يُذهبُ فضولَ الطعام والشراب، ويستفرغُ من القلبِ أخلاطَ الشَّهوات المعوِّقة له عن سَيْره إلى الله تعالى، وشَرَعَهُ بقدر المصلحة، بحيث ينتفعُ به العبد في دنياه وأُخراه، ولا يضرُّه ولا يقطعُهُ عن مصالحه العاجلة والآجلة.
وشَرَعَ لهم الاعتكاف الذي مقصودُه وروحُه عكوفُ القلب على الله تعالى، وجمعيَّتُهُ عليه، والخَلْوةُ به، والانقطاعُ عن الاشتغال بالخلق، والاشتغالُ به وحدَهُ سبحانه، بحيث يصيرُ ذكرُهُ وحبُّه والإِقبالُ عليه في مَحَلِّ هموم القلب وخَطَراته، فيستولي عليه بدلَها، ويصيرُ الهمُّ كلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكُّرُ في تحصيل مراضيه، وما يقرِّب منه، فيصيرُ أُنْسُهُ بالله بدلًا من أُنسِهِ بالخَلْق، فيعدُّه بذلك لأنسه به يوم الوَحْشة في القبور حين لا أنيسَ له، ولا ما يفرحُ به سِواه، فهذا مَقْصود الاعتكاف الأعظم" (١).
"فالخَلْوةُ المشروعة لهذه الأُمَّة هي الاعتكاف في المساجد، خصوصًا في شهر رمضان، خصوصًا في العشر الأواخر منه، كما كان النبيُّ ﷺ يفعله. فالمعتكفُ قد حَبَسَ نفسَه على طاعة الله وذكرِهِ، وقطع عن نفسه كلَّ شاغل يشغلُهُ عنه، وعَكَفَ بقلبه وقالَبِهِ على ربِّه وما يقرِّبه منه، فما بقيَ له همٌّ سوى الله ﷿ وما يرضيه عنه.
فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قَطْعُ العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق" (٢).
_________
(١) زاد المعاد ٢: ٨٦ - ٨٧.
(٢) لطائف المعارف، لابن رجب الحنبلي ص ٣٤٨ - ٣٤٩ بتصرف واختصار.
1 / 7