إن مصر لا تسعى إلى الإكثار من عدد سكانها مهما تكن النتيجة، وإنما تسعى إلى أن يصل هذا العدد إلى مستوى راق عظيم؛ وعلى ذلك فإن إخراج الأطفال إلى العالم من غير أن يراعي مخرجوهم هل في استطاعتهم تربيتهم تربية صحيحة، وتوفير حياة صالحة لهم، لهو الجهل المطبق، والأنانية المطلقة.
لقد رأينا في الأمم الناهضة كيف استطاع الآباء توفير البيئة الصالحة للتربية الصحيحة والحياة العائلية السعيدة، وكيف استطاع الآباء اتخاذ أبنائهم أصدقاء لهم، يحسون إحساساتهم، ويفكرون فيما يفكرون فيه، يصحبونهم في نزهاتهم ورحلاتهم، ويعودونهم التفكير المستقل، والقول الحر الصادق، فلا يستخدمون سلطتهم في إخضاع الأبناء لهم ولتفكيرهم، ولا يستغلون نفوذهم في إرهاق أبنائهم بما لا يتفق وشبابهم وحيويتهم، ورأينا كيف يسود الحب والألفة بينهم، وكيف نشأت بين الأسرة علاقة روحية جميلة، عمادها التعاون والتضحية والإخاء!
أبي!
لست أرجو إلا أن تدعو الشباب يعيش، ويخط لنفسه الطريق، طريقا لا تكتنفه النصائح والتوجيهات الجافة التي تدفعه في طريقه كالآلة لا يدري من أمره شيئا، وإنما تكتنفه الحياة نفسها، تدفع به يوما إلى يمينه، ويوما إلى يساره ولكنه يستطيع حينئذ أن يعيش كإنسان.
شاهدت مرة فيلما سينمائيا لطيفا عماده أن رب الأسرة لا ينصح مطلقا، وإنما إذا أراد شيئا غير الظروف التي تسببه، فإذا تغيرت الأسباب تغيرت المسببات، وإذا رأى ابنه غضب مرة من المرات بحث عن سبب غضبه، ثم أزال ما يزيل غضبه، وهكذا فكان طبيبا ناجحا.
وقد رأيت في إنجلترا أن القوم يعلمون أبناءهم الاستقلال، بتركهم أبناءهم يعتمدون على أنفسهم في نفقات الجامعات وفي الحياة، فيكونون بذلك مستقلين في أعمالهم، معتمدين على أنفسهم، يربون أنفسهم بأنفسهم، فمنهم موزعو الألبان، وموزعو البريد، وكناسو المدرسة، وما إلى ذلك، فيشبون رجالا يعتمد عليهم لا أطفالا يقادون كما يقاد البعير!
أرجو ألا تفهم من خطابي أني أكره نصحك، أو أمل توجيهاتك، ولكن خير نصح ما كان في تغيير الظروف وتهيئة الجو الملائم، وأرجو أن أجد في خطاباتك القادمة هذه الخطة الناجحة، والرأي لك والسلام.
رسالة إلى ولدي
1
أي بني!
अज्ञात पृष्ठ