الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير
الاستنباط عند الخطيب الشربيني في تفسيره السراج المنير
शैलियों
واستدلوا كذلك بأن التوقيت ضربان: توقيت مكان وزمان، وقد ثبت أنه لو تقدم إحرامه على ميقات المكان صح، فكذا لو تقدم على ميقات الزمان.
وأنكر الشنقيطي أدلتهم قائلًا: (ومن العجيب عندي أن يُستدل بمثل هذه الأدلة التي هي في غاية السقوط كما ترى ; لأن آية: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ ليس معناها: أن كل شهر منها ميقات للحج، ولكن أشهر الحج إنما تُعلم بحساب جميع الأشهر؛ لأنه هو الذي يتميز به وقت الحج من غيره، ولأن هذه الأدلة التي لا يُعول عليها في مقابلة آية محكمة من كتاب الله، صريحة في توقيت الحج بأشهر معلومات، هي قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧]، فتجاهل هذا النص القرآني، ومعارضته بما رأيت، من الغريب كما ترى.
والتحقيق الذي يدل عليه القرآن هو قول من قال: إن الحج لا ينعقد في غير زمنه، كما أن الصلاة المكتوبة لا ينعقد إحرامها قبل وقتها، وانقلاب إحرامه عمرة له وجه من النظر، ويستأنس له بأن النبي ﷺ أمر أصحابه المحرمين بالحج الذين لم يسوقوا هديا أن يقلبوا حجهم الذي أحرموا به عمرة، وبأن من فاته الحج تحلّل من إحرامه للحج بعمرة، والعلم عند الله تعالى). (^١)
والراجح - والله تعالى أعلم- أنه لا ينعقد الإحرام بالحج قبل أشهره بدلالة هذه الآية وينعقد عمرة مجزئة، وهو ماذهب إليه الشافعي ومن وافقه؛ لوجاهة أدلتهم وضعف أدلة المخالفين؛ ولأنه إذا لم ينعقد حجًا ولا سبيل إلى بطلان الإحرام انعقد عمرة، كمن أحرم بالفرض قبل وقته، فإنه ينعقد نفلًا. ولأن العمرة هي الحج الأصغر، فإذا لم ينعقد الحج الأكبر لكونه قبل وقته، انعقد الحج
(^١) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (٤/ ٤٩٩)
1 / 231