى بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم من المشاجرة نكف عنه، ونترحم على الجميع، ونثني عليهم، ونسأل الله تعالى لهم الرضوان، والأمان، والفوز، والجنان. ونعتقد أن عليا عليه السلام أصاب فيما فعل وله أجران. وأن الصحابة رضي الله عنهم إنما صدر منهم ما كان باجتهاد فلهم الأجر، ولا يفسقون ولا يبدعون.
والدليل على قوله تعالى: " رضى الله عنهم ورضوا عنه " وقوله تعالى: " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا " وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر فإذا كان الحاكم في وقتنا له أجران على اجتهاده فما ظنك باجتهاد من رضي الله عنهم ورضوا عنه.
ويدل على صحة هذا القول: قوله صلى الله عليه وسلم للحسن عليه السلام: إن ابني سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فأثبت العظم لكل واحدة من الطائفتين، وحكم لهم بصحة الإسلام. وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم: يكون بين أصحابي هنات ونزغات يكفرها الله تعالى لهم ويشقى فيها من شقى. وقد وعد الله هؤلاء القوم بنزع الغل من صدورهم بقوله تعالى: " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين " .
مسألة
خير الأمة
ويجب أن يعلم أن خير الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الصحابة العشرة الخلفاء الراشدون الأربعة رضى الله عن الجميع وأرضاهم، ونقر بفضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك نعترف بفضل أزواجه رضي الله عنهن، وأنهن أمهات المؤمنين، كما وصفهن الله تعالى ورسوله، ونقول في الجميع: خيرا، ونبدع، ونضلل، ونفسق من طعن فيهن أو في واحدة منهن، لنصوص الكتاب والسنة في فضلهم ومدحهم والثناء عليهم، فمن ذكر خلاف ذلك كان فاسقا مخالفا للكتاب والسنة نعوذ بالله من ذلك.
पृष्ठ 22