147

حين رأى الانكسار باديا على وجهه ، فأخبره بما سمعه من الدهرتين ، وبما رد عليهما به ، فقال الصادق عليه السلام : لألقين إليك من حكمة الباري جل وعلا في خلق العالم والسباع والبهائم والطير والهوام وكل ذي روح من الأنعام ، والنبات والشجرة المثمرة وغير ذات الثمر والحبوب والبقول المأكول وغير المأكول ما يعتبر به المعتبرون ، ويسكن إلى معرفته المؤمنون ويتحير فيه الملحدون فبكر علي غدا.

حقا لقد ألقى الصادق عليه السلام على المفضل من البيان ما أنار به الحجة وأوضح الشبهة ، ولم يدع للشك مجالا ، وللشبهة سبيلا ، وأبدى من الكلام عن بدائع خلائقه ، وغرائب صنائعه ، ما تحار منه الألباب ، وتندهش منه العقول ، وأظهر من خفايا حكمه ما لا يهتدي إلا أمثاله ممن اوتي الحكمة وفصل الخطاب.

وكلما حاولت أن أنتخب فصولا خاصة من تلك البدائع لم أطق ، لأني أجدها كلها منتخبة ، وأن أقتطف من كل روضة زهرتها اليانعة لم أستطع لأني أراها كلها وردة واحدة في اللون والعرف ، فما رأيت إلا أن أذكر من كل فصل أوله ، واشير إلى شيء منه ، والفصول أربعة :

* 1

قال عليه السلام بعد أن ذكر عمى الملحدين وأسباب شكهم وتهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه وانتظامها : نبتدئ يا مفضل بذكر خلق الانسان فاعتبر به ، فأول ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث : ظلمة البطن وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة (1) حيث لا حيلة عنده في طلب

पृष्ठ 150