وغدر الرشيد بوزرائه البرامكة وبيحيى الحسني بعد الأمان ، وغدر الأمين بأخيه المأمون حين عزله عن العهد ، والمأمون بالرضا عليه السلام حين سمه بعد بيعته بولاية عهده ، إلى ما لا يحصى مما كان منهم من غدرة وفجرة وإن أعظم غدر منهم ما كان مع بني الحسين عليه السلام ، كانت شيعة بني علي جند بني العباس في إزالة دولة بني مروان كما تقدم ، وكان شعارهم الطلب بثأر القتلى من أهل البيت ، وهل قتل بسيف الأمويين غير الطالبيين؟ وهل لقى الشدة والضيق من الامويين غير العلويين؟ ولئن لاقى سواهم من الهاشميين شيئا من ذلك فلا يشبه ما حل بآل أبى طالب.
ندب العباسيون الناس لطلب الثأر بل ندبهم الناس إليه ، وكانت هذه أمضى وسيلة لنيل إربهم ، فما استقرت أقدامهم في حظيرة الملك إلا وراحوا يتتبعون آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فكأن العترة هم الذين جنوا في تلك الحوادث القاسية يوم الطف ، وسبوا عقائل النبوة ، وأنزلوا بزيد ويحيى وغيرهما هاتيك الفظائع المؤلمة ، وكأنما القتلى والأسرى كانت من بني العباس والجناة عليهم العلويون ، وكأن لم يكن العلويون هم الذين نهض الناس انتقاما لهم ، وللأخذ بتراتهم.
ما انجلت الحوادث عن طرد الأمويين إلا وأهل البيت صرعى تلك الحوادث بدلا من أن ينالوا العطف من بني العباس لما حل بهم من فواجع دامية من الأمويين ، ولما ناله العباسيون أنفسهم من الملك الفسيح بهم.
هكذا انجلت الغبرة بعد استلام العباسيين أزمة الحكم ، فما نسيت الناس حوادث أهل البيت من الأمويين حتى كانت المقارع على رءوسهم من بني العباس يتبع بعضها بعضا من دون رحمة ، ولا هوادة ، ولا فترة ، لما ذا هذا كله ، ولما ذا كان أهل البيت دون غيرهم بيت المصائب والنوائب؟ فلنبحث عن السبب في الفصل الآتي :
पृष्ठ 28