180

ومنه قوله تعالى: { أليس الله بكاف عبده } [الزمر: 36] وقوله تعالى: { ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله } [التوبة: 59] الآية فدعاهم إلى أن يرضوا ما آتاهم اللهم ورسوله، وإلى أن يقولوا: حسبنا الله، ولا يقولوا: حسبنا الله ورسوله. لأن الإيتاء يكون بإذن الرسول، كما قال: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر: 7].

وأما الرغبة فإلى الله، كما قال تعالى: { فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب } [الشرح: 7، 8].

وكذلك التحسب الذي هو التوكل على الله وحده، فلهذا أمروا أن يقولوا: حسبنا الله، ولا يقولوا: ورسوله. فإذا لم يجز أن يكون الله ورسوله حسب المؤمن، كيف يكون المؤمنون مع الله حسبا لرسوله؟!.

وأيضا فالمؤمنون محتاجون إلى الله، كحاجة الرسول إلى الله، فلابد لهم من حسبهم، ولا يجوز أن يكون معونتهم وقوتهم من الرسول وقوة الرسول منهم؛ فإن هذا يستلزم الدور، بل قوتهم من الله، وقوة الرسول من الله، فالله وحده يخلق قوتهم، والله وحده يخلق قوة الرسول.

فهذا كقوله: { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم } [الأنفال: 62، 63] فإنه وحده هو المؤيد للرسول بشيئين: أحدهما: نصره الذي ينصره به، والثاني: بالمؤمنين الذين أتى بهم.

وهناك قال: حسبك الله، ولم يقل: نصر الله. فنصر الله منه، كما أن المؤمنين من مخلوقاته أيضا، فعطف ما منه على ما منه، إذ كلاهما منه. وأما هو سبحانه فلا يكون معه غيره في إحداث شيء من الأشياء، بل هو وحده الخالق لكل ما سواه، ولا يحتاج في شيء من ذلك إلى غيره.

पृष्ठ 181