قال: في شقة في جبل المقطم.
قالت: أنا أحبك يا سليم.
كانت عيناه السوداوان الزرقاوان شاخصتين نحو السماء والجبل، وظل صامتا لحظة طويلة كالمستغرق في شيء بعيد. أرادت أن تسأله هل تحبني يا سليم، وتسمع صوته بأذنيها يقول أحبك يا بهية، لكن السؤال بدا لها بلا معنى. فما جدوى الإجابة عنه؟ هي تحبه، وإذا كان هو يحبها أو لا يحبها فهذا لن يغير من حبها شيئا.
قالت: فيم تفكر يا سليم؟
قال: ربما يكون لنا طفل بعد سبعة شهور.
انتفضت في رجفة عنيفة، واهتزت يدها الموضوعة على مسند الكنبة، وأدركت أن فوق معصمها عقربين يشيران إلى الساعة السابعة والنصف، وبذلك الإحساس الراكد الثقيل تذكرت البيت والكلية وأباها والمشرحة، والترام، وزميلاتها وزملاءها، والدكتور علوي، والترام، والشوارع، والناس، والعالم كله الذي انفصلت عنه وظنت أنها لن تعود.
تساءلت في دهشة: طفل؟ لم تخطر الفكرة ببالها قط، ولم تتصور من قبل أن الأطفال يخلقون بهذه السرعة، وفي مثل هذه الغيبوبة عن العالم، والانفصال الكامل عن الأرض. أيمكن لذلك الجسد الذي ذاب في الكون وتلاشى أن يخلق في لحظة التلاشي جسدا محددا مربوطا بالأرض، وأن تلد اللحظة اللاموجودة لحظة موجودة ومجسدة يمكن للأصابع أن تلمسها وتمسك بها؟
وبدأت تحس النبض الجديد في أعماقها، كحياة سحرية ولدت من العدم، كالذي ينظر إلى صخرة ثابتة في الجبل وفجأة يراها تتحرك وتنبض بانتظام كنبض القلب. وانفرجت شفتاها عن الدهشة نفسها، والفرحة، وصاحت وهي تضع يدها على قلبها: انظر يا سليم، إنه يتحرك.
ورآها تنظر إلى الجبل فتساءل بدهشة: ما الذي يتحرك؟
قالت وهي تضحك: الجبل.
अज्ञात पृष्ठ