इस्लामी साम्राज्य और पवित्र स्थान
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
शैलियों
لم يغير شيئا من النظام العربي في الحكم على ما بينه في الأساس الذي كان يقوم عليه في قبائل البادية، وفي حضر الحجاز واليمن من تباين واضح، فقد ترك الرسول هذه الشئون يوجهها الناس في كل أمة كما اعتادوا أن يوجهوها، مكتفيا منهم بأن يقبلوا الدين الذي جاء به من عند الله.
وكان إذا سئل في شيء من ذلك أجاب: أنتم أعلم بأمور دنياكم. فلما استقر سلطان المسلمين بالمدينة، وآل الأمر فيها إلى النبي العربي، لم يغير صورة الحكم عما كانت عليه، وكل ما حدث أن ما كان ينزل به الوحي من قواعد تخالف ما ألف العرب في حياتهم، كان يوجه المسلمين وجهتهم الجديدة في الحياة، دون أن يغير المبدأ الأساسي للحكم العربي.
كان هذا الحكم العربي يختلف من البادية إلى الحضر، ومن حضر الشمال إلى حضر الجنوب. وكان اختلافه يرجع إلى اعتبارات إقليمية، وتاريخية، تأثرت بها كل بيئة تأثرا يختلف عما حدث في بيئة أخرى.
كانت مدن الحجاز تستقل كل واحدة منها بنفسها، ولا تعرف لغيرها سلطانا عليها، كذلك كان شأن مكة وشأن المدينة، وشأن الطائف. كان بكل واحدة من هذه المدن استقلالها ونظامها، وكان الحكم فيها متأثرا بالعوامل التاريخية التي تعاقبت عليها، فكانت السلطة في المدينة مثلا موضوع تنازع دائم بين الأوس والخزرج واليهود.
وظل الأمر على ذلك إلى أن استقرت كلمة الإسلام، وعاد الأمر إلى النبي العربي. أما مكة، فقد تقاسمت الأسر الكبيرة فيها شئونها العامة: كانت أمور الكعبة لبني هاشم، وكانت أمور الحرب لبني مخزوم، وكانت الديات والمغارم لبني تيم، وهلم جرا. ولم يتغير الأمر بمكة بعد فتح النبي إياها، بل ظلت الكلمة فيها لهذه الأسر الكبيرة.
وكان الخلاف في مبدأ الحكم بين شمال شبه الجزيرة وجنوبها أشد منه بين مدن الحجاز، كانت اليمن قد اندمجت في وحدة سياسية، قبل البعث بزمن غير قليل. وترجع وحدة اليمن السياسية إلى اعتبارات اقتصادية وأخرى تاريخية واضحة الأثر، فلم تكن بين مدن الحجاز روابط اقتصادية تقتضي خضوعها لنظام مشترك كنظام اليمن، أما في اليمن، فقد قضت المصالح الاقتصادية المشتركة - كقيام سد مأرب - بأن توضع قواعد عامة للحكم يحترمها أهل البيئة جميعا. هذا، ثم إن اليمن خضعت في عهود كثيرة لأطوار سياسية لم يعرفها الحجاز، عدت الحبشة، وعدت فارس، على استقلال اليمن، وأقامت فيها حاكما تخضع جميع أنحائها لسلطانه. كان طبيعيا إزاء هذه الاعتبارات أن يقوم الحكم في أنحاء اليمن كلها على قاعدة معترف بها من أهلها جميعا، ينفذها الحاكم بقوة القانون إن لم ينفذها الناس عن رضا واختيار.
ونظام القبائل في البادية لم يكن يتفق ونظام الحضر في اليمن أو في الحجاز، بل كان الغزو والسلب تحت إمرة رئيس القبيلة أساس الحياة عند البدو. وكان رئيس القبيلة هو القاضي، وهو القائد الأعلى، وهو الذي يصرف شئون القبيلة ما جل منها وما دق. وطبيعي أن يستند مثل هذا النظام إلى شخصية رئيس القبيلة وأن يتأثر بمنطقه وحكمته. (2) المبادئ الأساسية في الحكم
لم يغير النبي العربي شيئا من هذه النظم المتباينة في الحجاز ولم يضع قواعد ثابتة لنظام الحكم الإسلامي، وكل الذي صنعه أنه كان يوفد من عنده إلى القبائل أو المدن التي تعتنق الإسلام من يفقه الناس في دينهم، ويعلمهم قواعده، ويحملهم بذلك على أن ينظموا سلوكهم على موجب هذه القواعد.
على أن القواعد الجديدة التي جاء بها الإسلام لتنظيم السلوك والمعاملات كانت مقدمة لتنظيم سياسي لا مفر من استقراره، وقد اطمأنت قواعده بالفعل شيئا فشيئا، متأثرة بالبيئة وأحداث التاريخ. وفي مقدمة القواعد التي تأثر بها النظام السياسي للإسلام الإيمان بالله لا إله إلا هو، وبأنه وحده تجب له العبادة. فقد أدى هذا الإيمان إلى تقرير قواعد المساواة والإخاء والحرية، فالمؤمنون جميعا سواسية أمام الله، تجري عليهم جميعا سننه بالقسط لا تفرق بين أحدهم وصاحبه، ولا فضل لعربي منهم على عجمي إلا بالتقوى. وهم لذلك إنما يجزون بأعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. والناس إخوان يجب أن تقوم المحبة بينهم مقام البأس، بل مقام القانون، فلا يكمل إيمان أحدهم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والناس أحرار في كل شيء، أحرار في العقيدة نفسها، فلا إكراه في الدين، ولا إيمان إلا بعد اقتناع بالحجة والموعظة الحسنة.
كانت هذه هي المبادئ الأساسية للحكم في العهد الإسلامي الأول، وكانت لذلك واضحة الأثر في تطور نظام الحكم في بلاد العرب تطورا، بدا للعيان على أثر حروب الردة. وقد أكملت القواعد الاقتصادية والاجتماعية هذه المبادئ، وأسرعت بالنظام الإسلامي إلى أن تتضح صورته، وأن يستقر، على أن تطوره ظل متصلا على العصور، لم يقتصر تأثره على العامل الإسلامي الذي نشير الآن إليه، بل تأثر أحيانا بالبيئة وأحداث التاريخ تأثرا بعيدا عن القواعد الإسلامية، بل مناقضا لهذه القواعد في بعض الأحيان مناقضة صريحة.
अज्ञात पृष्ठ