أي بني!
وصلتني رسالتك التي تقص علي فيها ذلك الحادث المؤلم الذي حدث في الورشة التي تعمل فيها، ولشد ما تألمت لوفاة ذلك العامل الكهربائي الذي كان يحاول إيقاف المولد الكهربائي فسرت الكهرباء في جسمه، ثم وقع صريعا على الأرض، ولشد ما آلمني وصفك لهذه الحادثة الأليمة التي حدثت أثناء انهماككم في العمل ... ورجائي ألا يمر عليكم مثل هذا الحادث من غير أن تخرجوا منه بدرس نافع، وعبرة مفيدة لكم ولمن حولكم من الناس.
لقد سرني ما فعلتموه إزاء أسرة الفقيد التي كانت يعولها، وما قدمتموه من مال وخدمات، وسرتني محاولاتكم العديدة في أن تلاشوا كل ما يمكن أن يؤدي إلى أن تتكرر مثل هذه الحادثة ... ولكن هناك درسا آخر قويا يجب ألا يفوتكم حين تنظرون إلى هذا الحادث، وهناك عبرة يجب أن يعيها الجميع.
أي بني!
هذا العامل هو أحد العمال الملايين الذين يعملون في تلك الأجهزة والآلات، ووفاته - بصرف النظر عن المسئول في هذه الحادثة - تدل على تلك المصائب والكوارث والمتاعب التي يلاقيها العمال وأسرهم من جراء القيام بأعمالهم القاسية المتعبة المملة المتكررة، ولست أريد في مثل هذا الموقف أن أعيد تلك الكلمات والجمل التي قيلت في مثل هذه الأحداث من أنه يجب علينا أن نضمن سلامة العامل، وأن نهيئ له أعمالا أقل قسوة وأقل جهدا، إلى آخر ما قيل في مثل هذه المواقف ... ولكنني أريد الآن أن أخاطب فئة أخرى غير فئة العمال ورجال المصانع، أريد أن أخاطب الفئة التي يعمل من أجلها العمال، والتي تفوز في النهاية بهذه الأجهزة التي دفع ثمنها من راحة العامل وأعصابه وحياته! أريد أن أخاطب كل من يركب سيارة وكل من يستخدم تليفونا، أريد أن أقول له إن عليه أن يعلم تمام العلم ويحس كل الإحساس بأن سيارته هذه قد تعذب أثناء صناعتها عمال كثيرون، وأن تليفونه هذا قد هلك وقت عمله صناع عديدون، حتى أخرج له بهذه الصورة التي يراها.
أريد أن يصل هذا الرأي إلى عقولهم حتى يفهموه تمام الفهم، وأن يشعروا به كل الشعور ... حتى إذا ركبوا سياراتهم لم يفعلوا بها ما يفعله كثيرون من الشبان المراهقين هذه الأيام، وحتى إذا ما شاهدوا آلة التليفون أمامهم، وحثتهم أنفسهم أن يقتلوا بها أوقات فراغهم، وأن يقتلوا بها أعصاب الناس كما قتلوا بها قبل ذلك العمال والصناع، كان لهم من ضميرهم ما يردعهم ويوقفهم عند حدودهم.
أي بني!
لقد انتاب البعض شعور قوي في بعض الأوقات بما للآلات والمصانع من أضرار كثيرة على المجتمع ... فرأوا أنها تفقد العامل حريته، وتضيق من نطاق تفكيره، وتفسد إنسانيته، وتجعله جزءا من آلته، فكأنه ترس أو عمود فيها، ولكن سرعان ما رأوا ما تخرجه الآلات من أجهزة تساعد في تقدم الإنسانية ونهضة البشر، ورأوا أن إخراجها إلى الناس قد يوازي ما يقدمه العمال من مجهود وتضحيات، وما يبذلون من تعب ومشقة.
والآن أرجو أن يساعدنا هؤلاء الذين يعمل لهم العمال على الاحتفاظ بهذا الرأي، فلا يحاولون استغلال ما ينتجه هؤلاء الملايين من الصناع المساكين في قتل أوقات فراغهم على حساب أرواح البشر.
أي بني!
अज्ञात पृष्ठ