Informing About the Sanctity of Scholars and Islam

Mohammad Ismail Al-Muqaddim d. Unknown

Informing About the Sanctity of Scholars and Islam

الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام

प्रकाशक

دارُ طيبة - مَكتبةٌ الكوثر

संस्करण संख्या

الأولى

प्रकाशन वर्ष

١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م

प्रकाशक स्थान

الرياض

शैलियों

الإِعلامُ بـ حُرمةِ أهلِ العلمِ والإِسلامِ تأليف محمَّد أحمد إسماعيل المقدّم عَفَا الله عَنه دارُ طيبة الرياض مَكتبةٌ الكوثر الرياض

1 / 1

بسم الله الرحمن الرحيم

1 / 2

الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام

1 / 3

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى ١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م دار طيبة للنشر والتوزيع الرياض- شارع السويدي - غرب النفق ص ب: ٧٦١٢ هاتف: ٤٢٥٣٧٣٧ - فاكس ٤٢٥٨٢٧٧ مكتبه الكوثر للنشر التوزيع الرياض - شارع العُليَا العَام - مقابل أسواق طيبة ص ب: ١٦٨٦٣ - الرياض: ١١٤٧٤ - هاتف مُؤقت: ٤٥٠٦٣٢

1 / 4

مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كثيرًا كما أنعم علينا كثيرًا، وصلى الله على رسوله محمد الذي أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله الذين أذهب عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرًا، وعلى جميع المؤمنين الذين أمر الله نبيه أن يبشرهم بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا. أما بعد. فانطلاقًا من قول الله ﵎: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال:١]، ومن قوله ﷺ: " إِياكم وسُوءَ ذاتِ البين، فإِنها الحالقة " (١) تأتي هذه التذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، في وقت اختلطت فيه الأوراق، وتشعبت السبل، وهُجرت فيه الآداب الشرعية، السنن المحمدية، والأخلاق الإسلامية. لقد رفع الله تعالى شأن حسن الخلق حين امتدح خليله محمدًا ﷺ بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم) [القلم: ٤]، ونوَّه ﷺ بقدره حين قال: " إِنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " (٢).

(١) رواه من حديث أبي هريرة ﵁ الترمذي رقم (٢٦٣٩)، وصححه، وسوء ذات البين هى العداوة والبغضاء، والمراد بالحالقة: خصلة السوء التي تُذهب الدين كما تذهب الموسى الشعر، والحديث في " صحيح الترمذي " برقم (٢٠٣٦) (٢/ ٣٠٧). (٢) رواه من حديث أبي هريرة ﵁ البخاري في " الأدب المفرد " رقم (٢٧٣)، وابن سعد في " الطبقات " (١/ ١٩٢)، والحاكم (٢/ ٦١٣)، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، والإمام أحمد (٢/ ٣١٨)، وصححه الحافظ ابن عبد البر.

1 / 5

وعن أبي الدرداء ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " ما من شيء يوضع في الميزان أثقلُ من حسن الخلق، وإِن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة " (١). وأمر الله تعالى بحسن الخلق مع الناس كافة، ولم يستثن، فقال عز من قائل: (وَقولُوا للنَّاسِ حسْنًا) [البقرة: ٨٣]، وعن علي بن أبي طالب ﵁ قال: (وقولوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) قال: " يعني الناس كلهم " (٢)، وعن عطاء قال: " للناس كلهم، المشركِ وغيرِه " (٣). وقال القرطبي ﵀: (قال أبو العالية: " قولوا لهم الطيب من القول، وجازوهم بأحسن ما تحبون أن تجازوا به "، وهذا كله حض على مكارم الأخلاق؛ فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينًا، ووجهه منبسطًا طلْقًا مع البَرِّ والفاجر، والسُّنَي والمبتدع، من غير مداهنة ولا موالاة محرمة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه؛ لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: (فَقولا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا) [طه: ٤٤] فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه. وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: " إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيَّ حدَّة، فأقول لهم بعض القول الغليظ "، فقال: " لا تفعل! يقول الله تعالى: (وَقُولُوا للنَّاسِ حُسْنًا) فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى، فكيف بالحنيفي؟ ") (٤).

(١) أخرجه الترمذي رقم (٢٠٨٨)، وعزاه المنذري إلى (البزار بإسناد جيد)، " الترغيب " (٣/ ٢٥٦)، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " رقم (١٦٢٩). (٢) " شعب الإيمان " (٥/ ٢٨٨). (٣) رواه ابن جرير في " تفسيره " (٢/ ٢٩٦)، وابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (٣٠٨). (٤) " الجامع لأحكام القرآن " للقرطبي (٢/ ١٦).

1 / 6

وعن أبي سنان، قال: قلت لسعيد بن جبير ﵀: " المجوسي يُوليني من نفسه، ويسلم عليَّ، أفأرد عليه؟ "، فقال سعيد: " سألت ابن عباس ﵄ عن نحو من ذلك؟ فقال: " لو قال لي فرعونُ خيرًا لرددتُ عليه " (١). وعن ابن عباس ﵄، قال: " لو قال لي فرعون: بارك الله فيك، قلت: وفيك، وفرعون قد مات " (٢). وعن عبد الله بن عمرو ﵄، قال: قال معاذ: " يا رسول الله، أوصني "، فقال ﷺ: " استقم وليحسن خُلُقُكَ للناس " (٣) وعن أبي ذر ﵁، قال: قال لي رسول الله ﷺ: " اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن " (٤). ورُوي عن أبي هريرة ﵁، قال رسول الله ﷺ: " إِن أحبَّكم إِليَّ أحاسنكم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألَفون ويُؤلفون، وإِن أبغضكم إِليَّ المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الملتمسون للبرءَاء العنت " (٥). وقال الحسن: " من ساء خُلُقه ; عذبَ نَفسه " (٦).

(١) رواه ابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (٣٠٩). (٢) " صحيح الأدب المفرد " رقم (٨٤٨). (٣) أخرجه الحاكم (١/ ٥٤)، وصححه، ووافقه الذهبي، وابن حبان رقم (٥٢٤)، وحسنه الألباني في " الصحيحة " رقم (١٢٢٨). (٤) رواه الترمذي رقم (٢٠٧٠)، وحسنه في " صحيح الترمذي " رقم (١٦١٨). (٥) أخرجه الطبراني في " الصغير " (٢/ ٢٥)، وضعفه المنذري، والهيثمي (٨/ ٢١)، والعراقي في " المغني " (٢/ ١٦٠)، وقال الألباني: " لكن الحديث له شواهد كثيرة يرقى بها إلى درجة الحسن " اهـ. من " السلسلة الصحيحة " رقم (٧٥١). (٦) " الإحياء " (٣/ ٥٧).

1 / 7

وعن أبي حازم سلمة بن دينار: " السيئ الخلق: أشقى الناس به نفسه التي بين جنبيه، هي منه في بلاء، ثم زوجته، ثم ولده، حتى إنه ليدخل بيته وإنهم لفي سرور، فيسمعون صوته فينفرون عنه، فرقًا منه، حتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار، حتى إن قطه ليفر منه " (١). وقال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: ٨]. قال شيخ الإسلام: " وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغض مأمور به، فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نُهي صاحبه أن يظلم من أبغضه، فكيف في بغض مسلم بتأويل أو شبهة أو بهوى نفس؟! فهو أحق أن لا يُظلَمَ، بل يعدل عليه " (٢) اهـ. تتناول هذه " التذكِرة " مطلبين رئيسين: أحدهما: حسن الخلق مع المسلم، ورعاية حرمته، وصيانة عرضه من كل ما يشينه وبخاصة الغيبة التي شاعت، وذاعت، وتساهل الناس فيها. والثانى: الأدب مع العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وحفظ حرمتهم، ومعرفة قدرهم، والتنزه عن الوقيعة فيهم، والنيل من مراتبهم الرفيعة، وهذا هو المقصود بعينه من هذه " التذكرة "، فإن المطلب الأول تمهيد لهذا الثاني باعتبار أن العالم له حقوق المسلم عامة، ثم له حقوق أخرى خاصة، فإن الله ﷾ رفع المؤمنين على من سواهم، ثم رفع أهل العلم على سائر المؤمنين، فقال: (يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكمْ وَالَّذِينَ أوتُوا الْعِلْمَ

(١) " سير أعلام النبلاء " (٦/ ٩٩). (٢) " منهاج السنة " (١٢٦/ ٥).

1 / 8

دَرَجَاتٍ) [المجادلة: ١١]، وقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر: ٩]. ومن المعلوم أنه لا يستوي ما حرمه الله من جهة واحدة، وما حرمه من جهات متعددة، فالجرم يعظم بتعدد جهات الانتهاك، ويعظم -تبعًا لذلك- الإثمُ، ويتضاعف العقاب: فظلم النفس بالمعاصي حرام في كل زمان ومكان لكنه أشد إذا وقع في الأشهر الحرم، ولذلك قال تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة: ٣٦]. ولهذا نظائر: قال ﷺ: " لأن يزني الرجل بعشر نسوة خير له من أن يزني بامرأة جاره، ولأن يسرق الرجل من عَشْرة أبيات أيْسَرُ له من أن يسرق من بيت جاره " (١). ومن هذا الباب قوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة: ١٩٧]، ومنه: تغليظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر الحرام، وفي البلد الحرام، وفي ذوي الرحم، كما هو مذهب الشافعي (٢). إن المسيء إلى العلماء، والطاعن عليهم بغيًا وَعدْوًا قد ركب متن الشطط، ووقع في أقبح الغلط؛ لأن حرمة العلماء مضاعفة، وحقوقهم متعددة، فلهم كل ما ثبت من حقوق المسلم على أخيه المسلم، ولهم حقوق المسنين والأكابر،

(١) رواه الإمام أحمد (٦/ ٨)، والبخاري في " الأدب المفرد " رقم (١٠٣)، وقال المنذري (٣/ ١٩٥)، والهيثمي (١/ ١٦٨): (رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، والأوسط "، ورجاله ثقات) اهـ، وصححه الألباني في " الصحيحة " رقم (٦٥). (٢) انظر: " تصنيف الناس بين الظن واليقين " للعلامة بكر بن عبد الله أبو زيد ص (٥٧).

1 / 9

ولهم حقوق حملة القرآن الكريم، ولهم حقوق العلماء العاملين، والأولياء الصالحين، فمن ثم نص الشافعية على أن (الغيبة إذا كانت في أهل العلم وحملة القرآن الكريم فهي كبيرة، وإلا فصغيرة) (١) اهـ. إن الميدان الدعوي اليوم يموج بحالة من الخلل الناشيء عن " التضخم الكمي " الذي فرض نفسه على حساب " التربية النوعية " (٢)، الأمر الذي أفرز كثيرًا من الظواهر المرضية من أخطرها تطاول الصغار على الكبار، والجهال على العلماء، وطلبة العلم بعضهم على بعض، حتى إن الواحد منهم ينسى قاموس التآخي، وما أسرع ما يخرج إلى العدوان على إخوانه، ويجردهم من كل فضل، فلا يحلم ولا يعفو ولا يصبر، ولكن يجهل فوق جهل الجاهلينا، بل إن من طلاب " آخر الزمان " من غاص في أوحال السب والشتم والتجريح، وانتدب نفسه للوقيعة في أئمة كرام اتفقت الأمة على إمامتهم، وهو لا يدري انما ذلكم الشيطان يستدرجه إلى وحل العدوان، وهو يحسب أنه يُحسن صنعًا، ويتوهم أنه يؤدي ما قد وجب عليه شرعًا. فرحم الله من جعل عقلَه على لسانه رقيبًا، وعملَه على قوله حسيبًا. * * *

(١) " مغني المحتاج " (٤٢٧/ ٤). (٢) وقد أطال وأطاب في تشخيص وعلاج هذه الظاهرة المفزعة الداعية المبدع " محمد أحمد الراشد " في كتابه " المنطلق " ص (٢٤٠ - ٢٧٧)، وفي غيره من سلسلة " إحياء فقه الدعوة "، فراجعه إن شئت.

1 / 10

الباب الأول

1 / 11

الفصل الأول من أعظم حقوق المسلم صِيانة عرضه، ورعايه حرمته فإن تحريم النيل من عِرض المسلم أصل شرعي متين، عُلم بالضرورة من دين الإسلام، و" حفظ العرض " أحد الضروريات الخمس التي شُرعت من أجلها الشرائع. لقد خطب رسول الله ﷺ على مسمع يزيد عن مائة ألف نفس من صحابته الأبرار في حجة الوداع، فقال: " إِن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ " (١). والأعراض: جمع عِرْض، (وهو موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو في سَلَفه، أو من يلزمه أمره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحَسَبه (٢)، ويُحامي عنه أن يُنتقص ويُثلبَ) (٣).

(١) رواه البخاري رقم (٦٧)، ومسلم رقم (١٦٧٩) وغيرهما من حديث أبي بكرة ﵁، وهو طرف من خطبة النبي ﷺ في حجة الوداع. (٢) الحسب: هو الكرم والشرف الثابت في الآباء، من جهة مآثرهم وشرف أنسابهم، وقيل: هو الفعال الصالحة مثل: الشجاعة، والجود، وحسن الخلق، والوفاء. (٣) " النهاية في غريب الحديث والأثر " (٣/ ٢٠٨ - ٢٠٩)، وانظر: " فتح الباري " (١٠/ ٤٦٤)، وإذا ذكر العرض مع النفس أو الدم أو المال فالمراد به " الحسب " فقط، كما في قوله ﷺ " كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه "، وغلب " العرض " بمعنى " الحسب " في استعمال الفقهاء، وأما في سياق هذا البحث فإننا نعني بالعرض المعنى الواسع لكل ما يقبل المدح والذم في الإنسان، لا بمعنى " البُضع " فحسب، ولا بمعنى " الحسب " فحسب.

1 / 13

وعن أبي هريرة ﵁، قال رسول الله ﷺ: " كل المسلم على المسلم حرام، دَمُه ومالُه، وعِرْضُهُ " (١). ونظر عبد الله بن عمر ﵄ يومًا إلى الكعبة، فقال: " ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة منك " (٢). وعن جابر ﵁، قال رسول الله ﷺ: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " (٣). وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رجل: " يا رسول الله، إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها؛ غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها "، قال: " هي في النار "، قال: " يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تَصَّدَّقُ بالأثوار (٤) من الأقِط (٥)، ولا تؤذي جيرانها بلسانها "، قال: " هي في الجنة " (٦). وعن سفيان بن حسين، قال: كنت عند إياس بن معاوية وعنده رجل،

(١) أخرجه مسلم (٢٥٦٤)، وأحمد (٢/ ٢٧٧، ٣٦٠)، والبيهقي (٦/ ٩٢)، وغيرهم. (٢) رواه موقوفًا الترمذي رقم (٣٠٣٢)، وابن حبان رقم (٥٧٦٣)، والبغوي رقم (٣٥٢٦) (١٣/ ١٠٤)، وحسنه الألباني في " غاية المرام " ص (٢٤٩) رقم (٤٣٥). (٣) أخرجه مسلم (٤١) في " الإيمان ": باب بيان تفاضل الإسلام، والبيهقي في " السنن " (١٠/ ١٨٧)، وابن حبان رقم (١٩٧) بلفظ: " أسلم المسلمين إِسلامًا من سلم المسلمون من لسانه ويده "، وصححه الحاكم (١/ ١٠)، ووافقه الذهبي، بلفظ: " أكمل الموًمنين من سلم المسلمون من لسانه ويده "، وأخرجه بنحوه أحمد (٣/ ٣٧٢)، والطيالسي (١٧٧٧). (٤) الأثوار: جمع ثَور، وهي القطعة من الأقط. (٥) الأقط: لبن جامد مستحجر. (٦) رواه أحمد (٢/ ٤٤٠)، وابن حبان رقم (٥٧٦٤)، وقال الهيثمي في " المجمع " (٨/ ١٦٨ - ١٦٩): " رجاله ثقات ".

1 / 14

تخوفت إن قمت من عنده أن يقع فيَّ، قال: فجلست حتى قام، فلما ذكرته لإياس، قال: فجعل ينظر في وجهي، فلا يقول لي شيئًا حتى فرغت، فقال لي: " أغزوت الديلم؟ "، قلت: " لا "، قال: " فغزوت السند؟ "، قلت: " لا "، قال: " فغزوت الهند؟ "، قلت: " لا "، قال: " فغزوت الروم؟ "، قلت: " لا "، قال: " فسلم منك الديلم، والسند، والهند، والروم، وليس يسلم منك أخوك هذا؟ "، فلم يعد سفيان إلى ذلك (١). وعن سهل بن سعد الساعدي ﵁ قال رسول الله ﷺ: " من يضمنْ لي ما بين لحْيَيْهِ، وما بين رجليه (٢) أضمن له الجنة " (٣). ومثل هذه الضمانة الجسيمة لا تُعَلَّقُ إلا على أمر عظِيم. * * *

(١) رواه البيهقي فى " الشعب " (٥/ ٣١٤)، وانظر: " البداية والنهاية " (٩/ ٣٣٦)، " تنبيه الغافلين " (١/ ١٧٨) للسمرقندي- ط. دار الشروق ١٤١٠ هـ. (٢) اللَّحْيان: هما العظمان في جانبي الفم، والمراد بما بينهما: اللسانُ، وما يتأتى به النطق، والمراد بما بين الرجلين: الفرج. (٣) رواه البخاري (١١/ ٣٠٨) رقم (٦٤٧٤)، والترمذي رقم (٢٤١٠).

1 / 15

أدلة تحريم الغيبة قال الله ﷿ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)﴾ [الحجرات١١: ١٢]. يعني: إن كرهتم أكل لحم الإنسان الميت طبعًا، فاكرهوه شرعًا، فإن عقوبته أشد. (قال ابن عباس: " إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة؛ لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر، وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس ". وقال قتادة: " كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا، كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيًا ". واستعمِل أكل اللحم مكان الغيبة؛ لأن عادة العرب بذلك جارية، قال الشاعر: فإن أكلوا لحمي وَفَرتُ لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدًا) (١)

(١) " الجامع لأحكام القرآن " للقرطبي (١٦/ ٣٣٥).

1 / 16

تعريف الغيبة: وبَيَّنَ ﷺ حَدَّ الغيبة المحرمة، فعن أبي هريرة ﵁: (أن النبي ﷺ قال: " هل تدرون ما الغيبة؟ " قالوا: " الله ورسوله أعلم "، قال: " ذكرك أخاك بما يكره "، قيل: " أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ "، قال: " إِن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإِن لم يكن فيه فقد بَهَتَّه ") (١). وعن المطلب بن عبد الله مرسلًا: (أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ: ما الغيبة؟ فقال رسول الله ﷺ: " أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ") (٢) الحديث. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنهم ذكروا عند رسول الله ﷺ رجلًا، فقالوا: " لا يأكل حتى يُطعَمَ، ولا يَرْحَلُ حتى يُرْحَلَ له " (٣)، فقال النبي ﷺ: " اغتبتموه "، فقالوا: " يا رسول الله، حدَّثْنا بما فيه "، قال:

(١) أخرجه مسلم (٢٥٨٩)، وأبو داود (٤٨٧٤)، والترمذي (١٩٣٤)، وقال: " حسن صحيح "، والدارمي (٢/ ٢٩٩)، والامام أحمد (٢/ ٢٣٠، ٣٨٤، ٣٨٦، ٤٥٨)، وغيرهم. (٢) أخرجه مالك في " الموطأ " ص (٦١٠) ط. الشعب، ووكيع في " الزهد " (٤٣٧)، ومن طريقه هناد السري في الزهد (١١٧٢) عن الأوزاعي، وابن المبارك في " الزهد " (٧٠٤)، وأورده السيوطي في " زوائد الجامع " من رواية الخرائطي في " مساوي الأخلاق " بلفظ: " الغيبة أن تذكر الرجل بما فيه من خَلْفِهِ " أي من ورائه دون علمه، رقم (١٤٧٠٢) " جامع الأحاديث " (٤/ ٦١٨)، وذكر الألباني في " الصحيحة " رقم (١٩٩٢) أنه وقف عليه في نسخة مصورة من مخطوطة " مساوي الأخلاق " بلفظ: " الغيبة أن يُذكر الرجل بما فيه من خُلُقه "، قال: " ما كنا نظن أن الغيبة إلا أن يذكره بما ليس فيه "، قال: " ذلك من البهتان "، كذَا وقع فيه (خلقه) بالقاف، ولعله أولى، وانظر: " التوبيخ والتنبيه " لأبي الشيخ الأصبهاني رقم (١٩٠) ص (٢١٧ - ٢١٨). (٣) والمعنى أنهم وصفوه بالكسل أو الضعف، حتى إنه لا يلي أموره بنفسه حتى يتولاها له غيره.

1 / 17

" حسبك إِذا ذكرت أخاك بما فيه " (١). ومن ثم قال الراغب: " الغيبة: هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير مُحْوِجٍ إلى ذكر ذلك " (٢). وقال ابن الأثير في " النهاية ": " الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء، وإن كان فيه " (٣). وقال النووي في " الأذكار " تبعًا للغزالي: " الغيبة ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلُقه، أو ماله، أو ولده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز " (٤) اهـ. حكم الغيبة، والتحذير منها: قال الإمام القرطبي ﵀: " لا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن من اغتاب أحدًا عليه أن يتوب إلى الله ﷿ " (٥) اهـ. وقال الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي ﵀: (كل منهما -أي الغيبة

(١) رواه أبو الشيخ في " التوبيخ والتنبيه " برقمي (١٨٨، ١٨٩)، وابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (٢٠٥)، وفيه المثنى بن الصباح، ضعيف، والحديث حسنه المنذري في " الترغيب " (٥٠٦/ ٣). (٢) " الذريعة " ص (١٤٢). (٣) " النهاية في غريب الحديث " (٣/ ٣٩٩). (٤) " الأذكار النووية " ص (٢٨٨) بتصرف. (٥) " الجامع لأحكام القرآن " (١٦/ ٣٣٧).

1 / 18

والنميمة- حرام بالإجماع، وإنما الخلاف في الغيبة: هل هي كبيرة أو صغيرة؟، ونُقِل الإجماع على أنها كبيرة، وقال أخرون: " محله إن كانت في طلبة العلم، وحملة القرآن، وإلا كانت صغيرة ") (١) اهـ. وعن جابر ﵁ قال: (كنا عند النبي ﷺ فهبَّت ريح مُنْتنَة، فقال رسول الله ﷺ: " أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين ") (٢). وعن عائشة ﵂، قالت: (قلت للنبي ﷺ: " حسبك من صفية كذا وكذا "، قال بعض الرواة: تعني أنها قصيرة، فقال: " لقد قلتِ كلمة لو مُزِجت بماء البحر لمزجته ") (٣).

(١) تطهير العيبة من دنس الغيبة " ص (٤٥)، وانظر: " مغني المحتاج " (٤/ ٤٢٧). (٢) أخرجه الإمام أحمد (٣/ ٣٥١)، والبخاري في " الأدب المفرد " (٧٣٢)، وابن حبان في " الثقات " (٢/ ٧٢)، وقال الهيثمي في " المجمع ": " رواته ثقات " (٨/ ٩١)، وحسنه الحافظ في " الفتح " (١٠/ ٤٧٠)، وحسنه الألباني في " غاية المرام " رقم (٤٢٩)، وللحديث طريق أخرى عند البخاري في " الأدب المفرد " بسنده عن جابر بلفظ: (هاجت ريح منتنة على عهد رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: " إِن ناسًا من المنافقين اغتابوا أناسًا من المسلمين، فبعثت هذه الريح لذلك ") قال الألباني: " إسناده جيد على شرط الصحيح " اهـ. فائدة: قيل لبعضهم: " ما الحكمة في أن ريح الغيبة ونتنها كانت تتبين على عهد رسول الله ﷺ، ولا تتبين في يومنا هذا؟ ". قال: " لأن الغيبة كثرت في يومنا، فامتلأت الأنوف منها، فلم تتبين الرائحة، وهي النتن، ويكون مثال هذا، مثال رجل دخل دار الدباغين، لا يقدر على القرار فيها من شدة الرائحة، وأهل تلك الدار يأكلون فيها الطعام، ويشربون الشراب، ولا تتبين لهم الرائحة، لأنه قد امتلأت أنوفهم منها، كذلك أمر الغيبة في يومنا هذا " اهـ. من " تنبيه الغافلين " (١/ ١٧٥) للسمرقندي. (٣) أخرجه الامام أحمد (٦/ ١٨٦، ٢٠٦)، وأبو داود (٤٨٧٥)، والترمذي (٢٥٠٢)، وابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (٢٠٦)، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".

1 / 19

وعن أبي برزة الأسلمي والبراء بن عازب ﵄ قالا: (قال رسول الله ﷺ: " يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإِيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإِنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته ") (١). وعن أبي بكرة ﵁ قال: (بينما أنا أماشي رسول الله ﷺ، وهو آخذ بيدي، ورجل على يساره، فإذا نحن بقبرين أمامنا، فقال رسول الله ﷺ: " إِنَّهما ليُعذبان، وما يعُذبان في كبير (٢) وبلى! (٣) فأيكم يأتيني بجريدة؟ "، فاستبقنا فسبقتُه، فأتيته بجريدة، فكسرها نصفين، فألقى على ذا القبر قطعة، وعلى ذا القبر قطعة، قال: " إِنه يهوَّن عليهما ما كانتا رطْبَتَيْن، وما يعذبان إِلا في الغيبة والبول ") (٤).

(١) رواه من حديث أبي برزة ﵁ الإمام أحمد (٤/ ٤٢٠)، وأبو داود (٤٨٨٠)، والبيهقي (١٠/ ٢٤٧)، ورواه من حديث البراء بن عازب ﵁ أبو يعلى في " مسنده " (١٦٧٥)، والبيهقي في " الدلائل " (٦/ ٢٥٦)، وقال الهيثمي في " المجمع ": " رجاله ثقات " (٨/ ٥٣)، وحسنه المنذري في " الترغيب " (٣/ ٢٤٠)، وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس، وبريدة بن الحصيب ﵃. (٢) نقل الأبي عن المازَري: " أي شاق تركه؛ لأن المنهي عنه: منه ما يشق تركه كالمستلذات، ومنه ما ينفر الطبع كالمسمومات، ومنه ما لا يشق تركه كهذا "، وقال عياض: (وقيل: المعنى " في كبير " عندكم، وهو عند الله كبير) اهـ. (٣) أي حقًّا إنه كبير يعاقب الله عليه، وقد عاقبهما سبحانه في القبر بعد موتهما. (٤) رواه الامام أحمد (٥/ ٣٩)، وابن ماجه (٣٤٩)، والطيالسي (٨٦٧)، وابن أبي شيبة (١/ ١٢٢)، والبيهقي في " عذاب القبر " (١٣٧)، وقال المنذري: " رواته ثقات " كما في " الترغيب " (٣/ ٥١٢)، وقال الحافظ في " الفتح " (٤/ ٣٨٤): (إن رواية أبي بكرة عند أحمد والطبراني إسنادها صحيح) اهـ، وللحديث شواهد من حديث أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبي موسى، وعبد الرحمن بن حسنة وغيرهم، انظرها مفصلة في " بذل الإحسان " للحوينى رقم (٣١).

1 / 20

وعن جابر ﵁ مرفوعًا: " أما أحدهما فكان يغتاب الناس، وأما الآخر فكان لا يتأذى من البول " (١). وصَحَّ عن قتادة ﵁ قال: " ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من البول، وثلث من النميمة " (٢). وعن أنس ﵁ قال رسول الله ﷺ: " لما عُرِج بِي مَررت بقومٍ لهم أظفار من نحاس يَخْمِشُونَ (٣) وجوههم وصدورهم، فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم " (٤). وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: (كنا عند النبي ﷺ فقام رجل (٥)، فوقع فيه رجل من بعده، فقال النبي ﷺ: " تخلل " (٦)، فقال: " وممَّ أتخلل؟ وما أكلت لحمًا! "، قال: " إِنك أكلت لحم أخيك ") (٧).

(١) البخاري في " الأدب المفرد " وصححه لغيره الألباني في " صحيح الأدب المفرد " رقم (٥٦٤). (٢) رواه ابن أبي الدنيا في " الصمت "، (رقم١٨٩) ص (١٢٩). (٣) يخمشون: يخدشون ويقطعون. (٤) أخرجه الإمام أحمد (٢٢٤/ ٣)، وأبو داود رقما (٤٨٧٨)، (٤٨٧٩)، وابن أبي الدنيا في " الصمت " رقم (١٦٥)، وأبو الشيخ في " التوبيخ والتنبيه " رقم (٢٠١)، وصححه الألباني على شرط مسلم، كما في " الصحيحة " رقم (٥٣٣). (٥) أي غاب عن المجلس. (٦) بالخاء: من التخلل، وهو استعمال الخلال لإخراج ما بين الأسنان من الطعام، وأصله: من إدخال الشيء في خلال الشيء وهو وسطه، ومنه تخليل الأصابع في الوضوء، وانظر: " النهاية " (٢/ ٧٣)، (١/ ٤٣٠). (٧) قال الهيثمي في " المجمع " (٨/ ٩٤): (رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح)، وزاد المنذري عزوه إلى ابن أبي شيبة، وقال في " الترغيب ": (رواته رواة الصحيح) اهـ (٣/ ٥٠٦)، وانظر: " غاية المرام " رقم (٤٢٨).

1 / 21