190

وهذه الكتب فيها مسائل انفرد بها بعض أهل المذهب، وفيها نزاع بينهم، لكن غالبها هو قول أهل المذهب. وأما البخاري ومسلم فجمهور ما فيهما اتفق عليه أهل العلم بالحديث، الذين هم أشد عناية بألفاظ الرسول وضبطا لها ومعرفة بها من أتباع الأئمة لألفاظ أئمتهم، وعلماء الحديث أعلم بمقاصد الرسول في ألفاظه من أتباع الأئمة بمقاصد أئمتهم، والنزاع بينهم في ذلك أقل من تنازع الأئمة في مذاهب أئمتهم.

والرافضة - لجهلهم - يظنون أنهم إذا قلبوا ما في نسخة من ذلك، وجعلوا فضائل الصديق لعلي، أن ذلك يخفى على أهل العلم، الذين حفظ الله بهم الذكر.

الرابع: أن يقال: إن الذي تواتر عند الناس أن الذي قاتل أهل الردة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي قاتل مسيلمة الكذاب المدعي للنبوة وأتباعه بني حنيفة وأهل اليمامة. وقد قيل: كانوا نحو مائة ألف أو أكثر، وقاتل طليحة الأسدي، وكان قد ادعي النبوة بنجد، واتبعه من أسد وتميم وغطفان ما شاء الله، وادعت النبوة سجاح، امرأة تزوجها مسيلمة الكذاب، فتزوج الكذاب بالكذابة.

وأيضا فكان من العرب من ارتد عن الإسلام، ولم يتبع متنبئا كذابا. ومنهم قوم أقروا بالشهادتين، لكن امتنعوا من أحكامهما كمانعي الزكاة. وقصص هؤلاء مشهورة متواترة يعرفها كل من له بهذا الباب أدنى معرفة.

والمقاتلون للمرتدين هم من الذين يحبهم الله ويحبونه، وهم أحق الناس بالدخول في هذه الآية، وكذلك الذين قاتلوا سائر الكفار الروم والفرس. وهؤلاء أبو بكر وعمر ومن اتبعهما من أهل اليمن وغيرهم. ولهذا روي أن هذه الآية لما نزلت سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء، فأشار إلى أبي موسى الأشعري، وقال: "هم قوم هذا"(¬1).

पृष्ठ 191