في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري (¬1)
لابن العديم (¬2)
558 - 660
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام أوحد الفضلاء، سيد العلماء، الصاحب كمال الدين، جمال الإسلام، بهاء الأنام، بقية السلف الكرام، أوحد عصره، ووفريد دهره، عمر بن الصاحب السعيد الإمام العلامة قاضي القضاة نجم الدين أبي الحسن أحمد، بن الصاحب السعيد قاضي القضاة جمال الدين أبي غانم هبة الله، بن قاضي القضاة مجد الدين أبي عبد الله محمد، بن قاضي القضاة جمال الدين أبي الفضل هبة الله، بن قاضي القضاة نجم الدين أبي الحسن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة، تغمده الله برحمته ورضوانه:
पृष्ठ 1
الحمد لله الكريم العادل، ذي الفضل الشامل، والإحسان الكامل، محق الحق، ومبطل الباطل. أحمده على ما منحنا من التوفيق، وهدانا به إلى سواء الطريق. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من خلص له يقينه، وصح بالوحدانية مذهبه ودينه. وأشهد أن محمدا عبده الأواب، ورسوله المبن للصواب، أرسله بالآيات الباهرة، والحجج الزاهرة، والدلائل الظاهرة، ففرق بين الصحيح والسقيم، والمعوج والقوي، وهدى أمته إلى الصراط المستقيم. صلى الله عليه وعلى آله الأكرمين، وأصحابه الهداة المنتخبين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
... وبعد، فإني وقفت على جملة من مصنفات عالم معرة النعمان، أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان، فوجدتها مشحونة بالفصاحة والبيان، مودعة فنونا من الفوائد الحسان، محتوية على أنواع الآداب، مشتملة من علوم العرب على الخالص واللباب؛ لا يجد الطامح فيها سقطة، ولا يدرك الكاشح فيها غلطة. ولما كانت مختصة بهذه الأوصاف، مميزة على غيرها عند أهل الإنصاف، قصده جماعة لم يعوا وعيه، وحسدوه إذ لم ينالو سعيه، فتتبعوا كتبه على وجه الانتقاد، ووجدوها خالية من الزيغ والفساد؛ فحين علموا سلامتها من العيب والشين، سلكوا فيها معه مسلك الكذب والمين، ورموه بالإلحاد والتعطيل، والعدول عن سواء السبيل. فمنهم من وضع على لسانه أقوال الملحدة، ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده، لجعلوا محاسنه عيوبا، وحسناته ذنوبا، وعقله حمقا، وزهده فسقا؛ ورشقوه بأليم السهام، وأخرجوه عن الدين والإسلام؛ وحرفوا كلمه عن مواضعه، وأوقعوه في غير مواقعه.
पृष्ठ 2
ولو نظر الطاعن كلامه بعين الرضا، وأغمد سيف الحسد من عليه انتضى؛ لأوسع له صدرا وشرح، واستحسن ما ذم ومدح. لكن جرى الزمن على عاداته، في مطالبته أهل الفضل بتراته، وقصدهم بإساءاته، فسلط عليهم أبناءه، وجعلهم أعداءه، فقصدوه بالطعن والإساءة. واللبيب مقصود، والأديب عن بلوغ الغرض مصدود، وكل ذي نعمه محسود. ومن سلك في الفصاحة مسلكه، وأدرك من أنواع العلوم ما أدركه، وقصد في كتبه الغريب، وأودعها كل معنى غريب -كان للطاعن سبيل إلى عكس معانيه وقلبها، وتحريفها عن وجوهها المقصودة وسلبها. ألا ترى إلى كتاب الله العزيز، المحتوي على المنع والتجويز، الذي لا يقبل التبديل في شيء من صحفه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف أحال جماعة من أرباب باطل الأقاويل، تأويله على غير وجوه التأويل، فصرفوا تأويله إلى ما أرادوا، فما أحسنوا في ذلك ولا أجادوا! حتى إن جماعة من الكفار، وأرباب الزلل والعثار، تمسكوا منه بآيات، جعلوها دليلا على ما ذهبوا إليه من الضلالات. فما ظنك بكلام رجل من البشر، ليس بمعصوم من إن زل أو عثر، وقد تعمق في فصيح الكلام، وأتى من اللغات بما لا يتيسر لغيره ولا يرام، وأودعها في كلامه أحسن إيداع، وأبرزها في النظم البديع والأسجاع، إذا قصده بعض الحساد، فحمل كلامه على غير المراد!
पृष्ठ 3
وقد وضع أبو العلاء كتابا وسمه ب"زجر النابح"، أبطل فيه طعن المزري عليه والقادح، وبين فيه عذره الصحيح، وإيمانه الصريح، ووجه كلامه الفصيح، ثم أتبع ذلك بكتاب وسمه ب"نجر الزجر"، بين فيه مواضع طعنوا بها عليه بيان الفجر. فلم يمنعهم زجره، ولا اتضح لهم عذره، بل تحقق عندهم كفره، واجترءوا على ذلك وداموا، وعنفوا من انتصر له ولاموا، وقعدول في أمره وقاموا، فلم يرعوا له حرمه، ولا أكرموا علمه، ولا راقبوا إلا ولا ذمة، حتى حكوا كفره بالأسانيد، وشددوا في ذلك غاية التشديد، وكفره من جاء بعدهم بالتقليد.
فابتدرت دونه مناضلا، وانتصبت عنه مجادلا، وانتدبت لمحاسنه ناقلا. وذكرت في هذا الكتاب مولده ونسبه، وتحصيله للعلم وطلبه، ودينه الصحيح ومذهبه، وورعه الشديد وزهده، واجتهاده القوي وجده، وطعن القادح فيه ورده، ودفع الظلم عنه وصده.
وسميته " كتاب الإنصاف والتحري ، في دفع الظلم والتجري ، عن أبي العلاء المعري ". وبالله التوفيق والعصمة، وإليه المرجع في كل وصمة، وهو حسبي ونعم الوكيل.
ذكر نسبه
पृष्ठ 4
هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم بن النعمان -وهو الساطع- بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم اللات -وقيل تيم الله، وهو مجتمع تنوخ- بن أسد بن وبرة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة -وهو لقب واسمه: عمرو- بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير؛ وهو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان -وهو مجتمع قبائل اليمن- ابن عابر وقيل هو هود عليه السلام، بن شالخ (وقيل : شالح وقيل: سايح) بن أرفخشذ (وقيل راقد) بن سام (وقيل سائم) بن نوح عليه السلام بن لمك (وقيل لامك، وقيل لامخ، وقيل ملكان) بن متوشلخ (وقيل متوشلح، وقيل متوب) بن أخنوخ (وهو إدريس عليه السلام. وقيل حنوح، وقيل حنوخ) بن يارد (¬1) (وقيل يرد (¬2) ، وقيل الزايد وقيل اليادر) بن مهائيل (وقيل ماهللأل، وقيل مهلهل) بن قينان (وقيل قنان) بن طاهر (¬3) (وهو أنوش) بن هبة (¬4) (وهو شيث) بن آدم عليه السلام.
पृष्ठ 5
وقحطان هو مجتمع قبائل اليمن بأسرها. وتيم اللات مجتمع تنوخ بأسرها. وإنما سموا تنوخ لأنهم تنخوا بالشام، وقيل بالحيرة، أي أقاموا. والتنوخ (¬1) هو المقام في الموضع.يقال تنخ في الأمر أي رسخ فيه، فهو تانخ. وكانوا أقاموا على مالك بن زهير بن عمرو بن قهم بن تيم اللات، ونزلوا معه الحيرة ، فاختطوها، وبنوا فيها الأبنية وعمروها، وهم أول من عمر الحيرة ونزلها. وكان لهم قوة وبأس، وغناء وكثرة، فزاهم سابور الأكبر ملك فارس، في جيوش عظيمة، فقاتلوا قتالا شديدا. ولم تزل الحرب بينهم أياما، فلحقت بسابور جيوشه وأمراؤه، فضعفت تنوخ عن مقاومته وانكشفت، فسار معظمهم ومن فيه نهوض منهم إلى الضيزن بن معاوية التنوخي، إلى الحضر (¬2) ، فأقاموا به، وملكوا ما جاورهم من البلاد، وأجلوا سائر الأمم عنها، إلا من أدى إليهم الجزية. فاستدت شوكة تنوخ، وعظم بأسهم، فملكوا عليهم الساطع، وهو النعمان بن عدى -وإنما سمي الساطع لجماله وبهائه، وكان طويلا وسيما جسيما، جوادا شجاعا- فملك عليهم برهة، وكانت له حروب ووقائع مع ملوك الفرس، وشن الغارات على السواد، فسميت تنوخ يومئذ الدواسر، لما ظهر من شدتهم وبأسهم.
وبعض الجهال يقول: إن معرة النعمان تنسب إليه. وليس بصحيح، بل تنسب إلى النعمان بن بشير الأنصاري، وكان واليا على حمص وقنسرين، فى ولاية معاوية وابنه يزيد؛ ومات للنعمان به ولد، وجدد عمارتها، فنسبت إليه، وكانت تسمى أولا ”ذات القصور“. وقيل إن سياث كانت المدينة وهي آهلة، فخرج ابن للنعمان بن بشير يتصيد، وكان موضع المعرة أجمة، فافترسه السبع، فجزع عليه، وبنى له موضعا عند قبره، فبنى الناس لبنائه، فنسبت معرة النعمان إليه لذلك.
पृष्ठ 6
وإنما نسبت الجهال المعرة إلى النعمان بن عدى المعروف بالساطع؛ لأن أهلها كلهم أو بعضهم من بني الساطع ، فظنوا أنها منسوبة إليه .
ولما هلك الساطع تفرقت كلمة تنوخ، وتشتت أمرهم، وتنازعوا الرياسة بعده .
ثم إن ملك الفرس غزا الروم، فأذرع (¬1) فيهم القتل، وسبى الذراري، وخرب العمائر. فأنفذ ملك الروم إلى تنوخ -وكانت أقرب القبائل إليه في ذلك العصر- فاستنجدهم على ملك الفرس، فأنجدوه، وقاتلوا معه قتالا شديدا. ثم سألوا ملك الروم أو يتولوا حرب الفرس منفردين عن جند الروم؛ لتظهر له طاعتهم وغناؤهم، فأجابهم إلى ذلك. فقاتلوا الفرس، وظفروا بهم، وقتلوهم قتلا ذريعا، وأبلوا بلاء عظيما، فأعجب بهم ملك الروم، وفرق فيهم الدنانير والثياب، وقربهم وأدناهم، وأقطعهم سورية وما جاورها من البلاد إلى الجزيرة، وهي مدينة بقرب الأحص على جانب البرية، وإليها ينسب اللسان السورياني.
هذا منتهى أمرهم في الجاهلية.
पृष्ठ 7
فلما جاء الإسلام قدموا مع أبى عبيدة بن الجراح رضى الله عنه، وكانوا أشد من معه من العرب شوكة، وأكثرهم عددا، فانتجعوا (¬1) البلاد، واختطوا الخطط، ونزلوا قنسرين ومنبج وسورية وحماة ومعرة النعمان وكفرطاب وغيرها من بلاد الإسلام، وتغلبوا عليها. وكانوا على دين النصرانية، فامتنعوا من أداء الجزية، وقالوا: ما نؤدي ما يقع عليه اسم الجزية، وكانوا أهل قوة وبأس. فلما سار عمر رضي الله عنه إلى الشام قدموا عليه، فقال: ما أقنع منكم إلا بالدخول في الإسلام أو السيف، وأمهلهم سنتين. ثم إنه ألزمهم ما يلزم أهل الذمة من الجزية، فأبونا عليه، وقالوا: خذ المال منا على اسم الصدقة، دون اسم الجزية. فأبى عمر، ثم أجابهم إلى أن يأخذها على اسم الخراج، فاستجاب له قوم منهم، وأقاموا بديارهم. وكان منهم أجداد أبي العلا، وأحداد بني الفصيص (¬2) ولاة قننسرين؛ وأسلم بعضهم في أيام أبي عبيدة، وبعضهم في أيام المهدي بن المنصور، ودخل منهم قوم إلى بلاد الروم مع جبلة [بن] (¬3) الأيهم في النصرانية.
पृष्ठ 8
وتنوخ من أكثر العرب مناقب وحسبا، ومن أعظمها مفاخر وأدبا، وفيهم الخطباء والفصحاء، والبلغاء والشعراء. وهم يرجعون إلى بطنين: الساطع، والحر. وبنو الساطع هم المشهورون بالشرف والسؤدد، والرياسة والشجاعة، والجود والفضل. وبيوت المعرة منهم. وهم يرجعون إلى أسحم بن الساطع، وعدي بن الساطع، وغنم بن الساطع. فبنو سليمان، وبنو أبي حصين، وبنو عمرو، ينتسبون إلى أسحم بن الساطع؛ وبنو المهذب، وبنو زريق، ينتسبون إلى عدي بن الساطع؛ وبنو حواري، وبنو جهير ينتسبون إلى غنم بن الساطع. وجهير بن محمد التنوخي ولي معرة النعمان.
وأكثر قضاة المعرة وفضلائها وعلمائها وشعرائها وأدبائها من بني سليمان، وهو سليمان بن داود بن المطهر.
* * *
وحيث انتهى بنا القول إلى التنبيه على كثرة القضاة والفضلاء من بني سليمان، فلنذكر الآن من اشتهر منهم بذلك بمعرة النعمان:
فمنهم أبو الحسن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر، هو أول من تولى منهم قضاء معرة النعمان. وقال بعض الناس: إنه ولي قضاءها في سنة تسعين ومائتين إلى أن مات. وبعضهم يقول: إن الذي تولى القضاء سنة تسعين ومائتين هو ابنه، وهذا هو جد جد الشيخ أبي العلاء.
ومنهم ولد المذكور، وهو جد أبي الشيخ أبي العلاء، أبو بكر محمد بن سليمان بن أحمد، ولي القضاء بمعرة النعمان بعد موت أبيه في حدود الثلاثمائة. وقيل هو الذي تولى سنة 290. وكان فاضلا أديبا ممدوحا، وفيه يقول أبو بكر أحمد بن محمد الصنوبري:
بأبي يابن سليما ... ن لقد سدت تنوخا
وهم السادة شبا ... نا لعمري وشيوخا
أدرك البغية من أض ... حى بناديك منيخا
واردا عندك نيلا ... وفراتا وبليخا
واجدا منك متى استص ... رخ للمجد صريخا
في زمان غادر اله م ات في الناس مسوخا
ومدحه بغير هذه الأبيات أيضا.
ومن شعر القاضي أبي بكر بن سليمان قوله في الشمعة:
पृष्ठ 9
وصفراء كالتبر مقدودة ... تسر وتؤنس جلاسها
تكون لطالب مقياسها ... ... فويق الذراع إذا قاسها
تموت إذا أهملوا أمرها ... وتحيا إذا قطعوا راسها
ويفنى الدجى بسنى نورها ... إذا شهد القبض أنفاسها
وتبكي فيقطر من رأسها ... نجوم ترصع لباسها
يرى الشرب نجما بها طالعا ... وشمسا إذا جليت (¬1) ، كاسها
أنسنا بها ورأينا السرور ... فلا عدم الشرب إيناسها
وتوفي أبو بكر محمد بن سليمان سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة.
ومنهم: ولده جد أبي العلاء، وهو أبو الحسن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد. تولى قضاء معرة النعمان في سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، بعد موت أبيه أبي بكر، ثم تولى بعد ذلك قضاء حمص أيضا، وكان فاضلا فصيحا، شاعرا محدثا.
ومن شعره قوله في الناعورة:
وباكة على النهر ... تئن ودمعها يجري
تذكرني بأحبابي ... وحالي ليلة النفر
وأذري مثل ما تذري ... وأسعدها وما تدري
على فقدي لأحبابي ... وما قد فات من عمري
فما هي فيه مشهور ... وما أنا فيه في الستر
पृष्ठ 10
كأني في بسيط الأر ... ض بين الناس في قبر وروى الحديث عن القاضي أبي القاسم علي بن محمد بن كاس النخعي الحنفي، قاضي معرة النعمان؛ وعن الصقر بن أحمد البلدي؛ وأبي بكر محمد بن بركة الحلبي، المعروف ببرداعس (¬1) الحافظ؛ وعن محمد بن همام وجماعة سواهم. روى عنه ابنه أبو محمد عبد الله، وحفيداه الشيخ أبو العلاء أحمد بن عبد الله، وابن بنته أبو صالح محمد بن المهذب، وأبو الحسن المهذب وجعفر ابنا علي بن المهذب، وأبو النصر عبد الكريم بن جعفر بن علي بن المهذب المعريون، وأبو عمرو عثمان بن عبد الله الطرسوسي قاضي معرة النعمان بعده.
وولد بالمعرة سنة خمس وثلاثمائة، وتوفي بحمص وهو على قضائها في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، ودفن ظاهر باب الرستن (¬2) .
पृष्ठ 11
ومنهم ولده أبو محمد عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان، والد الشيخ أبي العلاء. روى عن أبي بكر محمد بن الحسين السبيعي الحافظ نزيل حلب، وأبي عبد الله الحسين بن خالويه (¬1) ، وأبية أبي الحسن سليمان بن محمد بن سليمان، وأبي القاسم الحسن بن منصور بن محمد الكندي، وأبي سعيد الحسن بن إسحاق بن بلبل المعري (¬2) القاضي بها، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وعبد الله بن محمد البغوي، وغيرهم. روى عنه ابنه الشيخ أبو العلاء أحمد.
وكان أبو محمد فاضلا أديبا، لغويا شاعرا. ومولده سنة ثلاثين وثلاثمائة.
ومن شعره قوله يرثي جارية له:
مولاك يا مولاة مولاها على ... حال تسر عدوه وتضره
وبوده لو كنت أنت مكانه ... في الزائرين وأن قبرك قبره
وقوله:
سمعتم بأجور من ظالم ... أعل الفؤاد وما عاده
وقد كان واعدني زورة ... فأخلف يا قوم ميعاده
وتوفي أبو محمد عبد الله بن سليمان والد أبي العلاء بمعرة النعمان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة (¬3) . وقال فيه أبو العلاء ابنه يرثيه، من أبيات أجازها لنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي، قال: أنشدنا موهوب بن الخضر بن الجواليقي (¬4) ، قال: أنشدنا يحيى بن علي التبريزي، قال: أنشدنا أبو العلاء المعري يرثي أباه (¬5) :
पृष्ठ 12
أبي حكمت فيه الليالي ولم تزل ... رماح المنايا قادرات على الطعن
فيا ليت شعري هل يخف وقاره ... إذا صار أحد في القيامة كالعهن
وهل يرد الحوض الروي مبادرا ... مع الناس أو يأبى الزحام فيستأني
وخلف أبو محمد عبد الله بنين ثلاثة: أبا المجد محمد بن عبد الله، وهو الأكبر، والموجود الآن من بني سليمان كلهم من عقبه، وأبا العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان، وهو يلي أبا المجد في السن، وأبا الهيثم عبد الواحد بن عبد الله، وهو أصغر الإخوة الثلاثة.
فأما أبو الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان فكان شاعرا مجيدا، روى عنه أبو العلاء شيئا من شعره، وجمع شعره لولده زيد بن عبد الواحد. ذكر أبو غالب همام بن المهذب في تاريخه، أن أبا الهيثم ولد في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
وقرأت بخط أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن سليمان: ولد الشيخ أبو الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان، سنة سبعين وثلاثمائة، وله شعر مدون جمعه أخوه أبو العلاء لابنه يزيد، منه ما أنشدنا أبو إسحاق إبراهم بن أبي اليسر بدمشق، قال: أنشدني أبي شاكر بن عبد الله، قال: أنشدني جدي أبو المجد محمد بن عبد الله بن محمد، قال: أنشدني الشيخ أبو العلاء أحمد بن عبد الله، قال: أنشدني أخي أبو الهيثم لنفسه يخاطب بعض الشعراء:
زدني من الشعر الذي استنبطته ... من فكرك المتصرف المستجلس (¬1)
فدنية الأشعار تصقل خاطري ... ... مثل الحسام جلوته بالمدوس
وتوفي أبو الهيثم سنة خمس وأربعمائة؛ وخلف ولدا واحدا ذكرا، وهو أبو نصر زيد بن عبد الواحد بن عبد الله. قرأ على عمه أبي العلاء، وجمع له أبو العلاء شعر والده أبي الهيثم.
पृष्ठ 13
أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن شاكر بن عبد الله، قال: أنشدني أبي شاكر قال: أنشدني جدي أبو المجد قال: سمعت أبا العلاء ينشد زيد بن عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان، من شعر والده أخيه أبي الهيثم، وكان جمع له شعر والده أخيه، وكان أخوه قدم على «سياث»، فوجد بها رجلا يقلع حجارة، وكتب على حائط من حيطانها بمعول (¬1) :
مررت بربع من سياث فراعني ... به زجل الأحجار تحت المعاول
تناولها عبل (¬2) الذراع كأنما ... جنى (¬3) الدهر فيما بينهم حرب وائل
أمتلفها (¬4) شلت يمينك، خلها ... لمعتبر أو زائر أو مسائل
منازل قوم حدثتنا حديثهم ... فلم (¬5) أر أحلى من حديث المنازل
قرأت بخط بعض المعريين على ظهر كتاب: ولد الشيخ أبو نصر زيد بن عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. وتوفي سنة اثنتين وأرعين وأربعمائة، فقد كان عمره أربعا وأربعين سنة.
وله ولد اسمه منافر، وقف بخطه كتبا من تصانيف عم أبيه أبي العلاء، تدل على فضله وحسن نقله. وليس له عقب بالمعرة ولا غيرها.
وأما أبو العلاء فهو الذي وضع هذا الكتاب في ذكره. وسنذكر مولده وأحواله، وشيوخه، ووفاته، إن شاء الله تعالى.
पृष्ठ 14
وأما الولد الأكبر فهو أخو أبي العلاء، أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان. والقب الموجود إلى الآن من ولده. وكان فاضلا أديبا شاعرا، وله ديوان شعر مجموع. سمع بمعرة النعمان أبا أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد، ابن الحريص البزار (¬1) ، وأبا زكريا يحيى بن مسعر بن محمد. روى عنه أخوه أبو العلاء، وولده عبد الله بن محمد القاضي، وأبو سعد السمان. وولد ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.
ومن شعره ما أنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله [بن محمد بن عبد الله] (¬2) بن سليمان، قال أنشدني أبي أبو اليسر شاكل، قال أنشدني جدي أبو المحد محمد بن عبد الله، قال أنشدني أي عبد الله، قال أنشدني أبي أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان لنفسه، وقد اجتاز بقبر صديق له:
سقى قبرك المهجور صوب تجاوز ... عميم الرضا جم اللها والمكارم
إذا طلعت يوم الحساب سحابة ... محت بقضاء الله صحف الجرائم
وتوفي أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان سنة ثلاثين وأربعمائة، وعمره خمس وسبعون سنة. وله ولدان، وليا قضاء معرة النعمان: أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان، وأبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن سليمان. ولكل منهما عقب مذكور.
पृष्ठ 15
فأما أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان بن أحمد بن سليمان التنوخي، ابن أخي أبي العلاء قاضي معرة النعمان، فإنه روى عن أبيه أبي المجد محمد، وعمه أبي العلاء أحمد، وتولى خدمة عمه بنفسه، وكان برا به، وكان يكتب لعمه أبي العلاء تصانيفه، ويكتب عنه بإذنه السماع والإجازة، لمن يطلب ذلك من عمه. روى عنه ابنه أبو المجد محمد بن عبد الله بن محمد، وولي قضاء معرة النعمان بعد عزل ابن أبي حصين عنه، لأمر أنكر على ابن أبي حصين. وكانت ولايته القضاء في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، على كره من عمه أبي العلاء. وكان مولده بمعرة النعمان سنة سبع وتسعين وثلاثمائة. وله ديوان شعر ورسائل حسنة. وتولى القضاء بمعرة النعمان، وخطابتها، والوقوف (¬1) بها. وكان يخدم عمه أبا العلاء، ويعلله في مرضه. فقال فيه أبو العلاء:
وقاض لا ينام الليل عني ... ... وطول نهاره بين الخصوم
يكون أبر بي من فرخ نسر ... ... بوالده وألطف من حميم
سأنشر شكره في يوم حشر ... ... أجل، وعلى الصراط المستقيم
ودفع إلي أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي، إمام الكلاسة بدمشق، جزءا بخط أبيه أبي جعفر إمام الكلاسة، فقرأت فيه بخطه أن الشيخ أبا اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان قال له: إن أبا العلاء قال في ابن أخيه أبي محمد عبد الله:
أعبد الله، ما أسدى جميلا ... نظير جميل فعلك غير أمي
سقتني درها ودعت وباتت ... تعذني وتقرأ أو تسمي
هممت بأن تجنبني الرزايا ... فرمت وقايتي من كل همي
كأن الله يلهمك اختياري ... فتفعله ولم يخطر بوهمي
पृष्ठ 16
حمدتك في الحياة أتم حمد ... وأيامي ذممت أتم ذم أجدك ما تركت وأنت قاض ... تعهد مقعد أعمى أصم
جزاك البارئ ابن أخ كريما ... أبر بمعجز في بر عم
قرأت بخط القاضي أبي القاسم المحسن بن عمرو التنوخي في كتابه ”النائب عن الإخوان“: حضرت بعض أهل الأدب وقد أنشد هذه الأبيات:
لما خبت ريح الفرا ... ق ولاح لي نجم التلاق
وطننت أني لا محا ... لة قد نجوت من الخناق
حدثت علي حوادث ... للبين محكمة الوثاق
فنفين عن عيني الكرى ... وأذقنني مر المذاق
وتركنني متلددا (¬1) ... في طول هم واستياق
أبكي الدماء على فرا ... ... ق الباكيات على فراقي
إن اصطبار العاشقي ... ن على الفراق من النفاق
لجماعة من أصحابنا المعريين، وسألهم إجازتها والزيادة. فزاد فيها أبو محمد عبد الله بن سليمان القاضي مازحا للوقت:
فإذا وصلت إلى الودا ... ... ع بلحظ عين أو عناق
ورأيت منهل الدمو ... ... ع كأنها خيل السباق
وعلا البكاء من الجمي ... ... ع وخفت من فرط اشتياقي
فذر الرجوع وسر على ... رغم الفراق مع الرفاق
واحلف بأنك لا تعو ... د إلى المعرة بالطلاق
توفي القاضي أبو محمد عبد الله في شعبان سنة خمس وستين وأربعمائة.
पृष्ठ 17
وأما أبو الحسن علي (¬1) بن محمد بن عبد الله بن سليمان ابن أخي الشيخ أبي العلاء، فهو الأصغر منهما. سمع عمه أبا العلاء، وتولى قضاء معرة النعمان، وقضاء حماة. وسير إلي شهاب الدين أبو المعالي أحمد بن مدرك بن سليمان جزءا في أخبار سلفه، ذكر فيه عليا هذا، وقال: إنه كان فاضلا، سمع على عمه الشيخ أبي العلاء جميع أماليه، ونسخها بخطه، وولي قضاء حماة، رحمه الله. وكانت ولايته قضاءها في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة.
وذكر أبو غالب ن المهذب في تاريخه، أن مولد القاضي أبي الحسن علي (¬2) [بن محمد] (¬3) بن عبد الله في سنة خمس وأربعمائة.
وقرأت في بعض تعاليقي للقاضي أبي المرشد سليمان بن علي بن محمد في أبيه يرثيه حين مات:
شهدت لقد أبقت بدين محمد ... ... وفاة علي ثلمة ما لها سد
وفي المجد صدعا ليس يجبر كسره ... ... وفي الدين وهنا باقيا ما له شد
فلا يبعدنك الله يا ابن محمد ... ... ومن يك منا اليوم حيا هو البعد
ولا رقأت عين امرئ ليس باكيا ... عليك ولا أضحى له عاليا جد
فإن أشمت الحساد موتك عاجلا ... فليس لحي من لقاء الردى بد
يعز علينا أن نراك مجندلا (¬4) ... صريعا وأن تمسي يخد لك الخد
والعقب الموجود الآن من بني سليمان في ولد أبي محمد عبد الله، وأبي الحسن علي ابني أبي المجد محمد، أخي أبي العلاء (¬5) .
पृष्ठ 18
فأما القاضي أبو محمد عبد الله فله ولدان: أبو مسلم واذع (¬1) ، وأبو المجد محمد، ابنا أبي محمد عبد الله بن محمد القاضي المقدم ذكره.
فأما أبو مسلم فهو الأكبر منهما، وهو القاضي الرئيس شرف القضاة، أبو مسلم واذع بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان القاضي. ولد بالمعرة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وسماه عم أبيه أبو العلاء واذعا، وكناه بأبي مسلم. وكان رئيس المعرة وكبيرها والمقدم بها، وولي القضاء بها بعد أبيه. وكان مشهورا بالجود والكرم والعطاء، عالما أديبا فاضلا. وله رسائل حسنة، وشعر جيد. وديوان شعره موجود بأيدي الناس. روى عنه أخوه القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله بن محمد.
أنشدنا زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن الدمشقي بها، أنشدنا أبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان، أنشدنا جدي القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان (¬2) ، أنشدني القاضي أبو مسلم واذع بن عبد الله بن سليمان (¬3) لنفسه:
وقفنا وقد غاب المراقب وقفة ... أمنا بها أن يفتك السخط بالرضا
على خلوة لم يجر فيها تنغص ... ... بها عاد وجه الليل عندي أبيضا
نعيد حديثا لا يمل كأنه ... ... حياة أعيدت في امرئ بعد ما قضى
توفي أبو مسلم واذع سنة تسع وثمانين وأربعمائة.
पृष्ठ 19
ولا أعلم لأبي مسلم غير ولد واحد، وهو أبو عدي النعمان بن واذع بن عبد الله بن سليمان (¬1) . شاعر محسن. مولده بمعرة النعمان. وروى عنه ابن ابن عمه شاكر بن عبد الله بم محمد بن عبد الله، وأبو الفضل هبة الله بن ذكوان بن محمد الكلاعي.
ومن شعره ما أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن الدمشقي بها، عن أبي الخطاب عمر بن محمد العليمي (¬2) ، ونقلته من خط العليمي، قال: أنشدني أبو الفضل هبة الله بن ذكوان بن محمد الكلاعي بخوارزم، قال: أنشدني أبو عدي النعمان بن واذع بن سليمان لنفسه بحماة:
عبث النسيم بعطفه فترنحا ... نشوان من ماء الشبيبة ما صحا
أخذت لواحظه القصاص لخده ... منا فجرح باللحاظ وجرحا
لبس السواد فلن ترى عين امرئ ... في الخلق أحسن منه فيه وأملحا
غارت عليه إذ رأته قلوبنا ... بسوى سويداواتها متوشحا
ملك القلوب مملك لو أنه ... لمس الحصى بالكف منه لسبحا
توفي أبو عدي سنة نيف وخمسين وخمسمائة. ولا أعلم له عقبا.
पृष्ठ 20