Inferences of Muhammad Rashid Rida in His Tafsir
استنباطات محمد رشيد رضا في تفسيره
शैलियों
المملكة العربية السعودية - وزارة التعليم
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية أصول الدين - قسم القرآن وعلومه
استنباطات الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره جمعًا ودراسة
رسالة: مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في القرآن وعلومه
إعداد: رقية بنت محمد بن سالم باقيس
إشراف: د عبد الرحمن بن ناصر اليوسف، الأستاذ في قسم القرآن الكريم وعلومه
المناقشان: أ. د. يوسف بن عبد العزيز الشبل، د. فهد بن مبارك الوهبي
العام الجامعي: ١٤٣٥/ ١٤٣٦ هـ
تاريخ التسجيل: ٥/ ١١/ ١٤٣٢ هـ
تاريخ المناقشة: ٢١/ ٦/ ١٤٣٧ هـ
نتيجة المناقشة: ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.
1 / 1
شكر وتقدير
الحمد لله حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، ثم الصلاة والسلام على أشرف من بعث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين، أما بعد:
فإنه من باب الاعتراف بالجميل وإرجاع الفضل إلى أهله، لا يسعني إلا أن أشكر الله العلي القدير، وأحمده حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه على ما سهّل لي من أسباب العلم، ويسّر لي من وسائل تحصيله، وأسأله سبحانه المزيد من فضله وإحسانه.
ثم أتقدم بالشكر والتقدير وخالص الدعاء بالأجر والثواب لوالدي غفر الله له وجزاه عني خير الجزاء، والشكر لوالدتي حفظها الله وإخوتي على ما قاموا به من إعانتي لمواصلة تحصيلي العلمي.
وشكر خاص لمن شاطرني همي في هذا البحث وكان سندا وعونا لي بعد الله، زوجي الذي شجعني ولم يجعل البحث عائقًا في بداية حياتي الزوجية، فجزاه الله خيرا على ما قدم.
والشكر والتقدير لكل من كان له إسهام برأي أو مشورة أو توجيه أو نصيحة أو تزويد بمراجع أو دعاء أو غير ذلك من وجوه الإعانة، وهم كثير.
وأخص بالشكر والتقدير فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: عبد الرحمن بن ناصر اليوسف، حفظه الله ونفع به، على قبوله الإشراف على هذه الرسالة، حيث لم يدخر جهدًا في توجيهي، وإرشادي، فجزاه الله عني خير الجزاء.
وأتقدم بالشكر والتقدير للجنة المناقشة الكريمة المكونة من فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف بن عبد العزيز الشبل، أستاذ التفسير في قسم القرآن بجامعة الإمام، وفضيلة الدكتور فهد بن مبارك الوهبي، أستاذ التفسير في جامعة طيبة، اللذان تفضلا بقبول مناقشة هذه الرسالة، وتقويمها وإثرائها بملاحظاتهما القيمة، فشكر الله لهما وأسأله سبحانه أن يجزيهما عني خير الجزاء
كما أتقدم بالشكر لجامعتي الحبيبة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ممثلة في كلية أصول الدين، وقسم القرآن وعلومه، على ما هيأت لي من أسباب التحصيل العلمي منذ بداية دراستي الجامعية، فجزا الله أساتذتي ومشائخي وكل من عمل وخطط لوصولنا لهذه المرحلة خير ما يجزي به عباده المحسنين.
وأخيرًا، فإن هذا البحث عمل بشري، لا يسلم من الخطأ والزلل، فما كان فيه من صواب فهو فضل من الله وتوفيقه، وما كان فيه من خطأ وزلل فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله منه.
وأسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، ويتقبله قبولا حسنا، وأن يرحم والدينا ومن علّمنا، إنه على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
1 / 2
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وخالق الخلق أجمعين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه الذين ساروا على نهجه في اتباع القرآن الكريم، وكانوا به يهتدون.
أمَّا بعد:
فإن غاية الإنسان في هذه الدنيا هو تحقيقُ العبودية لله رب العالمين، إذ عليها مناط التكليف، وإليها دعت الرسالات السماوية كلها، والعلم من أشرف مقامات العبودية إذا كان متعلقًا بنصوص الوحيين الشريفين (القرآن الكريم والسنة الشريفة) إذ هما أصل العلوم ومنبعها.
وعلم التفسير من أجَلِّ العلوم وأنفعها وأشرفها، لتعلقه بكلام الله جل وعلا، وكل ما كان متصلًا بالتفسير ومتعلقا به كان له من القدر والمنزلة بقدر تعلقه به.
ولما كان الأمر كذلك؛ انْبَرى علماء الإسلام في شتى الأقطار لدراسة كلامِ رب العالمين، ونذروا حياتهم لخدمة الكتاب المبين، حتى استخرجوا دُرَرَه، واقتنصوا شوارده، ونهلوا من معينه، وارتشفوا من سلسبيله العذب.
وكان من بين هؤلاء الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ صاحب " تفسير المنار" الذي أراد منه أن يكون القارئ المتدبر للقرآن يهتدي به، ويتخذه وسيلة للنهوض بإصلاح الأمة وتجديد شبابها، الذي هو المقصود بذاته (^١).
وقد ضمَّن الشيخ تفسيره عصارة ذهنه، ونتاج قراءته واطلاعه، وأَودَعه من الفوائد المتعددة والمباحث القيمة حتى صار مرجعًا مليئًا بالفوائد والعلوم، فالكتاب موسوعة علمية قرآنية قيِّمة.
ومن هنا وقع اختياري على موضوع الاستنباط عند هذا الشيخ الجليل، وذلك أن علم الاستنباط من العلوم المتعلقة بالقرآن العظيم، إذ هو استخراج ما خفي من المعاني، ويحتاج إلى إعمال العقل الذي يحتاجه المستنبط حال الاستنباط، ولا يحصل هذا إلا بتأمل وتدبر كتاب الله.
وفي إبراز المعاني المتوصل إليها بالاستنباط هدايات قرآنية عقدية، وفقهية، وأصولية، وتربوية ينتفع بها الناظر إليها والعامل بها.
فكان لجمع مواضع الاستنباط عند الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ إبرازًا لهذا العلم من وجه، وبيانًا لبراعة المفسر من وجه آخر، لذا عقدت العزم على جمع هذه الاستنباطات ودراستها تحت عنوان:
_________
(^١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٢٠).
1 / 3
أهمية الموضوع، وأسباب اختياره:
١. القيمة العلمية لعلم الاستنباط إذ به يظهر رسوخ العلماء ومقدرتهم البارعة على استخراج المعاني الجليلة، وترسيخ القيم السامية.
٢. المكانة العلمية للشيخ محمد رشيد رضا ﵀ حيث يعد من العلماء الذين تبحروا في مختلف العلوم الشرعية وخاصة التفسير، إذ يُعدّ من مؤسسي مدرسة التفسير الحديث. وقد أثنى عليه ثلة من العلماء المعتبرين، منهم الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ﵀ إذ قال: "تأثرتُ بمنهاجِ الشيخِ محمد رشيد رضا ﵀ لأنهُ جيدٌ في عقدِ المسائل، وفي إتحافِهِ الفكريِ" (^١)، ومنهم أيضا الشيخ ناصر الدين الألباني ﵀ (^٢) والشيخ المفسر عبد الرحمن الدوسري ﵀.
٣. مكانة " تفسير المنار" بين كتب التفسير لاهتمامه بالقضايا العلمية والتربوية.
٤. عناية الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ بالقضايا الاجتماعية وإبرازه لها من خلال آيات الكتاب العزيز، وهو مما تدعو الحاجة الملحّة إليه في وقتنا الحاضر.
٥. الإسهام في إثراء المكتبة القرآنية بكتاب مستقل يضم كل ما يتعلق بالاستنباط عند الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ في التفسير.
أهداف البحث:
١. الكشف عن منهج الشيخ محمد رشيد رضا في الاستنباط.
٢. جمع استنباطات الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ التفسيرية ودراستها.
٣. بيان القيمة العلمية لاستنباطات الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ وبيان ما لتلك الاستنباطات وما عليها وموقف العلماء منها.
٤. إبراز علم الاستنباط عند الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ من وجه، وبراعته فيه من وجه آخر.
حدود البحث:
درست استنباطات الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ من أول سورة الفاتحة إلى الآية ٥٢ آخر آية فسرها من سورة يوسف، وقد بلغت قرابة ٢٠٠ استنباط.
_________
(^١) شريط: رحلة الشيخ في طلب العلم)، وأذيع هذا اللقاء في البرنامج العام في الإذاعة السعودية ١٥/ ١٠/ ١٤٠٣ هـ
(^٢) حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه ١/ ٤٠٠.
1 / 4
الدراسات السابقة:
بحسب ما اطلعت عليه من خلال البحث في الإنترنت، والتواصل مع قواعد المعلومات في المراكز البحثية كمركز الملك فيصل للدراسات والأبحاث، والجامعات في المملكة، وسؤال أهل الاختصاص من الباحثين والمتخصصين، تبين لي أن موضوع الاستنباط عند الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ لم تسبق دراسته.
إلا أن هناك بعض الرسائل العلمية المتعلقة بجهود الشيخ، ولكن في جوانب أخرى:
١. قواعد التفسير من خلال تفسير المنار لمحمد رشيد رضا بين التجديد والمحافظة، الهادي لمراني علوي، المغرب، كلية الآداب ١٩٩٤ م.
٢. الاتجاه العقلي في تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا، فوزية المشتوي، جامعة عين شمس ١٩٩٠ م.
٣. التفسير المقاصدي عند الشيخ محمد رشيد رضا من خلال "تفسير المنار"، فاطمة الزهراء الخمامي، دكتوراه، كلية الآداب: ظهر المهراز: فاس، ١٩٩٩ م.
٤. جهود الشيخ محمد رشيد رضا في التفسير: دراسة لتفسيره المنار، مصطفى بن عبد الله، أكاديمية الدراسات الإسلامية بجامعة ملايا، ٢٠٠٦ م.
٥. رشيد رضا المفسر، حسيب حسن السامرائي، جامعة الأزهر، ١٩٧٠ م.
٦. مفهوم السنن الإلهية عند محمد رشيد رضا من خلال تفسيره المنار، حازم زكريا محيي الدين، ماجستير.
ويتبين مما سبق أن هذا الموضوع لم يفرد بالبحث، وأحسب أن إفراد هذا الموضوع من موضوعات علوم القرآن والتفسير بالجمع والدراسة من خلال تفسير له مكانته القيّمة والعالية، كتفسير الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ سيكون إضافة، أرجو أن تكون ضمن سلسلة الخدمات التي عنيت بهذا التفسير القيّم.
خطة البحث:
تتكون خطة البحث من: مقدمة وتمهيد، وقسمين، وخاتمة، وفهارس.
المقدمة؛ وفيها: أهمية الموضوع وأسباب اختياره، وأهداف البحث، وحدوده، والدراسات السابقة، وخطة البحث، ومنهجه.
التمهيد ويشمل: لمحة موجزة عن الشيخ محمد رشيد رضا ﵀.
القسم الأول: الدراسة، وتتضمن تفسير الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ ومنهجه في الاستنباط من خلال تفسيره، وفيه تمهيد وأربعة فصول:
التمهيد: بيان مفهوم الاستنباط والفرق بينه وبين التفسير.
الفصل الأول: التعريف بتفسيره ومنهجه ﵀ فيه. وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: التعريف " بتفسير المنار".
المبحث الثاني: منهج الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره.
المبحث الثالث: مزايا تفسير المنار.
المبحث الرابع: المآخذ على تفسير المنار.
الفصل الثاني: أقسام الاستنباط عند الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الاستنباط، باعتبار موضوع المعنى المستنبط.
وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول: الاستنباطات العقدية.
المطلب الثاني: الاستنباطات في علوم القرآن.
المطلب الثالث: الاستنباطات الأصولية والفقهية.
المطلب الرابع: الاستنباطات اللغوية والبلاغية.
المطلب الخامس: الاستنباطات التربوية والسلوكية.
المطلب السادس: الاستنباطات الاجتماعية.
1 / 5
المطلب السابع: الاستنباطات في السياسة الشرعية.
المبحث الثاني: الاستنباط، باعتبار ظهور وخفاء النص المستنبط منه، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الاستنباط باعتبار ظهور النص المستنبط منه.
المطلب الثاني: الاستنباط باعتبار خفاء النص المستنبط منه.
المبحث الثالث: الاستنباط، باعتبار الإفراد والتركيب، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الاستنباط باعتبار الإفراد.
المطلب الثاني: الاستنباط باعتبار التركيب.
الفصل الثالث: طرق دلالات الاستنباط عند الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره، وفيه ستة مباحث:
المبحث الأول: الاستنباط بدلالة النص.
المبحث الثاني: الاستنباط بدلالة المفهوم.
المبحث الثالث: الاستنباط بدلالة الالتزام.
المبحث الرابع: الاستنباط بدلالة التضمن.
المبحث الخامس: الاستنباط بدلالة الاقتران.
المبحث السادس: الاستنباط بدلالة المطرد من أساليب القرآن.
الفصل الرابع: القيمة العلمية لاستنباطات الشيخ محمد رشيد رضا. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تأثر الشيخ محمد رشيد رضا باستنباطات المفسرين قبله، وموقفه منها.
المبحث الثاني: مميزات استنباطات الشيخ محمد رشيد رضا، وأثرها فيمن بعده.
القسم الثاني: جمع استنباطات الشيخ محمد رشيد رضا التفسيرية ودراستها حسب ترتيب سور المصحف وآياته.
1 / 6
الخاتمة:
وفيها أهم النتائج والتوصيات.
الفهارس وتشمل:
١. فهرس الآيات القرآنية.
٢. فهرس الأحاديث النبوية.
٣. فهرس الأعلام.
٤. ثبت المصادر والمراجع.
٥. فهرس السور والاستنباطات
٦. فهرس الموضوعات.
منهج البحث:
سلكت بعد توفيق الله وعونه في القسم الدراسي المنهج الوصفي التحليلي لشخصية المفسر وتفسيره، والاستنباطات عنده.
كما سلكت في القسم الآخر المنهج الاستقرائي التحليلي في استنباطات الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ متبعة ما يلي:
أ - ذكر الآية المستنبط منها، وبيان وجه الاستنباط.
ب - تحليل الاستنباط من خلال بيان نوع دلالة الآية عليه.
ت - الحكم عليه بعد موازنة قوله بأقوال غيره من العلماء.
متبعة في ذلك ما يلي:
• كتابة الآيات القرآنية بالرسم العثماني، مع عزوها إلى سورها بأرقام آياتها.
• تخريج الأحاديث من مظانها، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فاكتفي بذلك، وإن كان في غيرهما أخرجه من مظانه، وأذكر أقوال العلماء في الحكم عليه.
• عزو النصوص والآراء.
• توثيق المعاني اللغوية من المعاجم المعتمدة مع ذكر المادة والجزء والصفحة.
• توثيق المعاني الاصطلاحية من كتب المصطلحات الخاصة بها أو من كتب الفن الذي يتبعه المصطلح.
• توثيق النصوص والأقوال.
• التعريف بالأعلام الذين ورد ذكرهم، عدا المشهورين، ومن ورد في نقولات أهل العلم.
• التعريف بالفرق والأماكن والبلدان.
• وضع الفهارس الفنية اللازمة.
1 / 7
التمهيد
لمحة موجزة عن الشيخ محمد رشيد رضا ﵀.
كان ﵀ متعدد الجوانب والمواهب، فكان مفكرًا إسلاميًا غيورًا على دينه، وصحفيًا نابهًا أنشأ مجلة (المنار) ذات الأثر العميق في الفكر الإسلامي، وكاتبًا بليغًا، ومفسرًا نابغًا، ومحدثًا متقنًا في طليعة محدثي العصر، وأديبًا لغويًا، وخطيبًا مفوهًا تهتز له أعواد المنابر، وسياسيًا يشغل نفسه بهموم أمته وقضاياها، ومربيًا ومعلمًا يروم الإصلاح ويبغي التقدم لأمته.
كان رائدًا من رواد الإصلاح الإسلامي الذين بزغوا في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وعملوا على النهوض بأمتهم؛ حتى تستعيد مجدها الغابر، وقوتها الفتية على هدى من الإسلام، وبصر بمنجزات العصر (^١).
اسمه ونسبه:
هو العلامة محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بَهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني البغدادي الأصل الحسيني النسب (^٢).
من نسب السادة الأشراف؛ يذكر أن أجداد الشيخ محمد رشيد ينحدرون من العترة النبوية الشريفة وهم من الأشراف الحسينين وأصلهم من الحجاز وانتقلوا إلى العراق ونزلوا النجف ثم نزحوا من العراق إلى الشام وسكنوا قرية القلمون على سيف البحر بقرب طرابلس الشام (^٣).
مولده:
ولد في السابع والعشرين من شهر جمادى الأولى عام ألف ومائتين واثنين وثمانين للهجرة، الموافق الثامن عشر من شهر تشرين الأول سنة ألف وثمانمائة وخمسة وستين ميلادية في قرية قلمون، الواقعة على شاطئ البحر على بعد زهاء خمسة كيلومترات إلى الجنوب من طرابلس الشام، هذه القرية كانت تسمى بسيدة القرى والمزارع، ونشأ في بيت علم وتقوى، وترعرع في أسرة متديّنة تنتسب إلى الإمام الحسين بن علي (^٤).
_________
(^١) مقدمة مجلة المنار ترجمة المؤلف.
(^٢) مجلة المنار (٣٥/ ١٥٣) الأعلام للزركلي (٦/ ١٢٦).
(^٣) انظر: رشيد رضا الإمام المجاهد، د. إبراهيم أحمد العدوي، المؤسسة المصرية للتأليف والنشر (١٩)، مجلة المنار (٢٣/ ٢٩٠).
(^٤) محمد رشيد رضا (ص: ١) المنار، والأزهر ١٣٣، مجلة المنار (٣٥/ ١٥٣)، السيد رشيد رضا وإخاء أربعين سنة، شكيب أرسلان، قدم له د. مدحت السبع، دار الفضيلة، مصر، ص ٤.
1 / 8
نشأته:
نشأ وتعلم في مدرسة قلمون قواعد الحساب والخط والقراءة بما فيها قراءة القرآن الكريم، ثم دخل المدرسة الرشدية بطرابلس الشام وهي مدرسة ابتدائية تابعة للدولة العثمانية وكان التعليم فيها باللغة التركية فمكث بها سنة ثم تركها والتحق بالمدرسة الوطنية الإسلامية وهي مدرسة أنشأها الشيخ حسين الجسر الأزهري ﵀ سنة (١٢٩٩ هـ) (^١)، وكانت أرقى من المدرسة السابقة، والتعليم فيها بالعربية، وتهتم بتدريس العلوم العربية والشرعية والمنطق والرياضيات والفلسفة الطبيعية، غير أن هذه المدرسة أغلقتها السلطات العثمانية، فانتقل إلى المدارس الدينية بطرابلس وبقي فيها حتى تحصل على الشهادة العالية، ثم واصل تعليمه ودراسته الحرة على أستاذه الشيخ حسين الجسر واتصل بحلقاته ودروسه حتى تخرج على يديه وكتب له الشيخ الجسر الإجازة بالتدريس سنة خمس عشرة بعد الثلاثمائة وألف من الهجرة.
وبجانب ذلك تلقى العلوم العربية والأدبية والتصوف على الشيخ (عبد الغني الرافعي (^٢) ﵀، والشيخ (محمد القاوقجي الكبير (^٣) ﵀، وتلقى علم الحديث وفقه الشافعية على الشيخ (محمود نشابة (^٤) ﵀.
_________
(^١) حسين بن محمد بن مصطفى الجسْر: عالم بالفقه والأدب، من بيت علم في طرابلس الشام، له نظم كثير، ولد وتعلم في طرابلس، ورحل إلى مصر، فدخل الأزهر سنة ١٢٧٩ هـ فاستمر إلى ١٢٨٤ هـ، وعاد إلى طرابلس، فكان رجلها في عصره، علما ووجاهة، وتوفي فيها ١٢٩٩ هـ، الأعلام للزركلي (٢/ ٢٥٨).
(^٢) عبد الغني بن أحمد بن عبد القادر الرافعي البيساري الفاروقي، محدث، أصولي، فقيه، لغوي، ناثر، ناظم، صوفي، ولد بطرابلس الشام ١٢٣٦ هـ، ونشأ بها، ورحل إلى دمشق، وأخذ عن علمائها، وحج وقرأ على أعلام مكة، وعاد إلى طرابلس، وتخرج به كثير من أهل العلم والأدب، ولي الإفتاء بطرابلس، ثم عين رئيسا لمحكمة الاستئناف بصنعاء اليمن، وسافر إلى مصر والقسطنطينية، وتوفي بمكة ١٣٠٨ هـ، معجم المؤلفين (٥/ ٢٧٠)
(^٣) محمد بن خليل بن إبراهيم القاوقجي الطرابلسي الحنفي (أبو المحاسن) محدث، مسند، فقيه، صوفي، خطيب، ولد بطرابلس الشام ١٢٢٤ هـ، وتلقى مبادئ العلوم بها، ورحل إلى مصر، فدرس في الأزهر، وعاد إلى بلده، وتوفي حاجا بمكة ١٣٠٥ هـ، معجم المؤلفين (٩/ ٢٨٧).
(^٤) محمود بن محمد بن عبد الدائم نشابة: فاضل، من أهل طرابلس الشام ولد (١٢٢٨ هـ) تعلم بمصر، من كتبه (حاشية على متن البيقونية في مصطلح الحديث - ط) و(نثر الدراري - ط) حاشية على شرح الفناري، في المنطق، و(حاشية على همزية البوصيري) و(تعليق على شرح الضناوي) في المنطق، وآل نشابة فرع من بيت الزيلع، يقولون إن جدّهم كان عدّاء فلقب بالنشابة تشبيها له بها، وتوفي عام (١٣٠٨ هـ) الأعلام للزركلي (٧/ ١٨٦).
1 / 9
وقد أقبل في تلك الفترة على كتب الأخلاق والتصوف، وخصوصًا كتاب أبي حامد الغزالي "إحياء علوم الدين" الذي كان له أكبر الأثر في دينه وأخلاقه وعلمه وسلوكه (^١).
ثم وسع دائرة اهتماماته الفكرية فاطلع على شيء من الثقافة الغربية من خلال قراءته لبعض الكتب الأجنبية المترجمة مثل كتاب "الاجتماع" وغيره، ومن الكتب التي أثرت في أفكاره، وأضافت إلى ثقافته عنصرًا مميزًا دفعه إلى الانشغال بقضايا الأخلاق والفكر والتأريخ "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق" لمسكويه و"مقدمة ابن خلدون" (^٢).
شيوخه:
كما تقدم، فإن الشيخ محمد رشيد طلب العلم على يد كبار الشيوخ في القلمون وطرابلس منهم (^٣):
١. الشيخ حسين الجسر (^٤): وهو من أكابر علماء سورية في عصره، وذلك حينما دخل المدرسة الوطنية الإسلامية بطرابلس، فلما ألغيت استمر في تعلمه عليه حتى تخرج وكتب له الشيخ حسين سنة ١٣١٥ هـ الإجازة في التدريس.
٢. الشيخ محمود نشابة (^٥): أخذ عنه فقه الشافعية، وعلم الحديث، وكان أول ما أخذ عنه في الحديث: الأربعين النووية حيث قال: قرأتها وضبطتها حتى أجازني بها كتابة.
٣. الشيخ عبد الغني الرافعي (^٦): حضر عنده بعضًا من شرح كتاب نيل الأوطار للقاضي الشوكاني، ولكنه يقول: استفدت كثيرا من معاشرته في العلم والأدب والتصوف.
عقيدته (^٧):
الشيخ محمد رشيد رضا إمام من أئمة أهل السنة والجماعة، سار على نهجهم واقتفى أثرهم، ودافع عن العقيدة الصافية، ووقف في وجه أعدائها، كما بين ذلك الباحث تامر محمود في بيان عقيدة الشيخ محمد رشيد رضا في رسالته: (منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة).
_________
(^١) رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الدكتور: محمد عبد الله السلمان، ط: الأولى ١٤٠٨ هـ، نادي القصيم الأدبي، بريدة ٤٧ - ٤٨.
(^٢) مفهوم السنن الإلهية في الفكر الإسلامي - السيد محمد رشيد رضا نموذجًا - الدكتور حازم محي الدين، دار النوادر، بيروت، ط: ٢ - ١٤٣٣ هـ، ص ٩٤.
(^٣) أنظر: منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة، تامر محمود، رشيد رضا الإمام المجاهد، د. إبراهيم العدوي ٢٣ - ٣١، رشيد رضا وإخاء أربعين سنة، شكيب أرسلان ٣٥.
(^٤) مجلة المنار (٧/ ٧٩٢)، منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة (ص: ٦٧).
(^٥) مجلة المنار (٢١/ ١٥٣)، منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة (ص: ٦٩).
(^٦) مجلة المنار (٢١/ ١٥٣)، منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة (ص: ٧٠).
(^٧) أنظر: رشيد رضا الإمام المجاهد، د. إبراهيم العدوي ٣٦، والسيد رشيد رضا، شكيب أرسلان ٤٠ وما بعده.
1 / 10
إلا أن الشيخ محمد رشيد كانت له بداية في التصوف بحسب البيئة التي نشأ فيها وتأثر بعلمائها، فقد كان رشيد رضا قد بدأ التصوف حين كان يُقرئه شيخه حسين الجسر بعض كتب الصوفية ومنها بعض الفصول من الفتوحات المكية، ودرس على شيخه أبي المحاسن القاوقجي، ونال الإجازة في كتاب دلائل الخيرات، ثم بان له أن هذا الكتاب أغلبه أكاذيب على النبي ﷺ فتركه، وأقبل على قراءة أذكار وأوراد في الصلاة على النبي ﷺ ثابتة.
فسلك الطريقة النقشبندية (^١)، ويذكر الشيخ محمد رشيد ﵀ في هذا المجال أن الذي حبب إليه التصوف هو كتاب إحياء علوم الدين للغزالي، وقطع أشواطًا كبيرة فيها، ثم يقول: "ورأيت في أثناء ذلك كثيرًا من الأمور الروحية الخارقة للعادة كنت أتأول الكثير منها وعجزت عن تأويل بعضها" (^٢)، ثم يقول: "ولكن هذه الثمرات الذوقية غير الطبيعية لا تدل على أن جميع وسائلها مشروعة أو تبيح ما كان منها بدعة، كما حققت ذلك بعد" (^٣).
وقد عبر عن هذه التجربة الصوفية بعد سنوات طويلة جدًا في التصوف بقوله: " إنني قد سلكت الطريقة النقشبندية، وعرفت الخفي والأخفى من لطائفها وأسرارها، وخضت بحر التصوف ورأيت ما استقر باطنه من الدرر، وما تقذف أمواجه من الجيف، ثم انتهيت إلى مذهب السلف الصالحين، وعلمت أن كل ما خالفه فهو ضلال مبين" (^٤).
ثم أنكر على أهل هذه الطرق، فناصبوه العداء، حتى وقعت بين يديه صحيفة العروة الوثقى التي كان يصدرها الأستاذان جمال الدين الأفغاني (^٥)، والشيخ محمد عبده (^٦)، فأعجب بها وأقبل على قراءتها فكانت بمثابة تغيير جذري في طريقة تفكيره وأهدافه في الحياة، فقال: "هي التي وجهت نفسي للسعي في الإصلاح العام بعد أن كنت لا أفكر إلا فيما بين يدي، وأرى كل الواجب علي أن أظهر في دروسي العقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة، وأنا لا أعلم سبب الفساد الذي فعل في العقائد والأخلاق ما فعل، ودفع المسلمين إلى مزالق الزلل، حتى هدتني العروة الوثقى، إلى المناشئ والعِلل" (^٧).
_________
(^١) النقشبندية: هي إحدى الطرق الصوفية نسبة إلى الشيخ محمد بهاء الدين شاه نقشبند، انظر: عبد الرحمن دمشقية: "النقشبندية (ص: ٢٩) ط: دار طيبة، الرياض، الثالثة ١٤٠٩ هـ/ ١٩٨٨ م. منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة (ص: ٥٥٦).
(^٢) مجلة المنار (٣٣/ ٣٥٣).
(^٣) مجلة المنار (٣٣/ ٣٥٣).
(^٤) مجلة المنار (١١/ ٥٠٤).
(^٥) محمد بن صفدر الحسيني، جمال الدين، ولد في أسعد آباد (بأفغانستان) ١٢٥٤ هـ. ونشأ بكابل، وتلقى العلوم العقلية والنقلية، وبرع في الرياضيات، سافر إلى الهند ثم قصد مصر، وتتلمذ على يده الشيخ محمد عبده، وكثيرون، ونفته الحكومة المصرية (سنة ١٢٩٦ هـ) فرحل إلى حيدر آباد، ثم إلى باريس، وأنشأ فيها مع الشيخ محمد عبده جريدة (العروة الوثقى) توفي ١٣١٥ هـ، له (تاريخ الأفغان - ط) و(رسالة الرد على الدهريين - ط)، الأعلام للزركلي (٦/ ١٦٨ - ١٦٩) معجم المؤلفين (٣/ ١٥٤).
(^٦) محمد عبده بن حسن خير الله، من آل التركماني، فقيه، مفسر، متكلم، حكيم، أديب، لغوي، كاتب، صحافي سياسي، ولد في شنيرا من قرى الغربية بمصر في أواخر ١٢٦٦ هـ، ونشأ فيها، وعمل في التعليم، وتولى تحرير الوقائع المصرية، وأصدر مع جمال الدين الافغاني جريدة العروة الوثقى، وعاد إلى بيروت فاشتغل بالتدريس والتأليف، وتولى منصب القضاء، فمفتيا للديار المصرية وتوفي فيها ١٣٢٣ هـ، له (تفسير القرآن الكريم - ط) لم يتمه، و(رسالة التوحيد - ط) و(شرح نهج البلاغة - ط) وغيرها، معجم المؤلفين (١٠/ ٢٧٢ - ٢٧٣)، الأعلام للزركلي (٦/ ٢٥٢).
(^٧) انظر: مجلة المنار (صفحات التعريف)، رشيد رضا الإمام المجاهد، أحمد العدوي، ٧٧.
1 / 11
وقال: "كنت أقلب في أوراق والدي فرأيت عددين من جريدة العروة الوثقى فقرأتهما بشوق ولذة ففعلا في نفسي فعل السحر، وكان كل عدد منها كسلك من الكهرباء اتصل بى فأحدث في نفسي من الهزة والانفعال والحرارة والاشتعال ما قذف بي من طور إلى طور ومن حال إلى حال-ويصف الطورين والحالين فيقول- كان همي قبل ذلك محصورا في تصحيح عقائد المسلمين ونهيهم عن المحرمات وحثهم على الطاعات وتزهيدهم في الدنيا، فتعلقت نفسي بعد ذلك بوجوب رشاد المسلمين عامة إلى المدنية والمحافظة على ملكهم ومباراة الهمم العزيزة في العلوم والفنون والصناعات وجميع مقومات الحياة فطفقت استعد لذلك استعدادًا" (^١).
واشتهر حبه وتعلقه الشديد بالأفغاني ومحمد عبده حتى صار الثناء عليهما يعتبر تقربا إليه، وكتب الأفغاني وهو في الآستانة كتابا أبان له فيه ما يكنّه له من محبة وتأييد وسأله إن كان يقبله مريدا يتلقف الحكمة منه وتلميذا يقوم ببعض الخدمة.
كان الشيخ محمد عبده في الشام منفيا من مصر والتقى به السيد رشيد مرتين في طرابلس في مناسبتين قصيرتين كان نتيجتهما زيادة إعجاب السيد رشيد بالإمام ورغبته في الاتصال به، وبعد أن توفي الأفغاني سنة ١٣١٤ هـ، عزم الشيخ محمد رشيد على الرحيل إلى مصر للاتصال بوارث علمه وحكمته الأستاذ الإمام محمد عبده لتلقي الحكمة منه، ولازمه حتى توفي.
ثم بدأ يتحول تدريجيا بعد وفاة أستاذه محمد عبده، من منهج المدرسة العقلية الحديثة إلى منهج السلف، وهو وإن لم يتحول تحولا كاملا إلا أنه كان في ازدياد إلى أن أدركته الوفاة.
وتبدو مظاهر هذا التحول عن سيرة سلفه التي ساروا عليها فيما يلي:
أولا: من خلال منهجه في التفسير؛ فقد نص في تفسيره على أنه "خالف منهج أستاذه بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السنة الصحيحة سواء كان تفسيرا لها أو في حكمها وفى تحقيق بعض المفردات والجمل اللغوية والمسائل الخلافية بين العلماء، وفى الإكثار من شواهد الآيات في السور المختلفة وفى بعض الاستطرادات لتحقيق مسائل تشتد حاجة المسلمين إلى تحقيقها بما يثبتهم بهداية دينهم في هذا العصر أو يقوي حجتهم على خصومهم من الكفار والمبتدعة أو يحل بعض المشكلات التي أعيا حلها بما يطمئن به القلب وتسكن إليه النفس" (^٢).
وقال أيضا: " (وأقول) أنا مؤلف هذا التفسير: إنني ولله الحمد على طريقة السلف وهديهم، عليها أحيا وعليها أموت إن شاء الله -تعالى-، وإنما أذكر من كلام شيخنا، ومن كلام غيره، ومن تلقاء نفسي بعض التأويلات لما ثبت عندي باختباري الناس أن ما انتشر في الأمة من نظريات الفلاسفة ومذاهب المبتدعة المتقدمين والمتأخرين، جعل قبول مذهب السلف واعتقاده يتوقف في الغالب على تلقيه من الصغر بالبيان الصحيح وتخطئة ما يخالفه، أو طول ممارسة الرد عليهم، ولا نعرف في كتب علماء السنة أنفع في الجمع بين النقل والعقل من كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله تعالى-، وإنني أقول عن نفسي: إنني لم يطمئن قلبي بمذهب السلف تفصيلا إلا بممارسة هذه الكتب.
_________
(^١) المرجع السابق.
(^٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ١٦).
1 / 12
فنحن قد سمعنا بآذاننا شبهات على بعض الآيات والأحاديث لم يسهل علينا دفعها وإقناع أصحابها بصدق كلام الله وكلام رسوله إلا بضرب من التأويل، وأمثال تقربها من عقولهم ومعلوماتهم أحسن التقريب، وقد غلط كثير من علماء الكلام والمفسرين في بيان مذهب السلف وفي معاني التفويض والتأويل، وتجد تفصيل ذلك لنا في أوائل تفسير سورة آل عمران، كما أخطأ من قالوا: إن الدليل العقلي هو الأصل فيرد إليه الدليل السمعي ويجب تأويله لأجل موافقته مطلقا، والحق كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن كلا من الدليلين إما قطعي وإما غير قطعي، فالقطعيان لا يمكن أن يتعارضا حتى نرجح أحدهما على الآخر، وإذا تعارض ظني من كل منهما مع قطعي وجب ترجيح القطعي مطلقا، وإذا تعارض ظني مع ظني من كل منها رجحنا المنقول على المعقول؛ لأن ما ندركه بغلبة الظن من كلام الله ورسوله أولى بالاتباع مما ندركه بغلبة الظن من نظرياتنا العقلية التي يكثر فيها الخطأ جدا؛ فظواهر الآيات في خلق آدم مثلا مقدم في الاعتقاد على النظريات المخالفة لها من أقوال الباحثين في أسرار الخلق وتعليل أطواره ونظامه ما دامت ظنية لم تبلغ درجة القطع.
وينبغي أن تعلم أيها القارئ المؤمن: أن من الخير لك أن تطمئن قلبا بمذهب السلف ولا تحفل بغيره" (^١).
ثانيا: عنايته بكتب السلف وطبعها في مطبعة المنار وذلك بطبع كتب ابن تيمية وابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب ونحوهم وهو أمر اشتهر به السيد رشيد والمنار حتى سماه خصومه بالوهابي.
وبذل جهدا كبيرا في الدفاع عن العقيدة المتمثلة في دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب فكتب مقالات عديدة في الدفاع عنها بل تجاوز هذا إلى تأليف كتاب:
١. السنة والشيعة أو الوهابية والرافضة، رد فيه على خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الشيعة والرافضة.
٢. الوهابيون والحجاز، وهو مجموعة مقالات كتبها حينما هاجم خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية ووصفوها بالابتداع والخروج عن الإسلام، شرح فيها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومبادئها وأهدافها وحالة أتباعها في عصره وأنهم لا يرجى غيرهم في إعادة ما للمسلمين من عزة ومجد.
ونشاطه في طبع كتب السلف وتحقيقها والتعليق عليها بما يوضحها ويجلوها للناس أمر لا يخفى، وكان لها الأثر الكبير في تحوله إلى مذهب السلف وتأثره بهم عن طريق كتبهم.
ثالثا: الخصومة بينه وبين أتباع المدرسة العقلية الحديثة من تلاميذ الشيخ محمد عبده، فقد أدركوا تحوله عن منهج شيخه وجرت بينه وبينهم مناقشات حادة، ففي الصحف كثيرا ما هاجموه وهاجموا آراءه الجديدة ومن هؤلاء الأستاذ محمد حسين، والشيخ عبد العزيز جاويش والأستاذ محمد فريد وجدي.
_________
(^١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٢١١).
1 / 13
رابعا: أن علاقة السيد رشيد بالإنجليز لم تكن كعلاقة الأفغاني وعبده المريبة بهم، فقد كان السيد رشيد يعلن حربه للاستعمار بجميع أشكاله الإنجليزي والفرنسي والإيطالي.
خامسا: أنه لم يدخل الماسونية (^١) بل كان يحذر منها ومن الانتساب إليها ومن رواجها بين المسلمين، وكان إذا عاب أحد عنده الأفغاني أو محمد عبده بدخول الماسونية اكتفى بقوله: "نعم هما داخلان في الماسونية ولكن أنا لم أدخل فيها" (^٢).
سادسا: حربه لجمعية الاتحاد والترقي (^٣) التي خلعت السلطان عبد الحميد بعد ما تكشفت له أهدافها التي ترمى إليها من القضاء على الخلافة الإسلامية وتأسفه على الخلافة الإسلامية، ووصفه لجمعية الاتحاد والترقي بأنها جمعية الأحمرين الدم والذهب ووصف مصطفى كمال أتاتورك بالإلحاد والمروق من الدين الإسلامي وأخذ يدعو بعد هذا بشدة إلى إعادة الخلافة الإسلامية وألّف في ذلك كتابه (الخلافة أو الإمامة العظمى).
ومن هذا ندرك مدى مخالفة السيد رشيد رضا لسيرة أستاذيه الأفغاني ومحمد عبده ولم يكن هذا التحول فجائيا بل كان التدرج واضحا في سيره، فقد كان يزداد تقربا إلى منهج السلف كلما امتد به العمر إلى أن توفاه الله (^٤).
وقال صاحب كتاب منهج الشيخ محمد رشيد في العقيدة: " لقد تبين لي من خلال عرض منهج وآراء رشيد رضا في العقيدة أنه كان متأثرًا بعدة مدارس مختلفة، منها مدرسة شيخه محمد عبده الفلسفية، ومدرسة ابن تيمية السلفية، وبناءً على ذلك تعددت الآراء فيه، فعدّه بعضهم محسوبًا على هؤلاء وعده آخرون على هؤلاء، وكل نظر إلى جانب واحد، ولكني أقول إحقاقًا للحق إن الذي غلب على رشيد رضا، لا سيما في آخر حياته - هو المنهج السلفي المتأثر فيه بمؤلفات ابن تيمية ومدرسته" (^٥).
_________
(^١) منظمة سرية يهودية إرهابية غامضة محكمة التنظيم، ترتدي قناعًا إنسانيًا إصلاحيًا، وتهدف من وراء ذلك إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم، وتدعو إلى الإلحاد والإباحية والفساد، وقيل هي: أخطر تنظيم سري إرهابي يهودي متطرف، يحتوي على حُثالات البشر؛ من أجل السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية في كل أنحاء المعمورة. رسائل في الأديان والفرق والمذاهب، د. محمد الحمد ص ١١٠.
(^٢) الإسلام والحضارة الغربية، محمد محمد حسين ص ٩٦.
(^٣) حركة سياسية كانت توجّه مقدرات الدولة العثمانية وتدير شؤونها منذ الانقلاب الدستوري عام ١٩٠٨ م حتى هزيمة الدولة في الحرب العالمية الأولى وتوقيع معاهدة مودروس عام ١٩١٨ م. الموسوعة العربية المجلد الأول الحضارة العربية، ٢٢٤.
(^٤) انظر: منهج المدرسة العقلية في التفسير، الدكتور فهد الرومي، الناشر: إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية ١٤٠٣ هـ. من ١٨٢ - ١٨٦.
(^٥) منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة (ص: ٨٩٧).
1 / 14
ومن خلال هذا يتضح أن الشيخ محمد رشيد رضا ﵀: سلفي المذهب، إضافة إلى أنه صرح في تفسيره بذلك فقال: "قال المغوون لهم من أهل الطرائق القدد بلسان حالهم أو مقالهم: إن صاحب المنار معتزلي منكر لكرامات الأولياء، وما هو بمعتزلي ولا أشعري، بل هو قرآني سني" (^١).
أما ما وقع فيه من انحرافات في العقيدة عموما فتبعًا لشيخه محمد عبده، وقد استطاع التخلص مما كان عليه شيخه من العقيدة الأشعرية فنراه يرد عليه، إضافة إلى أنه أظهر المذهب السلفي فيما جمعه في تفسيره، فقد أثبت في معظم الصفات مذهب السلف ودافع عنه، وإن كان وقع في التأويل في بعض الصفات، فهو يعتبر من الذين غلبت عليهم الصفة السلفية (^٢).
تلامذته:
أنشئت في عهده مدرسة "دار الدعوة والإرشاد" وكانت هذه المدرسة هي مما دعا إليه في مجال الإصلاح الديني التعليمي، حيث كانت تعنى بتدريس جميع العلوم والفنون التي تدرس عادة في الكليات مع التربية الدينية، وزيادة العناية بالعلوم الإسلامية، وتنشأ أقسامها بالتدريج، يبدأ منها بقسم عال؛ لتخريج الدعاة إلى الإسلام والمرشدين بالوعظ والتدريس وهو المقصد الأساسي (^٣).
ويتبين من منهاج الدراسة النظري والعملي أن الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ حاول من خلاله تحقيق كثير من أسس الإصلاح الديني والتعليمي الذي كان يدعو إليه، وقد توقفت المدرسة أثناء الحرب العالمية الأولى بسبب انقطاع الدعم المادي لها (^٤)، ورغم الفترة المحدودة التي ظلت الدراسة بها قائمة والتي لم تتعد أربع سنوات، إلا أن حماس الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ وحرصه على نجاحها أدى إلى تخرج مجموعة من تلامذتها وهم مجتهدون للعمل على منهج الإصلاح الذي أرساه فيهم الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ ومزودون بكثير من العلوم والمعارف والخبرات التي أهلتهم فيما بعد للإسهامات العلمية والعملية في المناطق التي ذهبوا إليها (^٥).
_________
(^١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٢/ ٢٠٣).
(^٢) انظر: المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات، محمد بن عبد الرحمن المغراوي، الناشر: مؤسسة الرسالة، دار القرآن، سنة النشر: ١٤٢٠ هـ -٢٠٠٠ م، ٢/ ٦٦٣.
(^٣) مجلة المنار (١٤/ ٧٨٥) رشيد رضا الإمام المجاهد، د. إبراهيم العدوي ١٨٠.
(^٤) مجلة المنار (٣٥/ ١٩٧ - ١٩٨).
(^٥) مجلة المنار (٣٥/ ١٩٧ - ١٩٨) مقالة: السيد الإمام محمد رشيد ناظر دار الدعوة، الكاتب: عبد الرحمن عاصم.
1 / 15
ومن هؤلاء الطلاب:
١. الشيخ يوسف ياسين (^١).
٢. الشيخ أمين الحسيني (^٢).
٣. الشيخ محمد بهجت البيطار (^٣).
٤. الشيخ محمد الفقي (^٤).
٥. الشيخ عبد الظاهر أبو السمح، من أئمة الحرم المكي (^٥).
٦. الشيخ عبد السميع البطل، من علماء مصر (^٦)، وغيرهم.
_________
(^١) (١٣٠٩ - ١٣٨١ هـ) يوسف بن محمد ياسين: من كبار العاملين في خدمة الملك عبد العزيز آل سعود، ولد ونشأ في اللاذقية بسورية، وحفظ القرآن، له " الرحلة الملكية " و" مذكرات " الأعلام للزركلي (٨/ ٢٥٣).
(^٢) (١٣١١ - ١٣٩٤ هـ) محمد أمين (أو الحاج أمين) بن محمد طاهر بن مصطفى الحسيني: زعيم فلسطين السياسي في عصره، ولد وتعلم بالقدس، وأقام سنتين بين الجامع الأزهر ودار الدعوة والإرشاد التي أنشأها محمد رشيد رضا بمصر، المجاهد، فقام بتأليف (جيش الجهاد المقدس)، (مذكرات)، الأعلام للزركلي (٦/ ٤٦).
(^٣) (١٣١١ - ١٣٩٦ هـ) علامة الشام، عالم ومصلح وخطيب ومؤلف، درس على يد أعلام عصره، مثل: جمال الدين القاسمي، محمد رشيد رضا، وتولى الخطابة والإمامة والتدريس، له: الإسلام والصحابة الكرام بين السُّنة والشيعة، وتفسير سورة يوسف، وغيرها، انظر تكملة معجم المؤلفين (ص: ٧١٨).
(^٤) (١٣٠٩ - ١٣٧٨ هـ) محمد حامد الفقي، من علماء الدين، ولد في نكلي العنب، إحدى قرى مديرية البحيرة بمصر، فحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر، ونال شهادة العالية، وأسس جماعة أنصار السنة المحمدية، ودرس بالمعهد العلمي بمكة، من آثاره: أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها، شذرات البلاتين، ومن دفائن الكنوز، معجم المؤلفين (٩/ ١٧٢).
(^٥) (ت ١٣٧٠ هـ) عبد الظاهر (أو محمد عبد الظاهر) ابن محمد، نور الدين التليني، أبو السمح خطيب الحرم المكيّ وإمامه، من وعاظ الفقهاء الأزهريين، من بلدة التلين في الشرقية بمصر، تفقه في الأزهر، تولى الخطابة والإمامة بالحرم المكيّ وإدارة دار الحديث من (١٣٤٥ - ١٣٧٠)، له رسائل مطبوعة، منها "حياة القلوب بدعاء علام الغيوب" و"الأولياء والكرامات" و"الرسالة المكية"، الأعلام للزركلي (٤/ ١١).
(^٦) انظر: مجلة المنار (٣٥/ ١٩٥) الكاتب: عبد السميع البطل.
1 / 16
مؤلفاته:
ترك لنا الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ تراثًا ضخمًا من الكتب والمؤلفات يدل على ضخامة الجهود التي كان يبذلها في سبيل توضيح أفكاره والدعوة إليها، وعلى عمق ثقافته وتنوعها وشمولها (^١).
قال عنه شكيب أرسلان (^٢): "ولم أكن أرى في عصرنا هذا أصبر على الكتاب وأجلد على الشغل وأسيل قلما وأسرع خاطرا من الشيخ رشيد، فلو وزعنا ما كتبه بقلمه وبخط بنانه في حياته على خمسين كاتب لأصاب كل منهم قسطا، يجدر بأن يجعله في وصف المؤلفين العاملين". وقال أيضا عنه: "أنه الرجل الذي لم يضيع ساعة واحدة من حياته بلا عمل مفيد للإنسانية عمومًا وللإسلام خصوصًا" (^٣).
ويمكن القول إن أكثر مؤلفاته نشرت مرتين، إحداهما في مجلة المنار والثانية في كتاب مستقل.
والنظرة الفاحصة لمؤلفات الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ تبين أنها متنوعة الجوانب متعددة التخصصات؛ فبعضها شرعية فقهية، وبعضها عقائدية شرعية، مثل كتاب (السنة والشيعة)، و(رسالة التوحيد)، وبعضها تركز على النواحي السياسية، وبعضها تاريخية سياسية، وأكثر مؤلفاته تختص بالنواحي الإصلاحية الإسلامية.
ومن الصعب حصر مقالاته وكتاباته الصحفية ومؤلفاته العلمية، ونكتفي بذكر أبرزها ومنها (^٤):
١. مجلة المنار؛ مجلة شهرية صدر أول عدد منها في ٢٢/ ١٠/ ١٣١٥ هـ، كان لها حضورٌ في العالم الإسلامي، يتركز هدفها في الإصلاح الديني والاجتماعي للأمة، وإبطال الشبهات الواردة على الإسلام، وتربية البنين والبنات، وإصلاح كتب التعليم، ودفع الأمة على مجاراة الأمم المتقدمة، كانت تصدر أسبوعيا، ثم في كل شهر مرتين ثم مرة، كانت تطبع في عهدها الأول في مطبعة المؤيد التي يملكها علي يوسف، ثم اشترى الشيخ رشيد رضا ﵀ المطبعة ليطبع مجلته، وسائر كتبه فيها.
٢. الحكمة الشرعية في محاكمة القادرية والرفاعية.
٣. تاريخ الأستاذ الإمام في ثلاثة مجلدات وهو أوسع ترجمة للإمام محمد عبده.
_________
(^١) مفهوم السنن الإلهية، حازم محي الدين ١٠١.
(^٢) (١٢٨٦ - ١٣٦٦ هـ) شكيب بن حمود بن حسن بن يونس أرسلان، من سلالة التنوخيين ملوك الحيرة، عالم بالأدب، والسياسة، مؤرخ، من أكابر الكتّاب، ينعت بأمير البيان، من أعضاء المجمع العلمي العربيّ، له (الحلل السندسية في الرحلة الأندلسية) رحلة إلى الحجاز، و(السيد رشيد رضا، وإخاء أربعين سنة - ط)، أنظر الأعلام للزركلي (٣/ ١٧٤ - ١٧٥).
(^٣) السيد رشيد رضا، وإخاء أربعين سنة ١٥.
(^٤) انظر: محمد رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من ١٨٣ - ١٨٨، وتفكير محمد رشيد رضا من خلال مجلة المنار، محمد صالح المراكشي، ط: ١٩٨٥ م، الدار التونسية للنشر- تونس: ٦٣ - ٧٢، رشيد رضا الإمام المجاهد، د. إبراهيم العدوي ٢٧٠.
1 / 17
٤. نداء للجنس اللطيف؛ في حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام، وقد علق عليه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
٥. الوحي المحمدي.
٦. المنار والأزهر.
٧. ذكرى المولد النبوي.
٨. الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية.
٩. يسر الإسلام وأصول التشريع العام في نهي الله ورسوله عن كثرة السؤال.
١٠. الخلافة والإمامة العظمى.
١١. الوهابيون والحجاز.
١٢. السنة والشيعة أو الوهابية والرافضة.
١٣. مناسك الحج أحكامه وحكمه.
١٤. تفسير المنار: سيأتي الحديث عنه في الفصل الأول من هذه الرسالة.
١٥. الربا والمعاملات في الإسلام.
١٦. مساواة الرجل.
١٧. رسالة في أبى حامد الغزالي.
١٨. المقصورة الرشيدية.
١٩. شبهات النصارى وحجج الإسلام.
٢٠. خلاصة السيرة المحمدية وحقيقة الدعوة الإسلامية وكليات الدين وحكمه.
٢١. تفسير الفاتحة وست سور من خواتيم القرآن الكريم.
٢٢. تفسير الفاتحة ومشكلات القرآن.
٢٣. تفسير سورة يوسف: الذي أكمله محمد بهجت البيطار، وطبع بعد وفاة الشيخ محمد رشيد سنة ١٣٥٥ هـ.
٢٤. المسلمون والقبط والمؤتمر المصري.
٢٥. عقيدة الصلب والفداء.
٢٦. محاورات المصلح والمقلد.
٢٧. ترجمة القرآن وما فيها من المفاسد ومنافاة الإسلام.
وفاته:
توفي ﵀ يوم الخميس الموافق (٢٣ من جمادى الأولى ١٣٥٤ هـ، ٢٢ من أغسطس ١٩٣٥ م) في طريق عودته من السويس بعد أن قام بتوديع الأمير سعود بن عبد العزيز، وكان يقرأ القرآن طول الطريق حتى خرجت روحه، ودفن في القاهرة، بقرّافة المجاورين بجوار الإمام محمد عبده (^١).
رثاؤه:
(حزن عليه المسلمون ورثاه العلماء والأدباء في جميع الأقطار فلما بلغ نعيه الحجاز رثاه الشيخ يوسف ياسين برثاء مطلعه: (دمعة تلميذ على أستاذه) نشر في جريدة أم القرى عدد ٥٦٠ السنة الثانية عشر الموافق يوم الجمعة عاشر جمادى الثانية سنة ١٣٥٤ هـ.
ونعاه ابن باديس (^٢) فقال: " لقد كان الأستاذ نسيج وحده في هذا العصر فقهًا في الدين، وعلمًا بأسرار التشريع، وإحاطة بعلوم الكتاب والسنّة، ذا منزلة كاملة في معرفة أحوال الزمان وسير العمران والاجتماع، وكفى دليلًا على ذلك ما أصدره من أجزاء التفسير، وما أودعه مجلّة المنار في مجلّداتها التي نيفت على الثلاثين، وما أصدره من غيرهما مثل (الوحي المحمّدي) الذي كان أحبّ كتبه إليه، وإنّ ما كان يقوم به من عمل في تفسير القرآن لا تستطيع أن تقوم به من بعده إلاّ لجنة من كبار العلماء، فهل يكون من رجال الأزهر من يتقدّمون لخدمة الإسلام بتتميم هذا العمل الجليل؟ " (^٣).
_________
(^١) انظر: رشيد رضا الإمام المجاهد، د. إبراهيم العدوي ٢٨٢، مجلة المنار (٣٥/ ١٥٣، ١٥٨، ٢١٥).
(^٢) عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي ابن باديس: رئيس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر، أصدر مجلة (الشهاب) علمية دينية أدبية، توفي سنة ١٣٥٩ هـ له (تفسير القرآن الكريم) اشتغل به تدريسا زهاء ١٤ عاما، ونشرت نبذ منه ثم جمع تفسيره لآيات من القرآن، باسم (مجلس التذكير)، (آثار ابن باديس)، الأعلام للزركلي (٣/ ٢٨٩).
(^٣) آثار ابن باديس (٤/ ١٩٤).
1 / 18
ورثاه الشاعر محمد الهراوي (^١) فقال:
(أي صرح هوى وحصن حصين ولواء طوته أيدي المنون
يا غريب الديار لم تفقد الأهل فما مصر غير أم حنون
جئتها عالمًا وطالب علم فتلقتك في الحشى والعيون) (^٢).
قالوا عنه:
قال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (^٣) ﵀: "تأثرتُ بمنهاج الشيخ محمد رشيد رضا ﵀ لأنهُ جيدٌ في عقدِ المسائل، وفي إتحافِهِ الفكريِ، وإن كان عليه بعض ما أخطأ فيه ولا أحد يسلَم إلا المعصومُ" (^٤).
وقال المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (^٥) ﵀: "السيد محمد رشيد رضا ﵀ له فضل كبير على العالم الإسلامي، بصورة عامة، وعلى السلفيين منهم بصورة خاصة، ويعود ذلك إلى كونه من الدعاة النادرين الذين نشروا المنهج السلفي في سائر أنحاء العالم بوساطة مجلته المنار" (^٦).
_________
(^١) محمد بن حسين ابن الدكتور محمد الهراويّ: شاعر مصري. انفرد بنوع من النظم السهل، ابتكره للأطفال يحفظونه ويتناشدونه في مدارسهم وبيوتهم، وأنشأ (مجلة الرسول) وله كتيبات لطيفة، منها (السمير الصغير - ط) و(الطفل الجديد - ط)، توفي سنة ١٣٥٨ هـ الأعلام للزركلي (٦/ ١٠٦).
(^٢) محمد رشيد رضا (ص: ٢٢) مجلة المنار (٣٥/ ١٥٣، ١٥٨، ٢١٥).
(^٣) محمد بن صالح العثيمين، ولد في عنيزة عام ١٣٤٧ هـ، ونشأ بها، تعلم القرآن على يد جده لأمه، والتحق بإحدى المدارس، فحفظه في سن مبكرة ومختصرات المتون في الحديث والفقة، ودرس علي يد الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، له شرح ثلاثة الأصول، والشرح الممتع في الفقه، تفسير ابن عثيمين، وغيرها، توفي ١٥ شوال سنة ١٤٢١ هـ في جدة ودفن في مكة المكرمة.
(^٤) شريط: رحلة الشيخ في طلب العلم، وأذيع هذا اللقاء في البرنامج العام في الإذاعة السعودية ١٥/ ١٠/ ١٤٠٣ هـ.
(^٥) ولد في أشقودرة، عاصمة ألبانيا عام ١٩١٤ م، في أسرة متدينة، هاجرت إلى بلاد الشام فرارا بدينها، وفيها درس وتلقى بعض العلوم الدينية والعربية على يد بعض الشيوخ من أصدقاء والده، وأخذ إجازة في الحديث، وإليه انصرفت همته، له مختصر في الشمائل المحمدية، وصفة صلاة النبي ﷺ، وشرح العقيدة الطحاوية، وغيرها، توفي عام ١٤٢٠ هـ في عمان، انظر: حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه.
(^٦) حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، محمد إبراهيم الشيباني، ط: الأولى ١٤٠٧ هـ، مكتبة السدَّواى، ١/ ٤٠٠.
1 / 19
ويقول أيضًا: " فإذا كان من الحق أن يعترف أهل الفضل بالفضل لذوي الفضل، فأجد نفسي بهذه المناسبة الطيبة مسجلًا هذه الكلمة، ليطلع عليها من بلغته، فإنني بفضل الله ﷿ بما أنا فيه من الاتجاه إلى السلفية أولًا وإلى تمييز الأحاديث الضعيفة والصحيحة ثانيًا يعود الفضل الأول في ذلك إلى السيد رضا ﵀ عن طريق أعداد مجلته المنار التي وقفت عليها في أول اشتغالي بطلب العلم" (^١).
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر (^٢) ﵀: "ونبغ من تلاميذه -يقصد الشيخ محمد عبده- والمستفيدين منه ابنه وخريجه أستاذنا العلامة الجليل السيد محمد رشيد رضا صاحب (المنار) فلخص للناس دروس الأستاذ الإمام، وزادها وضوحًا وبيانًا، ونشرها في مجلته الزاهرة المنيرة، وجمعها في أجزاء على أجزاء القرآن الكريم، ومضى لطيته بعد انتقال الإمام إلى جوار ربه، فكأنه أُلهم من روحه، لم يكل ولم يضعف، وها هو الآن قد أتم منه أجزاء تسعة، وكثيرًا من العاشر، فكان تفسير أستاذنا الجليل خير تفسير طُبع على الإطلاق، ولا أستثني؛ فإنه هو التفسير الأوحد الذي يبين للناس أوجه الاهتداء بهدي القرآن على النحو الصحيح الواضح -إذ هو كتاب هداية عامة للبشر- لا يترك شيئًا من الدقائق التي تخفى على كثير من العلماء والمفسرين، ثم هو يُظهر الناس على الأحكام التي تؤخذ من الكتاب والسنة، غير مقلد ولا متعصب، بل على سنن العلماء السابقين: كتاب الله وسنة رسوله، ولقد عرض لكثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية التي عرضت في شؤون المسلمين فأفسدت على كثير من شبابهم هداهم ودينهم، فحللها تحليلًا دقيقًا وأظهر الداء ووصف الدواء من القرآن والسنة، وأقام الحجة القاطعة على أن الإسلام دين الفطرة، وأنه دين كل أمة في كل عصر، ونفى عن الإسلام كثيرًا مما ألصقه به الجاهلون أو دسه المنافقون، من خرافات وأكاذيب كانت تصد فئة من أبنائه عن سبيله، وكان أعداؤه يجعلونها مثالب يلعبون بسببها بعقول الناشئة ليضموهم إلى صفوفهم وينزعوهم من أحضان أمتهم، وإنه لكتاب العصر الحاضر، يفيد منه العالم والجاهل، والرجعي والمجدد، بل هو الدفاع الحقيقي عن الدين، وأنا أرى من الواجب على كل مَن عرف حقائق هذا التفسير أن يحض إخوانه من الشبان على مطالعته والاستفادة منه، وبث ما فيه من علم نافع لعل الله أن يجعل منهم نواة صالحة لإعادة مجد الإسلام، وأن ينير به قلوبًا أظلمت من ملئها بالجهالات المتكررة، ولو كانت حكومتنا حكومة إسلامية حقيقة لطلبنا منها أن يُدرس في مدارسها ومعاهدها حق الدرس، ولكنا نعلم أنها لا تلقي للدين بالًا، بل لا تدفع عنه مَن أراد به عدوانًا، والطامة الكبرى أنها تحمي مَن يعتدي عليه بقوانينها الوضيعة، فلم يبق للمسلمين رجاء إلا أن يعملوا أفرادًا وجماعات في سبيل الدفاع عنه، وإظهار محاسنه للناشئة التي تكاد تندُّ عنه، وهم عماد الأمم" (^٣).
_________
(^١) المرجع السابق ١/ ٤٠٠.
(^٢) (١٣٠٩ - ١٣٧٧ هـ) أحمد بن محمد شاكر بن احمد بن عبد القادر، من آل علباء الحسيني (شمس الدين، أبو الاشبال) محدث، مفسر، فقيه، أديب، حقق ونشر عددا من كتب الحديث والفقه والأدب، وتوفي بالقاهرة، من آثاره: نظام الطلاق في الأسلام، الشرع واللغة، الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير، معجم المؤلفين (١٣/ ٣٦٨).
(^٣) مجلة المنار، مقال تفسير القرآن الحكيم، الكاتب: خادم السنة أحمد شاكر (٣١/ ١٩٣).
1 / 20