حلمت أن تكون زوجتي، لكن هل سيقبل أهلها وأنا أقل منهم في كل شيء؟ نفضت الفكرة من رأسي حتى لا أخسر خالك أحمد. استأجرت شقة صغيرة لتكون مقرا لشركتنا بعد أن تقدمت بطلب إجازة من عملي، بدأ عملنا يحقق نجاحا بسبب سمعتي الطيبة والتزامي، عندها لمحت لي جدتك أنها تحلم برجل يصون ابنتها ولا تهتم بالفروق الاجتماعية، فتشجعت وطلبت يدها من أحمد، فوافقوا وتم الزواج. لا أستطيع أن أنكر أني أحببت عشرتها الحلوة وطيبة قلبها وحبها لأهلي وترحيبها بهم، لكن كان هناك دائما ذلك الفارق بيننا الذي تذكرني به في كل مناسبة، وفضل أخيها علي الذي لولاه لكنت ما أزال موظفا صغيرا، لم تتذكر جهدي وتعبي حتى كونت اسما وسمعة طيبة. كل رجل يا ابنتي يحلم بأن يكون بطلا في عين زوجته لا ترى في الدنيا سواه، ولكني لم أكن يوما بطلها إنما بطلها كان أخاها دائما؛ فهو من تفتخر به ومن تشيد بنجاحاته، ومن تستشيره في كل شيء. لم تكتف بذلك إنما جعلت دوري في البيت يقتصر على تمويلكم، فهي المسئولة الوحيدة عن كل شيء، ملابسكم، مدارسكم، مصروفاتكم، حتى نوع العقاب هي من تحدده، ولم يكن مسموحا لي بالتدخل بحجة أني دائما خارج البيت ولا أعرف عنكم شيئا.
لم أكن أتذمر في البداية لأني كنت أجري وراء لقمة العيش لأوفر لكم حياة تليق بكم ولأحقق مالا ومركزا ربما يجعلان أمك تفتخر بي كأخيها، لكن ذلك لم يحدث. حتى المشاعر بيننا بدأت تجف وصارت تتباعد عني بحجة أننا كبرنا في السن وأنكم كبرتم ولا يصح أن تدركوا طبيعة العلاقة بيننا، تباعدت عني في أكثر فترة أحتاج لها فيها، تلك الفترة التي بدأت فيها أشعر بالاستقرار وأرغب في اللحاق ببقايا الشباب وتعويض ما فاتني من مشاعر. حاولت كثيرا أن أفهمها احتياجاتي لكنها كانت تراها مجرد تفاهة كبرنا عليها.
لم تكن تعلم أن حولي ألف امرأة ما زالت تراني صغيرا وتحلم بأن أكون لها، حاولت أن أقاوم كثيرا، ولكن هل أستطيع الصوم للأبد وأشهى أنواع الطعام تحيط بي من كل جهة؟ حتى جاءت نرمين السكرتيرة تلك المرأة الثلاثينية التي تفيض أنوثة، لكن أكثر ما جذبني إليها هو ضعفها وحاجتها الدائمة إلي، وأنها تراني فارسا لأحلامها لم تقابل مثله يوما، فكنت بطلها الذي تبهرها كل تصرفاته، بعكس أمك التي كانت تراني عاديا مقارنة بأخيها ذلك الرجل الخارق - كما كانت تسميه - فاستطاعت نرمين أن تجذبني تجاهها وخاصة عندما طلبت مني مساعدتها وهي تبكي، فهي تحتاج لمحام لا يستغلها لكي تطالب طليقها بنفقة ابنها الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات، وهي لا تثق بغيري كي يساعدها. وقعت أسير ضعفها واحتياجها لي وانبهارها بي، ولأني لا يمكن أن أغضب الله قررت أن أتزوجها وألا أنفصل عن والدتك لأن مكانها في قلبي ما زال كبيرا، ولأني لا أستطيع الاستغناء عنكم، فقررت أن أخفي الخبر عن أمك وأهلها حتى لا أجرح مشاعرها، لكن الخبر لم يظل سرا لفترة طويلة فاعترفت لأمك بزواجي وبرغبتي أن تكمل معي كزوجتي وأم أولادي، لكنها رفضت بشدة وأصرت على الطلاق حتى لو طلقت نرمين فأنا في نظرها ونظر أهلها خائن للعشرة ولا أستحق كل ما فعلوه من أجلي، بل إن أحمد قرر تصفية الشركة بيننا كعقاب لي ولأنه لم يعد يأتمنني على ماله. لم يؤلمني ما فعلوه، لكن آلمني أن يتهموني بالخيانة والغدر، وأن أمك حتى تكبرت عن العتاب أو اللوم، وأن أحدا من أسرتها لم يحاول إصلاح ما بيننا أو معرفة السبب، بل اكتفوا باتهامي حتى أن قرر أحمد تصفية الشركة فورا مما تسبب لي في خسائر كبيرة، لكني لم أهتم، إنما التزمت بنفقاتكم لأضمن لكم مستوى معيشيا ثابتا لا يتأثر بما حدث، وعاهدت نفسي ألا أبتعد عنكم.
أعترف أني لم ألتزم بوعدي، لكني كنت دائما أقول لنفسي إنكم لا تحتاجون لي، فمعكم أمكم وأهلها، أما نرمين فليس لها سواي، كما أنها أنجبت لي ثلاثة أطفال في ثلاثة أعوام متتالية كأنها خائفة من تركي لها وعودتي إليكم، فصارت مسئولياتي أكبر وخاصة أنها لم تكن كأمكم تحمل عني بعض المسئوليات، إنما كانت تلقي على كاهلي بكل صغيرة وكبيرة، ورغم أنها غمرتني بحبها ومشاعرها الفياضة إلا أن غيرتها كانت تخنقني، فقد كانت تغار حتى منكم، ولأني مشغول بعملي كنت أتجنب غيرتها حتى وجدت نفسي بعيدا عنكم تماما.
كبرت يا ابنتي ومرضت، وكبر الأبناء وزوجتي الضعيفة المعتمدة علي صارت تتدخل في كل شيء وتتحكم في كل شيء، في عملي وحياتي وحتى علاقاتي بالآخرين فأفسدت معظمها حتى أكون لها وحدها ولا يشاركها حبي ومالي سوى أولادها فقط، ولأني صرت أحتاجهم أكثر مما يحتاجونني استسلمت لرغباتها حتى إني حرمت نفسي من أجمل لحظة يحلم بها كل أب وهي لحظة زواجكم؛ فقد أصرت على ألا أحضرها بحجة أنكم لا تحتاجون لي، لكنها لم تدرك أني أنا من كنت أحتاج لتلك اللحظات التي تروي ظمأ الروح بعد سير طويل في صحاري الحياة القاحلة.
وأفقت من أنانيتي وتقصيري على خبر مرضك، محاولة انتحارك، فكاد قلبي أن يتوقف، فنوارة قلبي ومدللتي فقدت رغبتها بالحياة وأنا لا أعرف لم، بل وأقف عاجزا عن فعل أي شيء لها، وزاد إحساسي بالعجز والألم تلك الكلمات التي تركتها لي، لم أكن أعرف أني تسببت لك ولإخوتك في كل هذا الألم، وأني بأنانيتي أفسدت حياتكم، لو أملك أن تعود بي عقارب الزمن لأعدتها لأتخلى عن كل رغباتي وأظل بجواركم العمر كله، لكن من منا يملك أن يغير ماضيه وحاضره؟ لكن أعدك يا حبيبتي أن أبذل قصارى جهدي لأغير المستقبل وأجعله أفضل.
لي عندك طلب صغير، هلا سامحتي أباك العجوز الذي أساء إليك بدون قصد ويتمنى لو أن يفعل أي شيء لتغفري له؟ فأنت جزء من قلبي وروحي، ومهما ابتعدت عنك بجسدي فستبقين أنت في قلب قلبي وروحي.
أبوك المعذب بذنبه
الغفران
بكيت وأنا أقرأ الرسالة؛ فقد أدركت كم كنت أنانية في حكمي، فلم أكن أرى سوى آلامي أنا وجراحي أنا، ولم أدرك أن هناك حقائق غائبة وراء كل موقف لا نفهمها حقا إلا بعد أن يحكي كل طرف ما حدث. لقد آلمت أبي بكلامي الجارح وبتحميلي له كل مسئولية ما حدث لي، كما آلمت أمي وإخوتي بتهوري ومحاولة انتحاري، لم أفكر فيمن حولي، حيث كنت أتمحور حول ذاتي فقط، وحقا كما قال الطبيب، كنت أبحث عما ينقصني لأغضب، ولم أحمد الله على ما لدي، وهو أكثر بكثير مما فقدته.
अज्ञात पृष्ठ