وأقبلت جنود الشام من تلقاء الحيرة، فحمل عليهم (ع) كأنه الليث المغضب، فقتل منهم أكثر من ألفي رجل بين الحيرة والكوفة، وأقام بين الحيرة والكوفة، ودخلت جيوش الشام الكوفة، ففرق أصحابه فرقتين: فرقة بإزاء أهل الكوفة، وفرقة بإزاء أهل الحيرة. ولم يزل أهل الكوفة يخرج الواحد منهم إلى أخيه، والمرأة إلى زوجها، والبنت إلى أبيها، والصديق إلى صديقه فيبكي عليه حتى يرده، فأمسى عليه السلام وقد رق عسكره (1)، وخذله كثير ممن كان معه، ودامت المواجهة بين المعسكرين طويلا؛ جنود زيد يتناقصون وجنود الأمويين يتزايدون، والتفت الإمام زيد إلى نصر بن خزيمة وقال له: يا نصر أخاف أهل الكوفة أن يكونوا قد فعلوها حسينية! فقال نصر: جعلني الله فداك! أما أنا فوالله لأضربن بسيفي بين يديك حتى أموت!!
شهادته (ع):
وحارب الإمام زيد وأصحابه الأمويين وأبلوا بلاء حسنا، فخاف جيش العدو واختبأ خلف الجدران يمطر جيش زيد (ع) بوابل من الأسهم، حتى سمع صوتا ينادي: الشهادة... الشهادة، الحمد لله الذي رزقنيها. كان ذلك الإمام زيد يصيح بعد أن أصيب في ثاني ليلة من بدء الثورة بسهم في جانب من جبهته اليسرى، فنزل السهم في الدماغ. فجاء يحيى بن زيد إلى أبيه وهو يبكي، وأخذ يمسح الدم عن وجه أبيه ثم قال له: أبشر يا ابن رسول الله، ترد على رسول الله وعلي وفاطمة وخديجة والحسن والحسين وهم عنك راضون. فقال (ع): صدقت يا بني، فأي شيء تريد أن تصنع؟ قال يحيى: أجاهدهم إلا أن لا أجد الناصر. فقال زيد: نعم يا بني جاهدهم، فوالله إنك لعلى الحق وإنهم لعلى الباطل، وإن قتلاك في الجنة وقتلاهم في النار (2).
पृष्ठ 17